الأحد، 16 يونيو 2019

هل خرج العراق من أحكام الفصل السابع من الميثاق؟

هل خرج العراق من أحكام الفصل السابع من الميثاق؟

د. رياض السندي

- تمهيد
كثيراً ما يطرح العراقيون هذا السؤال الهام والذي يمسُّ حياة العراقيين ومستقبلهم، في حين تأتي إجابة الحكومة على هذا السؤال غير دقيقة وتتضمن خداعاً لأغراض سياسية، ومزايدات حزبية، ودعايات إنتخابية، مما يشوش الصورة على المواطن العراقي الذي عانى من حصار إقتصادي لمدة 13 سنة، أعقبتها 17 سنة من الفشل الإداري، مما زاد من معاناة العراقيين وضياع حقوقهم. وهذا ما دفعنا إلى بحث الموضوع بشكل علمي وموضوعي دقيق ومحايد، لتوضيح الصورة كاملة.
أدخل العراق تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بموجب القرار 660 الصادر عن مجلس الأمن في 2 آب/أغسطس 1990، بعد ساعات من غزوه للكويت، حيث أشار المجلس -ولأول مرة في تاريخ المنظمة الدولية إلى المادة القانونية التي يتصرف بموجبها، بعد أن كان لا يشير إلى الفصل أو المادة القانونية من الميثاق التي يتصرف بموجبها ووفق الصلاحيات المخولة له بموجبها، حيث أشار القرار المذكور في ديباجته إلى إنه " وإذ يتصرف بموجب المادتين 39 و40 من ميثاق الأمم المتحدة". وهاتين المادتين تقعان في الفصل السابع من الميثاق الذي يتضمن المواد من (39-51). 
ويمكن الإستدلال على ذلك من خلال قرارات مجلس الأمن الدولي حيث يتضمن في الغالب إشارتين إلى ذلك، وهما: -
1. صدور القرار بموجب الفصل السابع من الميثاق، أو إحدى مواده في ديباجة القرار وقبل الفقرات التنفيذية. وأول قرار فيه إشارة لمواد الفصل السابع من الميثاق هو القرار 598 الصادر بتاريخ 20 تموز/يوليو 1987 في الحالة بين إيران والعراق، حيث أشار المجلس في ديباجة قراره المذكور إلى إنه (إذ يتصرف بموجب المادتين 39 و30 من الميثاق). وقد تكررت هذه الإشارة أيضا بعد ثلاث سنوات لاحقة في القرار 660 لعام 1990 وهو أول قرار يصدر في الحالة بين العراق والكويت.
وقد ظَلّ المجلس يكرر عبارة (وإذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة) في كل قراراته الصادرة في الحالة بين العراق والكويت، منذ صدور القرار S/RES/664 بتاريخ 18 آب/أغسطس 1990 وحتى القرار S/RES/2335 الصادر في 30 كانون الأول/ديسمبر 2016.
2. إبقاء المسألة قيد نظر المجلس: حيث يختتم المجلس قراراته بعبارة (يقرر إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي)، أو أية عبارة أخرى مماثلة، كما أشار في القرار S/RES/660الصادر في 2 آب/أغسطس 1990 وهو أول قرار صدر عن الحالة بين العراق والكويت، قوله (يقرر أن يجتمع ثانية عند الإقتضاء للنظر في خطوات أخرى لضمان الإمتثال لهذا القرار). أو عبارة (يقرر أن يبقي هذا البند على جدول أعماله وأن يواصل جهوده لوضع حد للإحتلال)، كما ورد في القرار S/RES/662 الصادر في 9 آب/أغسطس 1990. وأوضح هذه العبارات ما ورد في القرار 687 في 3 نيسان/أبريل 1991 بقولها (يقرر أن يبقي المسألة قيد النظر وأن يتخذ ما قد يلزم من خطوات أخرى لتنفيذ هذا القرار وضمان السلم والأمن في المنطقة). وما زالت هذه العبارة تتكرر في كل قرارات المجلس حول الوضع في العراق حتى في آخر قرار له برقم S/RES/2470 في 21 آيار/مايو 2019.

- الحالات المستنفذة
ويمكن إستخلاص الحالات التي أخرجت من تحت أحكام الفصل السابع من الميثاق، إستنادا إلى قرارات المجلس، وكما يلي: -
أولا. أشار القرار S/RES/1483 الصادر في 22 آيار/مايو 2003 (أي بعد 45 يوماً من الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق) وهو أول قرار يصدر عن المجلس يقرر رفع إجراءات الحظر الإقتصادي على العراق وفقا للفقرة 10 من القرار المذكور بقولها: " يقرر (المجلس) ألا تسري بعد الآن جميع تدابير الحظر المتصلة بالتجارة مع العراق وبتقديم الموارد المالية أو الاقتصادية للعراق، والمفروضة بموجب القرار 661 (1990) والقرارات اللاحقة ذات الصلة، بما فيها القرار 778 (1992) المؤرخ 2 تشرين الأول/أكتوبر 1992، وذلك بإستثناء تدابير الحظر المتصلة ببيع الأسلحة أو الأعتدة ذات الصلة إلى العراق أو تزويده بها، فيما عدا الأسلحة والأعتدة ذات الصلة التي تحتاجها السلطة لخدمة أغراض هذا القرار، والقرارات الأخرى ذات الصلة".
ثانيا. تضمن القرار 1957 والصادر في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2010 حالات أخرى لم يتم التحقق من وجودها بعد تعذر العثور عليها، وهي أسلحة العراق إذ نصت الفقرة 1 منه على ما يلي: " يقرر أن ينهي التدابير المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والقذائف والأنشطة النووية المدنية المفروضة بموجب الفقرات 8 و 9 ﻭ 10 ﻭ 12 ﻭ 13 من القرار 687 (1991) والفقرة 3 (و) من القرار 707 (1991)؛ وعلى نحو ما أعيد تأكيده في القرارات اللاحقة ذات الصلة".
ثالثا. جاء القرار 1956 والصادر في 15 كانون الأول/ديسمبر 2010 لينص على إنهاء آلية إيداع أموال صادرات العراق النفطية بحلول 30 من حزيران/يونيه 2011، حيث نصت فقرته الأولى على ما يلي: " يقرر أن ينهي في 30 حزيران/يونيه 2011 الترتيبات المحددة في الفقرة 20 من القرار 1483 (2003) بشأن إيداع العائدات المتأتية من مبيعات صادرات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي في صندوق تنمية العراق.....".
رابعا. يعتبر القرار S/RES/2107 الصادر في 27 حزيران/يونيه 2013 قرارا مهما بهذا الصدد، حيث نصت الفقرة 3 منه على ما يلي: "يقرر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إنهاء التدابير المنصوص عليها في الفقرات 2 (ﺝ) 򟕄 (ﺩ) 򟕅 (ﺝ) من القرار 686 (1991)، والفقرة 30 من ﺍﻟﻘﺮﺍ� (1991) والترتيبات المنصوص عليها في الفقرة 14 من القرار 1284 (1999) والتي أعيد تأكيدها في قرارات لاحقة ذات صلة).
وبالرجوع إلى هذه القرارات الثلاث المشار إليها في هذا القرار، نجد إن تلك المواد تتضمن حالات مستنفذة، وهي:
1. إطلاق سراح جميع الكويتيين ورعايا الدول الثالثة الذين إحتجزهم العراق وأن يعيد أي جثثت للموتى منهم. (الفقرة 2 ج، من القرار 686 لعام 1991، والفقرة 30 من ﺍﻟﻘﺮﺍ� لعام 1991).
2. إعادة الممتلكات الكويتية التي إستولى عليها العراق. (الفقرة 2 د، من القرار 686 لعام 1991).
3. إطلاق سراح جميع أسرى الحرب وإعادة أية جثث للموتى من أفراد قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة معها. (الفقرة 3 ج، من القرار 686 لعام 1991).
خامسا. جاء القرار S/RES/2390الصادر في 8 كانون الأول/ديسمبر 2017 ليقرر إعتبار العراق والأمم المتحدة قد "نفذا تنفيذا تاما جميع التدابير المفروضة بموجب قراري مجلس الأمن 1958 (2010) و2335 (2016) المتخذين بموجب الفصل السابع من الميثاق" حيث قرر المجلس إخراج بعض إلتزامات العراق من تحت طائلة الفصل السابع من الميثاق، ومعظمها قد جرى تكراره وهي: -
أ‌- إطلاق سراح جميع الكويتيين ورعايا الدول الثالثة الذين إحتجزهم العراق.
ب‌- إعادة كافة الممتلكات الكويتية التي إستولى عليها العراق.
ت‌- إطلاق سراح جميع أسرى الحرب وإعادة إي جثث للموتى من أفراد القوات الكويتية والدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت.
ث‌- تحويل الأموال المتبقية في حساب الضمان المنشأ بالقرار 1958 (2010) إلى حكومة العراق.
وبإختصار شديد، يمكن القول بان الحالات التي تم رفعها وإخراجها من الفصل السابع، هي:
1. الحظر الاقتصادي، بموجب الفقرة 10 من القرار 1483 لعام (2003).
2. إنهاء المنطقة المنزوعة السلاح التي تمتد عشرة كيلومترات داخل العراق وخمسة كيلومترات داخل الكويت بدءا من الحدود العراقية - الكويتية وإنهاء بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في العراق والكويت في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2003، بموجب القرار 1490 لعام (2003).
3. تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، بموجب الفقرة 1 من القرار 1957 لعام (2010).
4. إطلاق سراح جميع الكويتيين ورعايا الدول الثالثة الذين إحتجزهم العراق وأن يعيد أي جثثت للموتى منهم، بموجب الفقرة 3 من القرار 2107 لعام (2013).
5. إعادة الممتلكات الكويتية التي إستولى عليها العراق، بموجب الفقرة 3 من القرار 2107 لعام (2013).
6. إطلاق سراح جميع أسرى الحرب وإعادة أية جثث للموتى من أفراد قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة معها، بموجب الفقرة 3 من القرار 2107 لعام (2013).
7. غلق حساب الضمان العائد لصندوق تنمية العراق والمرتبط ببرنامج النفط مقابل الغذاء وبالتعويضات ونفقات الأمم المتحدة، بموجب القرار 2390 لعام (2017).

عدا الحالات المذكورة في أعلاه، لا يمكن القول إن العراق قد خرج من تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وإنه ما زال تحت أحكام هذا الفصل حتى يومنا هذا.

- إدعاءات حكومية
من جانب آخر نرى إن الإعلام الحكومي الرسمي وتصريحات المسؤولين العراقيين تتباهى بخروج العراق من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في أحيان كثيرة.
إن إدعاءات الحكومات العراقية المتكررة منذ عام 2010 حتى يومنا هذا، هي إدعاءات غير صحيحة وغير دقيقة، وتنم عن جهل قانوني وتدخل ضمن إطار الخداع والتضليل السياسي الذي مارسه العديد من المسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي إدعى بأن خروج القوات الأمريكية عام 2010 هو خروج للعراق من الفصل السابع للميثاق، لا بل ظلَّ يتبجح في حملاته الانتخابية لعامي 2010 و2014 بأن من أهم إنجازاته هو إخراج العراق من الفصل السابع من الميثاق. وخلال احتفالية مركزية أقيمت بمناسبة خروج العراق من أحكام البند السابع قال رئيس الوزراء نوري المالكي، بتاريخ 29 حزيران 2013، إن خروج العراق من طائلة البند السابع بالخطوة المهمة لاستعادة مكانته الدولية، مؤكدا إن القرارات الدولية “أصبحت من الماضي”، وفيما أشار إلى إن العراق أصبح متحررا من القيود التي فرضت بسبب “حماقات” النظام السابق، وجه نداء لكل دول المنطقة والعالم بـ” مد يد الصداقة”، وشدّد على أن “العراق لا يمكن أن ينخرط في سياسة المحاور والاستقطابات”. 
أما المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي علي الموسوي فقد اعتبر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن هذا اليوم «يوم وطني يحق لكل العراقيين الخيرين أن يفخروا به خصوصا الأجيال القادمة، لأن خروج العراق من البند السابع الذي كان بسبب سياسات النظام السابق الحمقاء إنما تم من خلال جهود ضخمة بذلتها الحكومة والدبلوماسية العراقية بصبر كبير على الرغم من كل العوائق والشكوك». وكان وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري قد صرَّح لقناة العربية عام 2013 قائلا: "خروج العراق من تحت الفصل السابع يوم تاريخي". وقد تكرر هذا الإدعاء الأجوف على لسان ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك محمد علي الحكيم الذي تحدث في 21/9/2013 لإذاعة مونت كارلو الدولية عن الأهمية التي إكتسبها خروج العراق من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. 
وأعاد المسؤولين في العراق حملة أخرى في هذا السياق عام 2015 أيضا، في حين إن أحداً لم ينتبه إلى إن القرار 2335 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بعد أكثر من سنة وفي اليوم قبل الأخير من عام 2016 وتحديدا بتاريخ 30 كانون الأول/ديسمبر 2016 قد أشار في ديباجته إلى إن المجلس إذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة).
وفي عام 2017 تكررت مرة أخرى إدعاءات المسؤولين في العراق بخروج العراق من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ادلى المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد محجوب ببيان صحفي بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2017 بأنه " تم إنهاء ملفات العراق في مجلس الأمن، والموروثة من حقبة النظام السابق والصادرة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". 
ومما يثير الإستغراب هو قيام رئيس العراق برهم صالح بتاريخ 11/11/2018 بتسليم الكويت دفعة من الممتلكات والأرشيف الكويتية الموجودة في خزائن وزارة الخارجية العراقية، مشيرا إلى أنه سيتم تسليم بقية تلك الممتلكات على دفعات لاحقة ومتتابعة. وقال صالح في تصريحات لصحيفة “الراي” الكويتية، إن زيارته “ستشهد تسليم دفعة من الممتلكات والأرشيف الكويتية الموجودة في خزائن وزارة الخارجية العراقية، على أن يتم تسليم بقية تلك الممتلكات على دفعات لاحقة ومتتابعة، كجزء من بادرة حسن النية لدى العراق تجاه دولة وشعب الكويت الشقيق. في حين أن الأمم المتحدة قد أغلقت ملف الممتلكات الكويتية، ولا أدري هل هي خطوة تصحيحية لاحقة أم مجاملة مبالغ فيها؟
وعلى ما يبدو أن حكومات العراق المتعاقبة والمسؤولين فيها يفتقرون للثقافة القانونية ويجهلون القانون الدولي تماما، وفي سعيهم للتظاهر بتحقيق إنجاز معين فإنهم يتصورون أن صدور أي قرار من مجلس الأمن يتضمن إشارة إلى إستكمال أحد طلبات الأمم المتحدة فإن ذلك يعني خروج العراق تماما من أحكام الفصل السابع من الميثاق، ويسارعون إلى الإعلان عن ذلك كأحد أهم إنجازات الحكومة في تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة لشعبها وفي الحفاظ على سيادة العراق. وشخصياً، وكان الإستغراب يتملكني كل صباح عندما أذهب إلى عملي في وزارة الخارجية ماراً بجسر الجمهورية حيث هناك لافتة طولية معلقة على بناية المطعم التركي تتضمن إنجازات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وفي مقدمتها إخراج العراق من الفصل السابع من الميثاق. لا بل أقام العراق -كما أسلفنا- في حزيران 2013 إحتفالية كبرى بمناسبة خروج العراق من الفصل السابع من الميثاق، بينما أصدر مجلس الأمن الدولي بعد أكثر من ثلاث سنوات، قراره المرقم 2335 في 30 كانون الأول/ديسمبر 2016، استناداً إلى الفصل السابع من الميثاق.
مما يؤكد إن كل تلك الإدعاءات كانت غير صحيحة. وكما وصف أحد الدبلوماسيين في الأمم المتحدة تلك الحالة بقوله: أن المسؤولين في العراق يرقصون قبل بدء الموسيقى.
إن الحالات التي ما زالت تحت أحكام الفصل السابع من الميثاق، هي:
أ‌- الأسلحة
فقد جرى فرض إجراءات الحظر على السلاح إلى العراق بموجب القرار 687 (1991). ورأينا كيف إن مجلس الأمن قد إستثنى تدابير حظر الأسلحة عندما قرر رفع الحظر الاقتصادي عن العراق في 22/5/2003، ويتعين على جميع الدول منع بيع الأسلحة والمعدات ذات الصلة للعراق أو تزويده بها. وقد جرى تأكيد ذلك في الفقرة 22 من القرار 1546 (2004)، وأشار المجلس إلى أنه لا يوجد في الفقرة السابقة ما يمس الحظر المفروض على الدول أو التزاماتها فيما يتعلق بالبنود المحددة في الفقرة 8 (الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقذائف التسيارية التي يفوق مداها 150 كيلومترا) والفقرة 12 (الأسلحة النووية) من القرار 687 (1991) أو الأنشطة الوارد وصفها في الفقرة 3 (و) (الأنشطة النووية) من القرار 707 (1991). وكانت الفقرة 10 من قرار مجلس الأمن 1483 في 22 أيار/مايو 2003 قد نصت على إستثناء حظر السلاح للعراق منه إجراءات رفع الحظر بقولها: إلا تسري بعد ألان جميع تدابير الحظر المتصلة بالتجارة مع العراق وبتقديم الموارد المالية أو الاقتصادية للعراق، والمفروضة بموجب القرار 661 (1990) ... وذلك باستثناء تدابير الحظر المتصلة ببيع الأسلحة والأعتدة ذات الصلة أو تزويده بها. ومن المعروف أن إجراءات حظر الأسلحة إلى العراق قد جرى إتخاذها إستناداً للفصل السابع من الميثاق بالقرارات ذات الصلة.
ب‌- التعويضات الكويتية
ما زال ملف التعويضات العراقية للكويت مفتوحا ولم يجري غلقه، على الرغم من إن المبلغ المتبقي من إجمالي التعويضات هو 4.1 مليار دولار أميركي. وما زالت حكومة العراق مستمرة بدفع أقساط التعويض بمعدل 300 مليون دولار كل 3 أشهر، كما جرى تفصيله سابقا. 
ج‌- المفقودون الكويتيون
خلال عامي 1990 و1991، وقع 605 من الكويتيين ورعايا الدول الأخرى قيد الأسر لدى القوات العراقية، وبقي مصيرهم مجهولاً حتى عام 2004 حين جرى التعرف على بقايا 236 من جثث هؤلاء، ولم يحصل أي تقدم منذ لك الحين تجاه المفقودين الـ 369 الآخرين. وتتولى لجنة ثلاثية برئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالإضافة على العراق والكويت إجتماعاتها الدورية بصدد هذه المسألة، رغم عدم إحراز أي تقدم يذكر. وقد أشار ممثل الكويت في الإحاطة الأخيرة لممثلة الأمين العام في العراق السيدة بلاسخارت بتاريخ 21/5/2019 بأن المعلومات المتعلقة بمئات المفقودين الكويتيين لا تزال غير كافية. وإنه لم يتم إسترداد أي رفات منذ عام 2004.
ح‌- تجميد الأصول المالية للنظام السابق
شكّلت لجنة مجلس الأمن المنشأة عملا بالقرار 1518 (2003) في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2003، باعتبارها الهيئة الخلف للجنة مجلس الأمن المنشأة عملا بالقرار 661 (1990) بشأن العراق والكويت. وتنفذ الدول عمليات تجميد الأصول وتدابير النقل في ما يتعلق بالأفراد والكيانات من المدرجين في قائمة الأفراد المنشأة عملا بالقرار 1483 (2003) في 30 آيار/مايو 2003 أو قائمة الكيانات المنشأة عملا بالقرار ذاته. وتحتفظ اللجنة بالقائمتين المذكورتين وتعمل على استكمالهما بشكل منتظم. تتألف اللجنة من جميع أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر وتتخذ قرارتها بتوافق الآراء. والرئيسة الحالية للجنة، للفترة المنتهية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019، هي سعادة السيدة يوانا فرونيتسكا (بولندا). ونائب الرئيسة لعام 2019 هو إندونيسيا. وتعد اللجنة تقارير سنوية عن أنشطتها.
وأنشئت اللجنة من أجل مواصلة تحديد كبار مسؤولي النظام العراقي السابق وأفراد عائلاتهم الأقربين، بما في ذلك الكيانات التي يملكونها أو يسيطرون عليها هم أو أشخاص يعملون نيابة عنهم، من الخاضعين للتدابير المفروضة بموجب الفقرة 23 من القرار 1483 (2003). وتحقيقا لتلك الغاية، تعمل اللجنة على استكمال القوائم التي تضم أفرادا وكيانات ممن سبق أن حددتهم اللجنة المنشأة عملا بالقرار 661 (1990).
وقرر مجلس الأمن أيضا، في القرار 1518 (2003)، إبقاء ولاية اللجنة قيد الاستعراض والنظر في إمكانية الإذن بتكليفها بالمهمة الإضافية المتمثلة في مراقبة مدى وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها المنصوص عليها في الفقرة 10 من القرار 1483 (2003).
ومن المعروف أن القرارين 1483 (2003) و 1518 (2003) قد صدرا بموجب الفصل السابع من الميثاق. وما زالت قائمة الأفراد والكيانات المشمولة بالقرار الأخير في أعلاه موجودة على موقع الأمم المتحدة، وتحتوي قائمة الجزاءات في الوقت الراهن على أسماء 86 فردا و 108 كيانا. وقد تم تنقيح واستكمال قائمة الأفراد في 14 أيار/مايو 2019. ولم تقم الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 على إجراء أي تعديل عليها، على الرغم إنها ما زالت قوائم الأفراد تتضمن أسماء أشخاص متوفين بشكل مؤكد منذ أكثر من 17 عاما، مثل إبنّي الرئيس الراحل صدام حسين (عدي وقصي)، وكذلك تتضمن قائمة الكيانات المحظورة أسماء عدد من الكيانات المنحلة والتي لم يعد لها وجود منذ 17 عاما، وعلى سبيل المثال هيئة التصنيع العسكري.
- خاتمة
إن المجتمع الدولي ما زال ينظر إلى حكومات العراق بعد عام 2003 على إنها حكومات ضعيفة وغير شرعية وإن سيادة العراق منقوصة في ظل هذه الحكومات غير الحريصة على مصالح العراق، ولو كان المجتمع الدولي والأمم المتحدة مقتنعاً بأداء حكومات العراق المتعاقبة منذ 2003 وحتى 2019 لما كانت الأمم المتحدة تراقبه وتصدر قراراتها المتضمنة توصياتها بحقه حتى اليوم، ولما كانت هناك من حاجة لوجود بعثة الأمم المتحدة في العراق أصلاً.
ومن جانب آخر، فإن الكويت ما زالت تقف موقفاً متصلباً من هذه المسألة تحديداً، فقد "صرح محمد عبد الله أبو الحسن مبعوث أمير الكويت إلى موسكو الذي نقل رسالة من رئيس الوزراء الكويتي إلى نظيره الروسي، إن مضمون الرسالة يتألف من شقين يتعلق أحدهما بالعلاقات الثنائية، في حين يتعلق الثاني برؤية الكويت لطلب العراق من الأمم المتحدة بالخروج من الفصل السابع وفقا للقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي تحت بند الحالة بين الكويت والعراق.
وأكد أبو الحسن عدم جواز أن تقوم أي دولة صدرت بحقها قرارات دولية أن تنفذ ما تريد وتتجاهل ما تريد موضحاً أن هذه القرارات تشكل حزمة متكاملة. وشدد على أن الخروج من الفصل السابع الذي يسعى العراق إليه لن يجوز أن يأتي إلا بعد الالتزام بالتنفيذ الكامل للقرارات الدولية وبإقرار من قبل منظمة الأمم المتحدة وليس الكويت أو العراق". 
إن خروج العراق من أحكام الفصل السابع بشكل كامل ونهائي إنما هو مرهون بتوفر طبقة سياسية وطنية تمتلك إرادتها بمعزل عن التأثيرات الدولية، وتسترشد بأحكام وقواعد ومبادئ القانون الدولي، وتحتفظ بسيادة العراق ووحدته وإستقلاله. نتمنى أن نشهد حقا خروج العراق من تحث طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة قريبا، ليعود إلى مكانته المتميزة في المجتمع الدولي قبل الثاني من آب/أغسطس 1990.


د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي – دبلوماسي سابق
كاليفورنيا في 11 حزيران 2019


المصادر/
1. ميثاق الأمم المتحدة.
2. قرارات الأمم المتحدة بصدد الحالة بين العراق والكويت.
3. قائمة جزاءات لجنة 1518، موقع الأمم المتحدة، الرابط: https://www.un.org/securitycouncil/ar/sanctions/1518/materials

الاثنين، 28 يناير 2019

الدور السياسي للكنيسة الكلدانية في العراق ج(2)


ثانيًا: الفكر السياسي للكنيسة الكلدانية

تاريخيًّا، «كانت الكنيسة الكلدانية أول كنيسة شرقية تتّحد مع روما سنة 1553، إذ انشقت عن الكنيسة النسطورية».[1]وقد تناوب على رئاستها 18 بطريركًا من 1553- 2013. وآخر بطاركتها هو البطريرك الحالي مار لويس روفائيل ساكو، الذي تم تنصيبه بطريركًا للكنيسة الكلدانية في 1 فبراير (شباط) 2013. [2]
ومن المفترض أنها تعالج قضاياها، ومن بينها مسألة تعاطي الكنيسة ورجالها السياسة، طبقًا لتعليمات الكنيسة الكاثوليكية في روما.
وقد تطرق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962- 1965) [3]في الدستور الرعائي «الكنيسة في العالم المعاصر» إلى موضوع حياة الجماعة السياسية؛ إذ خصص فصلًا كاملًا لهذا الموضوع بعنوان «الجماعة السياسية والكنيسة»، نقتبس منه الفقرة 76، التي تنص على ما يلي:
76- إنه لفي بالغ الأهمية أن ننظر نظرة صحيحة إلى العلاقات بين الجماعة السياسية، والكنيسة، لا سيما في المجتمعات التعددية. ويجب أن نميز بوضوح تام بين الأعمال التي يقوم بها المؤمنون، أفرادًا أم جماعات، باسمهم الخاص، بوصفهم مواطنين مسترشدين بضميرهم المسيحي، والأعمال التي يقومون بها باسم الكنيسة، وبالاتحاد مع رعاتهم.
نظرًا إلى مهمة الكنيسة وصلاحيتها فهي لا تختلط بحال من الأحوال بالجماعة السياسية، ولا ترتبط بأي نظام سياسي. إنها العلامة والضمانة لما يمتاز به الشخص البشري من تسام ٍ.
فالجماعة السياسية والكنيسة مستقلتان، لا ترتبط الواحدة بالأخرى في الحقل الخاص بكل منهما. غير أنهما تقومان، وإن بأدوار مختلفة، بخدمة الدعوة الفردية والاجتماعية للناس ذاتهم. وإنهما لتقومان بهذه الخدمة لخير الجميع، وبمزيد من الفاعلية، بقدر ما تحاولان دائمًا أن تتعاونا تعاونًا صحيحًا نسبة إلى ظروف الزمان والمكان أيضًا.[4]
والنقطة الأهم في هذه الرسالة الكنسية الكاثوليكية، هو التفريق بين المؤمنين (المسيحيين) في الحياة السياسية، ودورهم فيه، وبين الكنيسة (رجال الدين) ودورهم فيها، مشدّدة على أن دور الكنيسة يختلف عن دور الجماعة السياسية، ويجب التمييز بينهما؛ لأن «الكنيسة لا ترتبط بأي نظامٍ سياسي».
وتُحظر الكنيسة الكاثوليكية التدخل في الشأن السياسي، وتعتبرها مهمة قاصرة على العلمانيين. وقد جاء هذا الحظر في التعليم الكاثوليكي المسيحي البند 2442:
ليس من اختصاص رعاة الكنيسة التدخل المباشر في البناء السياسي وتنظيم الحياة الاجتماعية. فهذه المهمة جزء من دعوة المؤمنين العلمانّيين، العاملين بمبادرتهم الخاصة مع أجل مواطنيهم. ويمكن أن يكون للعمل الاجتماعي سُبل واقعية متعددة. ويجب أن يكون أبدًا لأجل الخير العام، ومتوافقًا مع الرسالة الإنجيلية والتعليم الكنسي. ويعود إلى المؤمنين العلمانيين «أن يُحيوا الشؤون الزمنية بغيرة مسيحية، وأن يسلكوا فيها كفعلة سلم وعدالة». [5]
وقد طرح موضوع العلاقة بين الكنيسة، والسلطة بشكل مثير للجدل بعد تقلُد لويس ساكو منصب بطريرك بابل على الكلدان في عام 2013، وبعد أن تخلى، عمليًّا، عن مفهوم الفصل بين الكنيسة، والسياسة التي أعلنها عقب توليه المنصب مباشرة.
فثارت الانتقادات من أتباع الكنيسة الذين لم يَعهدوا أن يمارس رجال الكنيسة الكلدان هذا الدور السياسي، والذي لعبته الكنيسة الآثورية عند تشكيل الدولة العراقية بداية القرن العشرين، ودفعت هي وأتباعها ثمنًا باهظًا في تصدي الجيش العراقي لهم في مأساة سميل عام 1933. بينما ارتأت الكنيسة الكلدانية أن تنأى بنفسها عن دهاليز السياسة وتقلباتها، وهذا ما جنبها هي وأتباعها صدمات السلطة طيلة أكثر من 80 عامًا. إلا أنها بعد عام 2003 وإثر سقوط نظام صدام حسين، وبتشجيع من الأمريكان ومجاراة لرجال الدين المسلمين وخاصة الشيعة منهم، لذا فقد قررت دخول المجال السياسي منذ اليوم الأول، وسعى المطران عمانوئيل دلِّي إلى الاشتراك في مجلس الحكم المؤقت، إلا أن الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر رفض ذلك. [6]
وبعد موجة الانتقادات الكثيرة للكنيسة الكلدانية وموقفها من السياسة والسلطة، الذي يبدو في ظاهره مناقضًا لباطنه. فعلى الرغم من كثرة الادعاءات بعدم التدخل في السياسة ولعب دور سياسي، إلا أن الواقع يكشف خلاف ذلك. وخير دليل على رغبة الكنيسة في ممارسة السياسة ولعب دور سياسي متميز على صعيد السلطة، هو التنظير السياسي الذي يقدمه البطريرك الكلداني ذاته، ويعززه عدد من الكتاب المسيحيين الموالين للبطريرك والمبررين لمواقفه. وقد انطلقوا يبّررون تدخل رجل الدين في السياسة بحجج وذرائع شتى. إن من يتصفح موقع البطريركية الكلدانية سيجد عددًا لا بأس به من أمثال هؤلاء الدُعاة ووعاظ السلاطين.
وفي هذا المجال فقد دبَّج البطريرك الكلداني ساكو أو إعلام البطريركية عددًا من المقالات حول ذلك، منها:

1. توضيح حول دور البطريركية الكلدانية وتحركاتها

«من المؤسف أن نسمع من بعض رؤساء الكنائس في بغداد انتقادات حول تحركات غبطة البطريرك الكلداني وزياراته وتصريحاته.
البطريرك ساكو يمثل أكبر كنيسة مسيحية في البلد، له أبرشيات لا توجد للكنائس الأخرى، ولو كشفنا عن إحصائياتها لصدم المنتقدون. للكلدان في العراق إمكانات بشرية ومالية وثقافية وسياسية، وبإمكانهم التفرد بها، لكنهم مسيحيون منفتحون وغير متعصبين، ويساعدون الكل من دون النظر إلى هويتهم، الكل يعلم ماذا قدمت الكنيسة الكلدانية للمهجرين، والبطريرك نفسه دعا عدة مرات إلى الوحدة وإلى تشكيل مرجعية سياسية مسيحية»![7]

2. المشهد السياسي المسيحي في العراق

«كان قد طرح غبطة البطريرك ساكو منذ بداية تسنمه لمسؤوليته مشروع تكوين مرجعية سياسية علمانية موحدة للمسيحيين على قاعدة الكفاءة. هذا الطرح رفض بحجة أن المسيحية ديانة وليست قومية. وكلما بادر لجمع شملهم برزت الاختلافات والتوجهات المنفعية الذاتية الشخصية أو القومية». [8]

3. جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي

«الكنيسة والسياسة موضوع لا غرابة يثير الجدل، وقد تكتنفه الضبابية، عندما تطلق الآراء بشتى الاتجاهات وعلى مختلف المستويات. وتأتي كتابة هذا المقال من موقع بطريركي مسؤول، لنوضح الرؤية للقارئ الكريم، وخصوصًا لأبناء كنيستنا الأحبة، من حيث الموقف المبدئي من هذا الجدل والتعامل الكنسي التراتبي معه… للمسؤول الكنسي الأعلى كلمته وموقفه، ومن باب أولى في أوقات الأزمات، وذلك للدفاع عن الشعب وحقوقه. ولكن أين يكمن الفساد؟». [9]

4. الكنيسة والشأن العام [10](السياسة)

«الكنيسة تتدخل عندما يتعلق الأمر بالبلد والناس في قضايا مصيرية. وصمتها غير مقبول في مثل هذه الحالات! ومن حق الكنيسة التدخل في الشؤون العامة وممارسة تأثيرها الإيجابي في الوضع العام. ويجب أن تكون للكنيسة كلمة في الشأن العام Res publica[11] كالتغييرات الجادة التي طرأت على المجتمع في مجالات عدة، وما نتج منها من ظلم وإرهاب وإجحاف. إن الضرر الذي لحق بالمسيحيين خلال السنوات الماضية، رغم أنهم سكان البلد الأصليون، كان فادحًا، بتهجيرهم من أرض أجدادهم وتهميشهم ومسح معالمهم؛ مما اضطرهم إلى ترك البلاد، وتسبب في تقليص عددهم من المليون والنصف إلى نصف المليون. إنها مأساة إنسانية حقيقية».[12]

5. توضيح حول ما سُمّي بـتدخل الكنيسة في السياسة (الترشيحات)

«صدرت عن بعض الأشخاص والجهات الحزبية المسيحية تعليقات غير مسؤولة ومستفزة، وتفتقر إلى اللياقة الأدبية في موضوع تدخل الكنيسة في الشأن السياسي.
إن الكنيسة تهتم بالشأن العام وهو جزء مهم من رسالتها لخير الناس، وحفظًا لحقوقهم وكرامتهم، كما فعل المسيح ويفعل البابوات.
الكنيسة ليست بديلًا للدولة، ولا موازية لها، وإنما هي جزء من المجتمع وتسعى للشراكة الفاعلة من أجل تحقيق العدالة وتطبيق القوانين واحترام حقوق كل إنسان. ولما قال يسوع بشأن العُملة التي قدمت له: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. (متى 22/21) إنما قصد: أعطوا الضرائب لقيصر وهذا حقه، وأعطوا ما لله حقه؛ أي الطاعة وممارسة المحبة والرحمة والغفران تجاه بعضنا البعض». [13]
وفي تصريح آخر صدر عنها في 24 ديسمر (كانون الأول) 2018 ما يتناقض تمامًا مع هذا التوجه، ويبين بأن لا علاقة للكنيسة بترشيح وزراء. [14]
والواقع أن الشأن العام هو مصطلح فضفاض يسري على جميع المسائل ذات الاهتمام أو القلق المشترك، وتنصرف للسياسة والإعلام، والمسائل الاجتماعية والصحية والاقتصادية. فأسعار البترول هي شأن عام، ومرض الإيدز وغيره من الأوبئة هي شأن عام أيضًا.
وكانت الحركات الإسلامية من أوائل من استخدم هذا المصطلح للتدخل بالسياسة، لهذا ظهر نوع جديد من الفقه سُمّي بـ«فقه الشأن العام». «يستند على موقف أبي حامد الغزالي الذي يرى أن صلاح الدين مؤسس على صلاح الدنيا وليس العكس؛ لأن الإسلام أصول وفروع، السياسة من الفروع إذن لا يمكن أن نقطع الصلة بين السياسة وبين الدين، نحن نقول هناك سياسة شرعية ولذلك الحديث عن أنه تسييس الدين وتسييس الدين هذا خطأ، هذا كلام يريد أن يحول الإسلام إلى نصرانية تدع مال قيصر ومال الله لله… ويقصد بالشأن العام، التدابير التي تجعل الحياة حياة إسلامية سليمة، هذا معنى الشأن العام».[15]
ولكن ألا يُحَوّل تدخل رجل الدين المسيحي بالسياسة، المسيحية إلى الإسلام؟
انتهى الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث والأخير.

[1] البروفيسور جوزيف أبو نهرا، المسيحيّون وهاجس الحرية في العهد العثماني، بحوث مركز الشرق المسيحي للبحوث والمنشورات- جامعة القديس يوسف، بيروت 2013، ص18.
[2] بطاركة الكنيسة الكلدانية منذ إنبثاقها 1553– 2013، موقع البطريركية الكلدانية، الرابط: https://saint-adday.com/?p=2417
[3] المجمع الفاتيكاني الثاني هو مجمع كنسي كاثوليكي يعتبر بحسب الكنيسة الكاثوليكية المجمع المسكوني الحادي والعشرون. انعقد بدعوة من البابا يوحنا الثالث والعشرون بين عامي 1962 و1965، وصدر عنه جملة من المقررات والمراسيم والدساتير، مكملًا ما عجز المجمع الفاتيكاني الأول عن إنجازه بسبب سقوط روما بيد الثوار عام 1870؛ مما أدى لوقف أعماله آنذاك. تمخض عن المجمع إصلاحات مختلفة في جسم الكنيسة؛ فكانت أهدافه المعلنة تجديد الكنيسة الكاثوليكية روحيًّا، وتحديد موقفها من قضايا العالم المعاصر المختلفة. ويكيبيديا- الموسوعة الحرة.
يقول بريمر في مذكراته: «أخذنا ممثلًا للمسيحيين الآشوريين وتوقعنا أن يسبب ذلك استياء لدى الكلدان. وكان ذلك صحيحًا، إذ في تلك الليلة لم يكن قلب المطران يفيض بالمحبة المسيحية. فبعد التذمر من استبعاده، غادر غاضبًا». بول بريمر، عام قضيته في العراق، ترجمة عمر الأيوبي، بيروت 2006، ص 131.
[4] المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، وثائق، الجزء الثاني، الكنيسة في العالم المعاصر، الفصل الرابع (حياة الجماعة السياسية) (مطبعة العالم العربي، 1967) العدد (73ـ 76) ص 156ـ 165. الرابط: http://coptcatholic.net/وثائق-المجمع-الفاتيكاني-الثاني/
[5] التعاليم المسيحية للكنيسة الكاثوليكية، الجزء رقم 3، القسم # 2، الفصل # 2، الفقرة # 2442.
[7] توضيح حول دور البطريركية الكلدانية وتحركاتها، موقع البطريركية الكلدانية، في 2 يناير، 2016.
[8] المشهد السياسي المسيحي في العراق، موقع البطريركية الكلدانية، في 16 يناير، 2016.
[9] البطريرك لويس روفائيل ساكو، جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي، موقع البطريركية الكلدانية، في 16 مارس، 2016.
[10] يقصد بالشأن العام: المسائل ذات الاهتمام العام أو القلق، وخاصه تلك التي تتناول القضايا الاجتماعية أو السياسية الراهنة. وهو مصطلح فضفاض. انظر، https://www.dictionary.com/browse/public-affairs
[11] Res publica عبارة لاتينية ذات معنى فضفاض تعني «العلاقة العامة». والجذر من الكلمة «جمهورية»، والكلمة «كومنولث» تستخدم تقليديًّا مرادفة لها؛ ومع ذلك تختلف الترجمات على نطاق واسع وفقًا للسياق. «Res» هو التسمية للمفردة اللاتينية لشيء موضوعي أو ملموس – على العكس من «spes»، وهو ما يعني شيئًا غير واقعي أو أثيريًّا – و«publica» هي صفة مشتركة تعني «من و/أو المتعلقة بالدولة أو الجمهور». وبالتالي فإن الترجمة الحرفية هي «الشيء العام/الشأن». انظر، الويكيبيديا- الموسوعة الحرة.
[12] البطريرك لويس روفائيل ساكو، الكنيسة والشأن العام (السياسة)، موقع البطريركية الكلدانية، في 7 مايو، 2018.
[13] هذا تفسير جديد مختلف تمامًا عمّا ظلّت الكنائس الشرقية تردده طيلة ألفي سنة. انظر، توضيح حول ما سُمّي بـتدخل الكنيسة في السياسة (الترشيحات)، موقع البطريركية الكلدانية، في 16/12/2018.
[14] إعلام البطريركية: لا علاقة للكنيسة بترشيح وزراء، موقع البطريركية الكلدانية، في 24/12/2018.
[15] انظر، فقه الشأن العام، برنامج الشريعة والحياة– قناة الجزيرة، لقاء مع الداعية الإسلامي الدكتور محمد عمارة، في 13‏/06‏/2012.https://www.sasapost.com/opinion/the-political-role-of-chaldean-church-in-iraq-2/

الدور السياسي للكنيسة الكلدانية في العراق ج(1)

الدور السياسي للكنيسة الكلدانية في العراق ج(1)

تُعد الكنيسة الكلدانية اليوم أحد لاعبي الحياة السياسية في العراق، فمن ناحية تتمسك التصريحات الرسمية للكنيسة وبطريركها [1] بالتأكيد، مرارًا وتكرارًا، على ابتعاد الكنيسة عن التدخل في الشأن السياسي باعتبارها مؤسسة دينية روحية وليست حزبًا سياسيًا وإن البطريرك ليس زعيما سياسيًا، وأن علاقتها بالسياسة تنحصر ب(الشأن العام)، على حد وصف البطريرك ذاته، وما يتعلق فقط بالتدخل لحماية الحقوق الدينية لمسيحيي العراق (المكون المسيحي)، بينما تأتي مواقف الكنيسة وعلى رأسها البطريرك لتصِّدر صورة الكنيسة كأحد الفاعلين في الشأن السياسي مما يجعل الكثير من المراقبين يؤكدون أن دورها يتجاوز كثيرًا مفهوم المؤسسة الدينية؛ حيث سعت في العقود الأخيرة لتكون وسيطًا سياسيًا بين المسيحيين والدولة ولتبرز كمرجعية سياسية ودينية في آن واحد. وهذا الموقف هو موقف مشابه للكنيسة القبطية في مصر، والكنيسة المارونية في لبنان. وهو في نفس الوقت إستنساخ مشوّه لدور المرجعيات الدينية الإسلامية، الشيعية منها والسنية، وتقليد لنمط الحكم الديني الإسلامي، بما يتقارب مع تجربة ولاية الفقيه الإيرانية، مما يطرح جدلية قديمة وهي: ما هو الدور الذي يلعبه الدِين في الحياة العامة، وخاصة في السياسة وممارسة السلطة، وما حدود ذلك الدور؟
وهذا ما يقتضي تتبعه وبحثه لتأريخ الكنيسة والدور الذي لعبته في أحداث العراق بعد عام 2003 وحتى يومنا هذا.
في العموم، ظلّ البطريرك الكلداني بعيدًا عن السياسة، متجنبًا لها، وهذا ما جعل الكلدان يتصفون بالواقعية السياسية عموما. [2] وقد حافظ الكلدان في العراق على إعتماد سياسة النأي بالنفس عن الدخول في صراعات سياسية، ولم يذكر التاريخ لهم موقف سياسي محدد إلا إذا مسَّ عقائدهم، لا بل كُل الذي عُرف عنهم هو موالاتهم للحكم القائم، وامتثالهم لأوامر الحكومة الوطنية، على غرار القاعدة الإسلامية (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..)[3] على الرغم من أن أولي الأمر لم يكونوا يومًا منهم. وحتى أول مشاركة للبطريرك الكلداني يوسف غنيمة في مجلس الأعيان العراقي في العهد الملكي، لم تكن سوى مشاركة رمزية لا قيمة لها. ولم يسجل تاريخ العراق الحديث سوى تدخل وحيد لرئيس الطائفة الكلدانية بالسياسة، لاستثناء حالة فرض مناهج الشريعة الإسلامية على الطلبة المسيحيين، مما دَفع بالبطريرك بولس الثاني شيخو (1958-1989) الذي يلقّب بـ(البطريرك الحليم) إلى التدخل شخصيًا ويصبّ جام غضبه على نائب رئيس الجمهورية المسيحي آنذاك طارق عزيز وإلغاءها. [4]
وتعود أول رغبة في المشاركة السياسية إلى ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وتشجيع الأمريكان لرجال الدين على خوض غمار السياسة بقصد الإساءة للأديان وتلويث سمعة رجال الدين الذين استفادوا على الصعيد الشخصي وخسروا من جراء ذلك أكثر مما استفادوا على الصعيد الديني. وانسياقًا مع ذلك، فقد تقدم معاون البطريرك آنذاك المطران عمانوئيل دّلي (البطريرك لاحقا) بطلب منحه عضوية مجلس الحكم الذي كان الحاكم الأمريكي المدني في العراق بول بريمر يعمل لإنشائه، إلا أن طلبه رفض، وقد بيَّن بريمر لاحقا ملابسات هذا الموضوع، وأشار لها في مذكراته المعروفة بعنوان: عام قضيته في العراق، فكتب عن يوم 12 يوليو (تموز) 2003 قائلًا: ثُم خطر ببالي أن أبلغ العديد من المرشحين بأنهم لن يكونوا في عداد المجلس.
أولًا. المطران (البطريركً لاحقًا في 3 ديسمبر (كانون الثاني) 2003 دلي، زعيم طائفة المسيحيين الكلدان. فقد كانت الجالية المسيحية الصغيرة في العراق مجزأة، على غرار كافة الطوائف الدينية في البلد. كان هناك الكلدان الذين يبدو أنهم يفوقون الآشوريين عددًا، لكنهم لم يكونوا منظمين جيدًا مثلهم وأقل فعالية سياسية. وللمحافظة على هدف الحصول على أصغر هيئة تمثيلية ممكنة، كان لدينا مكان لمسيحي واحد فقط في المجلس، يقصد مجلس الحكم الانتقالي. أخذنا ممثلًا للمسيحيين الآشوريين وتوقعنا أن يسبب ذلك استياءً لدى الكلدان. وكان ذلك صحيحًا، إذ في تلك الليلة لم يكن قلب المطران يفيض بالمحبة المسيحية. فبعد التذمر من إستبعاده، غادر غاضبًا.[5]
وعلى العموم فلم يكتب لهذه المحاولة النجاح، وأعتبرت محاولة فاشلة من الكنيسة الكلدانية للتدخل في صلب السياسة، بداية العهد الأمريكي في العراق.
وإذا ما تتبعنا مواقف الكنيسة الكلدانية بعد سقوط بغداد عام 2003 واحتلال الولايات المتحدة للعراق، نجد أن مواقفها السياسية كانت دومًا مثار جدل كبير؛ مما أدخلها في صراع مع أتباعها من جهة ومع الكنائس الأخرى في العراق من جهة أخرى، إلا أنها نالت استحسان الحكومة والمرجعيات الدينية الإسلامية، لتعزيز حالة تدخُل رجال الدين في السياسة والسلطة، وهيمنتهم على حياة الناس بسلاحي الدين والسلطة، وهو الأمر الذي استفحل كثيرًا منذ سقوط النظام السابق.
وسنحاول تتبع هذه المواقف، وفقًا لتصريحات البطريركية الكلدانية وإعلامها، كما هو مثبت على موقعها الرسمي وفي الصحافة والإعلام العراقي والعالمي. وقد قمنا بتصنيف تلك المواقف وكما يلي:

أولًا: في العلاقة بين الدين والسياسة

1. الابتعاد عن السياسة

لم تمضِ أكثر من ثلاثة أشهر بعد تقليد لويس ساكو مطران كركوك، بطريركًا على الكنيسة الكلدانية في حاضرة الفاتيكان بروما حيث مقر الكنيسة الكاثوليكية، بتاريخ 1 فبرابر (شباط) 2013، حتى صرّح في 22 مايو (أيار) 2013، بما يلي:
البطريرك ساكو ينذر بطرد الكهنة الداعين إلى الدولة الكلدانية.
بابا الفاتيكان يدعو إلى فصل السياسة عن المسيحية وانشقاق في كنائس العراق.
لا يمكن لمؤسسة كنسية بحجم الكنيسة الكلدانية ومسؤوليتها أن تزج نفسها في العمل القومي والسياسي على حساب رسالتها هذان المجالان من اختصاص العلمانيين. [6]
ثم عاد وأكد مرة أخرى: إننا نؤكدُ أن مجال العمل القوميّ والسياسي هو للعلمانيين المقتدرين. ونحنُ نشجعهم على بناء مدارس لتعليم اللغة وإنشاء مراكز ثقافيّة واجتماعية تعنى بالتراث والفن والثقافة، وتشكيل أحزاب سياسيّة تدافع عن حقّ الناس وتحميهم، لكننا لا يمكن أن ننخرط فيها أو نكون داعين لها. هذا خطٌّ أحمر. نبقى نلتزمُ بدعوتنا الكهنوتية وخدمة كلِّ الناس من دون تمييز. [7]
أجل قد تنتقد البطريركية أداء وتبعية البعض، لكنها أيضا لا تريد أن تكون قوة ومرجعية سياسية. والبطريرك لا يسعى أبدا ليكون زعيمًا قوميًا للكلدان ولا قطبًا سياسيًا للمسيحيين. [8]
وبهذه المناسبة أوكد أن الكنيسة ليست بديلًا للسياسيين المخلصين ولا موازية لهم، إنما هي جزء من الوطن والشعب وتسعى لتقول كلمة حق في الشأن العام وخصوصًا في مجال بناء السلام وتحقيق العدالة وتأمين حياة كريمة للجميع بغض النظر عن انتماءاتهم، وتبقى تحب الناس وكل الناس وتتفانى في خدمتهم على مثال المسيح مؤسسها. [9]
العمل القومي والسياسي مجالُ العلمانيين، إننا نؤكدُ أن مجال العمل القوميّ والسياسي هو للعلمانيين المقتدرين. أنذرُ كهنة الكنيسة الكلدانية بعدم التدخل بالسياسة وفصلها عن المسيحية. [10]
جاء في البيان الختامي للسينودس الكلداني الذي أختتم أعماله في بغداد برئاسة البطريرك لويس ساكو للفترة بين (5 – 11 يونيو (حزيران) 2013)، وهو الأول منذ انتخاب غبطته وتنصيبه ببغداد يوم (6 مارس (آذار) 2013)، ما يلي:
ثامنًا: يؤكد الآباء أن ما جاء في رسالة غبطة البطريرك بخصوص العمل القوميّ والسياسي هو للعلمانيين المقتدرين. ونحنُ نشجعهم على بناء مدارس لتعليم لغتنا وإنشاء مراكز ثقافيّة واجتماعية تعنى بالتراث والفن والثقافة، وتشكيل أحزاب سياسيّة تدافع عن كرامة الناس وحقوقهم، لكن لا يمكن لأفراد الإكليروس بجميع درجاتهم الانخراط فيها أو التحول إلى دعاة لها. على أعضاء الإكليروس الالتزام الكامل بدعوتهم الكهنوتية وخدمة كلِّ الناس من دون تفريق.[11]
كما نشجع أبناءنا الكلدان على التعاون مع الجميع للخير العام وعدم التشظي إلى جماعات بلا هوية والانسياق وراء مشاريع وهمية تضر بالمسيحيين. كذلك نشجعهم على الانخراط في الشأن العام والعملية السياسية كشركاء أصيلين لهذه الأرض المباركة وأداء دورهم جنبا إلى جنب مع إخوتهم المواطنين في بناء دولة مدنية حديثة وقوية تناسب حضارة بلادهم ومجدها، وتحترم حقوق الجميع ومساواتهم. [12]
تشجيع المسيحيين على الانخراط في الأحزاب الأخرى والترشّح في قوائم انتخابية ما عدا الكوتا، خصوصًا في انتخابات 2014 ليكون عدد نوابنا أكبر. [13]
البطريرك لا يقدم نفسه بديلًا للأحزاب السياسية ولا للنواب. [14]
وبيّن ساكو أن الكنيسة لا تلعب دورًا سياسيًا، وأي مرجعية دينية لا تلعب هذا الدور وإنما توجه فقط ولا نسعى لاستنساخ الإسلام السياسي، ولا يوجد لدينا طموحات سياسية ورَفضْتُ طلبات بالترشيح للبرلمان. [15]
أجل قد تنتقد البطريركية أداء وتبعية البعض، لكنها أيضا لا تريد أن تكون قوة ومرجعية سياسية. والبطريرك لا يسعى أبدا ليكون زعيما قوميا للكلدان ولا قطبًا سياسيًا للمسيحيين. يكفيه ما له من مسؤوليات وأعباء. [16]

2. التدخل في السياسة

كثيرًا ما تدخل بعض رجال الدين المسيحي بمسائل سياسية هامة ومثار خلاف وجدل، مثل تجديد رئاسة إقليم كردستان، والاستفتاء الكردي عام 2017، وترشيح بعض الأسماء للمناصب الحكومية، ناهيك عن كثرة المقابلات للسياسيين العراقيين والأجانب، وأقامة العلاقات معهم، دون أن يصدر موقف من البطريرك ضدهم، بل كان في كثير من الأحيان يُبّرر مواقفهم تلك بوجودهم ضمن مناطق نفوذ تلك الأحزاب، أو ربما خشية البطريرك نفسه من سطوة تلك الأحزاب.
ويبدو أن تدخل رجال الدين المسيحي من الكلدان لم يعد – في الواقع العملي – مخالفة لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية، ولم يطلب بطريرك الكلدان منهم ذلك، عدا التصريح السابق عام 2013 في بداية تقلده منصب البطريركية، بدليل أن صيغة إعلان الطاعة للرئاسة الكنسية الخاصة للمطارنة المنتخبين لعام 2014، تضمنت طاعة البابا والبطريرك، وحماية أموال الكنيسة، وخدمة الشعب الموكل إليهم بكل أمانة. ولم تتضمن الصيغة المذكورة أية إشارة أو حظر لممارسة السياسة، بما يدُل وفقا لمفهوم المخالفة على جواز ذلك أو إباحته. [17]
واعتبر البطريرك الكلداني وجود خمسة فصائل مسلحة مسيحية، ثلاثة منها ضمن الحشد الشعبي وواحد تحت لواء حزب البارتي وآخر مع الاتحاد الوطني الكردستاني دليل على انشطار الموقف المسيحي في العراق ولا وجود لمرجعية سياسية حقيقية تمثله مما دفع بالكنيسة لسد هذا الفراغ.
انتهى القسم الأول ويليه القسم الثاني.

[1] البطريرك (ج بطاركة أو بطارقة) كلمة يونانية مكونة من شطرين، ترجمتها الحرفية الأب الرئيس؛ ومن حيث المعنى فهي تشير إلى من يمارس السلطة بوصفه الأب، على امتداد الأسرة، ولذلك فإن النظام المعتمد على سلطة الأب، يدعى النظام البطريركي. أما في المسيحية، فتتخذ الكلمة معنى رئيس الأساقفة في الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية؛ ويدعى مكتب البطريرك البطريركية. أما المؤرخون العرب فقد اصطلحوا على الكلمة لفظ بطريق. ويكبيديا-الموسوعة الحرة.
[2] في رسالة كتبها السياسي والقائد الأثوري أغا بطرس إلى أتباعه من منفاه في باريس بتاريخ 4/1/1922، يذكر فيها زيارة وفد من عائلة البطريرك الآثوري إلى بطريرك الكلدان عمانوئيل الثاني بقصد الإندماج معهم، فأبدى البطريرك الكلداني موافقته بشرط إستبعاد المسائل السياسية وتركها للسياسيين، فيقول: ” اتذكرون يوم قام (مار طيماثاوس) أسقف الملبار مع (سورما خانم) بزيارة (مار عمانوئيل) بطريرك الكنيسة الكاثوليكية سنة 1919 في بغداد وعرضا عليه الاتحاد. الم يرحب هذا الحبر الجليل بهذه الفكرة ..؟ ليقول لهما بالحرف الواحد (إذا أردتم توحيد الطقس الكنسي نأتي بالطقس النسطوري والكلداني ونراهم مع مراعاة الزيادة والنقصان ثم نوحده وأما إذا قصدتم توحيد الأمة فهذا من واجب العامة فعلى الرؤساء من كلا الطرفين الاجتماع والقيام بإنجاز هذه المهمة التاريخية وإنها لخطوة هامة جدا في هذا الظرف. وأما مسؤوليتنا تقتصر على القضايا الطقسية والمذهبية فقط). لم يكن لجواب البطريرك (عمانوئيل) وقع طيب عند الضيفين فغادرا خائبين”. أنظر، نينوس نيراري، آغا بطرس سنحاريب القرن العشرين، ترجمة فاضل بولا، سان دياغو 1996، ص232.
[3] سورة النساء:59.
[4] وهذا الموقف قد تكرر في عهد البطريرك الحالي ساكو وبشكل أخف، حيث أشار إلى أنه ” لقد وردت في كتابيّ التربية الإسلامية للصف الأول الابتدائي والخامس الإعدادي عبارات غير دقيقة وغير لائقة ومؤسفة تحض على الكراهية والفرقة، وهي بعيدة عن قيم التسامح ومبادئ المواطنة والعيش المشترك. إن دور وزارة التربية هو تنشئة الطفل تنشئة سليمة ومتكاملة، كي يقبل الأخر كاخ في الإنسانية وكمواطن وليس كخصم ينبغي إقصاؤه… نودّ أن ننوّه بأن للآيات والأحاديث في كل الديانات، أسبابها وظروفها التي لا بد من أن تؤخذ بعين الاعتبار، فبعضها يبطل العمل به بعد أن تزول ظروفه ومبرراته، وبعضها كان علاجا لحالات معينة… هذا ما أحببت التنويه عنه مع جلّ محبتي واحترامي للإخوة المسلمين وبينهم يوجد علامات مضيئة.” الكردينال لويس روفائيل ساكو، حول بعض عبارات مسيئة للمسيحيين في كتب التربية الإسلامية لوزارة التربية، موقع البطريركية الكلدانية، في 21/12/2018. http://saint-adday.com/?p=27333
[5] بول بريمر، عام قضيته في العراق، ترجمة عمر الأيوبي، بيروت 2006، ص 131.
[6] البطريرك ساكو ينذر بطرد الكهنة الداعين إلى الدولة الكلدانية، بابا الفاتيكان يدعو إلى فصل السياسة عن المسيحية وانشقاق في كنائس العراق صحيفة الزمان في 22/5/2013. http://www.azzaman.com/?p=35002
[7] رسالة من غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو إلى إكليروس الكنيسة الكلدانية في كلّ مكان، 19 مايو، 2013. العمل القومي والسياسي مجالُ العلمانيين.
[8] البطريرك ساكو يكتب: جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي، موقع أبونا الإلكتروني في 2016/03/17.
[9] البطريرك لويس روفائيل ساكو، المسيحيون ما بعد داعش، موقع البطريركية الكلدانية في 12/7/2017.
[10] مناشدة من بطريرك الكلدان لعملٍ سواء، 28 مايو، 2013.
[11] http://www.nadibabil.com /البيان-الختامي-للسينودس-الكلداني-الذ/
[12] أنظر موقع البطريركية الكلدانية، بيان “سينودس – مجمع” أساقفة الكنيسة الكلدانيّة المنعقد في روما برئاسة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكليّ الطوبى 4 – 8 تشرين الأول 2017، http://saint-adday.com/?p=19624
[13] رسالة من البطريرك ساكو إلى سياسيي أبناء شعبنا الموقرين، 16 سبتمبر، 2013.
[14] المشهد السياسي المسيحي في العراق، إعلام البطريركية، موقع البطريركية الكلدانية في 16 يناير، 2016.
[15] ساكو لحوار المدى: نوابنا ليسوا بالمستوى المطلوب ونطالب المرجعيات بموقف مشرف من البطاقة الموحدة، موقع البطريركية الكلدانية، في 12 فبراير، 2016.
[16] البطريرك لويس روفائيل ساكو، جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي، موقع البطريركية الكلدانية، في 16 مارس، 2016.
[17] صيغة إعلان الطاعة للرئاسة الكنسية الخاصة للمطارنة المنتخبين، موقع البطريركية الكلدانية في 20 يناير، 2014.

الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...