السبت، 2 نوفمبر 2019

المُتقَلِبون في العراق


المُتقَلِبون في العراق

                                                                                                   د. رياض السندي 

إن الثبات والإستقرار - سواء على الصعيد الفردي أو المجتمعي - نعمة غير منظورة كالصحة، ولا تعرف إلا بنقيضها أو عند زوالها. لذا عند وصف هذه الحالة يقال، فرد مستقر، وعائلة مستقرة، ومجتمع مستقر، وبلد مستقر. ومن الواضح أيضاً أن الحروب والفساد يُعَرِّض استقرار المجتمعات وأمنها للخطر كما يمكن أن يقوِّض مبادئ الديمقراطية والأخلاق وسيادة القانون. وأساس ضرب وهدم أي مجتمع هو ضرب ثباته وإستقراره. وهذا ما حدث في العراق منذ 2003 وحتى الان. مما أفقده الثبات واشاع فيه عدم الاستقرار، وساد التقلب والتلون، ونتج عن ذلك ظهور طبقة من المتقلبين في أرائهم والمتلونين في مواقفهم.

-         في التسمية والتعريف

تطلق على هذه الطبقة تسميات عديدة، منها المتلونون، والإنتهازيون، والمَصلَحِيون، والميّالون بحسب أهوائهم، والمداهنون، والنَفعيّون، والوصوليون، والمنافقون، والمخادعون، والمراوغون، والمتنازلون، والحربائيون (الحرباء قدوتهم)، والمتقردون (نسبة للقرود)، وغير ذلك. وهم أولئك الأشخاص الذين يتلونون بحسب أهوائهم ومصالحهم التي يخيّل إليك أنّها لا يمكن أن تنتهي بسبب عدم ثباتهم على مبدأ واحد.

وهم بصفاتهم هذه، يختلفون عن فئة أخرى يطلق عليها، الثابتون أو أصحاب المواقف الثابتة، المبدئيون، والعصاميون، والصادقون، والمعاهدون لله، والأوفياء، والمصبوغون بصبغة واحدة، وغير ذلك.

وقد وجدت الطائفتين منذ ظهور البشرية، إلاّ إن الطائفة الأولى ظهرت قبل الطائفة الثانية، لإن العقل البشري يدرك الأشياء البسيطة قبل الصعبة، ويحصل على الرخيصة قبل الثمينة. ويراعي مصالح الجسد وحاجاته ومتطلباته قبل حاجات الروح، أي الأمور الجسدية قبل النفسية والمعنوية. وعادة تظهر الصفات السيئة قبل الجيدة، لذا فإن المتقلبين يظهرون بكثرة في المجتمعات المتخلفة وفي زمن الازمات والكوارث وإشتداد الحاجة. لذا تنتشر صفة التقلب عند ذوي المستويات العقلية المنخفضة، والمستويات الثقافية الواطئة، وفي معسكرات اللاجئين، والسجون، وغيرها. أما الطائفة الثانية أو الأخرى، فهي لا تظهر إلاّ في الطبقات المثقفة والواعية والتي تفضل سمعتها على مصلحتها، والمفكرون، وعند المستويات العقلية المتقدمة، وذوي التعليم العالي، والمصلحون، وأصحاب الرأي.

وفي حساب المصالح والمنافع فإن طائفة المتقلبون هي الأكثر إستفادة وثراءا، حيث المال كان ومازال أكثر الأمور إغراءا لهذه الفئة، وتليه النساء، ثم المناصب.  في حين أن فئة أصحاب المبدأ الواحد هم الخاسرون في الحياة، وإن غدوا خالدين على مَر العصور، بعد وفاتهم أو بالأحرى قتلهم والتخلص منهم. ويعد الأنبياء والمصلحين من هذه الفئة. وقائمة الأسماء تطول كالمسيح ومحمد وعلي بن أبي طالب وغاندي ومانديلا وآخرون، وإن غدت قليلة إلى جانب الطائفة الأولى التي يستحيل تعدادهم. فالطائفة الأولى هي الأكثرية، أما الثانية فهي الأقلية.

ويخترق المتقلبون كل مجالات الحياة دون استثناء، فتجدهم موجودين بكثافة في السياسة والإعلام والثقافة والاجتماع والفن والرياضة وغيرها من المجالات الأخرى، لكن أكثر المتلونين سوءًا وأشدهم خطرًا وجرمًا هم المتلونون في الدين، وهذا هو اسوأ استخداماتهم. لذا نرى العديد من رجال الدين في هذه الأيام وقد تفوقوا في تقلبهم على غيرهم، وأصبحت فتاواهم يناقض بعضها البعض. ويكفي أن تنظر الى ثرواتهم لتعرف سبب وثمن تقلبهم. وقد قادت فتاواهم الى كوارث كثيرة، كانت نتيجتها ظهور التشدد والتطرف والإرهاب، وكانت شعوبهم ضحايا تقلبهم.

فهؤلاء الانتهازيون المتلونون موجودون منذ أن قامت البشرية وهم ظاهرة خطيرة ونفوس شريرة تطفو على السطح في الظروف العصيبة أيضا. حيث نراهم يتبنون أفكار ومواقف لا يؤمنون بها ويتغيرون جذريا مع تغير الظروف وكتاباتهم وأقلامهم مسخرة لمنفعتهم الشخصية أملا بالحصول على كيس من الفضة أو بعض الدريهمات. وهذا يعني أنهم يضحون بمستقبل مواطنيهم وشعبهم على المدى البعيد من أجل منفعة ذاتية على المدى القريب.

ومن الطبيعي، أن يكره المتقلبون بشدة ذوي المواقف الثابتة والقيم والمبادئ الراسخة ويعتبرونهم مغفلين وجهلاء ومحدودي الفكر والوعي وبالتالي ينبغي تطهير الساحة منهم، كما أنهم لا يعرفون سوى لغة المصالح المطلقة التي يعملون بكامل استطاعتهم على الحفاظ عليها وتحقيق المزيد منها حتى لو كان ذلك على حساب كرامتهم وإنسانيتهم.. فأينما توجد مصلحتهم يتواجدون لحمايتها بشتى الوسائل التي غالبًا ما تكون وسائل محرمة وغير مشروعة![1]

وأساليب الفئة الأولى متعددة بتعدد أهوائهم وألوان مصالحهم، ويعرف منها الخداع، والمكر، والنفاق، والرياء، والكذب، والتجويع، والترويع والتهديد، ولا تنتهي بالقتل. في حين إن أسلوب الفئة الأخرى محدد بنوع واحد متمثل في الثبات في الرأي والصمود عليه. ويشكل المتقلبون تهديدا جديا لهدم المجتمعات، في حين إن بناءها يقوم على أكتاف أصحاب المبادئ لأنهم أكثر الناس تضحية وإيثاراً.



-         في الأديان

وقد حاربت الأديان طائفة المتقلبين، فموسى وضع لهم قواعد أساسية موجزة يلتزموا بها، سميت بالوصايا العشر. وفي سفر المزامير ورَد ذكر هذه الطائفة، حيث يرنم داود قائلا: (المتقلبين أبغضت، وشريعتك أحببت).[2] والمسيح ظلّ طيلة سنوات دعوته القصيرة الثلاث، يُسّمي هذه الفئة ب (أولاد الأفاعي). ووصف هؤلاء قائلا: «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ».[3] وذهب الرسول يعقوب في رسالته قائلا: «رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ».[4] وفي الوثائق الكنسية القديمة والتي تعود الى عام 447 حول طبيعة الشيطان، جاء فيها: غ، الشيطان بإساءة استعمال سموّه الطبيعي لأنه "لم يثبت في الحق".[5]

وظلّ محمد رسول العرب يكشف خداع هذه الطائفة ويحاربهم. والقرآن الكريم مليء بآيات تكشف وتنذر هذه الفئة، وبالمقابل تمتدح الفئة الأخرى. وقد وردت في القرآن الكريم سورة خاصة بهم هي سورة المنافقون، جاء فيها: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ.[6] وقد أشار الى صفة الكذب لديهم، ووجهي الإيمان والكفر معاً.

 وقد إنتقدهم القرآن بآيات كثيرة مثل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا.[7] يقول أبي موسى الأشعري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة، تقلبها الريح ظهرا لبطن). وقوله كذلك: -: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.[8]



وجاء في حديث نبوي: إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ (رواه البخاري). وفي حديث أخر: (اتقوا الله، أعوذ بالله من صباح النار، إياكم والتلون في دين الله، ما عرفتم اليوم فلا تنكروه غدًا، وما أنكرتموه اليوم فلا تعرفوه غدًا). وقال حذيفة بن اليمان لأبي مسعود: إياك والتلون فإن دين الله تعالى واحد (البيهقي 10/42).

وفي مدح الفئة الثانية، أشار لهم القرآن الكريم بالقول: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.[9]

ويمكن إعتبار دعوة محمد رسول العرب لقريش منذ 570-632م لإقناعهم ثم لإرغامهم على نبذ عبادة الهة متعددة والسمو بعبادة إله واحد، خير مثال على ذلك.

وصفحات التاريخ العربي مليئة بالطائفتين. فالمتقلبون كانوا سريعين في تغيير مواقفهم تبعا لمصالحهم. في حين كان المبدئيون ثابتون على مواقفهم، فالمسيح كان بإمكانه أن ينقذ رقبته من الصلب لو أنكر انه ملك اليهود، وكان بإمكان محمد أن يقبل عرض قريش في المُلْك والثراء، إلا إنه رفض ذلك بعبارة خالدة قالها لأبي طالب: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته. وقد خاض محمد وأنصاره 64 معركة في حياته، شهد فيها الموت مرات عديدة ولكنه لم يمت إلا مسموماً على يد اليهود.

وواحدة من أكثر الأمثلة سطوعا على التقلب في التاريخ الإسلامي يتمثل في (البيعة)، حيث كان المتقلبون يتقلبون في بَيعَتهم تبعا لأهوائهم. واثناء قراءتي لمصادر ذلك التاريخ، كنت أستغرب كثيراً من أن يعطي شخص ما بيعته لأحد الخلفاء وما أن يخرج ويسير عدة خطوات حتى يقابله شخص أخر يعاتبه على إعطاء البيعة لذلك الشخص، فتراه يتراجع عنها فورا ويبايع هذا الأخير. ومن هنا جاءت واحدة من أكثر أحداث التاريخ الإسلامي مأساوية، ألا وهي مأساة الحسين. فقد أرسل له أهل الكوفة يبايعونه، ثم تنصلوا من بيعته لعدم ثباتهم ولتفضيلهم لمصلحتهم الخاصة. وقد أحسن الفرزدق في وصفهم عندما قال للحسين حين لاقاه في طريقه للكوفة بعد مبايعة أهلها له: (قلوبهم معك وسيوفهم عليك).



-         في علم النفس

وتوصف الشخصية المتقلبة Cycloid في علم النفس بانها:  نمط من الشخصية مازال به من السمات تختلف عن السمات الاخرى تماماً ، صاحبها لا يهدأ له بال ولا يستقر على رأي ولا يمكن ان يؤخذ منه قرار واضح او صريح ، فهو يتقلب بعدد دقائق الساعة، وله عدة اراء وخصوصاً في التعامل وازاء ذلك يقول علماء النفس ان تسمية هذه الشخصية جاءت نتيجة حالة المزاج الذي لا يستقر على صورة ثابتة، فهو سريع التقلب في الشعور والعاطفة من حالة الايجابية الى نقيضها في السلبية ، ويتأرجح في المزاج من الانفعال الى الهدوء والسكينة، ومن حالة الفرح والسرور الى حالة الحزن والغم حتى رأى البعض من علماء النفس ان نمط هذه الشخصية اكثر ميلا للشخصية الفصامية لولا ا لبنية الجسمية التي تميل الى البدانة فمعظم الفصاميين هم من اصحاب البنية النحيلة .

تعد الشخصية المتقلبة شخصية ذات ميل شديد للتصرف باندفاع قوي دون مراعاة لأية ضوابط او تبعات ومن صفاته ايضاً ميل الى الحدية في التصرف والسلوك ومن الصعب ان يتوافق اجتماعياً بالرغم من وجود مؤشر قوي وواضح بعدم قدرته على التوازن الوجداني، فهو يتذبذب دائماً في اتخاذ القرار ويتذبذب بين القلق والغضب الى العصبية الزائدة فضلا عن عدم معرفته واستقراره بما يريد حتى سمي بالنزق " النوع النزقي Impulsive type ". [10]

ومن صفاته ايضاً انه اناني وله القدرة العالية على الهروب من المواقف الحياتية التي بها تعهد او التزام او توكيد للذات، فهو متحلل بكل معنى من كل انضباط او التزام قيمي يؤدي الى انضباط في التعامل. ويمكن القول ا ن نمط هذه الشخصية هو نمط الشخصية السلبية او العدوانية احياناً، فعدم الالتزام والتقيد بالكلمة او العهد لدى صاحب الشخصية المتقلبة يدفع بالأخرين الى فقدان الصلة به او التعامل معه او حتى نبذه بمرور الوقت وبمرور الوقت ايضاً تصبح هذه الشخصية شاذة اجتماعياً.

وعند ذكر الشخصية العراقية، فإنا أول من يتبادر الى الذهن هو الدكتور على الوردي المعروف بنظرية (الشخصية العراقية المزدوجة) عند تصديه لدراستها في معظم مؤلفاته.

لقد وسمت الشخصية العراقية بمجموعة من الخصائص والسمات المتناقضة كالازدواج والتطرف السلوكي والتقلب والانتهازية وتغير الولاء والخضوع للحاكم والثورة عليه بشكل مفاجئ والنرجسية والسيكوباثية والسادية والمازوخية والشجاعة والإقدام والكرم والاعتزاز بالذات، وغير ذلك من صفات وخصائص وسمات بعضها مستمد من مؤشرات جغرافية وبعضها من دلالات تاريخية أو إحداث سياسية.

ولعلي لا أكون متطرفاً حين أقول إن الاسلام ذاته كدين سماوي قد تعرض للتمزق والانقسام فوق ارض بلاد الرافدين فانقسم المسلمون بين الولاء والانتماء، رغم ان بذور الانقسام ولدت في الجزيرة العربية.

وفي إنتقالة نحو العصر الحديث أستطيع الاستشهاد بمقولة للملك فيصل الأول في العصر الحديث عام 1921 كأول ملك للعراق الحديث حين قال: ((لا يوجد في العراق شعب عراقي، بل توجد كتلات بشرية خالية من أي فكرة وطنية متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية لا تجمع بينهم جامعة، فالبلاد العراقية هي جملة بلدان ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية)).

وهنا أستطيع الاستشهاد بمقولتين، الاولى مشكوك بصحتها، والثانية تعبر عن رأي علمي لاحد علماء البيئة من ضمن القصص التي يتداولها العامة من الناس عن اهل العراق، مقالة تنسب الى الامام علي بن ابي طالب (ع) بأنه وصف سكان العراق بأنهم اهل شقاق ونفاق، ومقالة اخرى تنسب الى الحجاج بن يوسف الثقفي في ذم اهل العراق وقدحهم، وثالثة تنسب الى حديث بين الاسكندر المقدوني ومعلمه ارسطو حول بيئة العراق.

يقال ان الاسكندر المقدوني كتب الى معلمه ارسطو طالبا منه المشورة في انه عزم على (قتلهم جميعاً عن آخرهم) بعد ان اعياه التعامل معهم. فأجابه ارسطو ((لا خير لك في ان تقتلهم، ولو افنيتهم جميعاً، فهل تقدر على الهوى الذي غذى طباعهم وخصهم بهذا الذكاء؟ فأن ماتوا ظهر في موضعهم من يشاكلهم فكأنك لم تصنع شيئا)).[11]

وقد شاعت مقولة: "يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق" على ألسنة العرب والعراقيين ونسبوها الى الحجَّاج بن يوسف الثقفي (توفي عام 95 هجرية) الذي ذمَّ أهل العراق لعدم ثبات آرائهم وميولهم السياسية.[12]



-         في السياسة

ويكثر تواجد هذه الفئة بين السياسيين، حيث تمثل السياسة حقلا خصبا للرياء والنفاق والكذب والتلون. حتى اقترنت السياسة بالعهر، فقيل: إن السياسة لعبة عاهرة.

وثمة طرفة يتندر بها الكثير من العرب للدلالة على حالة التقلب وكثرة المتقلبين، حيث يقال: عند زيارة القوتلي لمصر سأله عبد الناصر، كم عدد الشيوعيين في سوريا؟ فأجاب 3 ملايين، وكم عدد القوميين؟ فأجاب 3 ملايين، وكم عدد البعثيين، وكم عدد الإسلاميين؟ فأجابه 3 ملايين، فتعجب عبد الناصر والقى القلم، وقال: وكم عدد السوريين كلهم؟ فأجاب كلهم 3 ملايين، ولكن إذا اردتهم شيوعيين فهم شيوعيون، وإذا اردتهم قوميين أو بعثيين أو إسلاميين فهم كذلك أيضا.[13] وهذه الطرفة قيلت بحق العراقيين زمن عبد السلام عارف.

كتب د. جميل واصل يقول: نحن نعرف أن الانتماء الحقيقي لهذا الوطن هو بذلٌ وعطاءٌ وصدقٌ وانتماء، ومنطلقاته التجرد من التصرفات الرخيصة والقيم الهابطة والسلوك المنحرف، لأن من أعلى مراتب الانتماء البذل الذي يصل إلى درجة الفداء والتضحية، والمنفعة فيه لا تعيق العمل الجاد، ولا تحرف السلوك، لأن المبدأ هو الأساس، وصاحب المبدأ لا تهزه الزوابع، ولا تغريه المراكز.

وعندما تختلط الأوراق وتهبط القيم يستطيع المنافقون أصاحب الألسنة المراوغة، والحركات التمثيلية، القدرة على تلوين الوجه والجلد أن يخدعوا الناس بألسنتهم ويوهموا الآخرين بسلوكهم والانبهار بهم، فتارة يتلونون بالدين، وتارة بالوطنية، وأخرى بالانتماء والإخلاص، فإذا كان الوضع يتطلب منهم البكاء يبكون، أو التودد يتوددون، أو الهدايا يرسلون، أو العنصرية يتعنصرون، أو الكذب يكذبون أو النميمة ينمّون، فهم يعتبرون اللصوصية دهاء والخدعة لباقة والكذب ذكاء، وأكل حقوق العباد مرجله، والخنوع والتذلل مصلحة.

نحن نعيش هذه الأيام مع من تحركهم المصلحة، وتوجههم المنافع ويحكمهم حب الذات والمادة، لديهم القدرة على التلون كالحرباء، يتقنون مهارة الثعلبة، ومقدرة القردة على التمثيل، ذئاب الأخلاق، ضباع الطباع، يميلون مع الريح حيث مالت، يهتفون ويصفقون للمنتصر، ليس لهم ذمم تحدد معالم هويتهم، أينما وجدوا الفرصة التي تحقق لهم أهواءهم ومصالحهم لبسوا ثوبها، وأظهروا الإخلاص لها همهم الوحيد الوصول.

يغتنمون الفرصة ليسرقوا قوت الآخرين، ويتسللوا إلى أهدافهم عن طريق التلون، يبيعون أخلاقهم بمصالحهم ومنافعهم، ويأبى الطبع اللئيم أن يفارق سلوكهم، وتظهر علامات الحقد على جلودهم وجوارحهم، التلون همهم الذي أعمى قلوبهم وأبصارهم.

ما أسوأ الأيام التي نعيش غاب عنا من لديهم القدرة على اكتشاف المتلونين، فقد استطاع المتلونون الممثلون أن يصلوا إلى مواقع كثيرة وحساسة، وأن يتسللوا إلى ثغورٍ خطرة وينمون ويتكاثرون ويُفرّخون في جميع المؤسسات والميادين حتى فسدت أجهزة عديدة بفضل عبثهم وتلونهم، وأفسدوا كل الجهود التي بذلت لتكوين مستقبل أفضل لهذه الأمة.

الوطن يحتاج منا في هذه المرحلة الولاء والانتماء والحذر كل الحذر من الذين يجيدون لعبة التلون على أغصان المصلحة، والمنفعة، وحتى في الملابس البراقة، والكلمات المعسولة، ودموع التماسيح، والابتسامة الصفراء.[14]

وقد لا يرتاح لهم بال حتى ينهشون لحوم الناجحين ممن حولهم فهم في بحث مستمر عن أعداء لهم ... وأعتقد أنهم إن لم يجدوا عدوا صنعوه بأنفسهم.. وأظنّ أنّ أشدّ أعداءهم هو الصدق ... وأعزّ أصدقاءهم الزيف والمكر... فأقنعتهم متجددة بحسب ما يرمون إليه من أهداف تخدمهم معتبرين ذلك ذكاء ... مع أننا نعلم أن الفرق كبير بين الذكاء وبين الخداع الذي يقوم مبدؤهم عليه ... فهم بزيفهم يصنعون ثغرات في المجتمع لا حصر لها.. ويضعـفون مجتمعاتهم التي يعيشون فيها ... سواء أكان مجتمعـًا ذا بيئة عائلية أو عملية أو سياسية ... فنرى أكثر السمات البارزة في هذه الأوساط البيئية التي يعيش فيها المتلوّنون أو المقنعوّن الهشاشة والشتات والفرقة عند أي مشكلة بسيطة.

فأصحاب الولاء الصادق، والانتماء الصحيح لا يحبذون صناعة العبارات الكاذبة، ولا يجيدون التمثيل، همهم إظهار الحق والعدل والعمل الجاد، وتغيير الوضع الذي نعيش؛ لأنه أثقل المخلصون في هذه الأمة.



-         في عراق اليوم

وفي العراق، فقد تفاقم الأمر بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، فقد جلب الامريكان وسمحوا لمجموعة من المرضى النفسيين لحكم البلاد، وابسط أمراضهم الكذب والتقلب. فقد جاءوا وهم يحملون أسماء متعددة لم يثبت حتى الصحيح منها الاّ بوثائق مزورة إستخرجوها لاحقا. فرئيس الحكم الانتقالي العراقي عام 2005 المعروف ب (عز الدين سليم) في حين إن إسمه الحقيقي هو (عبد الزهراء عثمان محمد). ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للفترة من 2006-2014 دخل العراق باسم (جواد) ثم أعلن إن إسمه الحقيقي هو (نوري)، وعُرف به. وهذا الأمر يسري حتى على من تقلد أصغر الوظائف من فئة المتلونين هؤلاء والذين تم جلبهم من الخارج أيضا. وقد عرفت شخصيا الكثير منهم في وزارة الخارجية العراقية، فأحدهم وكان كرديا لاجئا في هولندا كان يحمل إسمين هما (أوميد-بيوان) يستخدم أحدهم في هولندا والأخر في العراق، وربما كان القصد من ذلك هو التخلص من المسؤولية والضرائب. فكيف يمكن أن يثق الشعب بحاكم يحمل أكثر من صبغة. ويبدو إن أول نصيحة تقدمها دوائر الهجرة في الغرب هو تغيير إسم طالب اللجوء. وفي تقديري إن ذلك لغرض إخراجهم نفسيا من فئة الثابتون الى فئة المتقلبون، بحيث يساعده ذلك على التقلب والتلون. والموضوع بحاجة لدراسة المختصين في علم النفس.

وإذا كان لتعدد الإسماء وتغييرها ما يبررها، فإن تغيير المواقف السياسية والدينية والأخلاقية ليس لها ما يبررها إطلاقا. وتحفل مواقع التواصل الاجتماعي بصور سياسيين عراقيين إتخذوا من الدين وسيلة للكسب وخداع الشعب، فتظاهروا بالملابس والرموز الدينية، في حين كانت تلك الرموز تختفي لتحل محلها رموز غربية مناقضة لها بمجرد أن تطأ قدمه أرض المطار. إضافة الى فضائح جنسية وأخلاقية كثيرة.

ويبدو إن ضرب أسس الاستقرار المجتمعي في العراق كان واحدا من أهداف إحتلال العراق عام 2003 الى جانب أهداف أخرى بمعاونة فريق من الذين بدلوا إنتماءهم الوطني الى ولاءات أخرى، عندما أقسموا عند منح الجنسية الأجنبية لهم بأن يدافعوا عن ويقاتلوا مع البلد الجديد إذا ما دخل في حرب مع بلدهم الأصلي.

وسنقتصر على إيراد عدد من الأمثلة للتدليل على التقلب في المواقف السياسية، ومن هذه الحالات: الموقف من حركة الاحتجاجات، والموقف من سوريا، والموقف من قطر.

أولاً. الموقف من حركة الاحتجاجات

وعندما ثارت موجة الإحتجاجات في العراق ربيع عام 2015، إحتجاجا على فساد هؤلاء السياسيين نجد إن الكثير من السياسيين قد ركب موجة التظاهر وصرح بأنه سيخرج مع المتظاهرين إحتجاجا على الفساد. لا بل ذهب البعض من النواب الى تقديم إستقالاتهم للمتظاهرين في ساحة التحرير. ولو حاولنا إستقراء موقف عدد من السياسيين لوجدنا تلوناً للمتظاهرين، ثم إنتقادهم لتلك التضاهرات. مما يوحي بالتقلب وعدم الثبات تبعاً للمصالح الخاصة.

1.     موقف نوري المالكي

-         المالكي مع التظاهرات قلبا وقالبا.

-         هدد رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، باستخدام نفوذه في الجيش والحشد الشعبي، لإيقاف التظاهرات التي وصفها بـ "المهزلة".[15]

2.     موقف حيدر العبادي

-         العبادي: هذا جرس إنذار كبير. ويحيّي المتظاهرين.

-         العبادي: (ندعو شبابنا الاعزاء الى تأجيل تظاهراتهم لحين تحرير الفلوجة لأن قواتنا منشغلة بعمليات التحرير وان هذه المعركة تتطلب جهدا كبيرا، وان التظاهرات وهي حق لهم، تشكل ضغطا على قواتنا لتوفير الحماية اللازمة).[16]

-         والجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، كان قد حذّر من الذين وصفهم بـ "المندسين" في الوقوف وراء اقتحام المنطقة الخضراء داعيا "المواطنين والقوى السياسية الوطنية الى التكاتف والتصدي الى مؤامرات المندسين البعثيين المتحالفين مع الدواعش المجرمين والذين يقومون بأعمال ارهابية في المدن لإيقاع الفتنة بين المواطنين والدولة".

3.     موقف هادي العامري

-         سأخرج مع المتظاهرين.

-         قال الامين العام لمنظمة بدر:" في الوقت الذي اضم صوتي الى اصوات المتظاهرين، فإنني لن اشارك في هذه التظاهرات لأنني مشغول في المعارك ضد الارهاب "الداعشي" وفي الاعداد للمعركة القادمة باعتبارها معركة حاسمة ولها أثر كبير على الوضع الامني في بغداد والمحافظات الجنوبية ". واشار الى ان مطالب المتظاهرين مطالب مشروعة وعلى الحكومة العراقية الاخذ بنظر الاعتبار تلك المطالب، لان الدستور كفلها ".[17]

4.     موقف سليم الجبوري

-         مجلس النواب يدعم التظاهرات السلمية.

-          أكد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، السبت، على ان البرلمان سيأخذ بنظر الاعتبار جميع المطالب المشروعة للمتظاهرين، وفق الدستور والصلاحيات وهو ماضي في محاسبة المقصرين، مشيرا الى ان مجلس النواب مع التظاهرات السلمية التي تطالب بتحقيق الاصلاح في البلاد.[18]

5.     موقف عمار الحكيم

-         يؤيد التظاهرات بقوة.

-         التظاهرات منفلتة.[19]

-         المتظاهرون بضع عشرات. ويتهمهم بأنهم أتباع داعش وينفذون مشاريعه.[20]

ثانياً. الموقف من سوريا

-         رئيس الوزراء العراقي: لم يبق أمامنا إلا الأمم المتحدة بعد أن أصبح السوريون يريدون إعادة حزب البعث الى الحكم. دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الاثنين الامم المتحدة الى تقديم المساعدة اللازمة لوقف "التدخل الاقليمي" في شؤون العراق، متهما سوريا بدعم منفذي التفجيرات الاخيرة التي استهدفت العاصمة العراقية.[21]

-         وتدعم حكومة نوري المالكي في العراق نظام بشار الأسد، وهددت باندلاع حرب طائفية في حال سقوطه. وكان المالكي قد حذّر الاربعاء من أن انتصار المعارضة في سوريا سيذكي حروبا طائفية في العراق ولبنان ويخلق ملاذاً جديدا لتنظيم "القاعدة". وأضاف المالكي أن "أيا من طرفي النزاع في سوريا لن يتمكن من الإجهاز على الآخر"، محذرا من أنه "إذا انتصرت المعارضة (على نظام الأسد)، فستندلع حرب أهلية في لبنان، وتحدث انقسامات في الأردن، وستشتعل حرب طائفية في العراق".[22]وقالت مصادر إعلامية مطلعة في بغداد إن مخاوف المالكي من اندلاع حرب "طائفية" في العراق تندرج في سياق الخشية من حصول انقلاب على حكومته بالتزامن مع سقوط نظام الأسد.

-         أكد وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري بعد لقاء عقده في دمشق مع الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم، على وجود تنسيق بين البلدين في الحرب ضد الإرهاب.[23]

-         الجعفري الذي أكد رفض العراق المس بالحشد الشعبي وسائر حركات المقاومة قال “إن الحشد الشعبي وحزب الله حفظا كرامة العرب، مضيفاً أن “من يتهمهما بالإرهاب إرهابي”. ووصف الجعفري الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأنه كان “بطلاً عربياً مدافعاً عن القيم والمبادئ”.[24]

والمضحك في هذا الأمر إن هذه الفئة من الذين مارسوا السياسة، يعارضون حزب البعث في العراق، ويتهمون أي معارض بالبعثية، في الوقت الذي يرسلون شبابهم للقتال دفاعاً عن حزب البعث في سوريا. والانكى من ذلك، فقد شهدنا الكثيرين ممن كانوا بعثيين كبار وقد أبدلوا جلودهم فغدوا إسلاميين، وأخذوا يتهمون الآخرين بالانتماء للبعث.

ثالثاً. الموقف من دول الخليج

-         "السعودية منبع الإرهاب ولابد من وضعها تحت الوصاية الدولية". هكذا طالب نوري المالكي -رئيس الوزراء العراقي السابق- في تصريحات إعلامية اليوم، موضحًا أن الحل الوحيد للسيطرة علی السعودية هو وضعها تحت الوصاية الدولية للحد من نشاطاتها الإرهابية". وأضاف "المالكي" أن الأمريكيين قرأوا تطورات المنطقة بشكل خاطئ، فقد كانوا يعتقدون أن سوربا ستسقط خلال شهر أو شهرین، وحينما كنت رئيسًا للوزراء حذرتهم وقلت لهم لن تستطيعوا". [25]

-         وزير الخارجية العراقي يشن في كلمة أمام جامعة الدول العربية هجوماً على الدول التي تصنف حركات المقاومة كمنظمات “إرهابية”. ويقول إن من يفعل ذلك هو الذي يدعم الإرهاب ويتبناه. مواقف الجعفري دفعت بالوفد السعودي إلى الانسحاب وفق مصادر الميادين.

من على منبر جامعة الدول العربية شن رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري هجوماً على الدول التي تصنف حركات المقاومة “إرهاباً”. وقال الجعفري في كلمته “إن من يتهم الحشد الشعبي وحركات المقاومة وحزب الله بالإرهاب هو الذي يدعم الإرهاب ويتبناه”.

-         وكان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري قد أكد -عقب لقائه بنظيره السعودي الجبير على هامش اجتماع التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة أمس في واشنطن- عزم الرياض شطب الديون المترتبة على العراق للمملكة -والمقدرة بحوالي ثلاثين مليار دولار- وفتح خط جوي بين البلدين.

نفت وزارة الخارجية السعودية أمس الخميس صحة ما نشرته وزارة الخارجية العراقية عن نية المملكة إسقاط ديونها عن العراق.[26]

رابعاً. الموقف من الحكم المدني

إن واحدة من أكثر المواقف الراهنة تقلباً وتلوناً ونفاقاً في السياسة الداخلية العراقية اليوم هو موقف السياسيين العراق واحزابهم وكتلهم التي طالتها إتهامات خطيرة بالفساد وتدمير العراق طيلة 14 عاما، هو موقفهم الداعي للأخذ بنظام الحكم المدني بعد ترسيخهم لنظام الإسلام السياسي وللطائفية في العراق.

وقد ناضل العراقيون منذ مارس 2011 وبشكل مظاهرات إسبوعية للمطالبة بالحكم المدني تحت شعار شعبي بليغ هو (باسم الدين باكونا الحرامية) أي "تحت غطاء الدين سرقونا اللصوص".

إلا إن السياسيين الذين دخلوا العراق بعد سنوات لجوء طويلة مليئة بالحرمان والذّل والتفكك الأسري والارتباط بدول أجنبية، قد سرقوا من الجماهير نضالهم وفلسفتهم في إقامة حكم مدني في العراق، بقصد البقاء في الحكم، لإكمال المهمة الموكلة إليهم في تدمير العراق والأنتقام من شعبه الأبي. وسنجمع مواقف أولئك السياسيين وأحزابهم المطالبة نفاقا بإقامة الحكم المدني في العراق بعد 14 عاما من الفساد المنظّم والمشهود بتقارير دولية.

-         وكانت المرجعية الشيعية العليا من أوائل المنادين بالحكم المدني بعد أكثر من عشر سنوات من الحكم الأصولي الديني للإسلام السياسي الشيعي تحديدا.

"وإنّ تبنّي السيّد السيستاني مفهوم "الدولة المدنيّة" حاز الكثير من الجدل، فهو لم يأت كمحاولة لتخفيف الأصوليّة الدينيّة، ولم يكن محاولة ذات أبعاد تتعلّق بنصرة طائفة على حساب أخرى، بل يستند إلى إيمان عميق، بأنّ الدين لا يمكن ممارسته بحريّة وبأمن وخارج الصراع السياسيّ، من دون إطار مدنيّ للدولة يحمي تنوّعها، ويعزّز فرص التنوّع فيها. بل إنّ حماية التنوّع الدينيّ والمذهبيّ والثقافيّ، والدفاع عن الاختلاف كوسيلة لقاء وتفاعل لا افتراق، سواء أكان في العراق أم في المنطقة، كانا على الدوام من متبنيّات السيستاني.

وإنّ جوهر رؤية السيستاني حول هذه القضيّة، تتعلّق بالعلاقة الحسّاسة بين السياسة والدين، فالسياسة في نظره هي إطار تنظيميّ للدولة، ولأنّها كذلك يجب أن تحرص على حماية التنوّع الثقافيّ في المجتمع وتوفير الظروف المناسبة لحريّة الاختيارات الدينيّة، كشرط لضمان السلم الاجتماعيّ من جهة، وكطريق لممارسة أكثر روحيّة الدين، بعيداً من الدلالات السياسيّة.[27]

-         لإقناع السيستاني برفض الحكم المدني، التقى نائب رئيس الجمهورية نوري كامل المالكي، مساء الجمعة، المرجع الديني محمد إسحاق الفياض، في مقر إقامته بالنجف، ليناقشا التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، إضافة إلى ماذا ينتظر العراق في حال تم تأجيل الانتخابات المقبلة. وأضاف المصدر أن "لقاء المالكي بالفياض هو للحفاظ على الحكم الإسلامي في العراق وإقناع المرجعية برفض المشروع المدني المطروح في الساحة".[28]



-         قال عمار الحكيم، رئيس “المجلس الأعلى الإسلامي العراقي”، (أحد أقطاب التحالف الوطني الشيعي)، مساء اليوم السبت، إن المجتمع العراقي “سئم المذهبية واقتنع بأن مصلحته تكمن في المواطنة”. جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية المصرية، حصلت الأناضول على نسخة منه، صدر عقب لقاء الحكيم ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، في العاصمة بغداد الذي يزورها الأخيرة لمدة يوم واحد.[29]



خامساً. الموقف من سقوط المنارة الحدباء في الموصل

منارة جامع النوري المعروفة بالحدباء في محافظة الموصل، هي منارة أثرية يعود تاريخ بناءها الى عام 568هـ/ 1172م في العهد الزنكي. وكان قد ظهر زعيم تنظيم «داعش» الملقب أبو بكر البغدادي وخطب الجمعة في الجامع يوم 6 رمضان 1435 هـ / 4 تموز 2014 م. وفي يوم 25 رمضان 1438 هـ 21 يونيو 2017 م دُمر مسجد النوري ومنارته الحدباء، حيث اتهم تنظيم الدولة الإسلامية عبر وكالة أعماق الإخبارية طيران التحالف الدولى بتدمير المسجد والمنارة، بينما نفى التحالف ذلك.[30] فيما إتهمت الحكومة العراقية داعش بتفجيرها.

وقد تبادلت الإتهامات بين حكومة بغداد وتنظيم داعش، وقد خرج أنصار شيعة السلطة للتقليل من الأهمية التاريخية لتلك المنارة بعبارة واحدة: (انها مجرد أحجار، ولا تساوي شيئا أمام دماء الشهداء). وردّ عليهم النائب فائق الشيخ علي بتغريده مستغرباً ذلك، قائلا: يصلي على حجارة، ويتدافع بمكة لتقبيل الحجارة، وأسد بابل وآثار النمرود والأهرامات التي يزورها حجارة، ويتساءل لماذا تبكون على منارة من حجارة.[31] وقد تناسى شيعة السلطة وأنصارهم تفجير ضريح العسكريين 2006[32]، حيث عمت مظاهر الغضب مدن جنوب ووسط العراق وخرج الآلاف من الشيعة في تظاهرات احتجاجية على تفجير المرقد وخرجت قوات جيش المهدي في مدينة الصدر والسماوة إلى الشوارع وهم يرتدون الملابس السوداء ويحملون الأعلام والرايات ويرددون هتافات منددة بمن وصفوهم بالبعثيين والوهابية والنواصب وكذلك بالاحتلال الأمريكي وكان مقتدى الصدر قد دعا إلى ضبط النفس، وعدم الاعتداء على أي شخص كان، وعدم التعرض لمقدسات الآخرين فيما قامت جماعات مسلحة مجهولة بإحراق مساجد سنية وهدمها وحدثت أعمال قتل عشوائي في العاصمة بغداد والمناطق المجاورة لها حيث تم العثور على رفات 47 مدنياً في حفرة بالقرب من بغداد و أفاد ديوان الوقف السني في العراق ان ما يقرب من 168 مسجداً سنياً تعرض للهجوم وتم قتل 10 أئمة في المساجد وخطف 15 آخرين في بغداد وافادت جهات أمنية ان حصيلة أعمال العنف بعد التفجير قد تتجاوز 100 قتيل، وبالقرب من سامراء قام مسلحون مجهولون بقتل مراسلة قناة العربية أطوار بهجت مع إثنين من المصورين الذين قصدوا المكان لتغطية الأحداث.

إن هذا التلون السياسي والتقلب في المواقف يسرى على معظم سياسيي عراق اليوم، مثل مشعان الجبوري والعشرات الاخرين من النواب، كانت لهم مواقف مناقضة تماما لما هم عليه الان، يصعب على المواطنين فهمها. لا بل رأينا الكثير من هؤلاء يتنقلون من حزب الى آخر في لمح البصر، وهذا يفسر إنتقال الكثير من وزراء أياد علاوي الى نوري المالكي للحفاظ على مناصبهم وإمتيازاتهم بمجرد أن طالبهم علاوي بالإنسحاب من التشكيلة الحكومية.

 وهذا ما حدا بواحد من أفضل أساتذة علم النفس في العراق، ألا وهو الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح الى التصريح بأن "السياسيون العراقيون مرضى نفسيون" وذهب الى القول: " إن العقل السياسي في الزعامات العراقية مصاب بالبرانويا التي تعني بمصطلحاتنا إسلوبا او شكلا مضطربا من التفكير يسيطر عليه نوع شديد وغير منطقي ودائم من الشك وعدم الثقة بالآخر، ونزعة دائمة نحو تفسير أفعال الآخرين على انها تهديد مقصود".[33]

 وردّ عليه د. مهند الحسيني بمقال أكثر صراحة وتوضيحا، جاء فيه: "يجب ان نعرف انه ليس هنالك ما يسمى بسياسيين عراقيين بل مجموعة من الشخصيات المعتلة التي أتى بها الامريكان وقد ترعرعت وفرخت كرؤوس الشياطين ولا استثني منهم أحداً الا الدكتور احمد الجلبي رحمه الله الذي مات كمداً ودليل استثنائي لأحمد ان الامريكان لم يسمحوا له بتسنم اي منصب فيه فائدة للعراق.

في الطب النفسي وعلم النفس هنالك فرق واضح بين من يعاني من اعتلال الشخصية ومن يعاني من مرض نفسي كالذهان والاكتئاب الذي يٌحدِث اشكالاً في وظيفة الذهن والتي يٌنظر اليها بأنها خارج إرادة الشخص المريض نفسياً والذي يقوم بالفعل الخطأ كإيذائه الآخرين او قتلهم. ولهذا السبب فان هؤلاء الأشخاص وبطبيعة جرائمهم يودعون في مصحات نفسية للعلاج شبيه بمستشفيات السجون.

نرجع الأن الى تعريف المجموعة القرقوزية في المنطقة الخضراء والتي تم تعريفها بأنها حكومة عراقية ويتألف أعضاءها من سياسيين ووزراء ودبلوماسيين.

هذه المجموعة من الشخصيات السياسية الطارئة تستحق تشخيص (اعتلال الشخصية او اضطراب الشخصية) وهذا يعني انها مزيج من شخصيات ورثت جينات من شخصيات مضطربة او اكتسبت علل نفسية من خلال المعاناة الحياتية كالتشرد والحرمان والاضطهاد وبعدها الحصول على السلطة مجاناً.

معظم اعراض هذه الشخصيات المعتلة في الحكومة العراقية هي عدائية بسبب السلطة والمال وفي الحالات الشديدة تسمى سايكوباثية اي تنقصها المشاعر والعواطف الانسانية ولا تتردد بالإساءة الى او قتل الآخرين وهنالك نوعان من الشخصية السايكوباثية هي السالبة (passive psychopath) اي الشخصية الجبانة المجرمة والتي تمثل معظم الموجودين في الحكومة العراقية.

الجميع يعرف تأريخ هذه الشخصيات التي كانت مهمشة جبانة مضطهدة وسلبية ولكنها وبصناعة أمريكية إيرانية تمكنت من اكتساب الصفات العدائية والمجرمة بسبب قوة السلطة والخوف من فقدان السلطة والمثال الحي لهذا هو نوري المالكي فلقد كان شيعياً مظلوما وغبياً مؤدباً ومغموراً وعندما تمّكن من السلطة تغير بشكل ساحر وعجيب وأصبح ذئباً مجرماً جباناً".[34]

وهذا المرض لم يقتصر على طائفة معينة كما أسلفنا، بل تعداها وإنتقلت عدواه الى بقية طوائف أو مكونات الشعب العراقي، وهكذا غدا الاكراد والسنّة والمسيحيّن وغيرهم. وسنتناول ذلك بشيء من التفصيل.

-         الاكراد

وأهم موقف هو موقفهم من البقاء ضمن الدولة العراقية أو الأنفصال عنها، حيث شاركوا السلطة مع الأحزاب القائمة معلنين إختيارهم الطوعي بالبقاء ضمن العراق الفدرالي الموحد، وقد حددوا لاحقا يوم 25 أيلول 2017 موعدا للاستفتاء على الاستقلال.[35]

كما إن أكراد العراق، ومنذ عام 1992 فسحوا المجال لأكراد الدول المجاورة وتنظيماتهم السياسية، ومنها حزب العمال الكردستاني المعروف إختصارا ب(PKK)، ولكنهم في عام 2016 بدءوا يطالبون برحيلهم من سنجار ومناطق كردية في سوريا، في حين انهم كانوا يرسلون قواتهم الى المناطق الكردية في سوريا مثل عين العرب (كوباني) ويَمدونهم بالسلاح.



-         السنة

إن جبهة التوافق الوطني وتضم جماعات سنّية قد دافعت عن سوريا ابان دعم الاسد عندما أتهم بدعم تنظيم القاعدة وانشاء ممر أمن للإرهابيين، لكنها انقلبت على بشار بعد ان انقلب الخليج ضدها. إن مثل هذه المواقف تفسر سقوط العديد من المحافظات السنية بيد التنظيمات الأرهابية نكاية بالحكم الشيعي، ثم أصبحوا يتشكّون من ظلم تلك التنظيمات.

والواقع إن إهتمام ممثلي السنّة قد إنصب على إحتفاظهم بالسلطة أو جزء منها أكثر من حفاظهم على مجتمعاتهم ومساهمتهم الحضارية. ولهذا فقد حصلوا على مناصب مثل نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء وعدد من الوزارات والقاعد البرلمانية مقابل تدمير محافظاتهم ومدنهم وتشريد أهلها وتحطيم بقايا تراثهم، كما حدث في سقوط الموصل، وتدمير جامعتها ومكتبتها، وأخيرا تفجير منارتها الشهيرة بالحدباء في 21/6/2017.

-         المسيحيون

من بين أهم القضايا التي شهدت عدم ثبات موقف المسيحيّن العراقيين، هي:

-         إشكالية التسمية

واحدة من أهم المسائل التي شهدت تقلبا كبيرا. ففي عام 1970 إرتضى مسيحيو العراق بتسمية (الناطقين بالسريانية) وفقا للقانون. وفي 1992 إتخذ الكثيرين تسمية (الأشوريين) بعد ظهور الحركة الديمقراطية الاشورية في المنطقة الأمنة شمال العراق، ثم إتخذ البعض منهم عام 2002 تسمية (الكلدان) بعد تأسيس المركز الثقافي الكلداني، وضمن هذا السياق نشأت أحزاب وتنظيمات كلدانية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، والرابطة الكلدانية، وكانت قد ظهرت تسمية توفيقية عام 2005 تجمع كل التسميات فظهر المجلس الشعبي الكلداني-السرياني-الاشوري، وأخيرا يسعى معظمهم الى إعتماد تسمية (المكون المسيحي).[36] والواقع، إن من كانوا يعدون أنفسهم أشوريين تحولوا الى الكلدان عند إنشاء تنظيمات كلدانية، وهم اليوم من أكثر المدافعين عن المصطلح الجديد.

-         مشاركة الكنيسة في السياسة

(لا يمكن لمؤسسة كنسية بحجم الكنيسة الكلدانية ومسؤوليتها ان تزج نفسها في العمل القومي والسياسي على حساب رسالتها هذان المجالان من اختصاص العلمانيين).[37]

لاحقا، "وأعتبر البطريرك الكلداني وجود خمسة فصائل مسلحة مسيحية، ثلاثة منها ضمن الحشد الشعبي وواحد تحت لواء حزب البارتي وأخر مع الاتحاد الوطني الكردستاني دليل على أنشطار الموقف المسيحي في العراق ولا وجود لمرجعية سياسية حقيقية تمثله مما دفع بالكنيسة لسد هذا الفراغ".[38]



ويثور التساؤل ما الذي يدفع المرء الى التقلب في مواقفه؟

أسلفنا القول الى إن المصلحة الشخصية والأنية هي الأساس الذي تدفع أي شخص أو جهة للتقلب. ويضاف الى هذا العامل الأساس، عامل أخر هو ضغط الدول وتدخلها في شؤون العراق، ودفعها بإتجاه معين. خاصة وإن سفراء الدول الأجنبية تلتقي بالكثير من المواطنين وتوجههم كما تريد، وتنفق عليهم لتحقيق ذلك الغرض. وقد مارست أحزاب لسلطة نفس الأسلوب، فشجعت أخرين على إنشاء أحزاب هزيلة لمصلحة معينة. كما تعقد المؤتمرات الدولية لغرض دعم جماعة ضد أخرى.

وقبل قرن قال السياسي البريطاني تشرشل: إذا مات العرب تموت الخيانة.



خلاصة وإستنتاجات:

يجب إدراك إن التخلف سلاح ذو حدين، وإن التخريب والفوضى مهما بدت ممتعة ومفيدة للوهلة الاولى إلا إن نتائجها كارثية لاحقا. وهذا يشبه حال الطلبة عندما يتغيب الأستاذ، فإن فرحتهم المؤقتة سترتد عليهم حزنا لاحقاً للخسارة.

إن طبقة المتقلبين التي تظهر بوضوح وتنتشر بسرعة كما في مثال الطلبة في أعلاه، إنما هي السبب في إشاعة الفوضى وإفتقاد النظرة العقلية الصحيحة والراسخة.

وكما أسلفنا فإن الثبات والاستقرار هو عماد المجتمع ونعمة الصحة فيه، وبضياع ذلك الاستقرار يدل أي بلد أو مجتمع في دوامة الفوضى والعنف والضياع. ومن أعراض حالة عدم الاستقرار، هي: -

1.     فقدان الأمن.

2.     إنتشار الفساد.

3.     تقويض الديمقراطية.

4.     فقدان سيادة القانون.

5.     إنتهاك حقوق الانسان.

6.     عدم حماية الأقليات.

7.     ظهور اللأجئين والنازحين.

8.     ضرب الكفاءات وإقصاءها.

9.     تعرض التنمية للخطر.

10.إنهيار مؤسسات الدولة.

إن الثبات ضرورة كبيرة للعراق على الأقل في الوقت الحاضر لحين وضع الأسس الصحيحة للدولة والمجتمع. وهذا يتطلب تغيير إسلوب المجتمع وتوعيته لما هو أفضل على المدى البعيد. وقد صدق ما ذهب اليه الشاعر السوري أدونيس الى إن المسلمون لم يقدموا شيء للحضارة لأنهم ركزوا على تغيير السلطة لا تغيير المجتمع. يجب أن نواجه ذواتنا وأن ننتقد أخطاءنا واخطاء اجدادنا، وان نفصل بين زماننا وزمانهم. وأن نرتقي بفلسفة جديدة تستند لبناء المجتمعات والانسان لا أن نستنسخ الماضي وندور في فلكه كثور الطاحونة.

إن واحدة من أكثر العوامل المسببة للتقلب لدى المجتمعات هو السلطة. فالسلطة الضعيفة تكون دائما متقلبة وغير ثابتة في مواقفها، وهي عامل أساسي لقلب المجتمع وعدم ثباته وإستقراره، كما إن عدم إعطاء الأفراد حقوقهم يدفعهم الى التحرك كخلية منفلقة لا تعرف أين تتوجه. وبالمقابل، فإن السلطة القوية تعطي إستقرارا للمجتمع وأفراده، لأنها تحدد لهم توجهاتهم. ويمكن الاستشهاد بإستقرار المجتمعات الإسلامية في عصورها الأولى -رغم استخدامها القوة- بحيث جعلت المواطنة على بينة من أمره، فإما أن يكون مسلماً أو يكون من أهل الذمة ويدفع الجزية. وكذلك الأمر في زمن حكم حزب البعث في العراق، حيث كان على العراقي إما أن يصبح بعثياً أو أن يبقى مستقلاً وبذلك يخسر الأمتيازات التي تمنح للفئة الأولى. لذلك رأينا إن البعثيون كانوا أول من إنتقل الى الحكم الإسلامي رغم التعارض الأيديولوجي بين أفكاره السابقة واللاحقة.[39] وبقي المستقلون ثابتون في مواقفهم في النظامين المتعارضين. وهذا ما جعل الكثيرين من العراقيين الى إختصار هذا التقلب بعبارة: (كل ما شهده العراق هو تغير صيغة نداء المسؤولين من رفيقي الى مولاي).

إن مسألة الثبات في المواقف شبيه الى حد كبير تمسك المرأة بشرفها، وبالتالي إن هذا الموقف يسبب لها خسارة الاستمتاع الذي تحصل عليه الأخريات من غير المتمسكات بشرفهن. وإن كل ما تحصل عليه الشريفة هو الاحترام والتقدير المعنوي. وقد ثمنتها الأديان بقولها: اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآلِئَ.[40]

من المؤكد إن الظروف التي مرّ ويمر بها العراق منذ 1980، والحروب التي خاضها هي ظروف قاسية جداً، وجاء الفساد ليكمل الخراب، ولكن علينا أن نتذكر إن الدول لا تبنى بالأمنيات، بل بالتضحيات والعلم.  

د. رياض السندي

22 حزيران 2017



[1] فريد وردة، أحذروا؟ الوصولي ألانتهازي المتلون، موقع عنكاوا في 01/03/2013.
[2] سفر المزامير، المزمور 119: 113.
[3] أنجيل متى، 24:6.
[4] العهد الجديد، رسالة يعقوب 8:1.
[5] دنتسنغر-هونرمان، الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها، ج1، ترجمة المطران يوحنا منصور والأب حنا الفاخوري، ط1، بيروت 2001، ص98.
[6] سورة المنافقون 1-3.
[7] سورة النساء 142.
[8] سورة آل عمران: 196 - 198.
[9] سورة الأحزاب 23.
[10] اسعد الامارة، الشخصية المتقلبة Cycloid، موقع الحوار المتمدن في 2005 / 5 / 26.
[11] أ.د. كامل جاسم المراياتي، تأثير البيئة في تنميط السلوك، جريدة الصباح 02/3/2014.
[12] د. إبراهيم الحيدري، الشخصية العراقية، الجزء الأول-البحث عن هوية، ط1، بيروت 2013، ص67.
[13] محمد جمال سلامة، نقلا عن صفحة الدكتور فيصل القاسم على الفيسبوك، في 26 مايس 2017.
[14] د. واصل جميل المومني، المتلونون، وقدرتهم على التلون. موقع السوسنة في 19/11/2009.
[15] المالكي يصف التظاهرات بـ "المهزلة"، موقع الغد برس في 05 آذار 2016.
[16] العبادي يدعو إلى التركيز على معارك الفلوجة وتأجيل التظاهرات، موقع ميدل ايست أونلاين، 2016-05-26.
[17] العامري من ارض المعركة: لن اشارك في المظاهرات بسبب الانشغال في معارك الانبار، موقع قناة الغدير الفضائية، في 7 أغسطس 2015.
[18] الجبوري: البرلمان سيأخذ بنظر الاعتبار جميع المطالب المشروعة للمتظاهرين، موقع الجورنال نيوز، فبراير 11, 2017.
[19] https://www.youtube.com/watch?v=2TrTKob-CXY.
[20] بالفيديو..عمار الحكيم: المتظاهرون بضع عشرات..ويتهمهم بأنهم أتباع #داعش وينفذون مشاريعه، موقع أزاميل، 2015-08-09.
[21] المالكي يطالب بمحكمة دولية لوقف 'التدخل الإقليمي' في العراق، موقع ميدل ايست أونلاين، 2009-11-03.
[22] المالكي يدعم نظام الاسد سرا وعلانية، موقع ميدل ايست أونلاين، 2013-03-02. 
[23] تنسيق سوري عراقي في الحرب على الإرهاب، موقع روسيا اليوم بالعربية، 24.03.2015.
[24] العراق: من يتهم حركات المقاومة بالإرهاب يدعم الإرهاب ويتبناه، موقع مرآة الجزيرة، مارس 12, 2016.
[25] http://www.tahrirnews.com/posts/455725/العراق++السعودية++الوصاية+الرياض
[26] السعودية تنفي نية إسقاط ديونها عن العراق، موقع الجزيرة، 2017/3/31.
[27] مصطفى الكاظمي، السيستاني.. مشروع المدنيّة وقيم المواطنة، موقع نبض العراق، في 13 نوفمبر 2014.
[28] http://www.nrttv.com/AR/Detail.aspx?Jimare=48927.
[29] “عمار الحكيم”: المجتمع العراقي سئم المذهبية واقتنع بأن مصلحته تكمن بالمواطنة، موقع شبابيك، في يوليو 2, 2016.
[30] جامع النوري (الموصل)، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
[31] @faigalsheakh.
[32] قام مجموعة أرهابيون في صباح يوم الأربعاء 22 فبراير 2006 باقتحام المرقد وتقييد أفراد شرطة الحماية الخمسة وقاموا بزرع عبوتين ناسفتين تحت قبة الضريح وفجروها بعد ذلك مما أدى إلى انهيار القبة الخاصة بالضريح التي تعتبر واحدة من أكبر قباب العالم الإسلامي، ويكبيديا- الموسوعة الحرة.
[33] على مسؤوليتي-السياسيّون العراقيون..مرضى نفسيا، الحوار المتمدن-العدد: 5000 - 2015 / 11 / 29.
[35] أكراد العراق يعتزمون إجراء استفتاء على الاستقلال 25 سبتمبر، رويترز في Jun 7, 2017.
[36] نداء الى المكون المسيحي في العراق، موقع البطريركية الكلدانية في 15 ديسمبر 2016. http://saint-adday.com/?p=15524                                                                                                                           
[37] البطريرك ساكو ينذر بطرد الكهنة الداعين إلى الدولة الكلدانية، بابا الفاتيكان يدعو إلى فصل السياسة عن المسيحية وانشقاق في كنائس العراق صحيفة الزمان في 22/5/2013.البطريرك ساكو يكتب: جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي، موقع أبونا الإلكتروني في 2016/03/17.
[38] البطريرك لويس ساكو يترأس ندوة تعريفية عن الرابطة الكلدانية في بغداد، موقع عنكاوا كوم في 10/05/2015.
[39] د. رياض السندي، تهنئة للانتهازيين، موقع بوابة العرب، في 09-04-2016. http://www.albawabhnews.com/1871113
[40] سفر الأمثال 10:31.

إيران تلوي ذراع اميركا في العراق


إيران تلوي ذراع اميركا في العراق


د. رياض السندي


بات من المعروف للقاصي والداني، ولأي مطّلع في السياسة الدولية، إن مشكلة العراق الرئيسية، نابعة من الصراعات الدولية على أرض العراق، حتى صار العراق ساحة لتصفية الحسابات الدولية على أرضه، بدلا من تخريب بلدانهم. وهذا ما يفسر حجم الدمار في العراق.

وفي مقدمة هذه الصراعات، هو الصراع الاميركي-الايراني، الذي من المتوقع أن يتفاقم في عهد الرئيس الأميركي الجديد ترامب، بعد أن شهد تهدئة وشبه إتفاق في عهد الرئيس السابق أوباما ذي الاصول المسلمة.

ومنذ البداية، وتحديدا عام 2002، كان الاتفاق مع إيران ليس سهلا، نظراً لاختلاف سياسة البلدين، ونظرة أحدهما للأخر. فإيران كانت منذ قيام الثورة عام 1979وحتى توقيع الاتفاق النووي عام 2015 ترى في أمريكا الشيطان الاكبر، في حين إن أمريكا ترى فيها محوراً للشر في العالم. إلا إن الادارة الاميركية في عهد الرئيس بوش إستطاعت إقناعهم بالمشاركة في التخلص من عدوها اللدود صدام حسين الذي أذاق المرشد الاول للثورة الاسلامية الخميني كأس السم طيلة ثماني سنوات من الحرب (1980-1988)، وقد لعب أكراد العراق دوراً في ذلك. كما إن إيران وجدت في ذلك، فرصة ذهبية للانتقام من العراق عموماً. وقد أرسلت إيران عملاءها ومواليها من العراقيين السابقين الذين رعتهم ودربتهم طيلة 23 سنة، وفي مقدمتهم اعضاء حزب الدعوة والمجلس الاعلى وقوات بدر وغيرهم. وتمكنت من خلالهم من قتل الكثير من الطيارين العراقيين وضباط الجيش العراقي الذين شاركوا في الحرب ضدهم، ودمرت كل المصانع العراقية، وسرقت كل ما أمكنها نقله الى إيران، ونهبت ثروات العراق التي بلغت أكثر من 800 مليار دولار طيلة ثماني سنوات من حكم رجلها الاول (جواد) نوري المالكي (2005-2013)، في وقت تزامن فيه فرض العقوبات الاقتصادية الدولية عليها منذ 2006.

ومن جانب آخر، فقد سعت الى إبعاد الخطر الامريكي القريب من حدودها في العراق بإنسحاب أكثر من 150 ألف من القوات الاميركية، فحرّضت رجلها الأول المالكي بعقد إتفاقية أميركية-عراقية لسحب قواتها من العراق، وتحقق لها ذلك في ظل الإدارة الأميركية الجديدة لأوباما أواخر عام 2008.

إلا إن الادارة الاميركية سعت للتخلص من المالكي ومنع توليه الولاية الثالثة أواخر عام 2013، من خلال تنظيم الدولة (داعش) الذي إحتل الموصل وثلث العراق في حزيران 2014. وجرى تسليم السلطة لشخص ضعيف من حزب الدعوة موالي للولايات المتحدة أكثر من مولاته لإيران، وهو حيدر العبادي (بريطاني الجنسية). وبالمقابل، فقد أصرت إيران على إستبعاد واحد من أبرز رجال الولايات المتحدة في العراق، ألا وهو الكردي هوشيار زيباري من وزارة الخارجية.

وهكذا نجد إن كل خطوة، أو فعل من جانب أي طرف، كانت تقابل بخطوة مماثلة، أو برد فعل مناسب. وهكذا فقد سعت إيران الى إعادة المالكي للحكم بمنصب نائب رئيس الجمهورية، وبالمقابل أعيد زيباري لمنصب وزير المالية، بعد أن كان المنصب من حصة روز نوري شاويس، الذي أدى القسم الحكومي لتسلمه المنصب، ولكنه لم يبقى فيه أكثر من 15 يوماً. إلا ان استطاعت من إزاحته تماما من المشهد السياسي بعد إستجوابه في البرلمان وسحب الثقة منه في 2016.

ووفقا للتوجه الاميركي، ونزولا لرغبة الشعب العراقي، فقد بدأ العبادي الذي إعتقد إنه محمي من الادارة الاميركية لأوباما، أو هكذا أوحى للعالم، جملة من الاصلاحات تحت تأثير التظاهرات العارمة التي عمت العراق والمعروفة بتظاهرات ساحة التحرير، وغيرها من مدن العراق. فألغى مناصب رئيس الجمهورية، إلا إن المحكمة الاتحادية إعادتهم الى مناصبهم عام 2016. وتحت تأثير المطالبات الشعبية بمحاكمة المالكي، هرب الى إيران في 18/8/2015 بحثاً عن الحصانة او اللجوء، إلا إن إيران أعادته بعد أربعة أيام فقط على متن طائرة إيرانية، بعد أن رأت إن ورقته ما زالت صالحة للاستعمال، ولم تستنفذ بعد.

وظلت إيران تسعى، وحتى الان، الى إعادة المالكي للسلطة، وإزاحة العبادي، لاسيما وانه مازال يبدو أقوى من منافسه كثيراً.

وقد سعت الولايات المتحدة إلى العمل لاستعادة الموصل أواخر عام 2016 لاستثمارها في الدعاية الانتخابية للحزب الديمقراطي ومرشحته هيلاري كلينتون، إلا إن بشائر خسارتها بانت سريعاً، مما قلل الحماس الامريكي لذلك. وبالمقابل، فقد سعت إيران وبقوة الى الزج بميليشياتها أو الفصائل المسلحة الموالية لها في العراق الى المشاركة في عملية تحرير الموصل، إلا إن الولايات المتحدة إستبعدت ذلك تلافيا لحالات انتقام كبيرة تقوم بها إيران لسكان الموصل من السنة.

وبعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، فقد ظهرت دلائل كثيرة على تصعيد الموقف بين أمريكا وإيران. فقد أشار البرنامج الانتخابي لترامب، عدد من المؤشرات بالمواجهة مع إيران، ويمكن تلخيصها بما يلي: -

1.     أن أصل خراب الشرق الأوسط، ومصدر وجع الرأس الأميركي والأوروبي، معا، وسبب ظهور تنظيمات الإرهاب الإسلامي، سنية وشيعية، هي الدولة الفاشلة المتخلفة المؤذية، إيران.

2.     تعيين كبار المسؤولين في إدارته ممن يحملون توجهاً حول ضرورة تغيير النظام في إيران، بكل الوسائل الممكنة. وفي مقدمتهم وزير دفاعه جون ماتيس، الذي سُمي ب "الكلب المجنون".

3.     تصريحاته الكثيرة التي تعبر عن نظرته حول إيران. فقد كان ترامب قد وصف خلال حملة الانتخابات الرئاسية - الاتفاق النووي المبرم بين إيران وبريطانيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا وألمانيا والصين بـ"الكارثي" وهدد بإلغائه. فيما نصحه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو قائلا: لا يمكن إلغاءه، ولكن يمكن البحث عن مبرر لذلك. كما أعطى ترامب رأيه في الحكومة العراقية بقوله: لا توجد حكومة في العراق، فإيران تتحكم بكل شيء. وقد أعرب بعد ذلك صراحة، بأن قرار غزو العراق، هو أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة.

 وردّ مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي على ذلك بقوله، إن بلاده "ستحرق" الاتفاق النووي إذا انتهكه الطرف الآخر، واستمر البعض في التهديد بـ "تمزيقه".

4.     تصريحات بعض المقربين من ترامب، أمثال رودي جولياني عمدة نيويورك الاسبق، الذي قال في حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال"، جاء فيها:

-         "إن المشكلة الرئيسية بالنسبة لنا هي 'المملكة' الإيرانية المذهبية التوسعية، حيث أصبح العراق دولة تابعة لتلك 'المملكة'".

-         "نحن الذين سلمنا العراق للإيرانيين، وكان الخطأ الأكبر الذي ارتكبناه". "كما أن الطريقة التي خرجنا بها من العراق كانت أكبر خطأ في التاريخ الأميركي".

-         "فبعد أن سلمنا العراق لإيران سلمناها سوريا أيضا".

-         "لقد أصبح هناك شرق أوسط شمالي يضم إيران والعراق وسوريا واليمن، وآخر جنوبي يضم دول الخليج والأردن ومصر، وهذا يعني أن حربا قد تندلع إن لم نقم باحتواء إيران ونكبح جماحها".

5.     كما صرح جون بولتون سفير الولايات المتحدة السابق في الامم المتحدة، والمقرب من ترامب في لقاء صحفي نشرته صحيفة هافينغتون بوست الأميركية، بضرورة تغيير النظام في طهران، مؤكدا على أن "رجال الدين في طهران هم أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم".

6.     إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي تمديد العقوبات المفروضة على إيران لمدة 10 سنوات أخرى، ما يعني معاقبة الشركات الأمريكية التي تتعامل مع طهران. وكانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد عبرت عن اعتقادها بأن تجديد العقوبات لا لزوم له. وقد رأت فيه إيران "إنتهاكا" للاتفاق النووي.


في حين أصدر الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً بتاريخ 27/1/2017 بحظر دخول مواطني سبع دول من بينهم إيران والعراق.

وردّت إيران بخطوة عسكرية مثيرة، حيث أجرت أول اختبار صاروخي في عهد ترامب، بعد يومين من توقيع الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً الجمعة الماضية، يقضي بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية هي إيران والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال إلى الولايات المتحدة. ووصفت وزارة الخارجية الإيرانية الخطوة بأنها "مهينة" وقالت إنها سترد بالمثل. إذ قالت في بيانها: "إن قرار الولايات المتحدة بفرض قيود على سفر المسلمين للولايات المتحدة، ولو لفترة مؤقتة لثلاثة أشهر، هو إهانة واضحة للعالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص إلى أمة إيران العظيمة."

فعادت الولايات المتحدة وطلبت في 31/1/2017 عقد جلسة طارئة بالأمم المتحدة بشأن الصاروخ الايراني على ضوء التجربة التي اجرتها إيران في 29 كانون الثاني على إطلاق صاروخ متوسط المدى. فأصدر مجلس الأمن الدولي قراره بإحالة موضوع إطلاق إيران لصاروخ بالستي إلى لجنة التحقيق المشرفة على تطبيق ال قرار2231، والذي صدر في يوليو/ تموز لعام 2015، ودعم الاتفاق النووي بين إيران ودول الـ 5+1. وربما ستكون الحجّة أو المبرر الذي نصحهم به نتنياهو لإلغاء الاتفاق النووي.

وبالمقابل أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بعد الحظر بأربعة أيام، عن قرار طهران تعليق منح تأشيرات الدخول إلى الأراضي الأمريكية للأمريكيين، ردا على منع الإيرانيين من زيارة الولايات المتحدة.

ومن جانب آخر، قررت الكومة العراقية الى الدخول في هذا الصراع الدولي الى جانب إيران. فبعد مماطلة إستمرت شهوراً طوال، عيّنت بتاريخ 30/1/2017، وفي خضم الصراع الدولي المذكور، أحد قادة منظمة بدر الموالية لإيران، وزيراً للداخلية، الا وهو قاسم الاعرجي أحد مساعدي هادي العامري.  والاكثر من ذلك، فقد أعلنت حكومة بغداد الموالية لإيران في أجرأ موقف لها منذ سقوط بغداد، وهي التي جاءت على ظهور الدبابات الاميركية عام 2003، فقالت مصادر مطّلعة إن البرلمان العراقي يدرس إيقاف تأشيرات دخول الأمريكان للأراضي العراقية ردا على وقف الولايات المتحدة لتأشيرات العراقيين.

وردت الولايات المتحدة بخطوة مهمة، أشبه بقانون تحرير العراق عام 1999، حيث قدم أحد أعضاء مجلس النواب الأمريكي، الثلاثاء 3 يناير/كانون الثاني 2017، إلى الكونغرس، مشروع قرار يسمح لرئيس الدولة باستخدام القوة ضد إيران، حيث تقدم النائب عن ولاية فلوريدا، إلسي هاستينغز، بمبادرة عرض مشروع القرار المعنون "السماح باستخدام القوة ضد إيران" على أعضاء الكونغرس.

وباستثناء الحكومة العراقية الموالية في الاساس لإيران، وعلى حد وصف النائب حسن العلوي، فقد رأى الشعب العراقي في حفل تنصيب ترامب عرساً عراقياً.

فهل حان دور إيران ليوضع رأسها تحت المقصلة الامريكية، بعد أن دارت على العراق قبل 15 عاماً؟ هذا ما ستكشفه الأيام قريباً.



د. رياض السندي

دكتوراه في القانون الدولي

31/1/2017

الرأي القانوني في إقالة محافظ نينوى


الرأي القانوني في إقالة محافظ نينوى








إبتداءً يقتضي القول إن إقتراح رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بإقالة محافظ نينوى نوفل العاكوب لا علاقة له بمأساة (حادث العبّارة) التي وقعت يوم ٢١/٣/٢٠١٩، فكتاب اقتراح مجلس الوزراء المرقم م. ر. و./د 6/3/4069المؤرخ في ٢٣/٣/٢٠١٩ يتضمن إتهام المحافظ المذكور بالتسبب بهدر المال العام والاستغلال الوظيفي، ولو كان قرار إحالته للإقالة قد تم وفقا لتهمة (الإهمال أو التقصير المتعمدين في أداء الواجب والمسؤولية.)، لكان الأمر يبدو رداً على تقصيره في الحفاظ على أرواح ضحايا الحادث. ومن هنا يبدو الضعف القانوني لدى رئيس الوزراء وطاقم مكتبه ومستشاريه القانونيين.  علما إن التهمة المشار اليها بكتاب مجلس الوزراء أعلاه، تضع رئيس الوزراء نفسه تحت طائلة الإتهام في التستر على تصرفات المحافظ طيلة هذه الفترة، لا سيما وإنه سبق وان أثيرت حول المحافظ ضجة إهانته ومحاولة ضربه لأحد المعلمين، وقضايا أخرى كثيرة تمت تسويتها والتستر عليها، كما أثيرت حوله شبهات فساد كثيرة، وقد تم استدعائه إلى مكتب رئيس الوزراء نفسه الذي قابله بتاريخ ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٨، والتقى في اليوم ذاته بأعضاء مجلس المحافظة وبضمنهم المحافظ ذاته. كما سبق لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إن إلتقاه أيضا في تموز 2018، ويبدو أن هذه اللقاءات ليست للمحاسبة الإدارية والتحقق من الأداء الوظيفي الأمثل، بل للمجاملة أو لأغراض أخرى.



ورغم تصريحات العديد من النواب وخاصة نواب محافظة نينوى، إلا إن رئيس الوزراء ظل متمسكا به حتى وقوع الكارثة ليتهمه ليس بحادثة العبارة كما أشارت وسائل الإعلام، نظرا لتزامنها مع الحادث، وإنما بالفساد الإداري والمالي، وهنا يضع رئيس الوزراء نفسه شريكا له في الجريمة ذاتها. كما أن إجراءات سحب يد المحافظ المذكور، أو تقليص صلاحياته قد طرحت قبل حادث العبارة بأربعة أيام، ولكن دون جدوى.



إن إقالة أي محافظ في العراق تستند إلى نصوص قانون المحافظات رقم 21 لسنة 2008، والأصل أن يُقال المحافظ من ثلثي أعضاء مجلس المحافظة، وهذا ما نصت عليه المادة 7 / ثامنا /1 على ما يلي:

ثامناً:

1ــ استجواب المحافظ أو أحد نائبيه بناءا على طلب ثلث أعضائه وعند عدم قناعة الأغلبية البسيطة بأجوبة المستجوب يعرض للتصويت على الإقالة في جلسة ثانية ويعتبر مقالا بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس ويكون طلب الإقالة أو التوصية بها مستندا على أحد الأسباب الحصرية الآتية:

أ ـ عدم النزاهة أو استغلال المنصب الوظيفي.

ب ـ التسبب في هدر المال العام.

ج ـ فقدان أحد شروط العضوية.

د ـ الإهمال أو التقصير المتعمدين في أداء الواجب والمسؤولية.



وقد سعى المجلس أكثر من مرة لذلك، ولكن المحاصصة الحزبية والصراعات الطائفية حالت دون ذلك.



كما تنص المادة 7 الفقرة ثامنا / البند 2 على جواز أن تكون الإقالة بقرار من مجلس النواب، حيث نصت الفقرة المذكورة على ما يلي: " لمجلس النواب إقالة المحافظ بالأغلبية المطلقة بناءاً على اقتراح رئيس الوزراء لنفس الأسباب المذكورة أعلاه."



كما يجوز للمحافظ المذكور أن يقدم إستقالته من منصبه، وهذه تختلف عن الإقالة.



وهكذا نرى أن كل هذه التهم لا علاقة لها بمأساة نهر دجلة التي تسببت بغرق 187 شخصاً حسب بعض التقديرات.



أما ما يتطلبه قرار مجلس النواب لإقالة المحافظ المذكور فهو شرط تحقق الأغلبية المطلقة أي النصف + 1، وذلك يعني تصويت 165 عضوا من مجموع 329 نائب لإقالته. وهذا يخضع لمساومات الكتل السياسية الكبيرة والأحزاب السياسية الفاسدة، وفقا لموقفها من فساد المحافظ، واعتمادا على التعليمات الخارجية التي تفرض عليها من الدول ذات النفوذ السياسي في العراق وفِي مقدمتها إيران وتركيا وحتى الولايات المتحدة.



يضاف إلى كل هذا وذاك، إقتناص هذه الأحزاب الفاسدة للفرصة، والاصطياد في الماء العكر لترشيح أحد اتباعها، وطبعا هذا يخضع لسوق المزايدات المالية وليس الولاء الوطني قطعا، وقد صرّح النائب عبد الرحيم الشمري عن إن سعر منصب محافظ نينوى قد وصل في سوق المزايدات السياسية إلى 10 مليون دولار أمريكي. أن هذا يذكرنا ببيع منصب والي بغداد وبقية المناصب الأخرى أيام الدولة العثمانية قبل أكثر من قرن حيث كان يمنح لمن يدفع أكثر للخليفة العثماني، ومن البديهي أن يبدأ هذا الوالي عهده بالسرقة والرشوة وإبتزاز المواطنين وفِي مقدمتهم التجار، وهكذا. أما اليوم، فأن هذا المبلغ يذهب إلى إيران مباشرة لأنها تبحث عن أي مورد مالي للتخفيف من أثار العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها، ونظرًا لنفوذها الطاغي بعد تحرير الموصل من داعش عام 2017، وسيطرة الميليشيات الموالية لها على المحافظة، كما إن المكاتب الاقتصادية للأحزاب السياسية، وهي مكاتب متخصصة في إستحصال الأموال باي طريقة أو وسيلة سواء أكانت قانونية أو غير قانونية لغرض تمويل أحزابها ودعم إيران اقتصاديا، حتى لو أقتضى الأمر خطف المواطنين ومطالبة ذويهم بفدية كبيرة، حيث اصبح المواطن مجرد سلعة يمكن بيعها والمتاجرة بها، وهذا ما كانت تقوم هذه الأحزاب نفسها قبل أن تستلم السلطة، ويمكن في هذا المجال إستذكار حادثة إختطاف الصيادين القطرين في العراق ومطالبة قطر بفدية بلغت ٨٠٠ مليون دولار. وهذه التصرفات غير المشروعة هي ما زادت من معاناة المواطن في هذه المحافظة أضعافا مضاعفة، لا بل أن كثير من العوائل المتحرك منها والتي عادت إليها قبل سنة، اضطرت للمغادرة مرة أخرى نحو كردستان العراق، حيث الأمان.



واليوم يخضع موقف محافظ نينوى لعدة احتمالات منها:

.  استقالة المحافظ ذاته.

.  إقالة المحافظ بقرار من ثلثي أعضاء مجلس المحافظة.

.  إقالة المحافظ بقرار من الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان، وقد طرح الموضوع على جدول أعمال المجلس لهذا اليوم.

.  هروب المحافظ، وهو أسلوب تمارسه الكتل السياسية بدفع من إيران، لتلافي فتح ملفات الفساد التي يكون الكثير منهم شركاء فيها، ولغرض عدم الإشارة لأسلوب منح المنصب أصلا بالرشوة أو المحاصصة، وعادة ما تقام ضدهم تهم كيدية وأخرى صحيحة، يشارك في ذلك، القضاء العراقي الذي أصبحت العديد من قراراته مثار شبهة، ومما يطعن في نزاهتها، ويثار الشك حولها عند إلغائها لاحقا، وربما بعد سنوات طويلة، ومن ذات القضاء الذي اتهمه، كما حدث مع القاضي رحيم العكيلي، مع إختلاف الدعوى ضد كل منهم. وهذا الأسلوب قد طبق بحق الكثيرين مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي وخميس الخنجر وغيرهم الكثير، مع إمكانية إسقاط كل التهم ضدهم وإعادتهم عند الحاجة إليهم.

.  وهناك احتمال أخير، وهو أن يقدم المحافظ تنازلات جديدة لإيران، أو حتى أن يزور الولي الفقيه في إيران، ليصدر فتوى العفو عنه، ويرفقها بأوامره وتعليماته لأتباعه في العراق. كما حدث عن إتهام العديد من السياسيين وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب السابق سليم الجبوري عام 2015، عند إتهامه بالفساد من قبل وزير الدفاع آنذاك خالد العبيدي داخل مجلس النواب، فزار إيران وإلتقى المرشد الأعلى خامنئي وحصل على صك الغفران، وعاد للعراق، فنظر القضاء في قضيته وأصدر قراره بتبرئته في 17 دقيقة فقط.

وفي كل الأحول، فإن للمحافظ المقال أن يطعن بقرار الإقالة لدى محكمة القضاء الإداري خلال 15 يوماً من تاريخ تبلغه به، وتبت المحكمة بالطعن خلال 30 ثلاثين يوماً من تاريخ إستلامها الطعن، وعليه أن يقوم بتصريف أعمال المحافظة خلالها. وهذا ما نصّت عليه البند 5 من الفقرة ثامنا، من المادة 7 من قانون المحافظات المنافذ.



إن هذا هو الحال في العراق في الوقت الحاضر، للأسف الشديد، نتمنى زواله سريعا، وفِي ذات الوقت لا يسعني شخصياً إلا أن أقدم أصدق التعازي لأهالي ضحايا العبّارة تغمدهم الله برحمته، وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان. 




الدكتور رياض السندي

دكتوراه في القانون

في صبيحة 24 آذار 2019




الجوانب القانونية لتفجير الكرادة

الجوانب القانونية لتفجير الكرادة


د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
⦁ الوقائع
في تمام الساعة الواحدة منتصف ليل الاحد الثالث من تموز عام 2016، شهدت منطقة الكرادة التجارية المزدحمة في قلب العاصمة العراقية بغداد، والتي طالما تميزت بالتنوع الطائفي رغم كثافة التواجد الشيعي بعد 2003،  إنفجارا هو الاشد والاعنف منذ سقوط بغداد عام 2003.
وقد أدى الانفجار الى اشتعال النيران في مجمع الهادي التجاري والبنايات القريبة منه ، وظلت النيران مشتعلة حتى الصباح الباكر. وقد خلف الحادث في حينه 135 قتيلا (شهيداً)، وقرابة 200 جريح. وتزايد العدد ليصل الى 292 قتيل و200 جريح وقرابة 200 مفقود، من بينها عوائل بأكملها، وفق الاحصائية الرسمية التي اعلنتها وزيرة الصحة عديلة حمود يوم 7 تموز من العام نفسه. كما خلف الانفجار إحتراق سبعة مباني ضخمة بالكامل ، واحتراق 9 سيارات شخصية.
إن مايميز هذه الفاجعة الانسانية هو ان الضحايا ماتت حرقا وتفحمت اجسادها بطريقة مأساوية غريبة، ذكرت المجتمع الدولي بأيام استخدام النابالم في فيتنام للاعوام 1963- 1967.

⦁ الموقف الرسمي العراقي
في صبيحة اليوم التالي زار رئيس الوزراء حيدر العبادي مكان التفجير الا ان ذوي الضحايا واهالي المنطقة اجبروه على التراجع والمغادرة نتيجة رميه بالحجارة. وأصدر مكتبه لاحقا بيانا يوجه فيه الاتهام الى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بسبب خسارتها  لثاني أكبر معاقلها في الفلوجة  مؤخراً. وهذا التصريح غير دقيق ، لانه صدر قبل اي تحقيق ، وثانيا أن الصاق التهم بداعش أصبح مثل إتهام  ولعنة البشر لابليس .
وداعش من جانبه تبنى هذا التفجير على مواقعه الالكرونية ونسبه الى انتحاري يدعى (أبو مها). وهذا التبني هو من باب المباهاة ليس الا، فهو لم يورد اي تفاصيل تثبت ذلك، كما لم يضع التسجيل الاخير للانتحاري ، كما هو معتاد لديهم.
ورغم إعلان الحكومة لحالة الحداد لثلاثة ايام، ألا إن قضية أجهزة كشف المتفجرات البريطانية  ( ADE 651) طغت على السطح ثانية، وهي اجهزة اشتراها العراق عام 2008 بمبلغ 52 مليون باون استرليني من شركة (ATSC)  في واحد من أكبر عقود الفساد في العراق مع جيمس ماكورميك الذي حكم عيه في بريطانيا بسببها لمدة عشر سنوات، حيث جرى شراء جهاز سعره الاصلي 20 دولارا بسعر 20 الف دولار. وضلت تلك الاجهزة تستخدم في بلد تضربه التفجيرات شبه اليومية حتى سحبه من العمل بقرار رئيس الوزراء بعد تفجير الكرادة.
وفي 8 من هذا الشهر، أعلن رئيس الوزراء لإعفاء ثلاثة من كبار القادة الامنين في بغداد ، وقبلت استقالة وزير الداخلية محمد الغبان.
وفي ظل صمت رسمي عن الحادث، وفي ظل غياب تحقيق رسمي جدي ومعلن ، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي للعراقيين وهو الوسيلة المستقلة الوحيدة التي لم تستطع الحكومة غلقها، تداولوا وثيقة فنية. وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل.
في حين غاب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم عن المشهد لتمتعه بأجازة في لندن.
كما لم يعقد البرلمان أي جلسة حول الحادث، لعدم تلقي أي طلب بذلك، كما أعلن مقرر مجلس النواب في 7 من الشهر ذاته.

وثيقة التحقيق الحكومي
تشير الوثيقة  وهي سرية للتداول الحكومي فقط  قام به قسم مكافحة المخدرات في مديرية الشرطة  للتحليل الفني الاولي مكون من اربع صفحات قامت به الشرطة في موقع الحادث ويبدو انه أول تحقيق رسمي موضوعي محايد في هذا التفجير ، في حال صحّت هذه الوثيقة، الى إن التفجير جرى بسيارة مفخخة نوع (هونداي ستاركس) تحمل الرقم العراقي (84552 بغداد أجرة) يقودها انتحاري، في منطقة الكرادة بمحاذاة مول الليث ومول سنتر. في الساعة 00.55 يوم الاحد 3/7/2016، ويذكر التقرير عدم العثور على ألية التفجير(السيارة) لشدة الانفجار والعبث بمسرح الجريمة. وأن نوع مواد التفجير هي نترات ألامونيوم ومادة (C4) بكمية تقدر (250 كغم).

⦁ الموقف الدولي
في أول رد فعل المنظمة الدولية على الحادث اعرب بان كي مون ألامين العام للامم المتحدة عن إدانته للتفجير وتعازيه للعراق حكومة وشعبا، وعلى غرار ذلك أدان ممثل الامين العام في العراق ورئيس بعثة اليونامي في بغداد هذا التفجير وطالب بتعقب منفذي هذا العمل الوحشي.
وأعرب البابا فرانسيس الثاني من الفاتيكان صبيحة يوم الحادث إدانته ودعا المؤمنين للصلاة من أجل الضحايا.
وقد أدانت عدد من الدول هذا التفجير منها : روسيا ، هولندا، السويد، بريطانيا ، تركيا .
ومن الدول العربية ، الجزائر، لبنان، وسلطنة عمان، والسعودية في موقف مستغرب عراقياً، أدان السفير السعودي في بغداد هذا التفجير الدامي وقدم العزاء لاهالي الضحايا.
ومن جانب المنظمات الدولية غير الحكومية ،أعربت منظمة هيومن رايتس ووج في رأي لها الى إن الهجمات الدامية إختبار لنوايا العراق.
وأعرب مدير برنامج الشرق الاوسط في منظمة العفو الدولية عن إدانته للتفجير وإعتبرها جريمة حرب ، وناشد الحكومة وقف الاعدامات ردا على التفجير فورا.

⦁ تحديد المتهم
كعادة الحكومة العراقية في التفجيرات التي ضرب مختلف مدن العراق بشكل شبه يومي ، بأستثناء أقليم كردستان، فأن الحومة لا تقدم اي تبرير أو تفسير موضوعي لما يحدث في العراق منذ 2003، ولاتقدم اللجان التحقيقة صورة صادقة لآي قضية مهما بدت كبيرة مثل سقوط الموصل الذي صدر التقرير بضغط  شعبي، ولم يعرض بشكل واضح، ثم الغي لاحقا،  باستثناء التقارير عن حوادث قام بها السنة مثل قضية نائب رئيس الجمهورية  طارق الهاشمي والنائب أحمد العلواني ، وفض إعتصام الحويجة. وهذا مايلقي ظلالا من الشك على المتهم أو المتهمون بكل تلك الجرائم. إن هذه المأساة تحمل بصمات مشابهة لماسأة حلبجة في 16 آذار 1988، والتي راح ضحيتها أكثر خمسة الاف عراقي كردي. لذا يجب أن لاتمر دون تحديد الجاني وتقديمه للعدالة، انصافا للضحايا وذويهم.
وتغدو عملية تحديد المتهم أو المتهمون في هذا التفجير المأساوي صعبة  لعدة أسباب منها:-
.1 ان العراق ومنذ 2003 أصبح ساحة مفتوحة للارهاب.
.2 عدم جدية الحكومة في إجراء أي تحقيق موضوعي دقيق ، وعدم توفر الخبرة الفنية المطلوبة في هذه التفجيرات، وتأثرها بضغوطات سياسية ودولية تمعها من ذلك، ناهيك عن عرضها على الجمهور. لابل إن جرائم أكبر لم تكشف الحكومة عن تفاصيلها مثل سقوط محافظة الموصل بيد داعش عام 2014.
.3 عدم تصرف الشرطة والجمهور في مكان الحادث بمسؤولية دقيقة مطلوبة في هذه الحالات، في تطويق المكان وعزله حفاظا على الادلة والمبرزات الجرمية ومخلفات التفجير للاستفادة منها في مختبرات الكشف الجناني والتي تساهم في التحقيق.
ولكل ماتقدم فقد تعالت اصوات عديدة تطالب بإجراء تحقيق دولي مستقل وموضوعي في هذه الجريمة البشعة وانطلقت حملات عديدة لذلك، أبرزها:-
⦁ الحملة الامريكية التي تبنتها منظمة التغيير (Change)  ,
⦁ الحملة العراقية التي أطلقها الدكتور رياض السندي (كاتب هذه الدراسة) من على موقع حملات (ehamalat.com)  الحوار المتمدن.
ومع كل الصعوبات التي تعترض ذلك ، فيجب ان لاتقف عائقاً لكشف الحقيقة وتحديد الجناة وتقديمهم للعدالة. فهذا التفجير هذه المرة استخدمت فيه مواد حارقة أدت الى إحتراق وتفحم جثث الضحايا بشكل غير مسبوق، مما يدل على تطور في اساليب التفجير في العراق .
إن الدلائل الفنية تشير الى إستخدام النابالم ومادة السي فور كما اشار لها تقرير الشرطة اعلاه. فشهادات شهود العيان وإختباء عدد كبير من الضحايا في الطابق السفلي لتلك البنايات يشير الى تعرضهم للاختناق وعدم قدرتهم على الخروج من مكان الحادث، كما أن التقارير والمواد الفلمية التي انتشرت لاحقا تشير الى اشتعال النيران بكثافة قادت الى تفحم الكثيرين من الضحايا.

⦁ تاريخ استخدام النابالم
نابالم هو سائل هلامي (gel) يلتصق بالجلد، وهو قابل للاشتعال ويستخدم في الحروب. تم تطويره من خلال مجموعة كيميائيين أمريكيين من جامعة هارفارد أثناء الحرب العالمية الثانية، بقيادة العالم لويس فيزر. نوع من القنابل الحارقة يعتمد خصوصا على مادة النابالم المصنوعة من نوع من وقود تم اختراعه في جامعة هارفرد في عام 1942 وتهدف تركيبتها الى إلحاق حرائق وحروق تلتصق بالاشخاص والأجسام المختلفة. وحظرت اتفاقية الأمم المتحدة في عام 1980 استخدامها ضد السكان المدنيين.
وتسبب النابالم بإشعال الحرائق، حيث تعبأ بمركبات بترولية أو بالثرميت أو ما يطلق عليه هلام البترول، وهو مزيج من الألومنيوم وأكسيد الحديد. ويتراوح وزن القنابل الحارقة مابين 1,5 و 450كجم.
ينجم عن انفجار القنبلة نشر مزيج بترولي لزج يلتهب مباشرة، مشعلا حرائق يستحيل إخمادها. وينتشر نوع آخر من القنابل الحارقة، وهو قنبلة الوقود الهوائية، سحابة من الوقود الملتهب.
طورت الولايات المتحدة الأمريكية المادة خلال الحرب العالمية الثانية لتدخل في المجال العسكري مباشرة، واستخدمتها في قصف مدينة ديرسدن الألمانية 1945، الأمر الذي خلف بين 25 إلى 40 ألف قتيل من المدنيين آنذاك.
نجاح قنابل النابالم عسكريًا، دعا واشنطن إلى استخدامها ثانيًا في الحرب الكورية 1950 – 1953، وألقت أثناءها آلاف الأطنان من المواد المتفجرة على الانفصاليين (الشيوعيين).
لم ينحصر استخدام المادة على الولايات المتحدة، فقد وثق استهداف الاتحاد السوفيتي معاقل طالبان والمقاومة الأفغانية بها في ثمانينيات القرن الماضي، كذلك استخدمتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 ضد القوات السورية والمصرية، إضافة إلى استخدامها ضد الجيش السوري في لبنان عام 1982، بحسب شكوى قدمتها سوريا للأمم المتحدة آنذاك.
البرازيل أيضًا لم تتوانى في استخدام النابالم في حربها ضد عصابات المافيا في تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى العديد من الدول في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، خلال المعارك التي شهدها القرن العشرون.
الاستخدام الأوسع للنابالم كان خلال الحرب الفيتنامية 1961- 1970، وأحرقت فيها المقاتلات الأمريكية عشرات القرى الفيتنامية مسببة مجازر أزهقت أرواح آلاف المدنيين والمقاتلين، وحسب تصريحات وزارة الدفاع (البنتاغون) فإن الجيش الأمريكي ألقى 100 ألف طن من النابالم على فيتنام بين عامي 1963- 1967.
وقد استخدمت الولايات المتحدة الأميركية هذه القنابل بكثرة في حرب فيتنام لإحراق الأدغال وكسح الألغام والشراك الخداع التي استخدمها المقاتلون الفيتناميون خلال خوضهم حرب العصابات ضد القوات الأميركية الغازية. ولم يقتصر استخدام الولايات المتحدة لهذه القنابل في حرب فيتنام بل استخدمتها في حرب الخليج الثانية ضد العراق واستخدمتها خلال معاركها مع المقاومة العراقية في مدينة الفلوجة.
 قامت إسرائيل بمد مواسير نابالم على طول قناة السويس عند إنشائها خط بارليف حيث كانت تستخدم لردع أي قوات تحاول عبور القناة.... وقد نجحت الضفادع البشرية وهي قوات خاصة بحرية بسد فتحات المواسير بمواد خاصة يوم 5 أكتوبر 1973 لمنع استخدمها عند عبور القوات المصرية للقناة في اليوم التالي 6 أكتوبر 1973 [1] حيث تم [2] أسر مهندس مواسير النابلم نفسه في موجة العبور الأولى عندما كان يحاول إصلاحها.
وقد استخدم الجيش الإسرائيلي النابالم في عدوانه على لبنان في العام 2006 ضد السكان المدنيين .
وأخر استخدام لهذه المادة المحرقة كان في سوريا لقصف بلدات مدينة حلب عام 2012-  2015.
قالت الولايات المتحدة إنها أتلفت جميع مخزونها من النابالم مطلع عام 1970، بعد أن قتل بها آلاف المدنيين في ألمانيا وكوريا وفيتنام، لكن المادة لازالت تستخدم حتى يومنا هذا، والواقع السوري أكبر دليل على ذلك.


⦁ الجوانب القانونية
إن المعلومات الاولية ومشاهدة جثث الضحايا ومكان الانفجار وآثاره تشير الى إن هذه الجريمة قد تمت باستخدام سلاح محرم دوليا ، قد يكون باستخدام مادة كيمياوية مثل السي فور أو الفسفور الابيض أو مادة متفجرة مثل النابالم وهي مادة متفجرة تستخدم للحرق لا للتدمير وتستخدم ضد تجمعات الافراد في المناطق المفتوحة، والذي لايخلف اية جروح وانما إحتراق بالكامل لعدد كبير من الضحايا وهذا ماسيكشف عنه الخبراء والمتخصصون بالمتفجرات لاحقا. ورغم عدم مبالاة الحكومة واتخاذها اية اجراءات تحقيقية جادة لجع الادلة واستقدام خبراء المتفجرات  لهذا الحادث الماساوي، واكتفت الحكومة  باستقالة غير مؤكدة لوزير الداخلية، وتنفيذ حكم الاعدام بخمسة محكومين ، أثير الجدل حول جريمتهم.
 وإذا ماثبت استخدام أي سلاح من هذا النوع ، فإن اتفاقية جنيف لحظر أو تقييد استخدام اسلحة تقليدية معينة يمكن إعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الاثر لعام 1980، والمعروفة إختصاراً (CCW)، والتي دخلت حيز التنفيذ في 2 كانون الاول 1983، تكون هي السند القانوني الذي يحكم هذه الواقعة. لاسيما وان العراق قد انضم لهذه الاتفاقية مؤخرا في 24 أيلول 2014.
وهذه المواد هي اسلحة تقليدية معينة حظرها أو قيد استعمالها القانون الدولي الانساني صكوكه الدولية , لاسباب إنسانية  إعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر. لهذا سميت هذه الاتفاقية ب (إتفاقية الاسلحة اللا إنسانية).
وكانت بداية هذه الاتفاقية الدولية سنة 1973، حين قدم الأمين العم للأمم المتحدة تقريرا حول "النابالم وغيره من الأسلحة المحرقة، وجميع نواحي احتمال استعمالها"، أمام الجمعية العامة، التي أعربت عن أسفها لاستعمال النابالم وغيره من الأسلحة المحرقة في المنازعات المسلحة كافة، وحثت جميع الدول على الامتناع عن إنتاج تلك الأسلحة وتخزينها ونشرها واستعمالها، إلى أن يتم عقد اتفاقات بشأن حظرها. كما قررت عقد مؤتمر للأمم المتحدة، سنة 1979 بشأن "الأسلحة المحرقة وغيرها من أنواع الأسلحة التقليدية التي يمكن أن تكون محل حظر أو تقييد لأسباب إنسانية". وعقد المؤتمر دورة ثانية بجنيف سنة 1980، وانتهى بالتوصل إلى "اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر" والبروتوكول المتعلق بالشظايا الخفية (البروتوكول الأول) والبروتوكول المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأفخاخ المتفجرة والأجهزة الأخرى (البروتوكول الثاني) والبروتوكول المتعلق بحظر أو تقيد استعمال الأسلحة المحرقة (البروتوكول الثالث). وفتح باب التوقيع على هذه الصكوك في 10 أبريل 1981. وبدأ نفاذ الاتفاقية والبروتوكولات الثلاثة اعتبارا من 2 ديسمبر 1983. وما يهمنا في هذا المجال هو البروتوكول الثالث المتعلق بالاسلحة المحرقة، حيث عرفت المادة الاولى من البروتوكول المقصود من هذا التعبير قائلة:-
المادة (1)
تعاريف
في مصطلح هذا البروتوكول:
1- يراد بتعبير ((سلاح محرق)) أي سلاح أو أية ذخيرة، مصمم أو مصممة في المقام الأول لإشعال النار في الأشياء أو لتسبيب حروق للأشخاص بفعل اللهب أو الحرارة أو مزيج من اللهب والحرارة المتولدين عن تفاعل كيماوي لمادة تطلق على الهدف:
أ ) يمكن أن تكون الأسلحة المحرقة، مثلاً، على شكل قاذفات لهب، وألغام موجهة لمقذوفات أخرى، وقذائف، وصواريخ، وقنابل يدوية، وألغام، وقنابل، وغير ذلك من حاويات المواد المحرقة.
كما استبعدت هذه البند ب من الفقرة ذاتها على بعض انواع الاسلحة والمقذوفات ولم تعتبرها مشمولة بتحريم هذا البروتوكول، مثل المقذوفات المضيئة التي تستخدم في المهرجانات والاحتفالات بقصد إضفاء المتعة والبهجة للجمهور وإن أدت الى بعض الحروق، وكذلك المقذوفات المضادة للدروع.
 ب) لا تشمل الأسلحة المحرقة:
" 1 "  الذخائر التي يمكن أن تكون لها، عرضاً، آثار محرقة، مثل المضيئات أو القائفات أو ناشرات الدخان أو أجهزة الإشارة.
" 2 "  الذخائر المصممة للجمع بين آثار الاختراق والعصف أو التشظي وبين أثر محرق إضافي، مثل المقذوفات المخترقة للدروع، والقذائف الشظوية، والقنابل المتفجرة وما شابه ذلك من الذخائر ذات الآثار المزيجة التي لا يكون الأثر المحرق فيها مصمماً خصيصاً لتسبيب حروق للأشخاص، بل لاستعماله ضد أهداف عسكرية، مثل المركبات المدرعة والطائرات والمنشآت والمرافق.
ويلاحظ إن البروتوكول وتحديدا في مادته الاولى لم يذكر النابالم أو الفسفور الابيض أو الذخائر العنقودية أو الرصاص المتفجر (رصاص دمدم) أو غيره بالاسم، وإنما إكتفى بالوصف. الا إنها جميعها تدخل تحت نطاق هذه الاتفاقية ، مالم توجد اتفاقية خاصة بها.
وقد بينت اللجنة الدولية للصليب الاحمر وهي الجهة الراعية للقانون الدولي الانساني تلك الاسلحة واشارت على موقعها الالكتروني الى "إن هناك قواعد أساسية تنص على حماية المدنيين من آثار كل العمليات العسكرية وبالإشارة إلى إن الاعتداء على المدنيين بكل الأسلحة محرم تماماً.
إن القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني تنظِّم استخدام الأسلحة التي تحتوي على الفسفور الأبيض، شأنها شأن أي سلاح آخر. وتحتم هذه القواعد على أطراف النزاع أن تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية والسكان المدنيين على حد سواء. كما يلزمها القانون الدولي باتخاذ كل الإجراءات الممكنة لتجنيب المدنيين والأهداف المدنية شرَّ العمليات العسكرية. فالهجمات التي تؤدي إلى تدمير المدنيين والأهداف المدنية " بصورة عشوائية  هي هجمات محظورة".
 "إن استخدام الأسلحة الفسفورية البيضاء كالأسلحة المحرقة، أي تلك التي تضرم النار في الأهداف العسكرية، يخضع لقيود صارمة. فاستخدام مثل هذه الأسلحة البيضاء ضد أي هدف عسكري في مناطق مأهولة بالسكان المدنيين فعل محرم، ماعدا إذا كان الهدف العسكري بعيداً عن المدنيين كل البعد وبوضوح. ويعد إطلاق الأسلحة المحرقة من الجو ضد الأهداف العسكرية داخل التجمعات السكانية المدنية محظوراً ببساطة أبضاً. هذه محظورات ينص عليها البروتوكول الثالث للاتفاقية المتعلقة بالأسلحة التقليدية.
وردت اللجنة الدولية على سوأل، هل يؤدي استخدام الأسلحة التي تحتوي على الفسفور الأبيض، وخاصة الأسلحة المحرقة، في المناطق المأهولة بالسكان، إلى دوافع تبعث على القلق الإنساني الشديد؟

وأجاب مندوبها نعم، إن الأسلحة الفسفورية البيضاء تحدث حروقاً فسفورية واسعة النطاق تفوق 800 درجة حرارية مئوية (أي حوالي 1500 درجة فاهرنيهايت) على مساحة واسعة تمتد إلى مئات الأمتار المربعة. فالحرق يستمر حتى ينضب الفسفور كلياً أو حتى ينقضي الأوكسجين. ولهذا السلاح القدرة على إحداث إصابات مروعة ومؤلمة أو موت بطيئ موجع. ويتحتم على الطاقم الطبي أن يكون متدرباً بما فيه الكفاية حتى يكون قادراً على علاج مثل هذه الإصابات وقد يتعرض هو نفسه للحروق الفسفورية. فإذا استخدمت هذه الأسلحة التي تحتوي على هذه المواد ضد أهداف عسكرية أو بالقرب من أماكن مأهولة بالسكان ينبغي توخي الحذر الشديد لتفادي الإصابات في صفوف المدنيين".
وتجدر الاشارة الى الاتفاقية قد حرمت إستخدام هذه الاسلحة على المدنيين ، ولم تحرم استخدامها اثناء الحروب وعلى نطاق عسكري الا إذا كانت الاهداف العسكرية قريبة من أهداف مدنية يصعب التمييز بينها لعدم دقتها ولفرط ضررها ولعشوائية  أثارها .
وقد  حددت المقصود بالمدنيين في الفقرة الثانية من المادة الاولى من البروتوكول بقولها:-
2- يراد بتعبير ((تجمع مدنيين)) أي تجمع مدنيين، دائماً كان أو مؤقتاً، كما في الأجزاء المأهولة من المدن أو البلدات أو القرى المأهولة، أو كما في مخيمات أو أرتال اللاجئين أو المهجرين، أو جماعات البدو الرحل.
كما عرفّت المقصود بالاهداف العسكرية والاعيان المدنية بقولها:-
1- يراد بتعبير ((هدف عسكري))، فيما يتعلق بالأشياء، أي شئ يسهم، بطبيعته أو موقعه أو غرضه أو وجه استعماله، إسهاماً فعلياً في العمل العسكري، ويكون من شأن تدميره الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليه أو إبطال مفعوله، في الظروف القائمة، في حينه، أن يوفر ميزة عسكرية أكيدة.
2- يراد بتعبير ((أعيان مدنية)) جميع الأشياء التي ليست أهدافاً عسكرية وفقاً لتعريف هذه الأهداف في الفقرة 3.
والفقرات اعلاه لاتحتاج الى توضيح.
أما المادة الثانية من البروتوكول فقد حرمت بشكل قاطع لايقبل ألتاويل إستخدام تلك الاسلحة ضد المدنيين، أوضد أهداف عسكرية بالقرب من أهداف مدنية متى ما تعذر التمييز بينها لقربها أو تداخلها. وهذا ما اشيع عن تفجير الكرادة من إنه استهدف تجمعا لبعض فصائل منظمة بدر العسكرية كانت تعقد اجتماعا لها في حسينية قريبة من مكان الانفجار. حيث نصت على مايلي:-
المــادة (2)
حماية المدنيين والأعيان المدنية
1- يحظر في جميع الظروف جعل السكان المدنيين بصفتهم هذه، أو المدنيين فرادى، أو الأعيان المدنية، محل هجوم بالأسلحة المحرقة.
2- يحظر في جميع الظروف جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفاً لهجوم أسلحة محرقة تطلق من الجو.
3- يحظر كذلك جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفاً لهجوم بأسلحة محرقة غير تلك التي تطلق من الجو، إلا حين يكون الهدف العسكري واضح الانفعال عن تجمع المدنيين وتكون قد اتخذت جميع الاحتياطات المستطاعة كيما تقصر الآثار المحرقة على الهدف العسكري ويتفادى ويخفف إلى الحدود الدنيا في أية حال، ما قد ينجم عنها عرضاً من وقوع خسائر في أرواح المدنيين أو إصابتهم بجروح أو تلف الأعيان المدنية.
1- يحظر أن تجعل الغابات وغيرها من أنواع الكساء النباتي هدف هجوم بأسلحة محرقة إلا حين تستخدم هذه العناصر الطبيعية لستر أو إخفاء أو تمويه محاربين أو أهداف عسكرية أخرى، أو حين تكون هي ذاتها أهدافاً عسكرية.
ويلاحظ إن الفقرة الاخيرة تحظر استعمال تلك الاسلحة في الغابات، في إشارة واضحة الى استخدام الولايات المتحدة للنابالم عام 1967 في غابات فيتنام ضد المقاومة الفيتنامية.

⦁ الاستنتاجات
ويبقى السوأل الذي يشغل العراقين  هو: من يمكن ان يكون الفاعل في هذه الجريمة التي وصفتها منظمة العفو الدولية على إنها جريمة حرب.
إن الفاعلين الرئيسيين على الساحة العراقية اليوم هم إيران والولايات المتحدة الامريكية ، والطرفين يمتلكان مثل هذه الاسلحة وقادرين على انتاجها . واذا  كانت الولايات المتحدة قد سبق لها استخدام هذه الاسلحة ، فإن إيران لم تتهم رسميا باستخدام واضح لهذه الاسلحة سوى في سوريا مؤخرا وبشكل غير مباشر من خلال دعمها للنظام السوري.
أما العدو المفترض (داعش) والذي تبنى العملية دون تقديم مايثبت ذلك، فهو قد غدا اليوم كالشيطان الذي تلصق به كل الشرور ويلعنه الجميع حتى دون التثبت من ذلك. وقد جاء الاتهام الاول والمباشر على لسان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مسببا ذلك الى إنكسار داعش في الفلوجة. الا إن السيد مقتدى الصدر وفي حوار مثير على قناة الشرقية يوم 9 تموز قال في معرض رده على سوأل ماذا كانت داعش هي من قامت بتفجير الكرادة باختصار شديد وبليغ : اتمنى ان يكون داعش . وهذا يلقي بظلال من الشك والريبة على تصريحات الحكومة، لاسيما وانها صادرة من زعيم كتلة سياسية فاعلة ومؤثرة في العراق.
وتشتت واختلفت إتهامات العراقيين بحسب الجهة التي تتبنى الاتهام ، فالشيعة يتهمون السعودية لاسيما وان عدد من الانتحاريين السعودين ثبت تعاونهم مع داعش. أما السنة فيتهمون إيران دون تقديم أي دليل معقول.
والحقيقة التي لاتقبل الجدل بهذا الصدد هو انه لايمكن على صعيد الدول وضع قائمة إفتراضية بالاعداء أو قائمة بالاصدقاء ، فالدول لا تعرف الاعداء أو الاصدفاء بل تعرف مصالحها. ولهذا يتفاجى المرء في أن يجد صديقا مفترضا وقد تعاون مع الاعداء، والعكس صحيح أيضا.
إن اتهاما دون دليل لايمكن أن يصمد طويلا.
وبعد أن بذلنا جهدا كبيرا لمعرفة الحقيقة تلافيا لعدم تكرار مثل تلك المآسي ، وبحثنا عن نقطة ضوء في نهاية النفق المظلم الذي دخله العراق منذ عام 2003، وبعد تحديد الدول التي تمتلك مثل هذا السلاح والدول التي لها سجل في استخدامه، لم يبق أمامنا سوى البحث في وثائق  اللامم المتحدة ووثائق المنظمات الدولية المتخصصة في حظر هذه الاسلحة.
سبق القول ، انه من الناحية القانونية ، فأن القانون الذي ينظم إستخدام هذه الاسلحة هي "اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر" لعام 1980. وان ابروتوكول الخاص بهذه المادة المحرقة هو " البروتوكول المتعلق بحظر أو تققيد استعمال الأسلحة المحرقة (البروتوكول الثالث) " الملحق بالاتفاقية والذي يعد جزءاً لايتجزأ منها، وإن التوقيع أو الانضمام الى الاتفاقية يعد نافذا بحقها. ولهذا الغرض جردنا الدول التي وقعت أو صادقت أو إنضمت للاتفاقية المذكورة، والتي اصبحت طرفا سامياً متعاقداً فيها والدول التي لم تنظم اليها حتى الان . وهذا لاعني بأي حال من الاحوال، ان الدول التي انضمت لايمكن لها أن تمارس مثل هذه الانشطة ، الا ان توقيع الدولة يعبر عن رغبتها في أن تقيد وتلزم نفسها بأحكام الاتفاقية المعنية، وهي تدرك تماماً إن مخالفتها او انتهاك احكامها وقواعدها إنما يضعها تحت طائلة المسؤولية الدولية مهما طال الزمن. أما الدولة التي تمتنع عن التوقيع عليها، فإنها تعرب عن خشيتها من تطبيق أحكام الاتفاقية في مواجهتها لاحقا  ولا تريد أن تلزم نفسها بهذا الالتزام الدولي لاسباب خاصة بها.
⦁ وفيما يلي الدول الاطراف في هذه الاتفاقية وتواريخ انضمامها:-
(1)  الولايات المتحدة الامريكية، صادقت على الاتفاقية في 8 نيسان/أبريل  1982.
(2)  المملكة العربية السعودية ، إنضمت للاتفاقية في 7 كانون الاول/ديسمبر 2007.
(3)  العراق ، إنضم الى الاتفاقية في 24 أيلول/سبتمبر 2014.
(4)  تركيا، صادقت على الاتفاقية في 22 أذار/مارس 1982.
(5)  قطر، إنضمت الى الاتفاقية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2009.
(6) إسرائيل، إنضمت الى الاتفاقية في 22 نيسان/ابريل 1995. ولكنها لم توقع أو تنظم للبروتوكول الثالث الملحق بالاتفاقية والخاص بالاسلحة المحرقة.
⦁ الدول التي لم تصادق على الاتفاقية هي:-
.1 ايران.
.2  سوريا.
وفيما يتعلق بعدم توقيع اسرائيل على البروتوكول الثالث المذكور اعلاه، فإن ذلك لايعفيها من هذا الالتزام الدولي لانها قد غنضمت عل الاتفاقية الرئيسية، وهذا ماذكرته منظمة العفو الدولية في مجلتها موارد بقولها:-
إن البروتوكول الثالث بشأن حظر أو تقييد استخدام الأسلحة المحرقة (البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 المتعلقة بحظر أو تقييد استخدام أسلحة تقليدية معينة) يحظر استخدام الأسلحة المحرقة ضد المدنيين. وهويعتبر قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، ولذا فإنها تعتبر ملزمة لإسرائيل حتى لو لم تكن طرفًا في البروتوكول الثالث.  وقد أنكرت إسرائيل أنها استخدمت أية أسلحة غير قانونية. وبالطبع فإن كل سلاح يجب ألا يستخدم ضد المدنيين، ولكن هذا الحظر بمثابة اعتراف بالأخطار والعواقب الخاصة لاستخدام الأسلحة التي لها خصائص محرقة بالقرب من المدنيين.
⦁ خاتمة
وختاما، فأن التدخلات الدولية على الاراضي العراقية وحالة الصراع بين تلك الدولة جعل من العراق بلد في حالة نزاع مسلح ، مهما حاولت الحكومة العراقية انكار أو نفي أو رفض هذا الوصف ، وهذا يجعلها خاضعة لاحكام الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الانساني وقواعد القانون الدولي العرفي، كما انه لايستثني من المسؤولية الدولية أي طرف دولي ضالع في الجرائم المرتكبة في العراق تحت اي ذريعة أو تبرير، كما إن تخويل الحكومة العراقية صراحة أوضمناً لتلك الدول بالقيام باية إنشطة مناقضة للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني لن يجعل الطرفين في منجاة من المسؤولية الدولية في القيام بواجباتها تجاه شعبها في حمايته وحفظ سلامنه وحفظ الامن. 



⦁ المصادر
.1 اتفاقية جنيف لحظر أو تقييد استخدام اسلحة تقليدية معينة يمكن إعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الاثر لعام 1980.
.2 والبروتوكول الثالث الملحق باتفاقية حظر استخدام اسلحة معينة والمتعلق بحظر أو تقيد استعمال الأسلحة المحرقة .
.3 الأسلحة الفسفورية- وجهة نظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر- مقابلة صحفية مع السيد "بيتر هربي"، رئيس وحدة الأسلحة، الذي يحدد القواعد الواجبة التطبيق على الأسلحة الفسفورية لشرح موقف المنظمة إزاء الموضوع17،  في-01-2009 .
.4 مجلة موارد، منظمة العفو الدولية، العدد 12، ربيع 2009، الوثيقة  .POL 32K001K2009
.5 النابالم، موسوعة الويكيبيديا ، الموسوعة الحرة.
.6 قصة النابالم.. ابتداءً من الولايات المتحدة وحتى نظام الأسد، موقع Oximity.



الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...