‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحوث قانونية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحوث قانونية. إظهار كافة الرسائل

السبت، 2 نوفمبر 2019

الرأي القانوني في إقالة محافظ نينوى


الرأي القانوني في إقالة محافظ نينوى








إبتداءً يقتضي القول إن إقتراح رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بإقالة محافظ نينوى نوفل العاكوب لا علاقة له بمأساة (حادث العبّارة) التي وقعت يوم ٢١/٣/٢٠١٩، فكتاب اقتراح مجلس الوزراء المرقم م. ر. و./د 6/3/4069المؤرخ في ٢٣/٣/٢٠١٩ يتضمن إتهام المحافظ المذكور بالتسبب بهدر المال العام والاستغلال الوظيفي، ولو كان قرار إحالته للإقالة قد تم وفقا لتهمة (الإهمال أو التقصير المتعمدين في أداء الواجب والمسؤولية.)، لكان الأمر يبدو رداً على تقصيره في الحفاظ على أرواح ضحايا الحادث. ومن هنا يبدو الضعف القانوني لدى رئيس الوزراء وطاقم مكتبه ومستشاريه القانونيين.  علما إن التهمة المشار اليها بكتاب مجلس الوزراء أعلاه، تضع رئيس الوزراء نفسه تحت طائلة الإتهام في التستر على تصرفات المحافظ طيلة هذه الفترة، لا سيما وإنه سبق وان أثيرت حول المحافظ ضجة إهانته ومحاولة ضربه لأحد المعلمين، وقضايا أخرى كثيرة تمت تسويتها والتستر عليها، كما أثيرت حوله شبهات فساد كثيرة، وقد تم استدعائه إلى مكتب رئيس الوزراء نفسه الذي قابله بتاريخ ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٨، والتقى في اليوم ذاته بأعضاء مجلس المحافظة وبضمنهم المحافظ ذاته. كما سبق لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إن إلتقاه أيضا في تموز 2018، ويبدو أن هذه اللقاءات ليست للمحاسبة الإدارية والتحقق من الأداء الوظيفي الأمثل، بل للمجاملة أو لأغراض أخرى.



ورغم تصريحات العديد من النواب وخاصة نواب محافظة نينوى، إلا إن رئيس الوزراء ظل متمسكا به حتى وقوع الكارثة ليتهمه ليس بحادثة العبارة كما أشارت وسائل الإعلام، نظرا لتزامنها مع الحادث، وإنما بالفساد الإداري والمالي، وهنا يضع رئيس الوزراء نفسه شريكا له في الجريمة ذاتها. كما أن إجراءات سحب يد المحافظ المذكور، أو تقليص صلاحياته قد طرحت قبل حادث العبارة بأربعة أيام، ولكن دون جدوى.



إن إقالة أي محافظ في العراق تستند إلى نصوص قانون المحافظات رقم 21 لسنة 2008، والأصل أن يُقال المحافظ من ثلثي أعضاء مجلس المحافظة، وهذا ما نصت عليه المادة 7 / ثامنا /1 على ما يلي:

ثامناً:

1ــ استجواب المحافظ أو أحد نائبيه بناءا على طلب ثلث أعضائه وعند عدم قناعة الأغلبية البسيطة بأجوبة المستجوب يعرض للتصويت على الإقالة في جلسة ثانية ويعتبر مقالا بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس ويكون طلب الإقالة أو التوصية بها مستندا على أحد الأسباب الحصرية الآتية:

أ ـ عدم النزاهة أو استغلال المنصب الوظيفي.

ب ـ التسبب في هدر المال العام.

ج ـ فقدان أحد شروط العضوية.

د ـ الإهمال أو التقصير المتعمدين في أداء الواجب والمسؤولية.



وقد سعى المجلس أكثر من مرة لذلك، ولكن المحاصصة الحزبية والصراعات الطائفية حالت دون ذلك.



كما تنص المادة 7 الفقرة ثامنا / البند 2 على جواز أن تكون الإقالة بقرار من مجلس النواب، حيث نصت الفقرة المذكورة على ما يلي: " لمجلس النواب إقالة المحافظ بالأغلبية المطلقة بناءاً على اقتراح رئيس الوزراء لنفس الأسباب المذكورة أعلاه."



كما يجوز للمحافظ المذكور أن يقدم إستقالته من منصبه، وهذه تختلف عن الإقالة.



وهكذا نرى أن كل هذه التهم لا علاقة لها بمأساة نهر دجلة التي تسببت بغرق 187 شخصاً حسب بعض التقديرات.



أما ما يتطلبه قرار مجلس النواب لإقالة المحافظ المذكور فهو شرط تحقق الأغلبية المطلقة أي النصف + 1، وذلك يعني تصويت 165 عضوا من مجموع 329 نائب لإقالته. وهذا يخضع لمساومات الكتل السياسية الكبيرة والأحزاب السياسية الفاسدة، وفقا لموقفها من فساد المحافظ، واعتمادا على التعليمات الخارجية التي تفرض عليها من الدول ذات النفوذ السياسي في العراق وفِي مقدمتها إيران وتركيا وحتى الولايات المتحدة.



يضاف إلى كل هذا وذاك، إقتناص هذه الأحزاب الفاسدة للفرصة، والاصطياد في الماء العكر لترشيح أحد اتباعها، وطبعا هذا يخضع لسوق المزايدات المالية وليس الولاء الوطني قطعا، وقد صرّح النائب عبد الرحيم الشمري عن إن سعر منصب محافظ نينوى قد وصل في سوق المزايدات السياسية إلى 10 مليون دولار أمريكي. أن هذا يذكرنا ببيع منصب والي بغداد وبقية المناصب الأخرى أيام الدولة العثمانية قبل أكثر من قرن حيث كان يمنح لمن يدفع أكثر للخليفة العثماني، ومن البديهي أن يبدأ هذا الوالي عهده بالسرقة والرشوة وإبتزاز المواطنين وفِي مقدمتهم التجار، وهكذا. أما اليوم، فأن هذا المبلغ يذهب إلى إيران مباشرة لأنها تبحث عن أي مورد مالي للتخفيف من أثار العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها، ونظرًا لنفوذها الطاغي بعد تحرير الموصل من داعش عام 2017، وسيطرة الميليشيات الموالية لها على المحافظة، كما إن المكاتب الاقتصادية للأحزاب السياسية، وهي مكاتب متخصصة في إستحصال الأموال باي طريقة أو وسيلة سواء أكانت قانونية أو غير قانونية لغرض تمويل أحزابها ودعم إيران اقتصاديا، حتى لو أقتضى الأمر خطف المواطنين ومطالبة ذويهم بفدية كبيرة، حيث اصبح المواطن مجرد سلعة يمكن بيعها والمتاجرة بها، وهذا ما كانت تقوم هذه الأحزاب نفسها قبل أن تستلم السلطة، ويمكن في هذا المجال إستذكار حادثة إختطاف الصيادين القطرين في العراق ومطالبة قطر بفدية بلغت ٨٠٠ مليون دولار. وهذه التصرفات غير المشروعة هي ما زادت من معاناة المواطن في هذه المحافظة أضعافا مضاعفة، لا بل أن كثير من العوائل المتحرك منها والتي عادت إليها قبل سنة، اضطرت للمغادرة مرة أخرى نحو كردستان العراق، حيث الأمان.



واليوم يخضع موقف محافظ نينوى لعدة احتمالات منها:

.  استقالة المحافظ ذاته.

.  إقالة المحافظ بقرار من ثلثي أعضاء مجلس المحافظة.

.  إقالة المحافظ بقرار من الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان، وقد طرح الموضوع على جدول أعمال المجلس لهذا اليوم.

.  هروب المحافظ، وهو أسلوب تمارسه الكتل السياسية بدفع من إيران، لتلافي فتح ملفات الفساد التي يكون الكثير منهم شركاء فيها، ولغرض عدم الإشارة لأسلوب منح المنصب أصلا بالرشوة أو المحاصصة، وعادة ما تقام ضدهم تهم كيدية وأخرى صحيحة، يشارك في ذلك، القضاء العراقي الذي أصبحت العديد من قراراته مثار شبهة، ومما يطعن في نزاهتها، ويثار الشك حولها عند إلغائها لاحقا، وربما بعد سنوات طويلة، ومن ذات القضاء الذي اتهمه، كما حدث مع القاضي رحيم العكيلي، مع إختلاف الدعوى ضد كل منهم. وهذا الأسلوب قد طبق بحق الكثيرين مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي وخميس الخنجر وغيرهم الكثير، مع إمكانية إسقاط كل التهم ضدهم وإعادتهم عند الحاجة إليهم.

.  وهناك احتمال أخير، وهو أن يقدم المحافظ تنازلات جديدة لإيران، أو حتى أن يزور الولي الفقيه في إيران، ليصدر فتوى العفو عنه، ويرفقها بأوامره وتعليماته لأتباعه في العراق. كما حدث عن إتهام العديد من السياسيين وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب السابق سليم الجبوري عام 2015، عند إتهامه بالفساد من قبل وزير الدفاع آنذاك خالد العبيدي داخل مجلس النواب، فزار إيران وإلتقى المرشد الأعلى خامنئي وحصل على صك الغفران، وعاد للعراق، فنظر القضاء في قضيته وأصدر قراره بتبرئته في 17 دقيقة فقط.

وفي كل الأحول، فإن للمحافظ المقال أن يطعن بقرار الإقالة لدى محكمة القضاء الإداري خلال 15 يوماً من تاريخ تبلغه به، وتبت المحكمة بالطعن خلال 30 ثلاثين يوماً من تاريخ إستلامها الطعن، وعليه أن يقوم بتصريف أعمال المحافظة خلالها. وهذا ما نصّت عليه البند 5 من الفقرة ثامنا، من المادة 7 من قانون المحافظات المنافذ.



إن هذا هو الحال في العراق في الوقت الحاضر، للأسف الشديد، نتمنى زواله سريعا، وفِي ذات الوقت لا يسعني شخصياً إلا أن أقدم أصدق التعازي لأهالي ضحايا العبّارة تغمدهم الله برحمته، وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان. 




الدكتور رياض السندي

دكتوراه في القانون

في صبيحة 24 آذار 2019




الجوانب القانونية لتفجير الكرادة

الجوانب القانونية لتفجير الكرادة


د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
⦁ الوقائع
في تمام الساعة الواحدة منتصف ليل الاحد الثالث من تموز عام 2016، شهدت منطقة الكرادة التجارية المزدحمة في قلب العاصمة العراقية بغداد، والتي طالما تميزت بالتنوع الطائفي رغم كثافة التواجد الشيعي بعد 2003،  إنفجارا هو الاشد والاعنف منذ سقوط بغداد عام 2003.
وقد أدى الانفجار الى اشتعال النيران في مجمع الهادي التجاري والبنايات القريبة منه ، وظلت النيران مشتعلة حتى الصباح الباكر. وقد خلف الحادث في حينه 135 قتيلا (شهيداً)، وقرابة 200 جريح. وتزايد العدد ليصل الى 292 قتيل و200 جريح وقرابة 200 مفقود، من بينها عوائل بأكملها، وفق الاحصائية الرسمية التي اعلنتها وزيرة الصحة عديلة حمود يوم 7 تموز من العام نفسه. كما خلف الانفجار إحتراق سبعة مباني ضخمة بالكامل ، واحتراق 9 سيارات شخصية.
إن مايميز هذه الفاجعة الانسانية هو ان الضحايا ماتت حرقا وتفحمت اجسادها بطريقة مأساوية غريبة، ذكرت المجتمع الدولي بأيام استخدام النابالم في فيتنام للاعوام 1963- 1967.

⦁ الموقف الرسمي العراقي
في صبيحة اليوم التالي زار رئيس الوزراء حيدر العبادي مكان التفجير الا ان ذوي الضحايا واهالي المنطقة اجبروه على التراجع والمغادرة نتيجة رميه بالحجارة. وأصدر مكتبه لاحقا بيانا يوجه فيه الاتهام الى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بسبب خسارتها  لثاني أكبر معاقلها في الفلوجة  مؤخراً. وهذا التصريح غير دقيق ، لانه صدر قبل اي تحقيق ، وثانيا أن الصاق التهم بداعش أصبح مثل إتهام  ولعنة البشر لابليس .
وداعش من جانبه تبنى هذا التفجير على مواقعه الالكرونية ونسبه الى انتحاري يدعى (أبو مها). وهذا التبني هو من باب المباهاة ليس الا، فهو لم يورد اي تفاصيل تثبت ذلك، كما لم يضع التسجيل الاخير للانتحاري ، كما هو معتاد لديهم.
ورغم إعلان الحكومة لحالة الحداد لثلاثة ايام، ألا إن قضية أجهزة كشف المتفجرات البريطانية  ( ADE 651) طغت على السطح ثانية، وهي اجهزة اشتراها العراق عام 2008 بمبلغ 52 مليون باون استرليني من شركة (ATSC)  في واحد من أكبر عقود الفساد في العراق مع جيمس ماكورميك الذي حكم عيه في بريطانيا بسببها لمدة عشر سنوات، حيث جرى شراء جهاز سعره الاصلي 20 دولارا بسعر 20 الف دولار. وضلت تلك الاجهزة تستخدم في بلد تضربه التفجيرات شبه اليومية حتى سحبه من العمل بقرار رئيس الوزراء بعد تفجير الكرادة.
وفي 8 من هذا الشهر، أعلن رئيس الوزراء لإعفاء ثلاثة من كبار القادة الامنين في بغداد ، وقبلت استقالة وزير الداخلية محمد الغبان.
وفي ظل صمت رسمي عن الحادث، وفي ظل غياب تحقيق رسمي جدي ومعلن ، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي للعراقيين وهو الوسيلة المستقلة الوحيدة التي لم تستطع الحكومة غلقها، تداولوا وثيقة فنية. وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل.
في حين غاب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم عن المشهد لتمتعه بأجازة في لندن.
كما لم يعقد البرلمان أي جلسة حول الحادث، لعدم تلقي أي طلب بذلك، كما أعلن مقرر مجلس النواب في 7 من الشهر ذاته.

وثيقة التحقيق الحكومي
تشير الوثيقة  وهي سرية للتداول الحكومي فقط  قام به قسم مكافحة المخدرات في مديرية الشرطة  للتحليل الفني الاولي مكون من اربع صفحات قامت به الشرطة في موقع الحادث ويبدو انه أول تحقيق رسمي موضوعي محايد في هذا التفجير ، في حال صحّت هذه الوثيقة، الى إن التفجير جرى بسيارة مفخخة نوع (هونداي ستاركس) تحمل الرقم العراقي (84552 بغداد أجرة) يقودها انتحاري، في منطقة الكرادة بمحاذاة مول الليث ومول سنتر. في الساعة 00.55 يوم الاحد 3/7/2016، ويذكر التقرير عدم العثور على ألية التفجير(السيارة) لشدة الانفجار والعبث بمسرح الجريمة. وأن نوع مواد التفجير هي نترات ألامونيوم ومادة (C4) بكمية تقدر (250 كغم).

⦁ الموقف الدولي
في أول رد فعل المنظمة الدولية على الحادث اعرب بان كي مون ألامين العام للامم المتحدة عن إدانته للتفجير وتعازيه للعراق حكومة وشعبا، وعلى غرار ذلك أدان ممثل الامين العام في العراق ورئيس بعثة اليونامي في بغداد هذا التفجير وطالب بتعقب منفذي هذا العمل الوحشي.
وأعرب البابا فرانسيس الثاني من الفاتيكان صبيحة يوم الحادث إدانته ودعا المؤمنين للصلاة من أجل الضحايا.
وقد أدانت عدد من الدول هذا التفجير منها : روسيا ، هولندا، السويد، بريطانيا ، تركيا .
ومن الدول العربية ، الجزائر، لبنان، وسلطنة عمان، والسعودية في موقف مستغرب عراقياً، أدان السفير السعودي في بغداد هذا التفجير الدامي وقدم العزاء لاهالي الضحايا.
ومن جانب المنظمات الدولية غير الحكومية ،أعربت منظمة هيومن رايتس ووج في رأي لها الى إن الهجمات الدامية إختبار لنوايا العراق.
وأعرب مدير برنامج الشرق الاوسط في منظمة العفو الدولية عن إدانته للتفجير وإعتبرها جريمة حرب ، وناشد الحكومة وقف الاعدامات ردا على التفجير فورا.

⦁ تحديد المتهم
كعادة الحكومة العراقية في التفجيرات التي ضرب مختلف مدن العراق بشكل شبه يومي ، بأستثناء أقليم كردستان، فأن الحومة لا تقدم اي تبرير أو تفسير موضوعي لما يحدث في العراق منذ 2003، ولاتقدم اللجان التحقيقة صورة صادقة لآي قضية مهما بدت كبيرة مثل سقوط الموصل الذي صدر التقرير بضغط  شعبي، ولم يعرض بشكل واضح، ثم الغي لاحقا،  باستثناء التقارير عن حوادث قام بها السنة مثل قضية نائب رئيس الجمهورية  طارق الهاشمي والنائب أحمد العلواني ، وفض إعتصام الحويجة. وهذا مايلقي ظلالا من الشك على المتهم أو المتهمون بكل تلك الجرائم. إن هذه المأساة تحمل بصمات مشابهة لماسأة حلبجة في 16 آذار 1988، والتي راح ضحيتها أكثر خمسة الاف عراقي كردي. لذا يجب أن لاتمر دون تحديد الجاني وتقديمه للعدالة، انصافا للضحايا وذويهم.
وتغدو عملية تحديد المتهم أو المتهمون في هذا التفجير المأساوي صعبة  لعدة أسباب منها:-
.1 ان العراق ومنذ 2003 أصبح ساحة مفتوحة للارهاب.
.2 عدم جدية الحكومة في إجراء أي تحقيق موضوعي دقيق ، وعدم توفر الخبرة الفنية المطلوبة في هذه التفجيرات، وتأثرها بضغوطات سياسية ودولية تمعها من ذلك، ناهيك عن عرضها على الجمهور. لابل إن جرائم أكبر لم تكشف الحكومة عن تفاصيلها مثل سقوط محافظة الموصل بيد داعش عام 2014.
.3 عدم تصرف الشرطة والجمهور في مكان الحادث بمسؤولية دقيقة مطلوبة في هذه الحالات، في تطويق المكان وعزله حفاظا على الادلة والمبرزات الجرمية ومخلفات التفجير للاستفادة منها في مختبرات الكشف الجناني والتي تساهم في التحقيق.
ولكل ماتقدم فقد تعالت اصوات عديدة تطالب بإجراء تحقيق دولي مستقل وموضوعي في هذه الجريمة البشعة وانطلقت حملات عديدة لذلك، أبرزها:-
⦁ الحملة الامريكية التي تبنتها منظمة التغيير (Change)  ,
⦁ الحملة العراقية التي أطلقها الدكتور رياض السندي (كاتب هذه الدراسة) من على موقع حملات (ehamalat.com)  الحوار المتمدن.
ومع كل الصعوبات التي تعترض ذلك ، فيجب ان لاتقف عائقاً لكشف الحقيقة وتحديد الجناة وتقديمهم للعدالة. فهذا التفجير هذه المرة استخدمت فيه مواد حارقة أدت الى إحتراق وتفحم جثث الضحايا بشكل غير مسبوق، مما يدل على تطور في اساليب التفجير في العراق .
إن الدلائل الفنية تشير الى إستخدام النابالم ومادة السي فور كما اشار لها تقرير الشرطة اعلاه. فشهادات شهود العيان وإختباء عدد كبير من الضحايا في الطابق السفلي لتلك البنايات يشير الى تعرضهم للاختناق وعدم قدرتهم على الخروج من مكان الحادث، كما أن التقارير والمواد الفلمية التي انتشرت لاحقا تشير الى اشتعال النيران بكثافة قادت الى تفحم الكثيرين من الضحايا.

⦁ تاريخ استخدام النابالم
نابالم هو سائل هلامي (gel) يلتصق بالجلد، وهو قابل للاشتعال ويستخدم في الحروب. تم تطويره من خلال مجموعة كيميائيين أمريكيين من جامعة هارفارد أثناء الحرب العالمية الثانية، بقيادة العالم لويس فيزر. نوع من القنابل الحارقة يعتمد خصوصا على مادة النابالم المصنوعة من نوع من وقود تم اختراعه في جامعة هارفرد في عام 1942 وتهدف تركيبتها الى إلحاق حرائق وحروق تلتصق بالاشخاص والأجسام المختلفة. وحظرت اتفاقية الأمم المتحدة في عام 1980 استخدامها ضد السكان المدنيين.
وتسبب النابالم بإشعال الحرائق، حيث تعبأ بمركبات بترولية أو بالثرميت أو ما يطلق عليه هلام البترول، وهو مزيج من الألومنيوم وأكسيد الحديد. ويتراوح وزن القنابل الحارقة مابين 1,5 و 450كجم.
ينجم عن انفجار القنبلة نشر مزيج بترولي لزج يلتهب مباشرة، مشعلا حرائق يستحيل إخمادها. وينتشر نوع آخر من القنابل الحارقة، وهو قنبلة الوقود الهوائية، سحابة من الوقود الملتهب.
طورت الولايات المتحدة الأمريكية المادة خلال الحرب العالمية الثانية لتدخل في المجال العسكري مباشرة، واستخدمتها في قصف مدينة ديرسدن الألمانية 1945، الأمر الذي خلف بين 25 إلى 40 ألف قتيل من المدنيين آنذاك.
نجاح قنابل النابالم عسكريًا، دعا واشنطن إلى استخدامها ثانيًا في الحرب الكورية 1950 – 1953، وألقت أثناءها آلاف الأطنان من المواد المتفجرة على الانفصاليين (الشيوعيين).
لم ينحصر استخدام المادة على الولايات المتحدة، فقد وثق استهداف الاتحاد السوفيتي معاقل طالبان والمقاومة الأفغانية بها في ثمانينيات القرن الماضي، كذلك استخدمتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 ضد القوات السورية والمصرية، إضافة إلى استخدامها ضد الجيش السوري في لبنان عام 1982، بحسب شكوى قدمتها سوريا للأمم المتحدة آنذاك.
البرازيل أيضًا لم تتوانى في استخدام النابالم في حربها ضد عصابات المافيا في تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى العديد من الدول في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، خلال المعارك التي شهدها القرن العشرون.
الاستخدام الأوسع للنابالم كان خلال الحرب الفيتنامية 1961- 1970، وأحرقت فيها المقاتلات الأمريكية عشرات القرى الفيتنامية مسببة مجازر أزهقت أرواح آلاف المدنيين والمقاتلين، وحسب تصريحات وزارة الدفاع (البنتاغون) فإن الجيش الأمريكي ألقى 100 ألف طن من النابالم على فيتنام بين عامي 1963- 1967.
وقد استخدمت الولايات المتحدة الأميركية هذه القنابل بكثرة في حرب فيتنام لإحراق الأدغال وكسح الألغام والشراك الخداع التي استخدمها المقاتلون الفيتناميون خلال خوضهم حرب العصابات ضد القوات الأميركية الغازية. ولم يقتصر استخدام الولايات المتحدة لهذه القنابل في حرب فيتنام بل استخدمتها في حرب الخليج الثانية ضد العراق واستخدمتها خلال معاركها مع المقاومة العراقية في مدينة الفلوجة.
 قامت إسرائيل بمد مواسير نابالم على طول قناة السويس عند إنشائها خط بارليف حيث كانت تستخدم لردع أي قوات تحاول عبور القناة.... وقد نجحت الضفادع البشرية وهي قوات خاصة بحرية بسد فتحات المواسير بمواد خاصة يوم 5 أكتوبر 1973 لمنع استخدمها عند عبور القوات المصرية للقناة في اليوم التالي 6 أكتوبر 1973 [1] حيث تم [2] أسر مهندس مواسير النابلم نفسه في موجة العبور الأولى عندما كان يحاول إصلاحها.
وقد استخدم الجيش الإسرائيلي النابالم في عدوانه على لبنان في العام 2006 ضد السكان المدنيين .
وأخر استخدام لهذه المادة المحرقة كان في سوريا لقصف بلدات مدينة حلب عام 2012-  2015.
قالت الولايات المتحدة إنها أتلفت جميع مخزونها من النابالم مطلع عام 1970، بعد أن قتل بها آلاف المدنيين في ألمانيا وكوريا وفيتنام، لكن المادة لازالت تستخدم حتى يومنا هذا، والواقع السوري أكبر دليل على ذلك.


⦁ الجوانب القانونية
إن المعلومات الاولية ومشاهدة جثث الضحايا ومكان الانفجار وآثاره تشير الى إن هذه الجريمة قد تمت باستخدام سلاح محرم دوليا ، قد يكون باستخدام مادة كيمياوية مثل السي فور أو الفسفور الابيض أو مادة متفجرة مثل النابالم وهي مادة متفجرة تستخدم للحرق لا للتدمير وتستخدم ضد تجمعات الافراد في المناطق المفتوحة، والذي لايخلف اية جروح وانما إحتراق بالكامل لعدد كبير من الضحايا وهذا ماسيكشف عنه الخبراء والمتخصصون بالمتفجرات لاحقا. ورغم عدم مبالاة الحكومة واتخاذها اية اجراءات تحقيقية جادة لجع الادلة واستقدام خبراء المتفجرات  لهذا الحادث الماساوي، واكتفت الحكومة  باستقالة غير مؤكدة لوزير الداخلية، وتنفيذ حكم الاعدام بخمسة محكومين ، أثير الجدل حول جريمتهم.
 وإذا ماثبت استخدام أي سلاح من هذا النوع ، فإن اتفاقية جنيف لحظر أو تقييد استخدام اسلحة تقليدية معينة يمكن إعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الاثر لعام 1980، والمعروفة إختصاراً (CCW)، والتي دخلت حيز التنفيذ في 2 كانون الاول 1983، تكون هي السند القانوني الذي يحكم هذه الواقعة. لاسيما وان العراق قد انضم لهذه الاتفاقية مؤخرا في 24 أيلول 2014.
وهذه المواد هي اسلحة تقليدية معينة حظرها أو قيد استعمالها القانون الدولي الانساني صكوكه الدولية , لاسباب إنسانية  إعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر. لهذا سميت هذه الاتفاقية ب (إتفاقية الاسلحة اللا إنسانية).
وكانت بداية هذه الاتفاقية الدولية سنة 1973، حين قدم الأمين العم للأمم المتحدة تقريرا حول "النابالم وغيره من الأسلحة المحرقة، وجميع نواحي احتمال استعمالها"، أمام الجمعية العامة، التي أعربت عن أسفها لاستعمال النابالم وغيره من الأسلحة المحرقة في المنازعات المسلحة كافة، وحثت جميع الدول على الامتناع عن إنتاج تلك الأسلحة وتخزينها ونشرها واستعمالها، إلى أن يتم عقد اتفاقات بشأن حظرها. كما قررت عقد مؤتمر للأمم المتحدة، سنة 1979 بشأن "الأسلحة المحرقة وغيرها من أنواع الأسلحة التقليدية التي يمكن أن تكون محل حظر أو تقييد لأسباب إنسانية". وعقد المؤتمر دورة ثانية بجنيف سنة 1980، وانتهى بالتوصل إلى "اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر" والبروتوكول المتعلق بالشظايا الخفية (البروتوكول الأول) والبروتوكول المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأفخاخ المتفجرة والأجهزة الأخرى (البروتوكول الثاني) والبروتوكول المتعلق بحظر أو تقيد استعمال الأسلحة المحرقة (البروتوكول الثالث). وفتح باب التوقيع على هذه الصكوك في 10 أبريل 1981. وبدأ نفاذ الاتفاقية والبروتوكولات الثلاثة اعتبارا من 2 ديسمبر 1983. وما يهمنا في هذا المجال هو البروتوكول الثالث المتعلق بالاسلحة المحرقة، حيث عرفت المادة الاولى من البروتوكول المقصود من هذا التعبير قائلة:-
المادة (1)
تعاريف
في مصطلح هذا البروتوكول:
1- يراد بتعبير ((سلاح محرق)) أي سلاح أو أية ذخيرة، مصمم أو مصممة في المقام الأول لإشعال النار في الأشياء أو لتسبيب حروق للأشخاص بفعل اللهب أو الحرارة أو مزيج من اللهب والحرارة المتولدين عن تفاعل كيماوي لمادة تطلق على الهدف:
أ ) يمكن أن تكون الأسلحة المحرقة، مثلاً، على شكل قاذفات لهب، وألغام موجهة لمقذوفات أخرى، وقذائف، وصواريخ، وقنابل يدوية، وألغام، وقنابل، وغير ذلك من حاويات المواد المحرقة.
كما استبعدت هذه البند ب من الفقرة ذاتها على بعض انواع الاسلحة والمقذوفات ولم تعتبرها مشمولة بتحريم هذا البروتوكول، مثل المقذوفات المضيئة التي تستخدم في المهرجانات والاحتفالات بقصد إضفاء المتعة والبهجة للجمهور وإن أدت الى بعض الحروق، وكذلك المقذوفات المضادة للدروع.
 ب) لا تشمل الأسلحة المحرقة:
" 1 "  الذخائر التي يمكن أن تكون لها، عرضاً، آثار محرقة، مثل المضيئات أو القائفات أو ناشرات الدخان أو أجهزة الإشارة.
" 2 "  الذخائر المصممة للجمع بين آثار الاختراق والعصف أو التشظي وبين أثر محرق إضافي، مثل المقذوفات المخترقة للدروع، والقذائف الشظوية، والقنابل المتفجرة وما شابه ذلك من الذخائر ذات الآثار المزيجة التي لا يكون الأثر المحرق فيها مصمماً خصيصاً لتسبيب حروق للأشخاص، بل لاستعماله ضد أهداف عسكرية، مثل المركبات المدرعة والطائرات والمنشآت والمرافق.
ويلاحظ إن البروتوكول وتحديدا في مادته الاولى لم يذكر النابالم أو الفسفور الابيض أو الذخائر العنقودية أو الرصاص المتفجر (رصاص دمدم) أو غيره بالاسم، وإنما إكتفى بالوصف. الا إنها جميعها تدخل تحت نطاق هذه الاتفاقية ، مالم توجد اتفاقية خاصة بها.
وقد بينت اللجنة الدولية للصليب الاحمر وهي الجهة الراعية للقانون الدولي الانساني تلك الاسلحة واشارت على موقعها الالكتروني الى "إن هناك قواعد أساسية تنص على حماية المدنيين من آثار كل العمليات العسكرية وبالإشارة إلى إن الاعتداء على المدنيين بكل الأسلحة محرم تماماً.
إن القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني تنظِّم استخدام الأسلحة التي تحتوي على الفسفور الأبيض، شأنها شأن أي سلاح آخر. وتحتم هذه القواعد على أطراف النزاع أن تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية والسكان المدنيين على حد سواء. كما يلزمها القانون الدولي باتخاذ كل الإجراءات الممكنة لتجنيب المدنيين والأهداف المدنية شرَّ العمليات العسكرية. فالهجمات التي تؤدي إلى تدمير المدنيين والأهداف المدنية " بصورة عشوائية  هي هجمات محظورة".
 "إن استخدام الأسلحة الفسفورية البيضاء كالأسلحة المحرقة، أي تلك التي تضرم النار في الأهداف العسكرية، يخضع لقيود صارمة. فاستخدام مثل هذه الأسلحة البيضاء ضد أي هدف عسكري في مناطق مأهولة بالسكان المدنيين فعل محرم، ماعدا إذا كان الهدف العسكري بعيداً عن المدنيين كل البعد وبوضوح. ويعد إطلاق الأسلحة المحرقة من الجو ضد الأهداف العسكرية داخل التجمعات السكانية المدنية محظوراً ببساطة أبضاً. هذه محظورات ينص عليها البروتوكول الثالث للاتفاقية المتعلقة بالأسلحة التقليدية.
وردت اللجنة الدولية على سوأل، هل يؤدي استخدام الأسلحة التي تحتوي على الفسفور الأبيض، وخاصة الأسلحة المحرقة، في المناطق المأهولة بالسكان، إلى دوافع تبعث على القلق الإنساني الشديد؟

وأجاب مندوبها نعم، إن الأسلحة الفسفورية البيضاء تحدث حروقاً فسفورية واسعة النطاق تفوق 800 درجة حرارية مئوية (أي حوالي 1500 درجة فاهرنيهايت) على مساحة واسعة تمتد إلى مئات الأمتار المربعة. فالحرق يستمر حتى ينضب الفسفور كلياً أو حتى ينقضي الأوكسجين. ولهذا السلاح القدرة على إحداث إصابات مروعة ومؤلمة أو موت بطيئ موجع. ويتحتم على الطاقم الطبي أن يكون متدرباً بما فيه الكفاية حتى يكون قادراً على علاج مثل هذه الإصابات وقد يتعرض هو نفسه للحروق الفسفورية. فإذا استخدمت هذه الأسلحة التي تحتوي على هذه المواد ضد أهداف عسكرية أو بالقرب من أماكن مأهولة بالسكان ينبغي توخي الحذر الشديد لتفادي الإصابات في صفوف المدنيين".
وتجدر الاشارة الى الاتفاقية قد حرمت إستخدام هذه الاسلحة على المدنيين ، ولم تحرم استخدامها اثناء الحروب وعلى نطاق عسكري الا إذا كانت الاهداف العسكرية قريبة من أهداف مدنية يصعب التمييز بينها لعدم دقتها ولفرط ضررها ولعشوائية  أثارها .
وقد  حددت المقصود بالمدنيين في الفقرة الثانية من المادة الاولى من البروتوكول بقولها:-
2- يراد بتعبير ((تجمع مدنيين)) أي تجمع مدنيين، دائماً كان أو مؤقتاً، كما في الأجزاء المأهولة من المدن أو البلدات أو القرى المأهولة، أو كما في مخيمات أو أرتال اللاجئين أو المهجرين، أو جماعات البدو الرحل.
كما عرفّت المقصود بالاهداف العسكرية والاعيان المدنية بقولها:-
1- يراد بتعبير ((هدف عسكري))، فيما يتعلق بالأشياء، أي شئ يسهم، بطبيعته أو موقعه أو غرضه أو وجه استعماله، إسهاماً فعلياً في العمل العسكري، ويكون من شأن تدميره الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليه أو إبطال مفعوله، في الظروف القائمة، في حينه، أن يوفر ميزة عسكرية أكيدة.
2- يراد بتعبير ((أعيان مدنية)) جميع الأشياء التي ليست أهدافاً عسكرية وفقاً لتعريف هذه الأهداف في الفقرة 3.
والفقرات اعلاه لاتحتاج الى توضيح.
أما المادة الثانية من البروتوكول فقد حرمت بشكل قاطع لايقبل ألتاويل إستخدام تلك الاسلحة ضد المدنيين، أوضد أهداف عسكرية بالقرب من أهداف مدنية متى ما تعذر التمييز بينها لقربها أو تداخلها. وهذا ما اشيع عن تفجير الكرادة من إنه استهدف تجمعا لبعض فصائل منظمة بدر العسكرية كانت تعقد اجتماعا لها في حسينية قريبة من مكان الانفجار. حيث نصت على مايلي:-
المــادة (2)
حماية المدنيين والأعيان المدنية
1- يحظر في جميع الظروف جعل السكان المدنيين بصفتهم هذه، أو المدنيين فرادى، أو الأعيان المدنية، محل هجوم بالأسلحة المحرقة.
2- يحظر في جميع الظروف جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفاً لهجوم أسلحة محرقة تطلق من الجو.
3- يحظر كذلك جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفاً لهجوم بأسلحة محرقة غير تلك التي تطلق من الجو، إلا حين يكون الهدف العسكري واضح الانفعال عن تجمع المدنيين وتكون قد اتخذت جميع الاحتياطات المستطاعة كيما تقصر الآثار المحرقة على الهدف العسكري ويتفادى ويخفف إلى الحدود الدنيا في أية حال، ما قد ينجم عنها عرضاً من وقوع خسائر في أرواح المدنيين أو إصابتهم بجروح أو تلف الأعيان المدنية.
1- يحظر أن تجعل الغابات وغيرها من أنواع الكساء النباتي هدف هجوم بأسلحة محرقة إلا حين تستخدم هذه العناصر الطبيعية لستر أو إخفاء أو تمويه محاربين أو أهداف عسكرية أخرى، أو حين تكون هي ذاتها أهدافاً عسكرية.
ويلاحظ إن الفقرة الاخيرة تحظر استعمال تلك الاسلحة في الغابات، في إشارة واضحة الى استخدام الولايات المتحدة للنابالم عام 1967 في غابات فيتنام ضد المقاومة الفيتنامية.

⦁ الاستنتاجات
ويبقى السوأل الذي يشغل العراقين  هو: من يمكن ان يكون الفاعل في هذه الجريمة التي وصفتها منظمة العفو الدولية على إنها جريمة حرب.
إن الفاعلين الرئيسيين على الساحة العراقية اليوم هم إيران والولايات المتحدة الامريكية ، والطرفين يمتلكان مثل هذه الاسلحة وقادرين على انتاجها . واذا  كانت الولايات المتحدة قد سبق لها استخدام هذه الاسلحة ، فإن إيران لم تتهم رسميا باستخدام واضح لهذه الاسلحة سوى في سوريا مؤخرا وبشكل غير مباشر من خلال دعمها للنظام السوري.
أما العدو المفترض (داعش) والذي تبنى العملية دون تقديم مايثبت ذلك، فهو قد غدا اليوم كالشيطان الذي تلصق به كل الشرور ويلعنه الجميع حتى دون التثبت من ذلك. وقد جاء الاتهام الاول والمباشر على لسان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مسببا ذلك الى إنكسار داعش في الفلوجة. الا إن السيد مقتدى الصدر وفي حوار مثير على قناة الشرقية يوم 9 تموز قال في معرض رده على سوأل ماذا كانت داعش هي من قامت بتفجير الكرادة باختصار شديد وبليغ : اتمنى ان يكون داعش . وهذا يلقي بظلال من الشك والريبة على تصريحات الحكومة، لاسيما وانها صادرة من زعيم كتلة سياسية فاعلة ومؤثرة في العراق.
وتشتت واختلفت إتهامات العراقيين بحسب الجهة التي تتبنى الاتهام ، فالشيعة يتهمون السعودية لاسيما وان عدد من الانتحاريين السعودين ثبت تعاونهم مع داعش. أما السنة فيتهمون إيران دون تقديم أي دليل معقول.
والحقيقة التي لاتقبل الجدل بهذا الصدد هو انه لايمكن على صعيد الدول وضع قائمة إفتراضية بالاعداء أو قائمة بالاصدقاء ، فالدول لا تعرف الاعداء أو الاصدفاء بل تعرف مصالحها. ولهذا يتفاجى المرء في أن يجد صديقا مفترضا وقد تعاون مع الاعداء، والعكس صحيح أيضا.
إن اتهاما دون دليل لايمكن أن يصمد طويلا.
وبعد أن بذلنا جهدا كبيرا لمعرفة الحقيقة تلافيا لعدم تكرار مثل تلك المآسي ، وبحثنا عن نقطة ضوء في نهاية النفق المظلم الذي دخله العراق منذ عام 2003، وبعد تحديد الدول التي تمتلك مثل هذا السلاح والدول التي لها سجل في استخدامه، لم يبق أمامنا سوى البحث في وثائق  اللامم المتحدة ووثائق المنظمات الدولية المتخصصة في حظر هذه الاسلحة.
سبق القول ، انه من الناحية القانونية ، فأن القانون الذي ينظم إستخدام هذه الاسلحة هي "اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر" لعام 1980. وان ابروتوكول الخاص بهذه المادة المحرقة هو " البروتوكول المتعلق بحظر أو تققيد استعمال الأسلحة المحرقة (البروتوكول الثالث) " الملحق بالاتفاقية والذي يعد جزءاً لايتجزأ منها، وإن التوقيع أو الانضمام الى الاتفاقية يعد نافذا بحقها. ولهذا الغرض جردنا الدول التي وقعت أو صادقت أو إنضمت للاتفاقية المذكورة، والتي اصبحت طرفا سامياً متعاقداً فيها والدول التي لم تنظم اليها حتى الان . وهذا لاعني بأي حال من الاحوال، ان الدول التي انضمت لايمكن لها أن تمارس مثل هذه الانشطة ، الا ان توقيع الدولة يعبر عن رغبتها في أن تقيد وتلزم نفسها بأحكام الاتفاقية المعنية، وهي تدرك تماماً إن مخالفتها او انتهاك احكامها وقواعدها إنما يضعها تحت طائلة المسؤولية الدولية مهما طال الزمن. أما الدولة التي تمتنع عن التوقيع عليها، فإنها تعرب عن خشيتها من تطبيق أحكام الاتفاقية في مواجهتها لاحقا  ولا تريد أن تلزم نفسها بهذا الالتزام الدولي لاسباب خاصة بها.
⦁ وفيما يلي الدول الاطراف في هذه الاتفاقية وتواريخ انضمامها:-
(1)  الولايات المتحدة الامريكية، صادقت على الاتفاقية في 8 نيسان/أبريل  1982.
(2)  المملكة العربية السعودية ، إنضمت للاتفاقية في 7 كانون الاول/ديسمبر 2007.
(3)  العراق ، إنضم الى الاتفاقية في 24 أيلول/سبتمبر 2014.
(4)  تركيا، صادقت على الاتفاقية في 22 أذار/مارس 1982.
(5)  قطر، إنضمت الى الاتفاقية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2009.
(6) إسرائيل، إنضمت الى الاتفاقية في 22 نيسان/ابريل 1995. ولكنها لم توقع أو تنظم للبروتوكول الثالث الملحق بالاتفاقية والخاص بالاسلحة المحرقة.
⦁ الدول التي لم تصادق على الاتفاقية هي:-
.1 ايران.
.2  سوريا.
وفيما يتعلق بعدم توقيع اسرائيل على البروتوكول الثالث المذكور اعلاه، فإن ذلك لايعفيها من هذا الالتزام الدولي لانها قد غنضمت عل الاتفاقية الرئيسية، وهذا ماذكرته منظمة العفو الدولية في مجلتها موارد بقولها:-
إن البروتوكول الثالث بشأن حظر أو تقييد استخدام الأسلحة المحرقة (البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 المتعلقة بحظر أو تقييد استخدام أسلحة تقليدية معينة) يحظر استخدام الأسلحة المحرقة ضد المدنيين. وهويعتبر قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، ولذا فإنها تعتبر ملزمة لإسرائيل حتى لو لم تكن طرفًا في البروتوكول الثالث.  وقد أنكرت إسرائيل أنها استخدمت أية أسلحة غير قانونية. وبالطبع فإن كل سلاح يجب ألا يستخدم ضد المدنيين، ولكن هذا الحظر بمثابة اعتراف بالأخطار والعواقب الخاصة لاستخدام الأسلحة التي لها خصائص محرقة بالقرب من المدنيين.
⦁ خاتمة
وختاما، فأن التدخلات الدولية على الاراضي العراقية وحالة الصراع بين تلك الدولة جعل من العراق بلد في حالة نزاع مسلح ، مهما حاولت الحكومة العراقية انكار أو نفي أو رفض هذا الوصف ، وهذا يجعلها خاضعة لاحكام الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الانساني وقواعد القانون الدولي العرفي، كما انه لايستثني من المسؤولية الدولية أي طرف دولي ضالع في الجرائم المرتكبة في العراق تحت اي ذريعة أو تبرير، كما إن تخويل الحكومة العراقية صراحة أوضمناً لتلك الدول بالقيام باية إنشطة مناقضة للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني لن يجعل الطرفين في منجاة من المسؤولية الدولية في القيام بواجباتها تجاه شعبها في حمايته وحفظ سلامنه وحفظ الامن. 



⦁ المصادر
.1 اتفاقية جنيف لحظر أو تقييد استخدام اسلحة تقليدية معينة يمكن إعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الاثر لعام 1980.
.2 والبروتوكول الثالث الملحق باتفاقية حظر استخدام اسلحة معينة والمتعلق بحظر أو تقيد استعمال الأسلحة المحرقة .
.3 الأسلحة الفسفورية- وجهة نظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر- مقابلة صحفية مع السيد "بيتر هربي"، رئيس وحدة الأسلحة، الذي يحدد القواعد الواجبة التطبيق على الأسلحة الفسفورية لشرح موقف المنظمة إزاء الموضوع17،  في-01-2009 .
.4 مجلة موارد، منظمة العفو الدولية، العدد 12، ربيع 2009، الوثيقة  .POL 32K001K2009
.5 النابالم، موسوعة الويكيبيديا ، الموسوعة الحرة.
.6 قصة النابالم.. ابتداءً من الولايات المتحدة وحتى نظام الأسد، موقع Oximity.



الاعتصام في العراق -وجهة نظر قانونية-


الاعتصام في العراق

-وجهة نظر قانونية-



د. رياض السندي     

دكتوراه في القانون الدولي





أثار إعلان السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق بتاريخ 00/2/2016 الاعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء المحصنة من اجل بدء مرحلة جديدة من الاحتجاجات السلمية الشعبية لإجراء إصلاحات حكومية خلال المهلة المقررة وهي 45 يوما بدأت في 13/2 وتنتهي في 28/3/2016، ردود افعل واسعة تراوحت بين مؤيد ومعارض. ومع اقتراب ساعات الاعتصام أثير الجانب القانوني لها بشكل لافت، وهذا ما يحدث في المسائل الخلافية عادة، بما يذكرنا بأيام غزو العراق للكويت عام 1990، حيث ساد جدل قانوني قدم فيه كل طرف أسانيده القانونية والتاريخية لإثبات عائدية الكويت للعراق من عدمه.

وتزايد هذا النقاش مع صدور بيان مجلس الوزراء العراقي في 16/3/2016 جاء فيه إن:

" مجلس الوزراء العراقي يؤيد ويدعم التظاهرات والمطالبة بالإصلاحات الحكومية ويحرص على حمايتها ...إلا انه يشدد على أن تتم وفق الأطر القانونية واخذ الموافقات الأصولية من سلطة الترخيص، حيث لا يسمح وفق القانون بإقامة اعتصامات، فضلا عن الظروف الأمنية وتهديد المجاميع الإرهابية".

وكان لإشارة مجلس الوزراء إلى الجانب القانوني للمسألة دافعا لكتابة هذا المقال لتوضيح وجهة النظر القانونية بصدد مسألة الاعتصام ومدى شرعيتها وفقا للتشريع العراقي من عدمه، مع الإشارة إلى تشريعات الدول الأخرى بهذا الصدد. لذا سنتناول الموضوع من وجهة نظر الفقه القانوني الدولي ثم موقف الدستور العراقي وأخيرا موقف القانون العراقي من الاعتصام.



أولا. موقف الفقه القانوني من الاعتصام؟ ما الفرق بين الاعتصام ومأ يشابهها؟

تجدر الإشارة بادئ ذي بدء إلى إن الاعتصام مسألة حديثة نسبيا ويعود تاريخها إلى منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدا في عام 1849عندما نشر السياسي الأمريكي هنري دافيد ثورو بحثا بعنوان (في واجب العصيان المدني) أعقاب رفض دفع الضريبة المخصصة لتمويل الحرب ضد المكسيك.

ويعني مصطلح الاعتصام Disobedience))، وله تسميات عديدة مثل: العصيان المدني، ومقاومة الحكومة المدنية، رفض الخضوع أو إطاعة أو الانصياع لقانون أو لائحة أو تنظيم أو سلطة تعد في عين من ينتقدونها ظالمة. إنها وباختصار شديد (التوقف عند الظلم).

وعموما، لا يوجد تعريف موحد للعصيان المدني أو الاعتصام في العالم حتى إلان ... ولكن المتعرف عليه انه رفض لقانون ظالم وبالتالي يقوم به الشعب مجتمعا، أو أن تقوم به الأغلبية من الشعب، من خلال تطبيق القانون في اطار سلمي، وأيضا قد يتضمن العصيان المدني إضرابا عن العمل، ويتخلله كذلك مظاهرات، فيكون له تأثيره المدوي داخليا، ويرغم السلطة في النهاية على الاستجابة لطلب الشعب، ومن ثم وقف أو تغيير القانون.

إلا أن أخرون يرون إن هذا التعريف لا يفرق بين الاعتصام والإضراب، حيث إن الأخير هو توقف العمال عن العمل وغالبا ما يتم ذلك في مواقع وأوقات العمل وهو يؤدي بطبيعته إلى توقف الإنتاج، وهذا هو العنصر الأساسي في عملية الإضراب.

أما الاعتصام فهو إجراء شبيه لكنه ليس مرتبطا بعنصر العمل ويمكن أن يقوم به مواطنون عاديون أو مستخدمون أو موظفون في القطاع العام وسمته الرئيسية انه غير مرتبط بالإنتاج ولا يؤثر عليه وغالبا ما يقام في أماكن عامة ذات طابع خاص كأن يقام أمام مبنى مجلس النواب أو رئاسة الوزراء أو أمام الوزارات والمؤسسات العامة أو الخاصة أو الدولية.

وعموما لا يوجد إجماع حول تعريف العصيان المدني، ووفقا لما ذكره جون روالز، فانه يمكن تعريف العصيان المدني على انه عمل عام، سلمي، يتم بوعي كامل، ولكنه عمل سياسي يتعارض مع القانون ويطبق في اغلب الأحوال لإحداث تغيير في القانون أو في سياسة الحكومة. في حين يذهب ج. هابرمس إلى إن العصيان المدني ينطوي على أعمال غير قانونية، ونظرا لطابعها الجماعي، فهي توصف بانها عمل عام ورمزي في آن واحد وتتضمن كذلك مجموعة من المبادئ. ويتسم فعل العصيان بست خصائص هي: -

                1.خرق واع ومتعمد للقانون، مثل حملة العصيان المدني التي أطلقها مارتن لوثر كينج في شغل السود للاماكن المخصصة قانونا للبيض.

                2.عمل عام، ويترجم فعل العصيان بسلوك شعبي وهو ما يميزه عن العصيان الإجرامي، حيث يزدهر الأخير في الخفاء.

                3. حركة ذات رسالة جماعية، فهو الفعل الصادر عن مجموعة يعرفون أنفسهم بالأقلية الفاعلة. لذا تشير هنا أرندت إلى إن (العصيان المدني) بعيدا عن انطلاقته من فلسفة ذاتية لبعض الأفراد غريبي الأطوار، إلا انه ينتج عن تعاون مقصود بين أعضاء مجموعة تستمد قوتها على وجه التحديد من قدرتها على العمل المشترك.

                4. حركة سلمية، أي أن يلجأ الممارس للعصيان إلى وسائل سلمية، فالعصيان المدني يخاطب الضمير الغافل للأغلبية، أكثر مما يدعو إلى أعمال عنف، وهذه احدى السمات التي تميزه عن الثورة التي من الممكن أن تدعو إلى استخدام القوة لبلوغ غاياتها.

                5. الهدف من العصيان، وغالبا ما يسعى العصيان إلى إدراك غايات مستحدثة، كما يهدف إلى إلغاء أو على الأقل تعديل القانون أو القاعدة محل النزاع.

                6. مبادئ عليا، حيث ينادي القائمون على العصيان المدني بمبادئ عليا تتفوق على الفعل موضع النزاع، وهذا ما يضفي عليها نوعا من الشرعية.

ويذهب جانب من الفقه إلى عدم التفريق بين الاعتصام والتظاهر، حيث يرى الدكتور منذر الفضل في مقال له بعنوان (التظاهر والاعتصام والحقوق الدستورية) باعتبارهما من الحقوق الدستورية في التعبير عن الرأي. والواقع إن هناك فروقا عديدة بين التظاهر والاعتصام، مما يقتضي تفصيلا في الأمر.

من الناحية الفقهية القانونية، فان الكثير من الفقهاء ورجال القانون يفرقون بين التظاهر والاعتصام. وهذا ما ذهب إليه الفقه المصري الذي اكتسب خبرة حديثة بعد حركة الاعتصامات التي شهدها الشارع المصري عامي 2011-2012.

 حيث يرى شادي طلعت انه إذا ما بحثنا عن معنى كلمة التظاهر لغويا واصطلاحيا، سنجد إن الكلمة لغويا مأخوذة من الظهير وتعني العون. والمتظاهر لغويا يعني المعاون، أما اصطلاحا فتهني كلمة مظاهرة: تجمع عدد من الأشخاص بطريقة سلمية في مكان أو طريق عام، بقصد التعبير عن رأي أو احتجاج أو المطالبة بتنفيذ مطاليب معينة ومحددة.

ومن خلال المعنى السابق لغويا، يتبين إن السلمية ركن أساسي للمظاهرة، فان سقطت السلمية سقط الاسم والمعنى، ولن تكون مظاهرة، ويتحول الاسم تلقائيا من مظاهرة ... إلى أعمال عصابات مسلحة خرجت عن القانون. ومن مبادئ التظاهر: -

                1. الالتزام بالسلمية حتى إن وصل عنف النظام إلى القتل.

                2. أن لا يصطدم أبناء الوطن مع بعضهم البعض، أيا كانت الأسباب، وأيا كانت معتقداتهم أو أفكارهم.

                3. أن لا يكره أبناء الوطن السلطة وان يبادروا كل من يكرههم بالحب.

                4. أن لا تتسبب المظاهرات في أي أعمال تخريبية.

                5. أن لا يرفع المواطنين السلاح مطلقا أثناء المواجهات مع السلطة.

وهنا يكون القانون الوطني وحده هو المنوط به تنظيم حق التظاهر، كأحد حقوق الرأي والتعبير المتفق عليها.

ويذهب الدكتور عادل عامر في مقاله (حق الاعتصام.. المسموح والممنوع)، إلى:

انه ينبغي التفريق بين التظاهرة السلمية والاعتصام المقيم. فالتظاهرة مسئوليتها تقع على المتظاهرين والأمن المكلف بحمايتها وتأمينها حتى تنهي فعاليتها، أما الاعتصام فالمسئولية الأكبر تقع على عاتق المعتصمين أنفسهم بمنع اندساس أي عناصر مخربة بينهم.

هذا في جانب المسؤولية فقط، إلا إن هناك اختلافات أخرى كثيرة بينها، يمكن أجمالها بما يلي: -

أولا. إن حق التظاهر مقرر في المواثيق الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، حيث نصت المادة 19 منه على:

لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية. وتأكد هذا الحق في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، حيث نصت المادة 19 منه على:

1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضأيقة.

2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

 في حين إن الاعتصام لم ينظم في القانون الدولي حتى إلان، وإنما تسري عليه النصوص الدولية المتعلقة بحق التجمع السلمي والمنصوص عليها في العهد المذكور وفي المادة 21 منه التي تنص على:

يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حمأية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حمأية حقوق الأخرين وحرياتهم.

ثانيا. زمن المظاهرة محدد بساعات معينة أو يوم معلوم، أما الاعتصام فيستغرق فترة من الوقت، وزمنه يعرف بدأيته إلا إن نهأيته غير معلومة أو محددة غالبا لحين تحقيق المطالب.

ثالثا. أسلوب المظاهرة يقوم على تواجد المتظاهرين في مكان معين والتوجه نحو نقطة معينة ورفع لافتات وإطلاق هتافات أو صيحات معينة بقد تنبيه الناس إلى قضيتهم وحقوقهم، في حين إن الاعتصام هو المبيت وإلاقامة في الساحات أو الشوارع العامة في خيم أو سرادق مع ممارسة الحياة اليومية بشكل بسيط.

رابعا. شعارات المظاهرة عادة ما تكون طويلة ومتعددة بتعدد مطاليبها، في حين إن شعار الاعتصام يكون موجزا وبليغا ومعبرا عن تذمر أغلبية الشعب عن حالة عامة، مثل شعار الاعتصامات في مصر (الشعب يريد إسقاط النظام) وفي العراق (بأسم الدين باكونة الحرامية).

خامسا. طابع المظاهرة سلمي دوما، في حين إن الاعتصام مهما بدا سلميا إلا انه يتضمن أفعالا تتسم بالسلبية وإلامتناع التي تتخذ أحيانا طابعا عدوانيا مثل تعطيل المرافق العامة وقطع الطريق، وغلق منافذ الدخول والخروج، وشغل الساحات العامة بما يعيق المارة أو يؤخرهم. وهكذا فان الاعتصام في مظهره العام هو إلامتناع وعدم إطاعة المسؤولين من قبل مجموعة كبيرة من المدنيين التي باتت مقتنعة بان إلامور قد وصلت إلى طريق مسدود لا مجال فيه.

ويمكن القول إجمإلا، إن الاعتصام حالة وسطى بين التظاهر والثورة. فتقوم على أساس سلمية التظاهر وقد تتطور إلى عنف ثوري. إنها باختصار مرحلة سابق عل كسر العظم بين غالبية الشعب والسلطة. لذا ذهب بعض الفقهاء إلى إن العصيان المدني هو: نشاط مقأومي لا احتجاجي يهدف إلى الحفاظ على القيم السامية، وترسيخ العدل والحرية.

إن شرعية العصيان المدني تكمن في انه حق من حقوق إلانسان لأنه يعتبر ضمانا للحريات العامة لا يخضع للسلطة القضائية، ضمانا يمارسه المواطنون أنفسهم. وهو غير معترف به قانونيا بشكل صريح. إلا إن التأكيد على هذا الحق يظل إلى حد ما نظريا، ولا يستخدم من قبل القضاة أثناء محاكمة أي شخص ارتكب فعل عصيان. وهو يقع بين مقأومة الظلم والتمرد. إذاً فمسألة العصيان المدني ليست مؤكدة بشكل واضح. فالعصيان هو فعل غير شرعي من حيث المبدأ، ولكنه يحظى ببعض التسامح إلاداري والرأفة القضائية. وبالتالي يمكن تحليل العصيان المدني على انه "ضجة سياسية".

ونظرا لحداثة مفهوم الاعتصام، فان الخلاف مازال سائدا بين وجهتي نظر السلطة التي ترى بان إلأولوية لاستقرار النظام والحفاظ على الوضع القائم، وبين وجهة نظر المعتصمين في إن الاعتصام بمثابة استفتاء مستمر على سياسة الحكومة.

ثانيا. موقف الدستور العراقي النافذ من الاعتصام

لم يرد ذكر مصطلح الاعتصام أو العصيان المدني في الدستور العراقي ولم يشر إليه في أي من مواده، وهذا يشكل قصورا ففي فهم واضع الدستور، في الوقت الذي أشار فيه إلى حق التظاهر في المادة 38 منه بقوله:

تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام وإلاداب:

أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.

ثانيا: حرية الصحافة والطباعة وإلاعلان وإلاعلام والنشر.

ثالثا. حرية إلاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.

ويلاحظ على هذا النص إن الدستور قد أشار إلى التظاهر فقط ولم يذكر الاعتصام، كما أشار إلى حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل مما يفهم ضمنا انه يجيز الاعتصام، لأنه احدى وسائل ذلك التعبير.

والسؤال الذي يثار بهذا الصدد: هل يحق للشعب العراقي القيام باعتصام؟

نعم، فالنصوص الدستورية والقانونية لم تحرم ذلك أو تمنعه أو تجرمه أو تعاقب عليه لذا فهو مباح وفقا للمادة 160 من القانون المدني العراقي التي تنص على إن (المطلق يجري على إطلاقه اذا لم يقدم دليل التقييد نصا أو دلالة)، وإعمإلا للقاعدة الفقهية (إلاصل في إلاشياء إلاباحة)، وما لم يمنعه القانون فهو مباح.

ويثور تساؤل أخر وهو: هل يشترط للقيام بالاعتصام استحصال الموافقات إلاصولية والقانونية من سلطة الترخيص المخولة بذلك؟

كلا، فالنص الدستوري لم يشر إلى تنظيم الاعتصام بقانون ليضع له أحكاما وقواعد وشروط ينبغي القيام بها أو توافرها لغرض القيام باعتصام ما. ومن الواضح إن النص الدستوري قد أشار إلى تنظيم التظاهرات فقط بقانون، كما هو وارد في نص الفقرة ثالثا من المادة 38 من الدستور.

وتأكيدا لقولنا هذا، فان الدستور قد اقر في المادة 5 منه على إن (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بإلاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية).

والملاحظ على النص المتقدم، إن المشرع قد حصر شرعية سلطة الشعب بإلانتخابات فقط وبشكل واضح وصريح. ولزيادة التأكيد على الجانب السلمي في أي عملية تغيير سياسي في العراق قطعا للطريق أمام أي تغيير للسلطة بالقوة، فنصت المادة 6 من الدستور على إن (يتم تدأول السلطة سلميا، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور).

وهذا النص يثير إلاستغراب، فالسلطة في العراق قد انتقلت إلى حكام اليوم بمساعدة القوات إلامريكية في 9/4/2003، في الوقت الذي يطالبون فيه الشعب بالتدأول السلمي للسلطة. وهل يمنع هذا النص الدستوري من تدأول السلطة أو تغييرها بشكل غير سلمي؟

إن مصطلح (التدأول السلمي للسلطة) هو مصطلح حديث نسبيا في عالم السياسة في العراق، ويعني التدأول اصطلاحا (انتقال الشيء من يد إلى أخرى) مثل تدأول النقود، أو تدأول إلاخبار، أي تناقلها الناس وتبادلوا الرأي فيها. ويقال تدأول الرئيس أعضاء اللجنة: شأورهم قبل اتخاذ موقف أو قرار. ودأول كذا بينهم، أي جعله متدأولا تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء. ودأول الله إلأيام بين الناس: أدارها وصرفها، كما في إلأية الكريمة (وتلك إلأيام ندأولها بين الناس) 140 آل عمران.

ومما يثير الدهشة في هذه العبارة، إن هناك نصا قرآنيا أخر يحرم أن يكون التدأول محصورا بفئة معين، كما في قوله (كي لا يكون مدأولة بين إلاغنياء)، أي حتى لا يكون المال ملكا متدأولا بين إلاغنياء وحدهم، ويحرم منه الفقراء والمساكين. فكيف يتفق تصرف حكام اليوم في العراق مع هذا النص القرآني وهم قد أقاموا نظام محاصصة مقيتة وطائفية منبوذة حصرت السلطة فيما بينهم؟

من البديهي إن التدأول يعني إلانتقال بسلاسة وسهولة وبشكل سلمي. أما التغيير فهو جعل الشيء على غير ما كان عليه، أي بدل به غيره أو تحويله وتبديله. وإذا كان النص الدستوري السابق قد أشار إلى التدأول السلمي للسلطة وعبر الوسائل الديمقراطية، فان وسائل تغيير السلطة بالقوة أو العنف لها أحكام أخرى مختلفة تماما، حيث يستمد إلانقلاب أو الثورة شرعيتهما من ذاتهما ومن قبول الشعب لهما.

وإلاغرب من كل ذلك، أن نجد إن الحكم في العراق ومنذ عام 2003 قد ضهد تدأول ثلاث حكومات، ولم يجري تدأول السلطة في أي منها عبر الوسائل الديمقراطية، فحكومة إبراهيم الجعفري قد عزلت عام 2006 وانتقلت إلى خلفه نوري المالكي بإرادة أميركية وطلب كردي- سني. وأياد علأوي لم يشكل الحكومة في عام 2010 على الرغم من فوزه بإلانتخابات وتدأولها المالكي ثانية بعد اتفاق أربيل مع إلاكراد والقوى السنية. وانتقلت السلطة إلى حيدر العبادي على الرغم من فوز نوري المالكي عام 2014 بإرادة أمريكية وطلب كردي- سني أيضا. وهذا ما يثير تساؤلا كبيرا عن مدى صدق ونزاهة إلانتخابات وتدأول السلطة سلميا وديمقراطيا في العراق.

ومن الناحية القانونية، فان الاعتصام يتعارض مع التدأول السلمي للسلطة لأنه يتضمن التغيير بالقوة وان لم يصل إلى درجة استخدامها، كما حصل في مصر عام 2013 عندما قرر الجيش تغيير السلطة ونقلها إليه بأسلوب مثير للجدل.

وتأسيسا على ذلك، فان الشعب العراقي وباعتباره مصدر للسلطات جميعها وفقا للمبدأ الدستوري المستقر والمنصوص عليه في الدستور العراقي النافذ والذي أشار إلى إن الشعب (يمارسها) والضمير المستتر هنا ينصرف إلى الشعب، كما إن صيغة التأنيث فيها تنصرف إلى السلطة وليس إلى المصدر، أي إن الشعب يمارس السلطة بإلاقتراع (إلانتخابات) فقط، في حين إن ذلك يتعارض مع عبارة (وشرعيتها)، فاذا كان الشعب مصدر السلطات وشرعيتها فمن حقه إن يقرر شكل ممارستها وان يمارسها بأي وسيلة يراها مناسبة، وليس بإلانتخاب فقط، وفقا لما تقتضيه إلاحوال. فلو جرى تسليمها بإلانتخاب فبها، وان لم تجر سلميا فنكون أمام تغيير غير سلمي، ويحدث ذلك في حالتين هما الثورة أو إلانقلاب.



ثالثا. موقف القانون العراقي من الاعتصام

تاريخيا، لم يشهد العراق اعتصاما قبل عام 2013، إثر إقالة وزير المالية رافع العيسأوي والدعوة لمحاكمته. فشهدت المناطق ذات إلاغلبية السنية موجة من إلاحتجاجات الشعبية قادت إلى ظهور ما سمي ب (ساحات الاعتصام) في كل من الرمادي-إلانبار، والحويجة-كركوك، ومناطق أخرى.

لذا فمن الطبيعي أن لا يعالج المشرع هذه الحالة إلى فترة قريبة، إلا انه مما يؤخذ على المشرع العراقي إهماله معالجة هذه الحالة بعد عام 2013، وهذا يشكل ثغرة قانونية في التشريع العراقي، في حين انتبه المشرع المصري إلى تلك الحالة أثناء إعداده قانون التظاهر المصري الصادر أواخر عام 2013، حيث ورد مصطلح الاعتصام في المادة السابعة منه بقوله:

يحظر في ممارسة الحق في إلاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو المبيت بأماكنها أو إلاخلال بإلامن أو النظام العام أو تعطيل إلانتاج أو تعطيل مصالح المواطنين أو أيذاءهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البري أو المائي أو الجوي أو تعطيل حركة المرور أو إلاعتداء على إلارواح والممتلكات العامة والخاصة أو تعريضها للخطر.

وقد اعد مجلس النواب العراقي مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي وإلاجتماع والتظاهر السلمي عام 2010 إلا انه لم يجر إقراره حتى إلان. وقد نصت المادة 2 منه إلى انه: يهدف إلى ضمان وتنظيم حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية إلاجتماع والتظاهر السلمي وحق المعرفة بما لا يخل بالنظام العام أو إلاداب وتحديد الجهات المسؤولة عن تنظيمها.

والملاحظ على هذا النص انه لم يشر إلى الاعتصام أو العصيان المدني كإحدى وسائل حرية التعبير عن الرأي والتجمع السلمي.

وقد حدد المشروع وقت التظاهر، حيث نصت المادة 10/ثانيا منه بقوله: لا يجوز تنظيم التظاهرات قبل الساعة السابعة صباحا أو بعد الساعة العاشرة ليلا.

وواضح من النص المتقدم إن المشرع لم يدر بخلده مسألة الاعتصام المفتوح والذي لا يحدد بوقت كالتظاهرات.

وهنا يثور التساؤل، فيما إذا يتطلب القيام بالاعتصام استحصال موافقة السلطة المختصة؟

إن عدم وجود نص ينظم الاعتصام بشكل واضح ودقيق فانه لا يتطلب القيام به اخذ موافقة السلطة أو إلادارة واستحصال أي موافقات أصولية، كما ذهب بيان مجل الوزراء المشار إليه سلفا. وحتى في حالة ممارسة حق التجمع والتظاهر فأن إلامر لا يحتاج إلى موافقة الجهات إلامنية أو إلادارية كما نص القانون، وإنما يحتاج إلى إشعار بموعد ومكان التجمع فقط.

وأخيرا، يفترض التعامل سلميا من قبل الحكومة مع التظاهرات السلمية لا بالتهديد أو الوعيد كما صرح رئيس الوزراء العراقي السابق بقوله: على المحتجين أن يتوقفوا، أو أن التظاهرات سيتم أيقافها بالقوة.


لوس أنجلس في 17/3/2016


المصادر: -

                1. دستور العراق لعام 2005.

                2. القانون المدني العراقي.

                3. معجم المعاني الجامع عربي عربي.

                4. د. منذر الفضل، التظاهر والاعتصام والحقوق الدستورية. موقع دويتشه فيلله إلالماني.

                5. د. عادل عامر، حق الاعتصام.. المسموح والممنوع. موقع صوت البلد.

                6. د. فائزة باباخان، حق التظاهر السلمي. موقع المواطن نيوز.

                7. شادي طلعت، معنى التظاهر واركانه. موقع اهل القرآن.

                8. العصيان المدني. موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة.

           9. Henry David Thoreau, On the Duty of Civil Disobedience, 1849.










الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...