الأحد، 23 يونيو 2019

هل أزِفت نهاية الإسلام السياسي؟

ظهر الإسلام قبل 1437 سنة، لذا فهو ليس بجديد. ومع إقرارنا بأن التاريخ الإسلامي هو تاريخ دموي في معظمه، إلا أن العنف كان ميزة الحضارة الإنسانية منذ البدء، وحتى الآن إلى حد ما. فالتهديد باستخدام القوة العسكرية ما زال مطبقًا بين الدول؛ لذا فالعنف ميزة المجتمعات الإنسانية، لا تقتصر على دين أو عرق، ولم تخل حضارة من استخدام القوة، مهما كانت متقدمة. وما زالت الحروب تحيط بنا من كل جانب. وقد عرف العالم الإسلام ودرسَه وعايشه. وبالمقابل، تعلم المسلمون أدوات الحضارة وأخذوا بها، ساعدهم في ذلك وجود قوميات وأقليات أخرى إلى جانبهم ساهمت بشكل كبير في بناء الحضارة العربية والإسلامية. ولا يستطيع أي مسلم أن ينكر دور المسيحيين في الحضارة العربية؛ لا بل إن أوائل الكتّاب والصحافيين والمترجمين والفنانين كانوا من تلك القوميات والأقليات.
إلا أن الانحدار بدأ شديدًا وواضحًا في النصف الثاني من القرن العشرين، وخاصة بعد رحيل الاستعمار، وحصول العديد من الدول على استقلالها. ونظرة سريعة إلى الوراء لوقت قريب تبين الفرق الحضاري الهائل بين الأمس واليوم. وتملأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صورًا تبين هذا الفرق الهائل بين حقبتين قريبتين في عدد من الدول العربية والإسلامية حصرًا، مثل أفغانستان، وإيران، والعراق، وسوريا، وغيرها؛ مما يجعلك تدرك أن الإسلام السياسي أمر محدّث منذ عهد قريب لا يتجاوز مئة سنة تقريبًا.

حلم الخلافة

بدأت الحكاية أيام مفاوضات البريطانيين مع الشريف حسين، جرى خلالها تبادل الأفكار عبر مجموعة مراسلات عرفت بين الشريف حسين شريف مكة، وهنري مكماهون المعتمد البريطاني في القاهرة (1915- 1916) والتي عرفت بمراسلات حسين- مكماهون. فقد أدرك البريطانيون بحذقهم أن المسلمين العرب ستبقى عيونهم ترنو لإقامة الدولة الإسلامية دومًا. وحتى الشريف حسين، الذي وقف معهم لإسقاط الخلافة الإسلامية التركية، كان يحلم بإقامة تلك الدولة بشكل أو بآخر، وقد دغدغت بريطانيا ذلك الشعور، فتضمنت تلك الرسائل اعتراف بريطانيا بآسيا العربية كاملة دولة مستقلة، إذا شارك العرب في الحرب ضد الدولة العثمانية، وهذا ما عرف فيما بعد بالثورة العربية الكبرى. وانطلق القوميون لاستعادة عروبتهم طيلة قرن كامل. وظَل البريطانيون يماطلون في تحقيق ما وعدوا به؛ مما دفع الشريف حسين إلى إعلان نفسه خليفة، في عمان عام 1922، وعاد إلى مكة محمّلًا بلقب أمير المؤمنين؛ مما أثار حفيظة البريطانيين، ودفعهم لتحريك خصمه ابن سعود ليستولي على الحجاز، ويقيم دولة إسلامية شرط أن لا تكون خلافة، ألا وهي المملكة السعودية ليحكمها هو من يخلفه إلى يومنا هذا.
ولقد أدرك البريطانيون والفرنسيون تمامًا أن العرب المسلمين لن يسكتوا طويلًا، وأن الغرب سيتحمل تكاليف باهظة في هذا الصراع، فجمعوا من كل أقطار الأرض أفرادًا من اليهود باعتبارهم أمة مُضطَهَدة، وشعب بلا أرض، ليصبحوا طرفًا في هذا الصراع، ويشغلوا بال العرب لقرن كامل بما عرف بالصراع العربي- الإسرائيلي، إلا أن حلم الخلافة ظلّ قائمًا.
وبعد إعلان تركيا إلغاء نظام الخلافة رسميًّا عام 1924 بأربع سنوات، أنشأ حسن البنا حركة الإخوان المسلمين في مصر، وبلغ عدد أعضائها ربع مليون شخص في السنة الأولى. وقد أوضحت الوثائق البريطانية التي كشف عنها مؤخرًا، أن بريطانيا قد دعمتها ودأبت على تقديم تمويلات مالية منتظمة لها، بحسب ما نشره مارك كيرتس في كتابه «العلاقات السرية تواطؤ بريطانيا مع الإسلام المتشدد» عام 2010.

الدور الغربي في نشأة الإسلام السياسي

كان خروج الدول الاستعمارية، كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، المُذّل من مصر والعراق وسوريا والجزائر والدول الأخرى أمرًا لا يمكن غفرانه من وجهة نظرهم، معتقدين أن العرب قد تنكروا لهم جميلهم معهم، وما زال الغربيون يفهمون الاستعمار على أنه تعمير، في حين يفهمه العرب على أنه سرقة لثرواتهم الطبيعية وغيرها. فالدول الغربية التي حركت مشاعر العرب القومية مطلع القرن الماضي، تفاجأت بنهضتهم الحقيقية، فعادت تبحث عن عامل آخر لكبح جماح هذه النهضة، فوجدت في الإسلام السياسي ضالتها المنشودة في حصان طروادة التاريخي الموعود. وكانت خبرة بريطانيا في هذا المجال سباقة، حيث مارستها في الهند منذ ثلاثة قرون، وكانت سببًا لتقسيم شبه الجزيرة الهندية إلى الهند وباكستان، وفقًا للعامل الديني عام 1947.
وإذا كان الغرب قد استخدموا أسلوب المواجهة المباشرة قبل ألف عام في صراعهم مع المسلمين، وأدركوا فشله وجسامة تكاليفه، إلا أنهم ابتكروا في هذه المرة أسلوب التفجير من الداخل، أو الحروب بالنيابة. فأسلوب التحريض أصبح واضحًا ومعروفًا في السياسة الغربية، مع وجود بيئة عربية وإسلامية ملائمة، في ظل انتهاك لحقوق الأفراد والجماعات بشكل منهجي ومستمر.
ولو تتبعنا نشأة الحركات الإسلامية وتاريخ قادتها، لوجدنا الأثر الغربي واضحًا رغم كل السرية والتمويه. ولقد ظلّت بريطانيا وما زالت راعية للإسلام السياسي، وهي تحتضن اليوم مقرات لمعظم الحركات الإسلامية، فيما رأت فيهم الولايات المتحدة ورقة رابحة يمكن استثمارها لاحقًا. وهكذا ظهرت حركات عديدة من قبيل تنظيم القاعدة، وجماعة العدل والإحسان، ومؤتمر الأمة، وتنظيم الدولة الإسلامية، وحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، وأنصار الشريعة، وحركة تنفيذ الشريعة المحمدية، ومجلس الخلافة، وتنظيم التجديد الإسلامي، وحزب التحرير، إضافة لتسميات عديدة لأذرع عسكرية لهذه الحركات. ومن جانب آخر فقد أنشأت إيران ومجموعات شيعية مختلفة في عدد من دول العالم، حركات وأحزاب شيعية مماثلة، مثل حزب الدعوة الإسلامية، والمجلس الإسلامي الأعلى، والتيار الصدري، وحزب الله، وغيرها. وكانت لهذه الأحزاب أيضًا أذرع عسكرية مثل قوات بدر، وجيش الإمام المهدي، ولواء أبي الفضل العباس، وغيرها.
وعلى غرار ذلك، احتضنت فرنسا الخميني وأتباعه، لتعيده بعد أربع سنوات على متن طائرة فرنسية لإقامة الدولة الإسلامية على غرار الخلافة، وفقًا للمذهب الشيعي، الذي يرى أن الخليفة عنده هو «الإمام»، ولا يشترط أن يكون حاكمًا. وما زالت ولاية الفقيه مستمرة في إيران منذ 1979 وحتى الآن. وما حروب الخليج الثلاثة إلا نتيجة للصراع السني- الشيعي، وإن كانت الأسباب المعلنة غير ذلك.
وقد وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصراع خير وسيلة لابتزاز دول الخليج النفطية الغنية، وفي مقدمتها السعودية والكويت، عن طريق إدامة شبح التهديد الوهمي. فتحملت دول الخليج تلك، نفقات الحرب العراقية الإيرانية طيلة ثماني سنوات (1980- 1988)، ثم عادت فتحملت السعودية نفقات حرب الخليج الثانية عام 1991 (حرب تحرير الكويت)، لمجرد ألا تتمكن المجموعات الشيعية المسلحة من السيطرة على حكم العراق، حتى أصبحت عاجزة ثم مدينة اقتصاديًّا؛ مما دفعها إلى التخلي واللامبالاة في المرة الثانية عام 2003، بعد أن أدركت اللعبة، ورفضت تقديم أموال مقابل حكم مذهبي. فبدَت وكأنها غير معنية بما يحصل، وقررت الاحتفاظ بأموالها، ومقاطعة الحكم الشيعي في العراق. ولم تفتح سفارتها في بغداد أواخر عام 2015، بعد قطيعة دامت 25 عامًا.
وكان أخطر ما فعلته هذه الحركات الإسلامية، هو تخطي الحدود الدولية وعدم الاعتراف بها، وهو ما أسقط ابتداءً مفهوم سيادة الدول. فالجماعات السنية والشيعية تقاتل خارج حدودها في كثير من الأحيان.
وبإقامة حكم الشيعة في العراق عام 2005، سقط العراق بيد إيران، وانتشر لهيب الصراع الديني والطائفي إلى دول عربية عديدة في حملة عرفت بالفوضى الخلاقة عام 2011، ساهمت إيران بشكل كبير في تأجيج هذا الصراع، من خلال تدخلها في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وفلسطين، بالإضافة إلى العراق، معتمدة أسلوب تصدير الثورة الإسلامية، وإقامة الكيان الشيعي العابر للحدود الدولية المعترف بها، وهكذا أصبح تدفق المقاتلين من العراق إلى سوريا أمرًا طبيعيًّا؛ مما حدا بدول إقليمية أخرى مثل تركيا والسعودية وقطر إلى نفس التطبيق بفلسفة مختلفة.

الأثر الاقتصادي للإسلام السياسي

إلا أن فصول المسرحية لم تكن قد اكتملت بعد تمامًا، فمن المؤكد أن المقصود هو ثرواتهم أولًا، دون المبالاة بمذهب من يحكمهم، وإن الخراب هو ما يسعون إليه، لأن السياسة الغربية يمكن تلخيصها بعبارة «انتزع أمواله ثم تخلص منه». وتساعدهم في ذلك جملة عوامل طبيعية، منها تمسك الحكام بمناصبهم حتى لو اقتضى الأمر التضحية بمصالح الجماعة، وإن المسلم يمكن التعامل معه بشكل منفرد، وقابليته للخيانة مشهود بها، في ظل غياب قانون ومؤسسات تعزز روح المواطنة، وتعاقب على الخيانة. كما أن التفرقة تساعد في تحقيق ذلك وفق مبدأ «فرق ثم احكم» المعروف بفرق تسد.
وكان لا بد من تحريك اللامبالاة السعودية، بالتقرب إلى إيران تارة، وإلى السعودية تارة أخرى، على أمل البحث عن الضحية القادمة، التي لم تكن ملامحها قد اتضحت بعد. وعلى هذا المنوال سارت مفاوضات الاتفاق النووي، لحين ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بعد انتزاعه مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية في يونيو/ حزيران 2014.
وسارعت الولايات المتحدة إلى إنشاء تحالف دولي مكون من أكثر من عشرين دولة لمحاربة داعش، وقدرت كلفة الحرب 500 مليار دولار للقضاء على مقاتلي تنظيم الدولة الذين قدّر عددهم بين 25- 30 ألف شخص، أي أن تكلفة قتل كل إرهابي هي أكثر من 20 مليون دولار في الوقت الذي يكلف تجنيده 20 ألف دولار. وبلغت تكاليف الحرب حتى أواخر عام 2016، وفقًا للتقديرات الأمريكية أكثر من عشرة مليارات دولار، وبمعدل 12 مليون دولار يوميًّا، أو 5200 دولار في الدقيقة، أو تقريبًا 87 دولارًا بالثانية.
إن نفقات الحرب الباهظة تعطي تفسيرًا عن سبب انحصار في مناطق الشرق الأوسط، وتحديدًا في منطقة الخليج الغنية بالنفط. ويمكن إعطاء تصور لذلك:
– تكاليف الحرب العراقية- الإيرانية (حرب الخليج الأولى) 1000 مليار دولار.
– تكاليف حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية) 620 مليار دولار.
– تكاليف حرب إسقاط نظام صدام (حرب الخليج الثالثة) 3 تريليونات دولار.
– تكاليف حرب القضاء على داعش (الحرب على الإرهاب) 10.2 مليارات دولار.
– تكاليف الحرب في سوريا 800 مليار دولار.
– تكاليف الحرب على اليمن 38.7 مليار دولار.
– تكاليف الحرب الليبية 240 مليار دولار.
إن هذه الأرقام المهولة كانت قادرة على تحقيق الرفاهية لكل سكان المعمورة.
وإن مما يثير الدهشة والاستغراب، إن أحد أسباب غزو الكويت، هي مطالبة صدام للكويت بتقديم عشرة مليارات دولار كمساعدة، وإلغاء ديون الحرب العراقية- الإيرانية والتي تقدر بعشرة مليارات أخرى، بالإضافة إلى مليارين وأربعمائة دولار تعويضًا عن النفط المسروق من حقل الرميلة، أي ما مجموعه (22,4) مليار دولار. في حين أشارت بعض تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن ديون تلك الحرب قد بلغت 60 مليار دولار. ويمكن المقارنة بينها وبين تكاليف حرب تحرير الكويت بعد غزوها، والتي بلغت 620 مليار دولار. وهي لا تشكل في كل الأحوال نسبة تتراوح بين 2- 9% منها.
وربما أدركت الكويت والسعودية وباقي دول الخليج، أن صدام، كان أرخص شرطي في المنطقة.
وقد ظلت الأمور تسير في منحى تصاعدي مضطرد، إلا أن حادثتين غيرتا مسيرة الإسلام السياسي إلى جانب حوادث أخرى كثيرة، ألا وهما:
الأولى: ضرب صحافي عراقي للرئيس الأمريكي جورج بوش بالحذاء، أثناء زيارته للعراق أواخر عام 2008، مما نبّه الأذهان إلى حجم الاحتقان الذي يسود المسلمين والعرب من حجم الدمار الذي حصل في العراق، وهي سابقة خطيرة هزت الولايات المتحدة نفسيًّا بشكل غير متوقع.
وهنا وجدت الولايات المتحدة نفسها ملزمة بتجميل صورتها أمام العالم. فأفرزت انتخابات 2009 عن صعود أول رئيس أسود من أصول أفريقية مسلمة إلى البيت الأبيض. كما أن ضم منافسته الرئاسية الخاسرة هيلاري كلينتون إلى تشكيلة حكومته وتكليفها بوزارة الخارجية، وهي المعروفة بمكيافيلليتها، إضافة إلى نائب الرئيس جو بايدن صاحب مشروع تقسيم العراق، فاكتمل طاقم ميّال إلى دعم الإسلام السياسي عبر رئيس من جذور مسلمة، ونائب يسعى لتفتيت العراق، ووزيرة خارجية مكيافيللية. وقد اعتقد أوباما أول الأمر أن الإسلام قد فتح الولايات المتحدة، كما فتح الإسلام الممالك القديمة، لذا نراه يوم ترديد القسم أعلن على الملأ بأنه باراك حسين أوباما، مذكرًا باسم والده الإسلامي؛ مما دفع مجلس الشيوخ إلى طلب إعادة ترديده للقسم في اليوم التالي لوجود خطأ. ثم في أول زيارة له للشرق الأوسط زار القاهرة، وألقى خطابًا حماسيًّا في جامعة القاهرة في يونيو/ حزيران 2009. إلا الأحداث اللاحقة أثبتت خضوعه للدولة العميق في أمريكا.
وظلّ الإسلام السياسي يتصاعد ويتمدد في سوريا بشكل ينذر بكارثة، إثر ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، الأكثر طموحًا والأشد خطورة من كل ما سبقه من تنظيمات كالقاعدة، وجبهة النصرة، وغيرها، خاصة إذا علمنا أن زعيم التنظيم والخلافة فيما بعد كان سجينًا لدى القوات الأمريكية في سجن بوكا بالعراق، قد جرى إطلاق سراحه عام 2009، أي بعد أستلام أوباما للرئاسة.
كانت الأمور تسير حسنًا، وفقًا لما هو مخطط لها، وبدأ نجم تنظيم الدولة يسطع منذ 2010، وبدت مسألة تحويل الحلم الإسلامي في الخلافة إلى كابوس يجري استثماره بشكل رائع من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، وخاصة بعد وصول أعرق الحركات الإسلامية للسلطة في مصر، وكاد المشروع أن يطبق على الأرض، والمتمثل بإقامة الخلافة الإسلامية في بلاد المسلمين من سيناء إلى تركيا والسعودية. إلا أن الحادثة الثانية لم تكن في الحسبان.
الثانية: انتزاع السلطة من يد الإخوان المسلمين في مصر في 3 يوليو 2013؛ إذ قام الجيش المصري بانقلاب عسكري تحت قيادة عبد الفتاح السيسي، وعزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، باعتراف هيلاري كلينتون في مذكراتها خيارات صعبة.
وهنا أسقط في الأمريكان حلم تفجير المنطقة من الداخل ككل، ليصل سعر البرميل إلى عشرة دولارات، ولتقوم دولة الخلافة الإسلامية بذبح المسلمين تخفيفًا لأعباء إسرائيل بهذا الصدد. ومع كل ذلك، فبعد انقلاب الجيش المصري بسنة واحدة احتلت داعش مدينة الموصل التاريخية، ثاني أكبر المدن العراقية، بطريقة سهلة جدًّا، توحي بوجود أوامر عليا لتسليمها إلى هذا التنظيم. فهوت أسعار النفط العالمية من 110 دولارات للبرميل الواحد إلى 58 دولارًا، حيث دخلت المنظمات الإرهابية سوق تصدير النفط.
لقد كانت داعش، وهو الاسم المختصر لتنظيم الدولة، ورقة الجوكر التي أغرت كل الأطراف الدولية والإقليمية والداخلية للعراق للعب بها، فالشيعة أرادوا من خلالها معاقبة السنة في العراق، والأكراد أرادوها وسيلة للاستحواذ على أراضٍ أكثر لإقامة الدولة الكردية الموعودة، ورأت فيها تركيا والسعودية وقطر أفضل سلاح لمعاقبة الحكم الشيعي في العراق، وإيران. ورأت فيها إسرائيل أفضل معول حاد ونشط لتدمير بقايا الحضارة الآشورية وآثارها، التي تظل التوراة تذكرهم باضطهادهم، وتدمير مملكة يهوذا القديمة، وسبي شعبها عام 586 ق.م.
ولقد لعبت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون دورًا كبيرًا في صعود الإسلام السياسي المتشدد، معتقدة أنها بذلك تعبد الطريق إلى حلم الرئاسة الذي خسرته. إلا أن تسريباتها بدعم الولايات المتحدة للإسلام السياسي المتشدد أضرها كثيرًا، وخاصة في جلسة استماع الكونغرس الأمريكي عن حادثة مقتل طاقم السفارة الأمريكية في بنغازي عام 2012، وكررت ذلك ثانية في مذكراتها عام 2014، وكانت سببًا رئيسيًّا لخسارتها في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2017.
وظلت إدارة أوباما وطيلة ثماني سنوات من حكمه، تدعم الإسلام السياسي المتشدد بشكل خفي، وأبدى عن قصد، أو غير قصد عبر وزير خارجيته جون كيري موقفًا مرنًا مع إيران أثناء محادثات الاتفاق النووي، بحيث بدت إيران هي المنتصرة عند توقيعه في 15 يوليو/ تموز 2015، وهو الاتفاق الذي عارضه كل الأمريكيين، وقد عاونه في ذلك أركان طاقمه بايدن وكيري وكلينتون. والأكثر من ذلك، فقد أعلن أوباما صراحة رفضه إرسال قوات أمريكية للعراق عند احتلال داعش للموصل صيف عام 2014، على الرغم من وجود اتفاقية أمنية بين العراق، والولايات المتحدة عام 2009.
بعد أن ساهم الجميع بخلق الإسلام السياسي، والاستمتاع بنتائجه الكارثية، تحول فجأة إلى كرة نار يتقاذفها أحدهم على الآخر. فقد نسي قادة الغرب أن العالم اليوم، وفي ظل العولمة قد أصبح قرية صغيرة، وأن ما يحدث في أي بقعة من بقاع الأرض، سيظهر أثره في البقاع الأخرى عاجلًا أم آجلًا، إن إشعال النار في بيت الجيران، لن يضمن عدم تسرب النار إلى بيتك.
وهكذا سرعان ما بدأ تأثير الإسلام السياسي المتشدد ينتشر في معظم دول العالم، فزحفت موجات اللاجئين المليونية إلى كل أرجاء العالم، وضرب الإرهاب دولًا كانت إلى حد قريب جدًّا تساعد حركات الإسلام السياسي المتطرف، لمصالحها الخاصة. وهكذا ضرب الإرهاب فرنسا وتركيا وبلجيكا وألمانيا، وحتى أمريكا.

إدارة جديدة أم نهاية عهد

كان موضوع الإرهاب والحركات الإسلامية المتشددة أحد أبرز محاور الحملة الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة عام 2016؛ بل إن هذا المحور كان السبب الرئيسي لخسارة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وظلّ منافسها الجمهوري دونالد ترامب يردد عبارة أن أوباما وكلينتون هم من خلقوا داعش. وعلى الرغم من كثرة أخطائه الشخصية، وتصرفاته الطائشة، وعدم كفاءته السياسية، إلا أنه بدا في نظر العالم أجمع بمثابة حَمل وديع إلى جانب هيلاري رغم كل مهاراتها الدبلوماسية.
إن شعورًا عامًا قد تولد في العالم أجمع، بأن الإسلام السياسي المتشدد هو أسوأ اختراعات البشر في تاريخه الطويل، وهو يعيد البشرية إلى العصور المظلمة، وشريعة الغاب. ومن جانب آخر، فقد حقق هذا الاختراع غاياته المتوخاة، فدمر معظم دول الشرق الأوسط، وبدد ثرواتها، وحطم صناعتها، وجعلها مدينة للمؤسسات المالية الكبرى، وغدت عروشها خاوية بعد أن مزق الإرهاب شعوبها وفرقها.
إن نظرة سريعة على فوز الرئيس المنتخب ترامب، يجعلنا ندرك أن مرحلة الإسلام السياسي قد شارفت على الانتهاء. وهذا لا يعني بالضرورة نهاية الإسلام كدين عبادة، بل سيبقى حاله حال الأديان الأخرى، ولكنه سيكون مقيدًا بعد كبح جماحه نحو إعادة بناء دولة الخلافة الإسلامية؛ مما يدفع بالتالي شعوب المنطقة إلى نظام الدولة المدنية، القائم على مبدأ الفصل بين الدين والدولة.

إن من أهم العوامل التي ساعدت على فوز ترامب هي:

1. دور الكنيسة، فقد لعبت الكنيسة دورًا كبيرًا في فوز ترامب، على الرغم من التشنج الأولي الذي ظهر في انتقاد البابا لموقف ترامب من بناء جدار على حدود المكسيك، ورغبته في طرد اللاجئين والمهاجرين، قائلًا: بأن من يقول بذلك، لا يمكن أن يكون مسيحيًّا. إلا أن رسالة الفاتيكان قبل موعد الانتخابات بثلاثة أيام شكّلت ضربة موجعة لكل من عوّل على الإسلام السياسي المتشدد للوصول إلى البيت الأبيض. وقد التفت كل الكنائس الأمريكية حوله، وفي مقدمتها الكنيسة الإنجيلية، حتى اعتبره البعض بأنه يؤسس لأممية اليمين الديني المسيحي. وعلى الرغم من نفي الفاتيكان لبعض من تلك الأخبار الكاذبة، إلا أن الإحصائيات دلّت على أن 60% من الإنجيليين، و52% من الكاثوليك، قد صوّتوا لصالح ترامب.
2. روسيا، لقد لعبت روسيا دورًا كبيرًا في فوز ترامب الذي رأت فيه رجل أعمال بلا خبرة سياسية، ويتسم بالبساطة والصراحة، والصدق في التعامل، الذي يمكن التعامل معه بعيدًا عن الخداع وألاعيب السياسة. وعلى الرغم من كل الشبهات التي أثيرت حول دور موسكو في فوز ترامب، إلا أن ذلك لم يثبت تمامًا.
3. مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي أرسل مديره على حين غرة رسالة إلى الكونغرس يخبره بنيته في إعادة فتح التحقيق في قضية البريد الإلكتروني لكلينتون، قبل عدة أيام من موعد الانتخابات.
4. الاختلاف الكبير في فلسفة الحزبين المتنافسين. فالحزب الجمهوري هو على شاكلة الأحزاب العقائدية العربية من حيث انضباط وتماسك أعضائه، إذ إن معظمهم من المتدينين الذين يصوتون لمرشحهم بغض النظر عن مواقفه. وعلى خلاف ذلك، فإن الحزب الديمقراطي يضم أعضاء متحررين فكريًّا، ويصعب إقناعهم بسهولة. ولا ينظرون إلى الدين كمرجع فكري.
5. الأخلاق، إن التصدع الكبير الذي أصاب الأخلاق في الولايات المتحدة، وخاصة في السنوات الأخيرة من عهد أوباما الذي يبدو أنه احتفظ بها في بيته، فيما طبق العكس على الولايات المتحدة، وخاصة توقيعه لقانون زواج المثليين الجنسيين عام 2015، وتقنين الإجهاض، وتقنين مخدرات الماريغوانا، وحيازة الأسلحة. ورغم كل القبول الأمريكي الظاهر، إلا أن الشعب كان يشعر أن هذا الأمريكي الأسود من أصول مسلمة لن يصير مسيحيًّا حقيقيًّا مهما حاول إجادة تمثيل هذا الدور، وكشفت أيامه الأخيرة حقيقة ذلك، في طرد 35 دبلوماسيًّا روسيًّا، والدور السلبي في صدور قرار ضد إسرائيل في الأمم المتحدة حول المستوطنات، ورفع العقوبات الجزئية عن السودان، وإعادة معتقلي غوانتنامو إلى دولهم، ومنح نفسه ونائبه أوسمة الحرية، وغير ذلك؛ لذا شعر الأمريكيون البيض أن سيطرة الرجل الأبيض في خطر، وأن شعورًا عامًا بدأ يسود وهو أن السلطة قد تسربت من أيديهم. وربما كان الديمقراطيون سيفوزون لو قدموا بيرني ساندرز العجوز الذي قدم مشروعًا قائمًا على العودة للأخلاق؛ لأنه كان سيبدو أكثر قبولًا أمام ترامب الطائش؛ لا بل إن الكثيرين امتنعوا عن التصويت لصالح كلينتون نظرًا لتصويتها لصالح الحرب في العراق.
6. الاتحاد، الذي لم يعد كما أراده مؤسسوه مثل واشنطن ولينكولن وآخرون. لهذا جاء شعار حملة ترامب مدغدغًا لشعور معظم الأمريكيين في عودة أمريكا عظيمة مرة أخرى، كما كانت في بداية تأسيسها، اتحادًا لعموم الشعب، وليس لمجموعة النخبة الصغيرة أمثال كلينتون التي تبحث عن الثراء، في حين أعلن ترامب عدم رغبته في استلام مرتب الرئاسة.
7. فريق ترامب المسيحي الشرقي، وعلى عكس كلينتون التي اعتمدت على هوما عابدين، وهي أمريكية من أصل سعودي لتكون سكرتيرتها المقربة إليها، ولتثير مجموعة فضائح حول علاقتهما الجنسية، وبعد ذلك وجود رسائل سرية لكلينتون في حاسوب زوج هوما. فإن فريق ترامب ضّم مجموعة من المسيحيين الشرقيين المعروفين، من أمثال اللبناني الدكتور وليد فارس، والسوري الدكتور غابرييل صوما، ثم ألحقهما أخيرًا بالمصرية دينا حبيب. وهكذا نجد أن فريق ترامب يضُم مسيحيين شرقيين، ولهم توجهات مسيحية معروفة.

ملامح المرحلة القادمة

سيؤدي ترامب بعد ساعات القسم ليصبح الرئيس 45 في سلسلة رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية لمرحلة جديدة من أبرز ملامحها التغير الكبير في سياسة الولايات المتحدة تجاه الإسلام السياسي المتشدد، وكانت ملامح ذلك قد ظهرت فيما يلي:
1. انتقاد ترامب للإسلام السياسي المتشدد، وفي مقدمته تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي ركّز على اتهام منافسته كلينتون والرئيس سابقًا أوباما بأنهما من خلقا داعش.
2. لقاؤه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني/ أكتوبر 2016، وتقارب وجهات نظرهما حول الإخوان المسلمين.
3. النظر إلى الاتفاق النووي الإيراني على أنه اتفاق غير متكافئ، ويجب على الأقل تعديله إذا تعذر إلغاؤه.
4. تقارب وجهات النظر بين ترامب والرئيس الروسي بوتين حول إقامة علاقات بناءة بينهما بدلًا من الصراع.
5. إرسال رسائل مشجعة ومطمئنة لإسرائيل بأن عليهم أن يصبروا حتى يوم توليه السلطة رسميًّا.
6. تشكيلة فريق حملة ترامب الانتخابية الذي يضم مسيحيين شرقيين معروفين بميولهم المسيحية.
7. إعداد مشروعين لتقديمهما للكونغرس باعتبار حركة الإخوان المسلمين، والجيش الثوري الإيراني منظمات إرهابية.
8. التقارب مع الكنيسة بمختلف مذاهبها سواء الكاثوليكية، أو الإنجيلية.
9. اعتبار قرار غزو العراق عام 2003، أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة، وهو الذي قاد إلى صعود الأحزاب الإسلامية المتشددة، سواء الشيعية أو السنية منها، وأطلق يد إيران في العراق، وبعض دول المنطقة.
وهذا ما دفع كيري، وزير الخارجية الأمريكي السابق، ليصرح في آخر أيام ولايته، بأن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، عمل على تشكيل ميليشيات طائفية، الأمر الذي أضعف القوات الحكومية، مما تسبب بتمدد تنظيم داعش. فردّ عليه المالكي بالقول، إن تنظيم داعش كان صنيعة إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما، والتي تسببت في إراقة الدماء في العراق وسوريا واليمن.
إن هذه الملامح والكثير غيرها، تُشير ضمنًا إلى أن مرحلة الإسلام السياسي قد شارفت على الانتهاء، وإن اندحارها مسألة وقت ليس إلا، بعد أن أثبتت فشلها الذريع أينما حلت. وإن غدًا لناظره لقريب.


الدور السياسي للبطريركية الكلدانية ج(3)

ثالثًا: علاقة الكنيسة الكلدانية بالنواب المسيحيين

وإلى جانب التشجيع على العمل السياسي، فإن الكنيسة قد أعربت عن خيبة أملها من النواب المسيحيين، كما اتخذت مواقف متشددة تجاه بعض النواب وأحزابها. فأصدرت آراءها أو فتاواها باعتبار هؤلاء النواب لا يمثلون المسيحيين ولا أخلاق المسيح، وهي أشبه بصيغة التحريم القديمة في المسيحية، أو بفتوى التكفير عند المذاهب الإسلامية.
وجذور المشكلة تعود إلى عام 2003، عندما قام الحاكم المدني باختيار يونادم كنّا ممثل الآشوريين، العضو المسيحي في مجلس الحكم، واستبعاد المطران الكلداني عمانوئيل دلّي «البطريرك لاحقًا»، وظلّ موقف البطريركية حتى وفاة البطريرك يرى أن كنّا لا يمثل المسيحيين.[1] ومن هذه الحالات، ما يلي:
– أعلنت البطريركية رأيها حول كتائب بابليون برئاسة السيد ريان الكلداني، قائلة: «تؤكد البطريركية الكلدانية ألا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بكتائب بابليون أو غيرها من الفصائل المسيحية المسلحة ولا بالشيوخ الكلدان. لا يوجد للكنيسة الكلدانية شيوخ يمثلونها. إننا نعلن للجميع أن السيد ريان لا صلة له بأخلاق المسيح رسول السلام والمحبة والغفران، ولا يمثل المسيحيين بأي شكل من الأشكال، ولا هو مرجعية للمسيحيين، ولا نقبل أن يتكلم باسم المسيحيين. هو مجرد مقاتل في الحشد الشعبي. إنما (الكنيسة) مرجعيتها السياسية هي الحكومة العراقية، وأن ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب»[2].
– أما رأي البطريركية حول النائب الشيوعي جوزيف صليوا، فقد كان أكثر قسوة، وما زالت العلاقة المتشنجة بينهما تشهد سجالات عديدة، قائلة: «إن هذا النائب «جوزيف صليوا» لا يمثل المكون المسيحي بأي شكل من الأشكال، ولا يمثل الكلدان ولا يشرفهم، ويبدو أنه إنسان غير مسؤول ولا يعرف حجمه وحدوده، أو مدفوع من جهة معينة».[3]
ولاحقًا، نشر إعلام البطريركية، قائلًا: «مرة أخرى نؤكد أن هذا النائب لا يمثل المكون المسيحي بأي شكل من الأشكال، ولا يمثل الكلدان ولا يشرفهم، ويبدو أنه إنسان غير مسؤول ولا يعرف حجمه وحدوده، أو مدفوع من جهة معينة. البطريركية تحذره من إذا استمر في تصرفه هذا سوف تقاضيه قضائيًّا. نتمنى إن يتعلم الدرس هو وغيره»، لذا نطالب الحزب بمحاسبته والبرلمان برفع الحصانة عنه بسبب تجاوزاته العديدة على الشخصيات العراقية والكتل السياسية الرصينة».[4]
– وأخيرًا، فقد بدت علاقة البطريركية بالنائب عمانوئيل خوشابا الفائز في انتخابات 2018 عن كتلة الرافدين، والأمين العام للحزب الوطني الآشوري، متشنجة منذ بدايتها.
فقد نشر النائب المذكور، بعد تعذّر حضوره دعوة البطريرك للنواب المسيحيين الجدد قائلًا: «إن اعتراضي كان على نقطتين رئيسيتين هما أن الدعوة لم أتلقها بشكل رسمي، ولم أرها بأم عيني، والقضية الأخرى هي المجلس المسيحي؛ فقد كان هذا الموضوع محور نقاش في اجتماع تم قبل عدة سنوات في أربيل بمشاركة عدد من أحزابنا، وسيادة البطريرك ساكو، وأعلنا موقفنا تجاه هذا الطرح، فالمفهوم الذي يتم من خلاله تبني مثل هذا المجلس يتناقض مع الطرح الذي تتبناه أحزاب شعبنا تجاه بلورة دولة مدنية تتكفل بحقوق مواطنيها، وهذا ما يتعارض مع فكرة الدولة الدينية، فإذا كنا مسيحيين، ونتجه نحو تبني هذا المفهوم، فكم بالأحرى سيكون توجه الأغلبية المسلمة التي ستكون رؤيتها باتجاه الجنوح نحو ترسيخ الدولة الدينية بناء على نظرتنا تجاه هذا الأمر»[5].
ثم عادت الكنيسة الكلدانية لترّد على تصريحات النائب عمانوئيل خوشابا حول إخفاق ترشيح البطريركية لإحدى المسيحيات لمنصب وزير الهجرة، بالقول: «نشر السيد عمانوئيل خوشابا بيانًا وُزِّع على وسائل الإعلام، منها السومرية، زاعمًا فيه أن إسقاط ترشيح السيدة هناء عمانوئيل لوزارة الهجرة والمهجرين، هو انتصار لمدنية الدولة وفصل الدين عن السياسة. إننا نأسف جدًّا لهذا التصريح الذي لا يخلو من عدم الدراية والأوهام. وإننا إذ نحترم الخيارات الديمقراطية وفق حيثياتها، نقول إن الدولة الدينية أو المدنية لا تقوم على عدم توزير سيدة مستقلة ومن التكنوقراط. وإذا كان السيد خوشابا واثقًا إلى هذا الحدّ من الادعاء، فندعوه بكل تأكيد هو وزملائه إلى العمل على قيام دولة مدنية حقيقية، وفي هذه الحال، لن يكون ثمة أي داعي، لقيام كوتا مسيحية، فهذا تعبير ديني، ولا تستشار من ثم المراجع العليا».[6]

رابعًا: السعي لإنشاء مرجعية مسيحية سياسية

نشر البطريرك لويس ساكو رؤياه للمشهد السياسي المسيحي عام 2016، قائلًا: المطلوب تشكيل فريق صغير فعّال من 7- 10 من أشخاص حكماء، ومقتدرين، وشبعانين، وسياسيين متزنين ومخلصين ليكونوا ناطقين باسم المسيحيين، ويتحملوا المسؤولية بروح الفريق الواحد، ويتصلوا بالمعنيين في الداخل والخارج. فالجوامع المشتركة بينهم ما تزال حية وتتطلب التنازل عن المصالح، والتكاتف والتعاون. والتخلص من العقد، والمشاركة البنّاءة والفاعلة مع المسلمين والآخرين في الحياة العامة. صحيح أن عددهم قد تراجع، لكن حضورهم وأداءهم لا ينبغي أن يتراجعا.
ألا يمكن أن تجتمع كافة تنظيمات شعبنا تحت اسم واحد كأن يكون: «التجمع المسيحي الوطني العراقي»؟
لماذا لا يُشكّل «مجلس سياسي مسيحي» يدعو لتأسيس مرجعية سياسية مسيحية؟
«البطريرك لا يقدم نفسه بديلًا للأحزاب السياسية ولا للنواب. لكن لو نظرنا إلى الساحة السياسية العراقية لوجدنا أن للشيعة مرجعية سياسية وللسنة مرجعية سياسية كذلك للأكراد، وللتركمان جبهة، وللشبك ولليزيديين، أما بالنسبة إلى المسيحيين فهناك تبعثر وتشتت. هناك أحزاب قومية ترشحهم هذه الجماعة أو تلك، وهي بالتالي تابعة لها، وجاءت بأشخاص يفتقرون إلى الاقتدار المعرفي والسياسي وبالتالي المسيحيون هم الخاسرون.
كان قد طرح غبطة البطريرك ساكو منذ بداية تسلمه لمسؤوليته مشروع تكوين مرجعية سياسية علمانية موحدة للمسيحيين على قاعدة الكفاءة. هذا الطرح رفض بحجة أن المسيحية ديانة وليست قومية؟ وكلما بادر لجمع شملهم برزت الاختلافات والتوجهات المنفعية الذاتية الشخصية أو القومية».[7]
ثم أعادها ثانية «البطريركية تقترح تشكيل فريق مسيحي جامع، مقتدر ومهني يكون هو المرجعية السياسية والناطق الرسمي باسم المسيحيين فيما يخص المشاركة السياسية. ويخرج بقائمة انتخابية واحدة تحت «تجمع مسيحي»، وتختار من هم الأفضل لتمثيلهم. إنها فرصة مفصلية ونأمل أن تدعم المرجعيات الكنسية هذه المبادرة. بخلاف ذلك سوف تدعم البطريركية وبكل قوتها وإمكانياتها قائمة كلدانية في الانتخابات القادمة، وتشكل فريقًا وطنيًّا كلدانيًّا لإنجاح هذه القائمة».[8]
«ألا يمكن أن تجتمع كافة تنظيمات شعبنا تحت اسم واحد كأن يكون: «التجمع المسيحي الوطني العراقي «لأننا اليوم نحتاج إلى الوحدة والألفة والتضامن. بهذه الوحدة نقدر أن نبادر بإطلاق حملة وطنية، شعارها تحقيق السلام والوئام والتعايش السلمي، واحترام كل الأديان والمذاهب والأطياف، وإشاعة روح الحريّة والديمقراطية الصحيحة».
إن تشكيل (جهة سياسية) معنية بشؤون المسيحيين، قد أصبحت رغبة عارمة لدى البطريرك الكلداني الحالي، يطرحها في كل مناسبة أو اجتماع أو لقاء، حتى الدينية منها، وعلى سبيل المثال، فـ«في الجلسة الصباحية لأعمال الجمعية العادية لمجلس كنائس الشرق الأوسط المنعقد في عمان- الأردن يوم الأربعاء 7 سبتمبر (أيلول) 2017، والتي كانت مخصصة للوجود المسيحي المهدد في الشرق الأوسط، اقترح غبطة البطريرك ساكو تشكيل لجنة في مجلس الكنائس من خبراء سياسيين وقانونيين تهتم بالوضع السياسي في الشرق الأوسط لأجل دراسة وتحليل وتقديم رؤية واضحة وحلول، كما اقترح أن يقوم المجلس بتشكيل وفد رفيع المستوى لزيارة المرجعيات الدينية المسلمة: مشيخة الأزهر والنجفـ وقام للمطالبة بإصدار موقف واضح حول المسيحيين في هذه البلدان. وقبل الظهر قابل رؤساء الكنائس جلالة الملك عبد الله الثاني».[9]
فما الذي يميز هذه اللجنة السياسية عن الأحزاب السياسية «المسيحية»؟
الغريب في الأمر، أن هذه اللجنة السياسية ستشكل في مجلس الكنائس، أي سيشكلها المجلس من مجموعة من السياسيين والقانونيين، وهي تابعة لمجلس الكنائس، وهذا ما يميزها عن الأحزاب. أو أن يجعل الأحزاب تنضوي تحت سلطة الكنيسة مجددًا كما كان الوضع في أوروبا إبان القرون الوسطى.

خامسًا: الرغبة في تمثيل المسيحيين لدى السلطة

رغبة البطريرك الكلداني في تمثيل المسيحيين العراقيين جميعًا لدى السلطة بدأت مع سعي المطران «البطريرك لاحقًا» عمانوئيل الثالث دلّي إلى تمثيل المسيحيين في مجلس الحكم المؤقت لعام 2003، كما أسلفنا، وتعززت هذه الرغبة بتولي المطران لويس ساكو مطران كركوك وتوابعها كرسي البطريركية الكلدانية في الأول من فبراير (شباط) 2013. ففي رسالته إلى سياسيي أبناء شعبه بتاريخ 16 سبتمبر (أيلول) 2013 يضع الخطوط العريضة لتدخله في الحقل السياسي وتسيّده على القرار المسيحي، ورغبته بتشكيل فريق عمل في البطريركية، جاء فيها:
«كنتُ أتمنى أن يتمّ لقاءٌ خاصٌّ يجمع العاملين في السياسة من أبناء شعبنا، لكن ظروفي الكنسيّة الكثيرة وعدم تمكني من تشكيل فريق عمل في الدائرة البطريركية حتّى الآن لم تسمح بذلك، لذلك أوجّه إليكم هذه الرسالة مقترحًا عليكم بعضَ أفكار بغية توحيد الصفوف وتفعيل الدور المسيحي في الحفاظ على اللحمة الوطنيّة من جهة، وعلى حقوق المسيحيين بوصفهم مُكوَّنًا عراقيًّا أصيلًا من جهة ثانية: ألا يمكن أن تجتمع كافة تنظيمات شعبنا تحت اسم واحد كأن يكون: «التجمع المسيحي الوطني العراقي»؟ لماذا لا يُشكّل «مجلس سياسي مسيحي».[10]
وقد نشرت إحدى الصحف رأينا بالقول: «رأى الديبلوماسيّ والخبير في الشأن المسيحيّ الدكتور رياض السندي أنّ النقد المتزايد لتدخّل رجال الدين يكشف عن الصراع على تمثيل المسيحيّين بين السياسيّين ورجال الدين. وفي رأي رياض السندي، الذي كتب مقالات تحلّل أسباب الانقسام الداخليّ المسيحيّ»، «إنّ الصراع على التصدّي لتمثيل المسيحيّين بطوائفهم الأربع عشرة ترك تأثيره في مواقف الكنيسة وتصريحاتها التي تتغيّر بين الشدّ والجذب. ففي عام 2016، أعلن البطريرك ساكو أنّ المرجعيّة السياسيّة للكنيسة هي الحكومة العراقيّة، وأنّ ممثّليها الرسميّين هم أعضاء مجلس النوّاب، لكنّه في العام الحاليّ بدّل موقفه مع تصريحه أنّ أحد النوّاب لا يمثّل المسيحيّين ولا يمثل الكلدان، فهو يمثّل رسميًّا كتلته السياسيّة، وكان المقصود بذلك النائب جوزيف صليوة».[11]

خاتمة

«ويبدو من سياسة شدّ الحبل بين السياسيّين ورجال الدين أنّ ساكو يعدّ الزعيم الدينيّ المسيحيّ، الذي حاز على الكمّ الأكبر من المعارضة والنقد نظرًا إلى شخصيّته الكاريزميّة، واتّخاذه خطوات جريئة شكّلت منافسة قويّة للسياسيّين، مثل دعوته في عام 2016 إلى مجمع مسكونيّ موحّد كمرجعيّة سياسيّة للمسيحيّين يشارك في الانتخابات بقائمة واحدة، وتوحيد تسمية المسيحيّين على أساس دينيّ، بدلًا من التشظّي في التسميات القوميّة، وترأسه وفود رجال الدين لمقابلة رؤساء الكتل السياسيّة الكبرى».[12]
والحقيقة التي يجب ألا تغيب عن الأذهان، وهي أن المسيحيين ما زالوا منقسمين إلى 14 طائفة، وأن هذا الانقسام كان بسبب الكنيسة ذاتها، التي تحولت إلى كنائس بدلًا من كنيسة واحدة، وأن الكرة في ملعب الكنيسة أصلًا، وهي التي يمكن أن توحد المسيحيين، ولا حاجة للبحث عن الكرة في ملعب السياسيين ومطالبتهم بتوحيد «المكون المسيحي». بل إن الانقسام السياسي هو نتيجة منطقية للانقسام الكنسي.

[1] أصدرت بطريركية بابل الكلدانية بتاريخ 15 يناير (كانون الثاني) 2012 بيانًا إلى الشعب العراقي والمسؤولين في الدولة العراقية جاء فيه: «إن بعض السياسيين المسيحيين ونخص منهم بالذكر سعادة النائب يونادم كنا سكرتير الحركة الديمقراطية الآشورية التي لها ثلاثة مقاعد في مجلس النواب العراقي وحصلوا عليها عن طريق الكوتا المخصصة للمسيحيين، يقدم نفسه للشعب العراقي والعالم على أنه ممثل المسيحيين، وهذا لا يجوز فهو يمثل نفسه وحزبه فقط لا غير ولقد دأب في أحاديثه على تهميش الكلدان والإقلال من شأنهم وتبخيس تاريخهم والإصرار على حصرهم في إطار مذهبي كنسي فقط، وهذه أفكار عنصرية مقيته لا يجوز ترويجها في العراق الجديد. إن نظرية إلغاء الآخر قد ولى زمنها وأصبحت من الماضي غير المشرف، وإذا كان له حق الاختيار للهوية والمعتقد والقومية فمن حق الآخرين أن يكون لهم نفس الفضاء من الحرية في الاختيار، لا أن يفرض عليهم رغبات وخيارات لا يرتضونها لهم، ومن حق الكلدان إن يفتخروا ويجاهروا بقوميتهم الكلدانية، وخاصة أنهم يمثلون ما نسبته 70- 75% من مجمل مسيحيي العراق». انظر، بيان صادر عن بطريركية بابل الكلدانية إلى الشعب العراقي والمسؤولين في الدولة العراقية، موقع بيدارو، على الرابط
[2] بيان البطريركية الكلدانية بالعدد 49 في 13 مارس (آذار) 2016.
[3] بطريركية الكلدان تحمل على النائب صليوا: ليس رئيسًا للكنيسة ولا يمثل المسيحيين، موقع صحيفة الغد برس، في 07 يوليو (تموز) 2017.
[4] موقع البطريركية الكلدانية
[5] الأخ عمانوئيل خوشابا عضو مجلس النواب العراقي لـعنكاوا كوم منصب مقرر البرلمان محسوم للمكون المسيحي، موقع الحزب الوطني الآشوري.
[6] البطريركية تعقب على بيان السيد عمانوئيل خوشابا، موقع البطريركية الكلدانية في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2018.
[7] المشهد السياسي المسيحي في العراق، إعلام البطريركية، موقع البطريركية الكلدانية في 16 يناير (كانون الثاني) 2016.
[9] موقع البطريركية الكلدانية
[10] رسالة من البطريرك ساكو إلى سياسيي أبناء شعبنا الموقرين في 16 سبتمبر (أيلول) 2013.
[11] سعد سلوم، الكتل السياسيّة المسيحيّة تعارض تدخل الكنيسة في الشأن السياسيّ المسيحيّ في العراق، موقع المونيتر في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
[12] سعد سلوم، الكتل السياسيّة المسيحيّة تعارض تدخل الكنيسة في الشأن السياسيّ المسيحيّ في العراق، مصدر سابق.

الأحد، 16 يونيو 2019

هل خرج العراق من أحكام الفصل السابع من الميثاق؟

هل خرج العراق من أحكام الفصل السابع من الميثاق؟

د. رياض السندي

- تمهيد
كثيراً ما يطرح العراقيون هذا السؤال الهام والذي يمسُّ حياة العراقيين ومستقبلهم، في حين تأتي إجابة الحكومة على هذا السؤال غير دقيقة وتتضمن خداعاً لأغراض سياسية، ومزايدات حزبية، ودعايات إنتخابية، مما يشوش الصورة على المواطن العراقي الذي عانى من حصار إقتصادي لمدة 13 سنة، أعقبتها 17 سنة من الفشل الإداري، مما زاد من معاناة العراقيين وضياع حقوقهم. وهذا ما دفعنا إلى بحث الموضوع بشكل علمي وموضوعي دقيق ومحايد، لتوضيح الصورة كاملة.
أدخل العراق تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بموجب القرار 660 الصادر عن مجلس الأمن في 2 آب/أغسطس 1990، بعد ساعات من غزوه للكويت، حيث أشار المجلس -ولأول مرة في تاريخ المنظمة الدولية إلى المادة القانونية التي يتصرف بموجبها، بعد أن كان لا يشير إلى الفصل أو المادة القانونية من الميثاق التي يتصرف بموجبها ووفق الصلاحيات المخولة له بموجبها، حيث أشار القرار المذكور في ديباجته إلى إنه " وإذ يتصرف بموجب المادتين 39 و40 من ميثاق الأمم المتحدة". وهاتين المادتين تقعان في الفصل السابع من الميثاق الذي يتضمن المواد من (39-51). 
ويمكن الإستدلال على ذلك من خلال قرارات مجلس الأمن الدولي حيث يتضمن في الغالب إشارتين إلى ذلك، وهما: -
1. صدور القرار بموجب الفصل السابع من الميثاق، أو إحدى مواده في ديباجة القرار وقبل الفقرات التنفيذية. وأول قرار فيه إشارة لمواد الفصل السابع من الميثاق هو القرار 598 الصادر بتاريخ 20 تموز/يوليو 1987 في الحالة بين إيران والعراق، حيث أشار المجلس في ديباجة قراره المذكور إلى إنه (إذ يتصرف بموجب المادتين 39 و30 من الميثاق). وقد تكررت هذه الإشارة أيضا بعد ثلاث سنوات لاحقة في القرار 660 لعام 1990 وهو أول قرار يصدر في الحالة بين العراق والكويت.
وقد ظَلّ المجلس يكرر عبارة (وإذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة) في كل قراراته الصادرة في الحالة بين العراق والكويت، منذ صدور القرار S/RES/664 بتاريخ 18 آب/أغسطس 1990 وحتى القرار S/RES/2335 الصادر في 30 كانون الأول/ديسمبر 2016.
2. إبقاء المسألة قيد نظر المجلس: حيث يختتم المجلس قراراته بعبارة (يقرر إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي)، أو أية عبارة أخرى مماثلة، كما أشار في القرار S/RES/660الصادر في 2 آب/أغسطس 1990 وهو أول قرار صدر عن الحالة بين العراق والكويت، قوله (يقرر أن يجتمع ثانية عند الإقتضاء للنظر في خطوات أخرى لضمان الإمتثال لهذا القرار). أو عبارة (يقرر أن يبقي هذا البند على جدول أعماله وأن يواصل جهوده لوضع حد للإحتلال)، كما ورد في القرار S/RES/662 الصادر في 9 آب/أغسطس 1990. وأوضح هذه العبارات ما ورد في القرار 687 في 3 نيسان/أبريل 1991 بقولها (يقرر أن يبقي المسألة قيد النظر وأن يتخذ ما قد يلزم من خطوات أخرى لتنفيذ هذا القرار وضمان السلم والأمن في المنطقة). وما زالت هذه العبارة تتكرر في كل قرارات المجلس حول الوضع في العراق حتى في آخر قرار له برقم S/RES/2470 في 21 آيار/مايو 2019.

- الحالات المستنفذة
ويمكن إستخلاص الحالات التي أخرجت من تحت أحكام الفصل السابع من الميثاق، إستنادا إلى قرارات المجلس، وكما يلي: -
أولا. أشار القرار S/RES/1483 الصادر في 22 آيار/مايو 2003 (أي بعد 45 يوماً من الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق) وهو أول قرار يصدر عن المجلس يقرر رفع إجراءات الحظر الإقتصادي على العراق وفقا للفقرة 10 من القرار المذكور بقولها: " يقرر (المجلس) ألا تسري بعد الآن جميع تدابير الحظر المتصلة بالتجارة مع العراق وبتقديم الموارد المالية أو الاقتصادية للعراق، والمفروضة بموجب القرار 661 (1990) والقرارات اللاحقة ذات الصلة، بما فيها القرار 778 (1992) المؤرخ 2 تشرين الأول/أكتوبر 1992، وذلك بإستثناء تدابير الحظر المتصلة ببيع الأسلحة أو الأعتدة ذات الصلة إلى العراق أو تزويده بها، فيما عدا الأسلحة والأعتدة ذات الصلة التي تحتاجها السلطة لخدمة أغراض هذا القرار، والقرارات الأخرى ذات الصلة".
ثانيا. تضمن القرار 1957 والصادر في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2010 حالات أخرى لم يتم التحقق من وجودها بعد تعذر العثور عليها، وهي أسلحة العراق إذ نصت الفقرة 1 منه على ما يلي: " يقرر أن ينهي التدابير المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والقذائف والأنشطة النووية المدنية المفروضة بموجب الفقرات 8 و 9 ﻭ 10 ﻭ 12 ﻭ 13 من القرار 687 (1991) والفقرة 3 (و) من القرار 707 (1991)؛ وعلى نحو ما أعيد تأكيده في القرارات اللاحقة ذات الصلة".
ثالثا. جاء القرار 1956 والصادر في 15 كانون الأول/ديسمبر 2010 لينص على إنهاء آلية إيداع أموال صادرات العراق النفطية بحلول 30 من حزيران/يونيه 2011، حيث نصت فقرته الأولى على ما يلي: " يقرر أن ينهي في 30 حزيران/يونيه 2011 الترتيبات المحددة في الفقرة 20 من القرار 1483 (2003) بشأن إيداع العائدات المتأتية من مبيعات صادرات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي في صندوق تنمية العراق.....".
رابعا. يعتبر القرار S/RES/2107 الصادر في 27 حزيران/يونيه 2013 قرارا مهما بهذا الصدد، حيث نصت الفقرة 3 منه على ما يلي: "يقرر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إنهاء التدابير المنصوص عليها في الفقرات 2 (ﺝ) 򟕄 (ﺩ) 򟕅 (ﺝ) من القرار 686 (1991)، والفقرة 30 من ﺍﻟﻘﺮﺍ� (1991) والترتيبات المنصوص عليها في الفقرة 14 من القرار 1284 (1999) والتي أعيد تأكيدها في قرارات لاحقة ذات صلة).
وبالرجوع إلى هذه القرارات الثلاث المشار إليها في هذا القرار، نجد إن تلك المواد تتضمن حالات مستنفذة، وهي:
1. إطلاق سراح جميع الكويتيين ورعايا الدول الثالثة الذين إحتجزهم العراق وأن يعيد أي جثثت للموتى منهم. (الفقرة 2 ج، من القرار 686 لعام 1991، والفقرة 30 من ﺍﻟﻘﺮﺍ� لعام 1991).
2. إعادة الممتلكات الكويتية التي إستولى عليها العراق. (الفقرة 2 د، من القرار 686 لعام 1991).
3. إطلاق سراح جميع أسرى الحرب وإعادة أية جثث للموتى من أفراد قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة معها. (الفقرة 3 ج، من القرار 686 لعام 1991).
خامسا. جاء القرار S/RES/2390الصادر في 8 كانون الأول/ديسمبر 2017 ليقرر إعتبار العراق والأمم المتحدة قد "نفذا تنفيذا تاما جميع التدابير المفروضة بموجب قراري مجلس الأمن 1958 (2010) و2335 (2016) المتخذين بموجب الفصل السابع من الميثاق" حيث قرر المجلس إخراج بعض إلتزامات العراق من تحت طائلة الفصل السابع من الميثاق، ومعظمها قد جرى تكراره وهي: -
أ‌- إطلاق سراح جميع الكويتيين ورعايا الدول الثالثة الذين إحتجزهم العراق.
ب‌- إعادة كافة الممتلكات الكويتية التي إستولى عليها العراق.
ت‌- إطلاق سراح جميع أسرى الحرب وإعادة إي جثث للموتى من أفراد القوات الكويتية والدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت.
ث‌- تحويل الأموال المتبقية في حساب الضمان المنشأ بالقرار 1958 (2010) إلى حكومة العراق.
وبإختصار شديد، يمكن القول بان الحالات التي تم رفعها وإخراجها من الفصل السابع، هي:
1. الحظر الاقتصادي، بموجب الفقرة 10 من القرار 1483 لعام (2003).
2. إنهاء المنطقة المنزوعة السلاح التي تمتد عشرة كيلومترات داخل العراق وخمسة كيلومترات داخل الكويت بدءا من الحدود العراقية - الكويتية وإنهاء بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في العراق والكويت في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2003، بموجب القرار 1490 لعام (2003).
3. تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، بموجب الفقرة 1 من القرار 1957 لعام (2010).
4. إطلاق سراح جميع الكويتيين ورعايا الدول الثالثة الذين إحتجزهم العراق وأن يعيد أي جثثت للموتى منهم، بموجب الفقرة 3 من القرار 2107 لعام (2013).
5. إعادة الممتلكات الكويتية التي إستولى عليها العراق، بموجب الفقرة 3 من القرار 2107 لعام (2013).
6. إطلاق سراح جميع أسرى الحرب وإعادة أية جثث للموتى من أفراد قوات الكويت والدول الأعضاء المتعاونة معها، بموجب الفقرة 3 من القرار 2107 لعام (2013).
7. غلق حساب الضمان العائد لصندوق تنمية العراق والمرتبط ببرنامج النفط مقابل الغذاء وبالتعويضات ونفقات الأمم المتحدة، بموجب القرار 2390 لعام (2017).

عدا الحالات المذكورة في أعلاه، لا يمكن القول إن العراق قد خرج من تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وإنه ما زال تحت أحكام هذا الفصل حتى يومنا هذا.

- إدعاءات حكومية
من جانب آخر نرى إن الإعلام الحكومي الرسمي وتصريحات المسؤولين العراقيين تتباهى بخروج العراق من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في أحيان كثيرة.
إن إدعاءات الحكومات العراقية المتكررة منذ عام 2010 حتى يومنا هذا، هي إدعاءات غير صحيحة وغير دقيقة، وتنم عن جهل قانوني وتدخل ضمن إطار الخداع والتضليل السياسي الذي مارسه العديد من المسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي إدعى بأن خروج القوات الأمريكية عام 2010 هو خروج للعراق من الفصل السابع للميثاق، لا بل ظلَّ يتبجح في حملاته الانتخابية لعامي 2010 و2014 بأن من أهم إنجازاته هو إخراج العراق من الفصل السابع من الميثاق. وخلال احتفالية مركزية أقيمت بمناسبة خروج العراق من أحكام البند السابع قال رئيس الوزراء نوري المالكي، بتاريخ 29 حزيران 2013، إن خروج العراق من طائلة البند السابع بالخطوة المهمة لاستعادة مكانته الدولية، مؤكدا إن القرارات الدولية “أصبحت من الماضي”، وفيما أشار إلى إن العراق أصبح متحررا من القيود التي فرضت بسبب “حماقات” النظام السابق، وجه نداء لكل دول المنطقة والعالم بـ” مد يد الصداقة”، وشدّد على أن “العراق لا يمكن أن ينخرط في سياسة المحاور والاستقطابات”. 
أما المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي علي الموسوي فقد اعتبر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن هذا اليوم «يوم وطني يحق لكل العراقيين الخيرين أن يفخروا به خصوصا الأجيال القادمة، لأن خروج العراق من البند السابع الذي كان بسبب سياسات النظام السابق الحمقاء إنما تم من خلال جهود ضخمة بذلتها الحكومة والدبلوماسية العراقية بصبر كبير على الرغم من كل العوائق والشكوك». وكان وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري قد صرَّح لقناة العربية عام 2013 قائلا: "خروج العراق من تحت الفصل السابع يوم تاريخي". وقد تكرر هذا الإدعاء الأجوف على لسان ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك محمد علي الحكيم الذي تحدث في 21/9/2013 لإذاعة مونت كارلو الدولية عن الأهمية التي إكتسبها خروج العراق من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. 
وأعاد المسؤولين في العراق حملة أخرى في هذا السياق عام 2015 أيضا، في حين إن أحداً لم ينتبه إلى إن القرار 2335 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بعد أكثر من سنة وفي اليوم قبل الأخير من عام 2016 وتحديدا بتاريخ 30 كانون الأول/ديسمبر 2016 قد أشار في ديباجته إلى إن المجلس إذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة).
وفي عام 2017 تكررت مرة أخرى إدعاءات المسؤولين في العراق بخروج العراق من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ادلى المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد محجوب ببيان صحفي بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2017 بأنه " تم إنهاء ملفات العراق في مجلس الأمن، والموروثة من حقبة النظام السابق والصادرة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". 
ومما يثير الإستغراب هو قيام رئيس العراق برهم صالح بتاريخ 11/11/2018 بتسليم الكويت دفعة من الممتلكات والأرشيف الكويتية الموجودة في خزائن وزارة الخارجية العراقية، مشيرا إلى أنه سيتم تسليم بقية تلك الممتلكات على دفعات لاحقة ومتتابعة. وقال صالح في تصريحات لصحيفة “الراي” الكويتية، إن زيارته “ستشهد تسليم دفعة من الممتلكات والأرشيف الكويتية الموجودة في خزائن وزارة الخارجية العراقية، على أن يتم تسليم بقية تلك الممتلكات على دفعات لاحقة ومتتابعة، كجزء من بادرة حسن النية لدى العراق تجاه دولة وشعب الكويت الشقيق. في حين أن الأمم المتحدة قد أغلقت ملف الممتلكات الكويتية، ولا أدري هل هي خطوة تصحيحية لاحقة أم مجاملة مبالغ فيها؟
وعلى ما يبدو أن حكومات العراق المتعاقبة والمسؤولين فيها يفتقرون للثقافة القانونية ويجهلون القانون الدولي تماما، وفي سعيهم للتظاهر بتحقيق إنجاز معين فإنهم يتصورون أن صدور أي قرار من مجلس الأمن يتضمن إشارة إلى إستكمال أحد طلبات الأمم المتحدة فإن ذلك يعني خروج العراق تماما من أحكام الفصل السابع من الميثاق، ويسارعون إلى الإعلان عن ذلك كأحد أهم إنجازات الحكومة في تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة لشعبها وفي الحفاظ على سيادة العراق. وشخصياً، وكان الإستغراب يتملكني كل صباح عندما أذهب إلى عملي في وزارة الخارجية ماراً بجسر الجمهورية حيث هناك لافتة طولية معلقة على بناية المطعم التركي تتضمن إنجازات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وفي مقدمتها إخراج العراق من الفصل السابع من الميثاق. لا بل أقام العراق -كما أسلفنا- في حزيران 2013 إحتفالية كبرى بمناسبة خروج العراق من الفصل السابع من الميثاق، بينما أصدر مجلس الأمن الدولي بعد أكثر من ثلاث سنوات، قراره المرقم 2335 في 30 كانون الأول/ديسمبر 2016، استناداً إلى الفصل السابع من الميثاق.
مما يؤكد إن كل تلك الإدعاءات كانت غير صحيحة. وكما وصف أحد الدبلوماسيين في الأمم المتحدة تلك الحالة بقوله: أن المسؤولين في العراق يرقصون قبل بدء الموسيقى.
إن الحالات التي ما زالت تحت أحكام الفصل السابع من الميثاق، هي:
أ‌- الأسلحة
فقد جرى فرض إجراءات الحظر على السلاح إلى العراق بموجب القرار 687 (1991). ورأينا كيف إن مجلس الأمن قد إستثنى تدابير حظر الأسلحة عندما قرر رفع الحظر الاقتصادي عن العراق في 22/5/2003، ويتعين على جميع الدول منع بيع الأسلحة والمعدات ذات الصلة للعراق أو تزويده بها. وقد جرى تأكيد ذلك في الفقرة 22 من القرار 1546 (2004)، وأشار المجلس إلى أنه لا يوجد في الفقرة السابقة ما يمس الحظر المفروض على الدول أو التزاماتها فيما يتعلق بالبنود المحددة في الفقرة 8 (الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقذائف التسيارية التي يفوق مداها 150 كيلومترا) والفقرة 12 (الأسلحة النووية) من القرار 687 (1991) أو الأنشطة الوارد وصفها في الفقرة 3 (و) (الأنشطة النووية) من القرار 707 (1991). وكانت الفقرة 10 من قرار مجلس الأمن 1483 في 22 أيار/مايو 2003 قد نصت على إستثناء حظر السلاح للعراق منه إجراءات رفع الحظر بقولها: إلا تسري بعد ألان جميع تدابير الحظر المتصلة بالتجارة مع العراق وبتقديم الموارد المالية أو الاقتصادية للعراق، والمفروضة بموجب القرار 661 (1990) ... وذلك باستثناء تدابير الحظر المتصلة ببيع الأسلحة والأعتدة ذات الصلة أو تزويده بها. ومن المعروف أن إجراءات حظر الأسلحة إلى العراق قد جرى إتخاذها إستناداً للفصل السابع من الميثاق بالقرارات ذات الصلة.
ب‌- التعويضات الكويتية
ما زال ملف التعويضات العراقية للكويت مفتوحا ولم يجري غلقه، على الرغم من إن المبلغ المتبقي من إجمالي التعويضات هو 4.1 مليار دولار أميركي. وما زالت حكومة العراق مستمرة بدفع أقساط التعويض بمعدل 300 مليون دولار كل 3 أشهر، كما جرى تفصيله سابقا. 
ج‌- المفقودون الكويتيون
خلال عامي 1990 و1991، وقع 605 من الكويتيين ورعايا الدول الأخرى قيد الأسر لدى القوات العراقية، وبقي مصيرهم مجهولاً حتى عام 2004 حين جرى التعرف على بقايا 236 من جثث هؤلاء، ولم يحصل أي تقدم منذ لك الحين تجاه المفقودين الـ 369 الآخرين. وتتولى لجنة ثلاثية برئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالإضافة على العراق والكويت إجتماعاتها الدورية بصدد هذه المسألة، رغم عدم إحراز أي تقدم يذكر. وقد أشار ممثل الكويت في الإحاطة الأخيرة لممثلة الأمين العام في العراق السيدة بلاسخارت بتاريخ 21/5/2019 بأن المعلومات المتعلقة بمئات المفقودين الكويتيين لا تزال غير كافية. وإنه لم يتم إسترداد أي رفات منذ عام 2004.
ح‌- تجميد الأصول المالية للنظام السابق
شكّلت لجنة مجلس الأمن المنشأة عملا بالقرار 1518 (2003) في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2003، باعتبارها الهيئة الخلف للجنة مجلس الأمن المنشأة عملا بالقرار 661 (1990) بشأن العراق والكويت. وتنفذ الدول عمليات تجميد الأصول وتدابير النقل في ما يتعلق بالأفراد والكيانات من المدرجين في قائمة الأفراد المنشأة عملا بالقرار 1483 (2003) في 30 آيار/مايو 2003 أو قائمة الكيانات المنشأة عملا بالقرار ذاته. وتحتفظ اللجنة بالقائمتين المذكورتين وتعمل على استكمالهما بشكل منتظم. تتألف اللجنة من جميع أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر وتتخذ قرارتها بتوافق الآراء. والرئيسة الحالية للجنة، للفترة المنتهية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019، هي سعادة السيدة يوانا فرونيتسكا (بولندا). ونائب الرئيسة لعام 2019 هو إندونيسيا. وتعد اللجنة تقارير سنوية عن أنشطتها.
وأنشئت اللجنة من أجل مواصلة تحديد كبار مسؤولي النظام العراقي السابق وأفراد عائلاتهم الأقربين، بما في ذلك الكيانات التي يملكونها أو يسيطرون عليها هم أو أشخاص يعملون نيابة عنهم، من الخاضعين للتدابير المفروضة بموجب الفقرة 23 من القرار 1483 (2003). وتحقيقا لتلك الغاية، تعمل اللجنة على استكمال القوائم التي تضم أفرادا وكيانات ممن سبق أن حددتهم اللجنة المنشأة عملا بالقرار 661 (1990).
وقرر مجلس الأمن أيضا، في القرار 1518 (2003)، إبقاء ولاية اللجنة قيد الاستعراض والنظر في إمكانية الإذن بتكليفها بالمهمة الإضافية المتمثلة في مراقبة مدى وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها المنصوص عليها في الفقرة 10 من القرار 1483 (2003).
ومن المعروف أن القرارين 1483 (2003) و 1518 (2003) قد صدرا بموجب الفصل السابع من الميثاق. وما زالت قائمة الأفراد والكيانات المشمولة بالقرار الأخير في أعلاه موجودة على موقع الأمم المتحدة، وتحتوي قائمة الجزاءات في الوقت الراهن على أسماء 86 فردا و 108 كيانا. وقد تم تنقيح واستكمال قائمة الأفراد في 14 أيار/مايو 2019. ولم تقم الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 على إجراء أي تعديل عليها، على الرغم إنها ما زالت قوائم الأفراد تتضمن أسماء أشخاص متوفين بشكل مؤكد منذ أكثر من 17 عاما، مثل إبنّي الرئيس الراحل صدام حسين (عدي وقصي)، وكذلك تتضمن قائمة الكيانات المحظورة أسماء عدد من الكيانات المنحلة والتي لم يعد لها وجود منذ 17 عاما، وعلى سبيل المثال هيئة التصنيع العسكري.
- خاتمة
إن المجتمع الدولي ما زال ينظر إلى حكومات العراق بعد عام 2003 على إنها حكومات ضعيفة وغير شرعية وإن سيادة العراق منقوصة في ظل هذه الحكومات غير الحريصة على مصالح العراق، ولو كان المجتمع الدولي والأمم المتحدة مقتنعاً بأداء حكومات العراق المتعاقبة منذ 2003 وحتى 2019 لما كانت الأمم المتحدة تراقبه وتصدر قراراتها المتضمنة توصياتها بحقه حتى اليوم، ولما كانت هناك من حاجة لوجود بعثة الأمم المتحدة في العراق أصلاً.
ومن جانب آخر، فإن الكويت ما زالت تقف موقفاً متصلباً من هذه المسألة تحديداً، فقد "صرح محمد عبد الله أبو الحسن مبعوث أمير الكويت إلى موسكو الذي نقل رسالة من رئيس الوزراء الكويتي إلى نظيره الروسي، إن مضمون الرسالة يتألف من شقين يتعلق أحدهما بالعلاقات الثنائية، في حين يتعلق الثاني برؤية الكويت لطلب العراق من الأمم المتحدة بالخروج من الفصل السابع وفقا للقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي تحت بند الحالة بين الكويت والعراق.
وأكد أبو الحسن عدم جواز أن تقوم أي دولة صدرت بحقها قرارات دولية أن تنفذ ما تريد وتتجاهل ما تريد موضحاً أن هذه القرارات تشكل حزمة متكاملة. وشدد على أن الخروج من الفصل السابع الذي يسعى العراق إليه لن يجوز أن يأتي إلا بعد الالتزام بالتنفيذ الكامل للقرارات الدولية وبإقرار من قبل منظمة الأمم المتحدة وليس الكويت أو العراق". 
إن خروج العراق من أحكام الفصل السابع بشكل كامل ونهائي إنما هو مرهون بتوفر طبقة سياسية وطنية تمتلك إرادتها بمعزل عن التأثيرات الدولية، وتسترشد بأحكام وقواعد ومبادئ القانون الدولي، وتحتفظ بسيادة العراق ووحدته وإستقلاله. نتمنى أن نشهد حقا خروج العراق من تحث طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة قريبا، ليعود إلى مكانته المتميزة في المجتمع الدولي قبل الثاني من آب/أغسطس 1990.


د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي – دبلوماسي سابق
كاليفورنيا في 11 حزيران 2019


المصادر/
1. ميثاق الأمم المتحدة.
2. قرارات الأمم المتحدة بصدد الحالة بين العراق والكويت.
3. قائمة جزاءات لجنة 1518، موقع الأمم المتحدة، الرابط: https://www.un.org/securitycouncil/ar/sanctions/1518/materials

الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...