السبت، 2 نوفمبر 2019

إيران تلوي ذراع اميركا في العراق


إيران تلوي ذراع اميركا في العراق


د. رياض السندي


بات من المعروف للقاصي والداني، ولأي مطّلع في السياسة الدولية، إن مشكلة العراق الرئيسية، نابعة من الصراعات الدولية على أرض العراق، حتى صار العراق ساحة لتصفية الحسابات الدولية على أرضه، بدلا من تخريب بلدانهم. وهذا ما يفسر حجم الدمار في العراق.

وفي مقدمة هذه الصراعات، هو الصراع الاميركي-الايراني، الذي من المتوقع أن يتفاقم في عهد الرئيس الأميركي الجديد ترامب، بعد أن شهد تهدئة وشبه إتفاق في عهد الرئيس السابق أوباما ذي الاصول المسلمة.

ومنذ البداية، وتحديدا عام 2002، كان الاتفاق مع إيران ليس سهلا، نظراً لاختلاف سياسة البلدين، ونظرة أحدهما للأخر. فإيران كانت منذ قيام الثورة عام 1979وحتى توقيع الاتفاق النووي عام 2015 ترى في أمريكا الشيطان الاكبر، في حين إن أمريكا ترى فيها محوراً للشر في العالم. إلا إن الادارة الاميركية في عهد الرئيس بوش إستطاعت إقناعهم بالمشاركة في التخلص من عدوها اللدود صدام حسين الذي أذاق المرشد الاول للثورة الاسلامية الخميني كأس السم طيلة ثماني سنوات من الحرب (1980-1988)، وقد لعب أكراد العراق دوراً في ذلك. كما إن إيران وجدت في ذلك، فرصة ذهبية للانتقام من العراق عموماً. وقد أرسلت إيران عملاءها ومواليها من العراقيين السابقين الذين رعتهم ودربتهم طيلة 23 سنة، وفي مقدمتهم اعضاء حزب الدعوة والمجلس الاعلى وقوات بدر وغيرهم. وتمكنت من خلالهم من قتل الكثير من الطيارين العراقيين وضباط الجيش العراقي الذين شاركوا في الحرب ضدهم، ودمرت كل المصانع العراقية، وسرقت كل ما أمكنها نقله الى إيران، ونهبت ثروات العراق التي بلغت أكثر من 800 مليار دولار طيلة ثماني سنوات من حكم رجلها الاول (جواد) نوري المالكي (2005-2013)، في وقت تزامن فيه فرض العقوبات الاقتصادية الدولية عليها منذ 2006.

ومن جانب آخر، فقد سعت الى إبعاد الخطر الامريكي القريب من حدودها في العراق بإنسحاب أكثر من 150 ألف من القوات الاميركية، فحرّضت رجلها الأول المالكي بعقد إتفاقية أميركية-عراقية لسحب قواتها من العراق، وتحقق لها ذلك في ظل الإدارة الأميركية الجديدة لأوباما أواخر عام 2008.

إلا إن الادارة الاميركية سعت للتخلص من المالكي ومنع توليه الولاية الثالثة أواخر عام 2013، من خلال تنظيم الدولة (داعش) الذي إحتل الموصل وثلث العراق في حزيران 2014. وجرى تسليم السلطة لشخص ضعيف من حزب الدعوة موالي للولايات المتحدة أكثر من مولاته لإيران، وهو حيدر العبادي (بريطاني الجنسية). وبالمقابل، فقد أصرت إيران على إستبعاد واحد من أبرز رجال الولايات المتحدة في العراق، ألا وهو الكردي هوشيار زيباري من وزارة الخارجية.

وهكذا نجد إن كل خطوة، أو فعل من جانب أي طرف، كانت تقابل بخطوة مماثلة، أو برد فعل مناسب. وهكذا فقد سعت إيران الى إعادة المالكي للحكم بمنصب نائب رئيس الجمهورية، وبالمقابل أعيد زيباري لمنصب وزير المالية، بعد أن كان المنصب من حصة روز نوري شاويس، الذي أدى القسم الحكومي لتسلمه المنصب، ولكنه لم يبقى فيه أكثر من 15 يوماً. إلا ان استطاعت من إزاحته تماما من المشهد السياسي بعد إستجوابه في البرلمان وسحب الثقة منه في 2016.

ووفقا للتوجه الاميركي، ونزولا لرغبة الشعب العراقي، فقد بدأ العبادي الذي إعتقد إنه محمي من الادارة الاميركية لأوباما، أو هكذا أوحى للعالم، جملة من الاصلاحات تحت تأثير التظاهرات العارمة التي عمت العراق والمعروفة بتظاهرات ساحة التحرير، وغيرها من مدن العراق. فألغى مناصب رئيس الجمهورية، إلا إن المحكمة الاتحادية إعادتهم الى مناصبهم عام 2016. وتحت تأثير المطالبات الشعبية بمحاكمة المالكي، هرب الى إيران في 18/8/2015 بحثاً عن الحصانة او اللجوء، إلا إن إيران أعادته بعد أربعة أيام فقط على متن طائرة إيرانية، بعد أن رأت إن ورقته ما زالت صالحة للاستعمال، ولم تستنفذ بعد.

وظلت إيران تسعى، وحتى الان، الى إعادة المالكي للسلطة، وإزاحة العبادي، لاسيما وانه مازال يبدو أقوى من منافسه كثيراً.

وقد سعت الولايات المتحدة إلى العمل لاستعادة الموصل أواخر عام 2016 لاستثمارها في الدعاية الانتخابية للحزب الديمقراطي ومرشحته هيلاري كلينتون، إلا إن بشائر خسارتها بانت سريعاً، مما قلل الحماس الامريكي لذلك. وبالمقابل، فقد سعت إيران وبقوة الى الزج بميليشياتها أو الفصائل المسلحة الموالية لها في العراق الى المشاركة في عملية تحرير الموصل، إلا إن الولايات المتحدة إستبعدت ذلك تلافيا لحالات انتقام كبيرة تقوم بها إيران لسكان الموصل من السنة.

وبعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، فقد ظهرت دلائل كثيرة على تصعيد الموقف بين أمريكا وإيران. فقد أشار البرنامج الانتخابي لترامب، عدد من المؤشرات بالمواجهة مع إيران، ويمكن تلخيصها بما يلي: -

1.     أن أصل خراب الشرق الأوسط، ومصدر وجع الرأس الأميركي والأوروبي، معا، وسبب ظهور تنظيمات الإرهاب الإسلامي، سنية وشيعية، هي الدولة الفاشلة المتخلفة المؤذية، إيران.

2.     تعيين كبار المسؤولين في إدارته ممن يحملون توجهاً حول ضرورة تغيير النظام في إيران، بكل الوسائل الممكنة. وفي مقدمتهم وزير دفاعه جون ماتيس، الذي سُمي ب "الكلب المجنون".

3.     تصريحاته الكثيرة التي تعبر عن نظرته حول إيران. فقد كان ترامب قد وصف خلال حملة الانتخابات الرئاسية - الاتفاق النووي المبرم بين إيران وبريطانيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا وألمانيا والصين بـ"الكارثي" وهدد بإلغائه. فيما نصحه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو قائلا: لا يمكن إلغاءه، ولكن يمكن البحث عن مبرر لذلك. كما أعطى ترامب رأيه في الحكومة العراقية بقوله: لا توجد حكومة في العراق، فإيران تتحكم بكل شيء. وقد أعرب بعد ذلك صراحة، بأن قرار غزو العراق، هو أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة.

 وردّ مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي على ذلك بقوله، إن بلاده "ستحرق" الاتفاق النووي إذا انتهكه الطرف الآخر، واستمر البعض في التهديد بـ "تمزيقه".

4.     تصريحات بعض المقربين من ترامب، أمثال رودي جولياني عمدة نيويورك الاسبق، الذي قال في حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال"، جاء فيها:

-         "إن المشكلة الرئيسية بالنسبة لنا هي 'المملكة' الإيرانية المذهبية التوسعية، حيث أصبح العراق دولة تابعة لتلك 'المملكة'".

-         "نحن الذين سلمنا العراق للإيرانيين، وكان الخطأ الأكبر الذي ارتكبناه". "كما أن الطريقة التي خرجنا بها من العراق كانت أكبر خطأ في التاريخ الأميركي".

-         "فبعد أن سلمنا العراق لإيران سلمناها سوريا أيضا".

-         "لقد أصبح هناك شرق أوسط شمالي يضم إيران والعراق وسوريا واليمن، وآخر جنوبي يضم دول الخليج والأردن ومصر، وهذا يعني أن حربا قد تندلع إن لم نقم باحتواء إيران ونكبح جماحها".

5.     كما صرح جون بولتون سفير الولايات المتحدة السابق في الامم المتحدة، والمقرب من ترامب في لقاء صحفي نشرته صحيفة هافينغتون بوست الأميركية، بضرورة تغيير النظام في طهران، مؤكدا على أن "رجال الدين في طهران هم أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم".

6.     إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي تمديد العقوبات المفروضة على إيران لمدة 10 سنوات أخرى، ما يعني معاقبة الشركات الأمريكية التي تتعامل مع طهران. وكانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد عبرت عن اعتقادها بأن تجديد العقوبات لا لزوم له. وقد رأت فيه إيران "إنتهاكا" للاتفاق النووي.


في حين أصدر الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً بتاريخ 27/1/2017 بحظر دخول مواطني سبع دول من بينهم إيران والعراق.

وردّت إيران بخطوة عسكرية مثيرة، حيث أجرت أول اختبار صاروخي في عهد ترامب، بعد يومين من توقيع الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً الجمعة الماضية، يقضي بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية هي إيران والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال إلى الولايات المتحدة. ووصفت وزارة الخارجية الإيرانية الخطوة بأنها "مهينة" وقالت إنها سترد بالمثل. إذ قالت في بيانها: "إن قرار الولايات المتحدة بفرض قيود على سفر المسلمين للولايات المتحدة، ولو لفترة مؤقتة لثلاثة أشهر، هو إهانة واضحة للعالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص إلى أمة إيران العظيمة."

فعادت الولايات المتحدة وطلبت في 31/1/2017 عقد جلسة طارئة بالأمم المتحدة بشأن الصاروخ الايراني على ضوء التجربة التي اجرتها إيران في 29 كانون الثاني على إطلاق صاروخ متوسط المدى. فأصدر مجلس الأمن الدولي قراره بإحالة موضوع إطلاق إيران لصاروخ بالستي إلى لجنة التحقيق المشرفة على تطبيق ال قرار2231، والذي صدر في يوليو/ تموز لعام 2015، ودعم الاتفاق النووي بين إيران ودول الـ 5+1. وربما ستكون الحجّة أو المبرر الذي نصحهم به نتنياهو لإلغاء الاتفاق النووي.

وبالمقابل أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بعد الحظر بأربعة أيام، عن قرار طهران تعليق منح تأشيرات الدخول إلى الأراضي الأمريكية للأمريكيين، ردا على منع الإيرانيين من زيارة الولايات المتحدة.

ومن جانب آخر، قررت الكومة العراقية الى الدخول في هذا الصراع الدولي الى جانب إيران. فبعد مماطلة إستمرت شهوراً طوال، عيّنت بتاريخ 30/1/2017، وفي خضم الصراع الدولي المذكور، أحد قادة منظمة بدر الموالية لإيران، وزيراً للداخلية، الا وهو قاسم الاعرجي أحد مساعدي هادي العامري.  والاكثر من ذلك، فقد أعلنت حكومة بغداد الموالية لإيران في أجرأ موقف لها منذ سقوط بغداد، وهي التي جاءت على ظهور الدبابات الاميركية عام 2003، فقالت مصادر مطّلعة إن البرلمان العراقي يدرس إيقاف تأشيرات دخول الأمريكان للأراضي العراقية ردا على وقف الولايات المتحدة لتأشيرات العراقيين.

وردت الولايات المتحدة بخطوة مهمة، أشبه بقانون تحرير العراق عام 1999، حيث قدم أحد أعضاء مجلس النواب الأمريكي، الثلاثاء 3 يناير/كانون الثاني 2017، إلى الكونغرس، مشروع قرار يسمح لرئيس الدولة باستخدام القوة ضد إيران، حيث تقدم النائب عن ولاية فلوريدا، إلسي هاستينغز، بمبادرة عرض مشروع القرار المعنون "السماح باستخدام القوة ضد إيران" على أعضاء الكونغرس.

وباستثناء الحكومة العراقية الموالية في الاساس لإيران، وعلى حد وصف النائب حسن العلوي، فقد رأى الشعب العراقي في حفل تنصيب ترامب عرساً عراقياً.

فهل حان دور إيران ليوضع رأسها تحت المقصلة الامريكية، بعد أن دارت على العراق قبل 15 عاماً؟ هذا ما ستكشفه الأيام قريباً.



د. رياض السندي

دكتوراه في القانون الدولي

31/1/2017

الرأي القانوني في إقالة محافظ نينوى


الرأي القانوني في إقالة محافظ نينوى








إبتداءً يقتضي القول إن إقتراح رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بإقالة محافظ نينوى نوفل العاكوب لا علاقة له بمأساة (حادث العبّارة) التي وقعت يوم ٢١/٣/٢٠١٩، فكتاب اقتراح مجلس الوزراء المرقم م. ر. و./د 6/3/4069المؤرخ في ٢٣/٣/٢٠١٩ يتضمن إتهام المحافظ المذكور بالتسبب بهدر المال العام والاستغلال الوظيفي، ولو كان قرار إحالته للإقالة قد تم وفقا لتهمة (الإهمال أو التقصير المتعمدين في أداء الواجب والمسؤولية.)، لكان الأمر يبدو رداً على تقصيره في الحفاظ على أرواح ضحايا الحادث. ومن هنا يبدو الضعف القانوني لدى رئيس الوزراء وطاقم مكتبه ومستشاريه القانونيين.  علما إن التهمة المشار اليها بكتاب مجلس الوزراء أعلاه، تضع رئيس الوزراء نفسه تحت طائلة الإتهام في التستر على تصرفات المحافظ طيلة هذه الفترة، لا سيما وإنه سبق وان أثيرت حول المحافظ ضجة إهانته ومحاولة ضربه لأحد المعلمين، وقضايا أخرى كثيرة تمت تسويتها والتستر عليها، كما أثيرت حوله شبهات فساد كثيرة، وقد تم استدعائه إلى مكتب رئيس الوزراء نفسه الذي قابله بتاريخ ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٨، والتقى في اليوم ذاته بأعضاء مجلس المحافظة وبضمنهم المحافظ ذاته. كما سبق لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إن إلتقاه أيضا في تموز 2018، ويبدو أن هذه اللقاءات ليست للمحاسبة الإدارية والتحقق من الأداء الوظيفي الأمثل، بل للمجاملة أو لأغراض أخرى.



ورغم تصريحات العديد من النواب وخاصة نواب محافظة نينوى، إلا إن رئيس الوزراء ظل متمسكا به حتى وقوع الكارثة ليتهمه ليس بحادثة العبارة كما أشارت وسائل الإعلام، نظرا لتزامنها مع الحادث، وإنما بالفساد الإداري والمالي، وهنا يضع رئيس الوزراء نفسه شريكا له في الجريمة ذاتها. كما أن إجراءات سحب يد المحافظ المذكور، أو تقليص صلاحياته قد طرحت قبل حادث العبارة بأربعة أيام، ولكن دون جدوى.



إن إقالة أي محافظ في العراق تستند إلى نصوص قانون المحافظات رقم 21 لسنة 2008، والأصل أن يُقال المحافظ من ثلثي أعضاء مجلس المحافظة، وهذا ما نصت عليه المادة 7 / ثامنا /1 على ما يلي:

ثامناً:

1ــ استجواب المحافظ أو أحد نائبيه بناءا على طلب ثلث أعضائه وعند عدم قناعة الأغلبية البسيطة بأجوبة المستجوب يعرض للتصويت على الإقالة في جلسة ثانية ويعتبر مقالا بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس ويكون طلب الإقالة أو التوصية بها مستندا على أحد الأسباب الحصرية الآتية:

أ ـ عدم النزاهة أو استغلال المنصب الوظيفي.

ب ـ التسبب في هدر المال العام.

ج ـ فقدان أحد شروط العضوية.

د ـ الإهمال أو التقصير المتعمدين في أداء الواجب والمسؤولية.



وقد سعى المجلس أكثر من مرة لذلك، ولكن المحاصصة الحزبية والصراعات الطائفية حالت دون ذلك.



كما تنص المادة 7 الفقرة ثامنا / البند 2 على جواز أن تكون الإقالة بقرار من مجلس النواب، حيث نصت الفقرة المذكورة على ما يلي: " لمجلس النواب إقالة المحافظ بالأغلبية المطلقة بناءاً على اقتراح رئيس الوزراء لنفس الأسباب المذكورة أعلاه."



كما يجوز للمحافظ المذكور أن يقدم إستقالته من منصبه، وهذه تختلف عن الإقالة.



وهكذا نرى أن كل هذه التهم لا علاقة لها بمأساة نهر دجلة التي تسببت بغرق 187 شخصاً حسب بعض التقديرات.



أما ما يتطلبه قرار مجلس النواب لإقالة المحافظ المذكور فهو شرط تحقق الأغلبية المطلقة أي النصف + 1، وذلك يعني تصويت 165 عضوا من مجموع 329 نائب لإقالته. وهذا يخضع لمساومات الكتل السياسية الكبيرة والأحزاب السياسية الفاسدة، وفقا لموقفها من فساد المحافظ، واعتمادا على التعليمات الخارجية التي تفرض عليها من الدول ذات النفوذ السياسي في العراق وفِي مقدمتها إيران وتركيا وحتى الولايات المتحدة.



يضاف إلى كل هذا وذاك، إقتناص هذه الأحزاب الفاسدة للفرصة، والاصطياد في الماء العكر لترشيح أحد اتباعها، وطبعا هذا يخضع لسوق المزايدات المالية وليس الولاء الوطني قطعا، وقد صرّح النائب عبد الرحيم الشمري عن إن سعر منصب محافظ نينوى قد وصل في سوق المزايدات السياسية إلى 10 مليون دولار أمريكي. أن هذا يذكرنا ببيع منصب والي بغداد وبقية المناصب الأخرى أيام الدولة العثمانية قبل أكثر من قرن حيث كان يمنح لمن يدفع أكثر للخليفة العثماني، ومن البديهي أن يبدأ هذا الوالي عهده بالسرقة والرشوة وإبتزاز المواطنين وفِي مقدمتهم التجار، وهكذا. أما اليوم، فأن هذا المبلغ يذهب إلى إيران مباشرة لأنها تبحث عن أي مورد مالي للتخفيف من أثار العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها، ونظرًا لنفوذها الطاغي بعد تحرير الموصل من داعش عام 2017، وسيطرة الميليشيات الموالية لها على المحافظة، كما إن المكاتب الاقتصادية للأحزاب السياسية، وهي مكاتب متخصصة في إستحصال الأموال باي طريقة أو وسيلة سواء أكانت قانونية أو غير قانونية لغرض تمويل أحزابها ودعم إيران اقتصاديا، حتى لو أقتضى الأمر خطف المواطنين ومطالبة ذويهم بفدية كبيرة، حيث اصبح المواطن مجرد سلعة يمكن بيعها والمتاجرة بها، وهذا ما كانت تقوم هذه الأحزاب نفسها قبل أن تستلم السلطة، ويمكن في هذا المجال إستذكار حادثة إختطاف الصيادين القطرين في العراق ومطالبة قطر بفدية بلغت ٨٠٠ مليون دولار. وهذه التصرفات غير المشروعة هي ما زادت من معاناة المواطن في هذه المحافظة أضعافا مضاعفة، لا بل أن كثير من العوائل المتحرك منها والتي عادت إليها قبل سنة، اضطرت للمغادرة مرة أخرى نحو كردستان العراق، حيث الأمان.



واليوم يخضع موقف محافظ نينوى لعدة احتمالات منها:

.  استقالة المحافظ ذاته.

.  إقالة المحافظ بقرار من ثلثي أعضاء مجلس المحافظة.

.  إقالة المحافظ بقرار من الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان، وقد طرح الموضوع على جدول أعمال المجلس لهذا اليوم.

.  هروب المحافظ، وهو أسلوب تمارسه الكتل السياسية بدفع من إيران، لتلافي فتح ملفات الفساد التي يكون الكثير منهم شركاء فيها، ولغرض عدم الإشارة لأسلوب منح المنصب أصلا بالرشوة أو المحاصصة، وعادة ما تقام ضدهم تهم كيدية وأخرى صحيحة، يشارك في ذلك، القضاء العراقي الذي أصبحت العديد من قراراته مثار شبهة، ومما يطعن في نزاهتها، ويثار الشك حولها عند إلغائها لاحقا، وربما بعد سنوات طويلة، ومن ذات القضاء الذي اتهمه، كما حدث مع القاضي رحيم العكيلي، مع إختلاف الدعوى ضد كل منهم. وهذا الأسلوب قد طبق بحق الكثيرين مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي وخميس الخنجر وغيرهم الكثير، مع إمكانية إسقاط كل التهم ضدهم وإعادتهم عند الحاجة إليهم.

.  وهناك احتمال أخير، وهو أن يقدم المحافظ تنازلات جديدة لإيران، أو حتى أن يزور الولي الفقيه في إيران، ليصدر فتوى العفو عنه، ويرفقها بأوامره وتعليماته لأتباعه في العراق. كما حدث عن إتهام العديد من السياسيين وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب السابق سليم الجبوري عام 2015، عند إتهامه بالفساد من قبل وزير الدفاع آنذاك خالد العبيدي داخل مجلس النواب، فزار إيران وإلتقى المرشد الأعلى خامنئي وحصل على صك الغفران، وعاد للعراق، فنظر القضاء في قضيته وأصدر قراره بتبرئته في 17 دقيقة فقط.

وفي كل الأحول، فإن للمحافظ المقال أن يطعن بقرار الإقالة لدى محكمة القضاء الإداري خلال 15 يوماً من تاريخ تبلغه به، وتبت المحكمة بالطعن خلال 30 ثلاثين يوماً من تاريخ إستلامها الطعن، وعليه أن يقوم بتصريف أعمال المحافظة خلالها. وهذا ما نصّت عليه البند 5 من الفقرة ثامنا، من المادة 7 من قانون المحافظات المنافذ.



إن هذا هو الحال في العراق في الوقت الحاضر، للأسف الشديد، نتمنى زواله سريعا، وفِي ذات الوقت لا يسعني شخصياً إلا أن أقدم أصدق التعازي لأهالي ضحايا العبّارة تغمدهم الله برحمته، وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان. 




الدكتور رياض السندي

دكتوراه في القانون

في صبيحة 24 آذار 2019




الجوانب القانونية لتفجير الكرادة

الجوانب القانونية لتفجير الكرادة


د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
⦁ الوقائع
في تمام الساعة الواحدة منتصف ليل الاحد الثالث من تموز عام 2016، شهدت منطقة الكرادة التجارية المزدحمة في قلب العاصمة العراقية بغداد، والتي طالما تميزت بالتنوع الطائفي رغم كثافة التواجد الشيعي بعد 2003،  إنفجارا هو الاشد والاعنف منذ سقوط بغداد عام 2003.
وقد أدى الانفجار الى اشتعال النيران في مجمع الهادي التجاري والبنايات القريبة منه ، وظلت النيران مشتعلة حتى الصباح الباكر. وقد خلف الحادث في حينه 135 قتيلا (شهيداً)، وقرابة 200 جريح. وتزايد العدد ليصل الى 292 قتيل و200 جريح وقرابة 200 مفقود، من بينها عوائل بأكملها، وفق الاحصائية الرسمية التي اعلنتها وزيرة الصحة عديلة حمود يوم 7 تموز من العام نفسه. كما خلف الانفجار إحتراق سبعة مباني ضخمة بالكامل ، واحتراق 9 سيارات شخصية.
إن مايميز هذه الفاجعة الانسانية هو ان الضحايا ماتت حرقا وتفحمت اجسادها بطريقة مأساوية غريبة، ذكرت المجتمع الدولي بأيام استخدام النابالم في فيتنام للاعوام 1963- 1967.

⦁ الموقف الرسمي العراقي
في صبيحة اليوم التالي زار رئيس الوزراء حيدر العبادي مكان التفجير الا ان ذوي الضحايا واهالي المنطقة اجبروه على التراجع والمغادرة نتيجة رميه بالحجارة. وأصدر مكتبه لاحقا بيانا يوجه فيه الاتهام الى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بسبب خسارتها  لثاني أكبر معاقلها في الفلوجة  مؤخراً. وهذا التصريح غير دقيق ، لانه صدر قبل اي تحقيق ، وثانيا أن الصاق التهم بداعش أصبح مثل إتهام  ولعنة البشر لابليس .
وداعش من جانبه تبنى هذا التفجير على مواقعه الالكرونية ونسبه الى انتحاري يدعى (أبو مها). وهذا التبني هو من باب المباهاة ليس الا، فهو لم يورد اي تفاصيل تثبت ذلك، كما لم يضع التسجيل الاخير للانتحاري ، كما هو معتاد لديهم.
ورغم إعلان الحكومة لحالة الحداد لثلاثة ايام، ألا إن قضية أجهزة كشف المتفجرات البريطانية  ( ADE 651) طغت على السطح ثانية، وهي اجهزة اشتراها العراق عام 2008 بمبلغ 52 مليون باون استرليني من شركة (ATSC)  في واحد من أكبر عقود الفساد في العراق مع جيمس ماكورميك الذي حكم عيه في بريطانيا بسببها لمدة عشر سنوات، حيث جرى شراء جهاز سعره الاصلي 20 دولارا بسعر 20 الف دولار. وضلت تلك الاجهزة تستخدم في بلد تضربه التفجيرات شبه اليومية حتى سحبه من العمل بقرار رئيس الوزراء بعد تفجير الكرادة.
وفي 8 من هذا الشهر، أعلن رئيس الوزراء لإعفاء ثلاثة من كبار القادة الامنين في بغداد ، وقبلت استقالة وزير الداخلية محمد الغبان.
وفي ظل صمت رسمي عن الحادث، وفي ظل غياب تحقيق رسمي جدي ومعلن ، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي للعراقيين وهو الوسيلة المستقلة الوحيدة التي لم تستطع الحكومة غلقها، تداولوا وثيقة فنية. وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل.
في حين غاب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم عن المشهد لتمتعه بأجازة في لندن.
كما لم يعقد البرلمان أي جلسة حول الحادث، لعدم تلقي أي طلب بذلك، كما أعلن مقرر مجلس النواب في 7 من الشهر ذاته.

وثيقة التحقيق الحكومي
تشير الوثيقة  وهي سرية للتداول الحكومي فقط  قام به قسم مكافحة المخدرات في مديرية الشرطة  للتحليل الفني الاولي مكون من اربع صفحات قامت به الشرطة في موقع الحادث ويبدو انه أول تحقيق رسمي موضوعي محايد في هذا التفجير ، في حال صحّت هذه الوثيقة، الى إن التفجير جرى بسيارة مفخخة نوع (هونداي ستاركس) تحمل الرقم العراقي (84552 بغداد أجرة) يقودها انتحاري، في منطقة الكرادة بمحاذاة مول الليث ومول سنتر. في الساعة 00.55 يوم الاحد 3/7/2016، ويذكر التقرير عدم العثور على ألية التفجير(السيارة) لشدة الانفجار والعبث بمسرح الجريمة. وأن نوع مواد التفجير هي نترات ألامونيوم ومادة (C4) بكمية تقدر (250 كغم).

⦁ الموقف الدولي
في أول رد فعل المنظمة الدولية على الحادث اعرب بان كي مون ألامين العام للامم المتحدة عن إدانته للتفجير وتعازيه للعراق حكومة وشعبا، وعلى غرار ذلك أدان ممثل الامين العام في العراق ورئيس بعثة اليونامي في بغداد هذا التفجير وطالب بتعقب منفذي هذا العمل الوحشي.
وأعرب البابا فرانسيس الثاني من الفاتيكان صبيحة يوم الحادث إدانته ودعا المؤمنين للصلاة من أجل الضحايا.
وقد أدانت عدد من الدول هذا التفجير منها : روسيا ، هولندا، السويد، بريطانيا ، تركيا .
ومن الدول العربية ، الجزائر، لبنان، وسلطنة عمان، والسعودية في موقف مستغرب عراقياً، أدان السفير السعودي في بغداد هذا التفجير الدامي وقدم العزاء لاهالي الضحايا.
ومن جانب المنظمات الدولية غير الحكومية ،أعربت منظمة هيومن رايتس ووج في رأي لها الى إن الهجمات الدامية إختبار لنوايا العراق.
وأعرب مدير برنامج الشرق الاوسط في منظمة العفو الدولية عن إدانته للتفجير وإعتبرها جريمة حرب ، وناشد الحكومة وقف الاعدامات ردا على التفجير فورا.

⦁ تحديد المتهم
كعادة الحكومة العراقية في التفجيرات التي ضرب مختلف مدن العراق بشكل شبه يومي ، بأستثناء أقليم كردستان، فأن الحومة لا تقدم اي تبرير أو تفسير موضوعي لما يحدث في العراق منذ 2003، ولاتقدم اللجان التحقيقة صورة صادقة لآي قضية مهما بدت كبيرة مثل سقوط الموصل الذي صدر التقرير بضغط  شعبي، ولم يعرض بشكل واضح، ثم الغي لاحقا،  باستثناء التقارير عن حوادث قام بها السنة مثل قضية نائب رئيس الجمهورية  طارق الهاشمي والنائب أحمد العلواني ، وفض إعتصام الحويجة. وهذا مايلقي ظلالا من الشك على المتهم أو المتهمون بكل تلك الجرائم. إن هذه المأساة تحمل بصمات مشابهة لماسأة حلبجة في 16 آذار 1988، والتي راح ضحيتها أكثر خمسة الاف عراقي كردي. لذا يجب أن لاتمر دون تحديد الجاني وتقديمه للعدالة، انصافا للضحايا وذويهم.
وتغدو عملية تحديد المتهم أو المتهمون في هذا التفجير المأساوي صعبة  لعدة أسباب منها:-
.1 ان العراق ومنذ 2003 أصبح ساحة مفتوحة للارهاب.
.2 عدم جدية الحكومة في إجراء أي تحقيق موضوعي دقيق ، وعدم توفر الخبرة الفنية المطلوبة في هذه التفجيرات، وتأثرها بضغوطات سياسية ودولية تمعها من ذلك، ناهيك عن عرضها على الجمهور. لابل إن جرائم أكبر لم تكشف الحكومة عن تفاصيلها مثل سقوط محافظة الموصل بيد داعش عام 2014.
.3 عدم تصرف الشرطة والجمهور في مكان الحادث بمسؤولية دقيقة مطلوبة في هذه الحالات، في تطويق المكان وعزله حفاظا على الادلة والمبرزات الجرمية ومخلفات التفجير للاستفادة منها في مختبرات الكشف الجناني والتي تساهم في التحقيق.
ولكل ماتقدم فقد تعالت اصوات عديدة تطالب بإجراء تحقيق دولي مستقل وموضوعي في هذه الجريمة البشعة وانطلقت حملات عديدة لذلك، أبرزها:-
⦁ الحملة الامريكية التي تبنتها منظمة التغيير (Change)  ,
⦁ الحملة العراقية التي أطلقها الدكتور رياض السندي (كاتب هذه الدراسة) من على موقع حملات (ehamalat.com)  الحوار المتمدن.
ومع كل الصعوبات التي تعترض ذلك ، فيجب ان لاتقف عائقاً لكشف الحقيقة وتحديد الجناة وتقديمهم للعدالة. فهذا التفجير هذه المرة استخدمت فيه مواد حارقة أدت الى إحتراق وتفحم جثث الضحايا بشكل غير مسبوق، مما يدل على تطور في اساليب التفجير في العراق .
إن الدلائل الفنية تشير الى إستخدام النابالم ومادة السي فور كما اشار لها تقرير الشرطة اعلاه. فشهادات شهود العيان وإختباء عدد كبير من الضحايا في الطابق السفلي لتلك البنايات يشير الى تعرضهم للاختناق وعدم قدرتهم على الخروج من مكان الحادث، كما أن التقارير والمواد الفلمية التي انتشرت لاحقا تشير الى اشتعال النيران بكثافة قادت الى تفحم الكثيرين من الضحايا.

⦁ تاريخ استخدام النابالم
نابالم هو سائل هلامي (gel) يلتصق بالجلد، وهو قابل للاشتعال ويستخدم في الحروب. تم تطويره من خلال مجموعة كيميائيين أمريكيين من جامعة هارفارد أثناء الحرب العالمية الثانية، بقيادة العالم لويس فيزر. نوع من القنابل الحارقة يعتمد خصوصا على مادة النابالم المصنوعة من نوع من وقود تم اختراعه في جامعة هارفرد في عام 1942 وتهدف تركيبتها الى إلحاق حرائق وحروق تلتصق بالاشخاص والأجسام المختلفة. وحظرت اتفاقية الأمم المتحدة في عام 1980 استخدامها ضد السكان المدنيين.
وتسبب النابالم بإشعال الحرائق، حيث تعبأ بمركبات بترولية أو بالثرميت أو ما يطلق عليه هلام البترول، وهو مزيج من الألومنيوم وأكسيد الحديد. ويتراوح وزن القنابل الحارقة مابين 1,5 و 450كجم.
ينجم عن انفجار القنبلة نشر مزيج بترولي لزج يلتهب مباشرة، مشعلا حرائق يستحيل إخمادها. وينتشر نوع آخر من القنابل الحارقة، وهو قنبلة الوقود الهوائية، سحابة من الوقود الملتهب.
طورت الولايات المتحدة الأمريكية المادة خلال الحرب العالمية الثانية لتدخل في المجال العسكري مباشرة، واستخدمتها في قصف مدينة ديرسدن الألمانية 1945، الأمر الذي خلف بين 25 إلى 40 ألف قتيل من المدنيين آنذاك.
نجاح قنابل النابالم عسكريًا، دعا واشنطن إلى استخدامها ثانيًا في الحرب الكورية 1950 – 1953، وألقت أثناءها آلاف الأطنان من المواد المتفجرة على الانفصاليين (الشيوعيين).
لم ينحصر استخدام المادة على الولايات المتحدة، فقد وثق استهداف الاتحاد السوفيتي معاقل طالبان والمقاومة الأفغانية بها في ثمانينيات القرن الماضي، كذلك استخدمتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 ضد القوات السورية والمصرية، إضافة إلى استخدامها ضد الجيش السوري في لبنان عام 1982، بحسب شكوى قدمتها سوريا للأمم المتحدة آنذاك.
البرازيل أيضًا لم تتوانى في استخدام النابالم في حربها ضد عصابات المافيا في تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى العديد من الدول في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، خلال المعارك التي شهدها القرن العشرون.
الاستخدام الأوسع للنابالم كان خلال الحرب الفيتنامية 1961- 1970، وأحرقت فيها المقاتلات الأمريكية عشرات القرى الفيتنامية مسببة مجازر أزهقت أرواح آلاف المدنيين والمقاتلين، وحسب تصريحات وزارة الدفاع (البنتاغون) فإن الجيش الأمريكي ألقى 100 ألف طن من النابالم على فيتنام بين عامي 1963- 1967.
وقد استخدمت الولايات المتحدة الأميركية هذه القنابل بكثرة في حرب فيتنام لإحراق الأدغال وكسح الألغام والشراك الخداع التي استخدمها المقاتلون الفيتناميون خلال خوضهم حرب العصابات ضد القوات الأميركية الغازية. ولم يقتصر استخدام الولايات المتحدة لهذه القنابل في حرب فيتنام بل استخدمتها في حرب الخليج الثانية ضد العراق واستخدمتها خلال معاركها مع المقاومة العراقية في مدينة الفلوجة.
 قامت إسرائيل بمد مواسير نابالم على طول قناة السويس عند إنشائها خط بارليف حيث كانت تستخدم لردع أي قوات تحاول عبور القناة.... وقد نجحت الضفادع البشرية وهي قوات خاصة بحرية بسد فتحات المواسير بمواد خاصة يوم 5 أكتوبر 1973 لمنع استخدمها عند عبور القوات المصرية للقناة في اليوم التالي 6 أكتوبر 1973 [1] حيث تم [2] أسر مهندس مواسير النابلم نفسه في موجة العبور الأولى عندما كان يحاول إصلاحها.
وقد استخدم الجيش الإسرائيلي النابالم في عدوانه على لبنان في العام 2006 ضد السكان المدنيين .
وأخر استخدام لهذه المادة المحرقة كان في سوريا لقصف بلدات مدينة حلب عام 2012-  2015.
قالت الولايات المتحدة إنها أتلفت جميع مخزونها من النابالم مطلع عام 1970، بعد أن قتل بها آلاف المدنيين في ألمانيا وكوريا وفيتنام، لكن المادة لازالت تستخدم حتى يومنا هذا، والواقع السوري أكبر دليل على ذلك.


⦁ الجوانب القانونية
إن المعلومات الاولية ومشاهدة جثث الضحايا ومكان الانفجار وآثاره تشير الى إن هذه الجريمة قد تمت باستخدام سلاح محرم دوليا ، قد يكون باستخدام مادة كيمياوية مثل السي فور أو الفسفور الابيض أو مادة متفجرة مثل النابالم وهي مادة متفجرة تستخدم للحرق لا للتدمير وتستخدم ضد تجمعات الافراد في المناطق المفتوحة، والذي لايخلف اية جروح وانما إحتراق بالكامل لعدد كبير من الضحايا وهذا ماسيكشف عنه الخبراء والمتخصصون بالمتفجرات لاحقا. ورغم عدم مبالاة الحكومة واتخاذها اية اجراءات تحقيقية جادة لجع الادلة واستقدام خبراء المتفجرات  لهذا الحادث الماساوي، واكتفت الحكومة  باستقالة غير مؤكدة لوزير الداخلية، وتنفيذ حكم الاعدام بخمسة محكومين ، أثير الجدل حول جريمتهم.
 وإذا ماثبت استخدام أي سلاح من هذا النوع ، فإن اتفاقية جنيف لحظر أو تقييد استخدام اسلحة تقليدية معينة يمكن إعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الاثر لعام 1980، والمعروفة إختصاراً (CCW)، والتي دخلت حيز التنفيذ في 2 كانون الاول 1983، تكون هي السند القانوني الذي يحكم هذه الواقعة. لاسيما وان العراق قد انضم لهذه الاتفاقية مؤخرا في 24 أيلول 2014.
وهذه المواد هي اسلحة تقليدية معينة حظرها أو قيد استعمالها القانون الدولي الانساني صكوكه الدولية , لاسباب إنسانية  إعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر. لهذا سميت هذه الاتفاقية ب (إتفاقية الاسلحة اللا إنسانية).
وكانت بداية هذه الاتفاقية الدولية سنة 1973، حين قدم الأمين العم للأمم المتحدة تقريرا حول "النابالم وغيره من الأسلحة المحرقة، وجميع نواحي احتمال استعمالها"، أمام الجمعية العامة، التي أعربت عن أسفها لاستعمال النابالم وغيره من الأسلحة المحرقة في المنازعات المسلحة كافة، وحثت جميع الدول على الامتناع عن إنتاج تلك الأسلحة وتخزينها ونشرها واستعمالها، إلى أن يتم عقد اتفاقات بشأن حظرها. كما قررت عقد مؤتمر للأمم المتحدة، سنة 1979 بشأن "الأسلحة المحرقة وغيرها من أنواع الأسلحة التقليدية التي يمكن أن تكون محل حظر أو تقييد لأسباب إنسانية". وعقد المؤتمر دورة ثانية بجنيف سنة 1980، وانتهى بالتوصل إلى "اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر" والبروتوكول المتعلق بالشظايا الخفية (البروتوكول الأول) والبروتوكول المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأفخاخ المتفجرة والأجهزة الأخرى (البروتوكول الثاني) والبروتوكول المتعلق بحظر أو تقيد استعمال الأسلحة المحرقة (البروتوكول الثالث). وفتح باب التوقيع على هذه الصكوك في 10 أبريل 1981. وبدأ نفاذ الاتفاقية والبروتوكولات الثلاثة اعتبارا من 2 ديسمبر 1983. وما يهمنا في هذا المجال هو البروتوكول الثالث المتعلق بالاسلحة المحرقة، حيث عرفت المادة الاولى من البروتوكول المقصود من هذا التعبير قائلة:-
المادة (1)
تعاريف
في مصطلح هذا البروتوكول:
1- يراد بتعبير ((سلاح محرق)) أي سلاح أو أية ذخيرة، مصمم أو مصممة في المقام الأول لإشعال النار في الأشياء أو لتسبيب حروق للأشخاص بفعل اللهب أو الحرارة أو مزيج من اللهب والحرارة المتولدين عن تفاعل كيماوي لمادة تطلق على الهدف:
أ ) يمكن أن تكون الأسلحة المحرقة، مثلاً، على شكل قاذفات لهب، وألغام موجهة لمقذوفات أخرى، وقذائف، وصواريخ، وقنابل يدوية، وألغام، وقنابل، وغير ذلك من حاويات المواد المحرقة.
كما استبعدت هذه البند ب من الفقرة ذاتها على بعض انواع الاسلحة والمقذوفات ولم تعتبرها مشمولة بتحريم هذا البروتوكول، مثل المقذوفات المضيئة التي تستخدم في المهرجانات والاحتفالات بقصد إضفاء المتعة والبهجة للجمهور وإن أدت الى بعض الحروق، وكذلك المقذوفات المضادة للدروع.
 ب) لا تشمل الأسلحة المحرقة:
" 1 "  الذخائر التي يمكن أن تكون لها، عرضاً، آثار محرقة، مثل المضيئات أو القائفات أو ناشرات الدخان أو أجهزة الإشارة.
" 2 "  الذخائر المصممة للجمع بين آثار الاختراق والعصف أو التشظي وبين أثر محرق إضافي، مثل المقذوفات المخترقة للدروع، والقذائف الشظوية، والقنابل المتفجرة وما شابه ذلك من الذخائر ذات الآثار المزيجة التي لا يكون الأثر المحرق فيها مصمماً خصيصاً لتسبيب حروق للأشخاص، بل لاستعماله ضد أهداف عسكرية، مثل المركبات المدرعة والطائرات والمنشآت والمرافق.
ويلاحظ إن البروتوكول وتحديدا في مادته الاولى لم يذكر النابالم أو الفسفور الابيض أو الذخائر العنقودية أو الرصاص المتفجر (رصاص دمدم) أو غيره بالاسم، وإنما إكتفى بالوصف. الا إنها جميعها تدخل تحت نطاق هذه الاتفاقية ، مالم توجد اتفاقية خاصة بها.
وقد بينت اللجنة الدولية للصليب الاحمر وهي الجهة الراعية للقانون الدولي الانساني تلك الاسلحة واشارت على موقعها الالكتروني الى "إن هناك قواعد أساسية تنص على حماية المدنيين من آثار كل العمليات العسكرية وبالإشارة إلى إن الاعتداء على المدنيين بكل الأسلحة محرم تماماً.
إن القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني تنظِّم استخدام الأسلحة التي تحتوي على الفسفور الأبيض، شأنها شأن أي سلاح آخر. وتحتم هذه القواعد على أطراف النزاع أن تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية والسكان المدنيين على حد سواء. كما يلزمها القانون الدولي باتخاذ كل الإجراءات الممكنة لتجنيب المدنيين والأهداف المدنية شرَّ العمليات العسكرية. فالهجمات التي تؤدي إلى تدمير المدنيين والأهداف المدنية " بصورة عشوائية  هي هجمات محظورة".
 "إن استخدام الأسلحة الفسفورية البيضاء كالأسلحة المحرقة، أي تلك التي تضرم النار في الأهداف العسكرية، يخضع لقيود صارمة. فاستخدام مثل هذه الأسلحة البيضاء ضد أي هدف عسكري في مناطق مأهولة بالسكان المدنيين فعل محرم، ماعدا إذا كان الهدف العسكري بعيداً عن المدنيين كل البعد وبوضوح. ويعد إطلاق الأسلحة المحرقة من الجو ضد الأهداف العسكرية داخل التجمعات السكانية المدنية محظوراً ببساطة أبضاً. هذه محظورات ينص عليها البروتوكول الثالث للاتفاقية المتعلقة بالأسلحة التقليدية.
وردت اللجنة الدولية على سوأل، هل يؤدي استخدام الأسلحة التي تحتوي على الفسفور الأبيض، وخاصة الأسلحة المحرقة، في المناطق المأهولة بالسكان، إلى دوافع تبعث على القلق الإنساني الشديد؟

وأجاب مندوبها نعم، إن الأسلحة الفسفورية البيضاء تحدث حروقاً فسفورية واسعة النطاق تفوق 800 درجة حرارية مئوية (أي حوالي 1500 درجة فاهرنيهايت) على مساحة واسعة تمتد إلى مئات الأمتار المربعة. فالحرق يستمر حتى ينضب الفسفور كلياً أو حتى ينقضي الأوكسجين. ولهذا السلاح القدرة على إحداث إصابات مروعة ومؤلمة أو موت بطيئ موجع. ويتحتم على الطاقم الطبي أن يكون متدرباً بما فيه الكفاية حتى يكون قادراً على علاج مثل هذه الإصابات وقد يتعرض هو نفسه للحروق الفسفورية. فإذا استخدمت هذه الأسلحة التي تحتوي على هذه المواد ضد أهداف عسكرية أو بالقرب من أماكن مأهولة بالسكان ينبغي توخي الحذر الشديد لتفادي الإصابات في صفوف المدنيين".
وتجدر الاشارة الى الاتفاقية قد حرمت إستخدام هذه الاسلحة على المدنيين ، ولم تحرم استخدامها اثناء الحروب وعلى نطاق عسكري الا إذا كانت الاهداف العسكرية قريبة من أهداف مدنية يصعب التمييز بينها لعدم دقتها ولفرط ضررها ولعشوائية  أثارها .
وقد  حددت المقصود بالمدنيين في الفقرة الثانية من المادة الاولى من البروتوكول بقولها:-
2- يراد بتعبير ((تجمع مدنيين)) أي تجمع مدنيين، دائماً كان أو مؤقتاً، كما في الأجزاء المأهولة من المدن أو البلدات أو القرى المأهولة، أو كما في مخيمات أو أرتال اللاجئين أو المهجرين، أو جماعات البدو الرحل.
كما عرفّت المقصود بالاهداف العسكرية والاعيان المدنية بقولها:-
1- يراد بتعبير ((هدف عسكري))، فيما يتعلق بالأشياء، أي شئ يسهم، بطبيعته أو موقعه أو غرضه أو وجه استعماله، إسهاماً فعلياً في العمل العسكري، ويكون من شأن تدميره الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليه أو إبطال مفعوله، في الظروف القائمة، في حينه، أن يوفر ميزة عسكرية أكيدة.
2- يراد بتعبير ((أعيان مدنية)) جميع الأشياء التي ليست أهدافاً عسكرية وفقاً لتعريف هذه الأهداف في الفقرة 3.
والفقرات اعلاه لاتحتاج الى توضيح.
أما المادة الثانية من البروتوكول فقد حرمت بشكل قاطع لايقبل ألتاويل إستخدام تلك الاسلحة ضد المدنيين، أوضد أهداف عسكرية بالقرب من أهداف مدنية متى ما تعذر التمييز بينها لقربها أو تداخلها. وهذا ما اشيع عن تفجير الكرادة من إنه استهدف تجمعا لبعض فصائل منظمة بدر العسكرية كانت تعقد اجتماعا لها في حسينية قريبة من مكان الانفجار. حيث نصت على مايلي:-
المــادة (2)
حماية المدنيين والأعيان المدنية
1- يحظر في جميع الظروف جعل السكان المدنيين بصفتهم هذه، أو المدنيين فرادى، أو الأعيان المدنية، محل هجوم بالأسلحة المحرقة.
2- يحظر في جميع الظروف جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفاً لهجوم أسلحة محرقة تطلق من الجو.
3- يحظر كذلك جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفاً لهجوم بأسلحة محرقة غير تلك التي تطلق من الجو، إلا حين يكون الهدف العسكري واضح الانفعال عن تجمع المدنيين وتكون قد اتخذت جميع الاحتياطات المستطاعة كيما تقصر الآثار المحرقة على الهدف العسكري ويتفادى ويخفف إلى الحدود الدنيا في أية حال، ما قد ينجم عنها عرضاً من وقوع خسائر في أرواح المدنيين أو إصابتهم بجروح أو تلف الأعيان المدنية.
1- يحظر أن تجعل الغابات وغيرها من أنواع الكساء النباتي هدف هجوم بأسلحة محرقة إلا حين تستخدم هذه العناصر الطبيعية لستر أو إخفاء أو تمويه محاربين أو أهداف عسكرية أخرى، أو حين تكون هي ذاتها أهدافاً عسكرية.
ويلاحظ إن الفقرة الاخيرة تحظر استعمال تلك الاسلحة في الغابات، في إشارة واضحة الى استخدام الولايات المتحدة للنابالم عام 1967 في غابات فيتنام ضد المقاومة الفيتنامية.

⦁ الاستنتاجات
ويبقى السوأل الذي يشغل العراقين  هو: من يمكن ان يكون الفاعل في هذه الجريمة التي وصفتها منظمة العفو الدولية على إنها جريمة حرب.
إن الفاعلين الرئيسيين على الساحة العراقية اليوم هم إيران والولايات المتحدة الامريكية ، والطرفين يمتلكان مثل هذه الاسلحة وقادرين على انتاجها . واذا  كانت الولايات المتحدة قد سبق لها استخدام هذه الاسلحة ، فإن إيران لم تتهم رسميا باستخدام واضح لهذه الاسلحة سوى في سوريا مؤخرا وبشكل غير مباشر من خلال دعمها للنظام السوري.
أما العدو المفترض (داعش) والذي تبنى العملية دون تقديم مايثبت ذلك، فهو قد غدا اليوم كالشيطان الذي تلصق به كل الشرور ويلعنه الجميع حتى دون التثبت من ذلك. وقد جاء الاتهام الاول والمباشر على لسان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مسببا ذلك الى إنكسار داعش في الفلوجة. الا إن السيد مقتدى الصدر وفي حوار مثير على قناة الشرقية يوم 9 تموز قال في معرض رده على سوأل ماذا كانت داعش هي من قامت بتفجير الكرادة باختصار شديد وبليغ : اتمنى ان يكون داعش . وهذا يلقي بظلال من الشك والريبة على تصريحات الحكومة، لاسيما وانها صادرة من زعيم كتلة سياسية فاعلة ومؤثرة في العراق.
وتشتت واختلفت إتهامات العراقيين بحسب الجهة التي تتبنى الاتهام ، فالشيعة يتهمون السعودية لاسيما وان عدد من الانتحاريين السعودين ثبت تعاونهم مع داعش. أما السنة فيتهمون إيران دون تقديم أي دليل معقول.
والحقيقة التي لاتقبل الجدل بهذا الصدد هو انه لايمكن على صعيد الدول وضع قائمة إفتراضية بالاعداء أو قائمة بالاصدقاء ، فالدول لا تعرف الاعداء أو الاصدفاء بل تعرف مصالحها. ولهذا يتفاجى المرء في أن يجد صديقا مفترضا وقد تعاون مع الاعداء، والعكس صحيح أيضا.
إن اتهاما دون دليل لايمكن أن يصمد طويلا.
وبعد أن بذلنا جهدا كبيرا لمعرفة الحقيقة تلافيا لعدم تكرار مثل تلك المآسي ، وبحثنا عن نقطة ضوء في نهاية النفق المظلم الذي دخله العراق منذ عام 2003، وبعد تحديد الدول التي تمتلك مثل هذا السلاح والدول التي لها سجل في استخدامه، لم يبق أمامنا سوى البحث في وثائق  اللامم المتحدة ووثائق المنظمات الدولية المتخصصة في حظر هذه الاسلحة.
سبق القول ، انه من الناحية القانونية ، فأن القانون الذي ينظم إستخدام هذه الاسلحة هي "اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر" لعام 1980. وان ابروتوكول الخاص بهذه المادة المحرقة هو " البروتوكول المتعلق بحظر أو تققيد استعمال الأسلحة المحرقة (البروتوكول الثالث) " الملحق بالاتفاقية والذي يعد جزءاً لايتجزأ منها، وإن التوقيع أو الانضمام الى الاتفاقية يعد نافذا بحقها. ولهذا الغرض جردنا الدول التي وقعت أو صادقت أو إنضمت للاتفاقية المذكورة، والتي اصبحت طرفا سامياً متعاقداً فيها والدول التي لم تنظم اليها حتى الان . وهذا لاعني بأي حال من الاحوال، ان الدول التي انضمت لايمكن لها أن تمارس مثل هذه الانشطة ، الا ان توقيع الدولة يعبر عن رغبتها في أن تقيد وتلزم نفسها بأحكام الاتفاقية المعنية، وهي تدرك تماماً إن مخالفتها او انتهاك احكامها وقواعدها إنما يضعها تحت طائلة المسؤولية الدولية مهما طال الزمن. أما الدولة التي تمتنع عن التوقيع عليها، فإنها تعرب عن خشيتها من تطبيق أحكام الاتفاقية في مواجهتها لاحقا  ولا تريد أن تلزم نفسها بهذا الالتزام الدولي لاسباب خاصة بها.
⦁ وفيما يلي الدول الاطراف في هذه الاتفاقية وتواريخ انضمامها:-
(1)  الولايات المتحدة الامريكية، صادقت على الاتفاقية في 8 نيسان/أبريل  1982.
(2)  المملكة العربية السعودية ، إنضمت للاتفاقية في 7 كانون الاول/ديسمبر 2007.
(3)  العراق ، إنضم الى الاتفاقية في 24 أيلول/سبتمبر 2014.
(4)  تركيا، صادقت على الاتفاقية في 22 أذار/مارس 1982.
(5)  قطر، إنضمت الى الاتفاقية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2009.
(6) إسرائيل، إنضمت الى الاتفاقية في 22 نيسان/ابريل 1995. ولكنها لم توقع أو تنظم للبروتوكول الثالث الملحق بالاتفاقية والخاص بالاسلحة المحرقة.
⦁ الدول التي لم تصادق على الاتفاقية هي:-
.1 ايران.
.2  سوريا.
وفيما يتعلق بعدم توقيع اسرائيل على البروتوكول الثالث المذكور اعلاه، فإن ذلك لايعفيها من هذا الالتزام الدولي لانها قد غنضمت عل الاتفاقية الرئيسية، وهذا ماذكرته منظمة العفو الدولية في مجلتها موارد بقولها:-
إن البروتوكول الثالث بشأن حظر أو تقييد استخدام الأسلحة المحرقة (البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 المتعلقة بحظر أو تقييد استخدام أسلحة تقليدية معينة) يحظر استخدام الأسلحة المحرقة ضد المدنيين. وهويعتبر قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، ولذا فإنها تعتبر ملزمة لإسرائيل حتى لو لم تكن طرفًا في البروتوكول الثالث.  وقد أنكرت إسرائيل أنها استخدمت أية أسلحة غير قانونية. وبالطبع فإن كل سلاح يجب ألا يستخدم ضد المدنيين، ولكن هذا الحظر بمثابة اعتراف بالأخطار والعواقب الخاصة لاستخدام الأسلحة التي لها خصائص محرقة بالقرب من المدنيين.
⦁ خاتمة
وختاما، فأن التدخلات الدولية على الاراضي العراقية وحالة الصراع بين تلك الدولة جعل من العراق بلد في حالة نزاع مسلح ، مهما حاولت الحكومة العراقية انكار أو نفي أو رفض هذا الوصف ، وهذا يجعلها خاضعة لاحكام الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الانساني وقواعد القانون الدولي العرفي، كما انه لايستثني من المسؤولية الدولية أي طرف دولي ضالع في الجرائم المرتكبة في العراق تحت اي ذريعة أو تبرير، كما إن تخويل الحكومة العراقية صراحة أوضمناً لتلك الدول بالقيام باية إنشطة مناقضة للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني لن يجعل الطرفين في منجاة من المسؤولية الدولية في القيام بواجباتها تجاه شعبها في حمايته وحفظ سلامنه وحفظ الامن. 



⦁ المصادر
.1 اتفاقية جنيف لحظر أو تقييد استخدام اسلحة تقليدية معينة يمكن إعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الاثر لعام 1980.
.2 والبروتوكول الثالث الملحق باتفاقية حظر استخدام اسلحة معينة والمتعلق بحظر أو تقيد استعمال الأسلحة المحرقة .
.3 الأسلحة الفسفورية- وجهة نظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر- مقابلة صحفية مع السيد "بيتر هربي"، رئيس وحدة الأسلحة، الذي يحدد القواعد الواجبة التطبيق على الأسلحة الفسفورية لشرح موقف المنظمة إزاء الموضوع17،  في-01-2009 .
.4 مجلة موارد، منظمة العفو الدولية، العدد 12، ربيع 2009، الوثيقة  .POL 32K001K2009
.5 النابالم، موسوعة الويكيبيديا ، الموسوعة الحرة.
.6 قصة النابالم.. ابتداءً من الولايات المتحدة وحتى نظام الأسد، موقع Oximity.



التغيير عنوان الإنتخابات في العراق


التغيير عنوان الإنتخابات في العراق




د. رياض السندي

- مقدمة

لم يبق على موعد الانتخابات العراقية سوى 18 يوما، وقد إنقسم العراقيون في موضوعة الانتخابات كعادتهم إلى فريقين: يرى الفريق الأول وهو الأغلب بضرورة مقاطعتها وعدم إعطاء الفرصة للفاسدين لإعادة إنتاج أنفسهم بعد تجربة مريرة دامت 15 سنة عجاف. فيما ذهب الفريق الثاني ومعهم كثير من أقطاب السلطة وبعض المرشحين الجدد من الأحزاب التي تشكلت لهذه الغاية (الانتخابات) فقط، بضرورة إجراءها والمشاركة فيها، لكونها أفضل وسيلة للتغيير المنشود. ويحتج الفريق الأول بالمقاطعة لمنع بقاء الفاسدين، فيما يرى الثاني إنهم يعيدهم، على الرغم من إنهم لم يخرجوا بعد، ليتسنى إعادتهم.



ويفكر الفريق الأول بطموح عودة العراق إلى ما قبل الاحتلال الأمريكي منذ 2003، والذي كان السبب الرئيسي في جلب هؤلاء الفاسدين والمرضى النفسيين الذين دمروا كل شيء تقريباً في العراق. فيما يشكل القلق من زوال دولة المذهب الشيعي وعودتها إلى حكم الإستعباد السُنِّي لقرون قادمة، هاجس الفريق الثاني.



والواقع، أن الطموحين يصعب، بل يكاد يستحيل تحقيقهما، فلا نظام صدام سيعود، ولا يمكن بقاء حكم الشيعة أكثر من هذا، لأنه حكم طائفي قائم على طائفة واحدة، في حين كان العراق وما زال بلد متعدد الطوائف والأديان والأعراق والقوميات.  

وفي سبيل تحقيق غاياتهم وأهدافهم إستخدم كل فريق ومازال، كل الإمكانيات المتاحة تحت يده. إلا أن العنوان الرئيسي لهذه الانتخابات هو الرغبة في تغيير الأوضاع المزرية في العراق، والخروج من نظام المحاصصة الطائفية، وتقديم الخدمات، ونبذ السياسيين الذين فشلوا في إدارة الدولة مع التلميح لمحاسبتهم لاحقا.



وتواجه عملية الانتخابات منذ إعلان موعدها حتى اليوم من جملة صعوبات داخلية تعرقل إجرائها بشكل سليم وشفاف. ومن هذه العراقيل:

1.     وضع أكراد العراق

يشكل أكراد العراق رسميا 13% من الشعب العراقي، ويلعبون دورا مميزا في التوافق السياسي مما يساعد على إنجاح أو إفشال أي عملية سياسية. وقد كان الكرد في مقدمة الساعين لإسقاط نظام صدام حسين، وفي حَل الجيش العراقي، وفي مساعدة الأحزاب الشيعية على تنفيذ أجنداتهم في إضعاف العراق. ولطالما تباهوا بشراكتهم مع الشيعة منذ 2003، إلاّ إن هذه الشراكة تصدعت إثر إجراء الإستفتاء الكردي على الإستقلال يوم 25 أيلول 2017، حيث استعادت القوات الحكومة العراقية محافظة كركوك في 18 تشرين الأول من ذلك العام، مما أصاب الأكراد بخيبة أمل بعد ثلاثة أسابيع من الاحتفال بالتصويت على استقلال إقليم كردستان.

2.     الميليشيات

بعد قرار بول بريمر بحَل الجيش العراقي عام 2003، كان لابد من إيجاد قوة مسلحة بديلة. فلجأت سلطات الاحتلال الأمريكي إلى الإستعاضة بالشركات الأمنية الخاصة لحماية عملاءها فقط، فيما سارعت إيران للزج بأجنحتها العسكرية التي أنشأتها سابقا من العراقيين الفارين إليها مثل فيلق بدر وعصائب أهل الحق، وغيرها، وقد تنامت هذه الميليشيات بسرعة، وبرزت الميلشيات الشيعية، التي تشكل جزءاً من الغطاء للمجموعات الميليشية المتنوعة المعروفة باسم الحشد الشعبي، بسبب انتصاراتها في أرض المعركة ضد داهش بعد انهيار الجيش العراقي في العام 2014. تمت تعبئة أكثر من 100 ألف مقاتل شيعي (وبعض السنة العرب) لملء الفراغ الأمني – كما وساعد آية الله السيستاني عندما أصدر فتوى تدعو جميع العراقيين القادرين جسدياً على الدفاع عن بلادهم. وهناك اليوم أكثر من أربعين فصيلا مسلحا. وفي ظل غياب السلطة لجأت الأقليات إلى إنشاء فصائل مسلحة لحماية مناطقها، فأنشأت سبعة فصائل مسيحية مرتبط بالأحزاب السياسية، وعدد من الفصائل اليزيدية.

وعلى الرغم من إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 02‏/11‏/2017 بمنع مشاركة الأحزاب التي تملك فصائل مسلحة منضوية في ميليشيات الحشد الشعبي في الانتخابات البرلمانية المقبلة، إلاّ إن قادة تلك الفصائل دخلوا الانتخابات. فقد انضوت جميع الفصائل المقربة من إيران في تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، ويضم (18) تشكيلا سياسيا اتخذ غالبيتها أسماء جديدة مغايرة لما عرفت فيه خلال المعارك ضد الدولة الإسلامية. وعلى سبيل المثال "حركة الصدق والوفاء" هي الواجهة السياسية لفصيل "أنصار الله الأوفياء"، و"الحركة الإسلامية" الواجهة السياسية لـ"كتائب الإمام علي"، وحركة "الصادقون" الواجهة السياسية لـ"عصائب أهل الحق"، وكتلة منتصرون الواجهة السياسية لـ"كتائب سيد الشهداء"، وحزب الطليعة الواجهة السياسية لـ"سرايا الخراساني"، إضافة إلى "حزب الله العراق" التي لم تغير اسمها.

3.     النازحين

نظرا للأوضاع الأمنية المتردية في العراق منذ 2006، فقد نزح العديد من العراقيين من مناطقهم إثر الصراع الطائفي والمذهبي، وتزايد عدد النازحين بسقوط الموصل في حزيران 2014. وبلغ عدد النازحين أكثر من 4 ملايين عراقي. ورغم إستعادة الموصل أواخر العام الماضي، وعلى الرغم من الجهود الحكومية المبذولة لإعادة النازحين إلى مناطقهم فما زال هناك مليوني نازح يسكنون الخيم. وهؤلاء لا يعيرون أي أهمية للإنتخابات نظرا لإوضاعهم البائسة، لا بل ويعارضونها في كثير من الأحيان. 

4.     الفساد

يعتبر العراق وفقا لمنظمة الشفافية الدولية من أكثر الدول فسادا في العالم، ويقدر حجم الأموال التي ضاعت بسبب الفساد بحدود تريليون دولار. وقد قاد ذلك إلى فقدان الثقة بالطبقة السياسية في مجملها، وإلى عزوف الشعب عن الانتخابات لإنها تؤدي إلى إستمرار حكم الطبقة السياسية الفاسدة، في ظل تدهور الخدمات بشكل كبير. وإزدياد أعداد العاطلين التي فاقت 7 مليون عاطل عن العمل.

5.     الجنسيات الأجنبية

عملية تغيير النظام السياسي في العراق عام 2003 قادته جماعات من خارج العراق عاشت وتجنست بجنسيات الدول المختلفة، وفي مقدمتها البريطانية والأمريكية وغيرها. وهذه الطبقة ما زال ينظر إليها على إنها جسم غريب في كيان الدولة العراقية. وقد طرحت عدة مشاريع بصدده في البرلمان، إلاّ إن الكفة رجحت دائما لصالح حاملي الجنسيات الأجنبية، وتعذر منعها من الترشح للإنتخابات، في ظل المادة 18 من الدستور تنص على أنه "يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتسلم منصبا سياديا أن يتخلى عن جنسيته الأجنبية".

6.     التحصيل الدراسي

كانت الطبقة السياسية المعارضة للنظام السابق لا تحمل أي تحصيل دراسي نظرا لأوضاعهم البائسة كلاجئين، بإستثناء القلة منهم الذين حصلوا على شهاداتهم مسبقا من العراق. لذا فقد لجأت هذه الطبقة السياسية إلى الحصول على شهادات دراسية مزورة لتعزيز موقفها أما الشعب العراقي الذي يعد من الشعوب المحبة للعلم، والتي تطور فيه التعليم نظرا لتطبيق نظام مجانية التعليم في العراق بكافة مراحله منذ عام 1972.

وبعد 15 عاما من العملية السياسية في العراق، أصدر البرلمان قرار يقضي بإستبعاد أكثر من 100 عضو برلماني من الترشح للإنتخابات المقبلة لعدم حصولهم على أي شهادة جامعية. ومن بينهم 2 من المسيحيين وهم عماد يوخنا وجوزيف صليوا ويزيدي واحد هو حجي كندور. ومع ذلك، فقد إستطاعت القوى السياسية من تمرير مقترح بالسماح بترشيح 20 بالمئة من خريجي الدراسة الإعدادية (الثانوية). فعاد الكثير من هؤلاء وفي مقدمتهم مرشحي الأقليات المذكورين في أعلاه.

حيث صوت البرلمان العراقي، الأحد 11 شباط 2018، على التعديل الثاني لقانون انتخابات مجلس النواب، الذي يتيح لحملة شهادة الإعدادية دخول قبة البرلمان. بعد أن صوّت قبل أيام على ضرورة امتلاك المرشح شهادة البكالوريوس، أو ما يعادلها للترشح إلى الانتخابات البرلمانية.

وتضمن التعديل الجديد أن يكون 20 في المئة من أعضاء مجلس النواب المقبل من حاملي شهادة الإعدادية أو ما يعادلها.



-   إنقسام المواقف

في ظل هذه الأوضاع المضطربة، فإن من الطبيعي أن تنقسم المواقف من الانتخابات، وهذا ما سنتناوله هنا سواء على الصعيد المحلي والديني والدولي والشعبي.

-   مواقف مؤيدة



أولا. مواقف حكومية

-         موقف البرلمان: إنقسم البرلمان العراقي -القائم أصلا على المحاصصة الطائفية- في موضوع إجراء الانتخابات من تأجيلها، ف"الأكراد لهم دوافعهم في طلب تأجيل الانتخابات وكذلك الإخوة السنّة وكتل أخرى". فيما أصر الشيعة على إجراءها في موعدها لعدم منح الطوائف الأخرى أي فرصة لإلتقاط الأنفاس والتهيؤ لإنتزاع القيادة من يد الشيعة. وصادق مجلس النواب العراقي، الاثنين 22 كانون الثاني 2018، على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر.

-         موقف رئيس الوزراء: شدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الثلاثاء 16 كانون الثاني 2018، أنه "لا تأجيل" لموعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 12 أيار المقبل.

-         موقف المحكمة الاتحادية: "المحكمة الاتحادية العليا أصدرت بالاتفاق قراراً تفسيرياً لأحكام المادة 56/ثانياً من الدستور بناء على الطلب الوارد من مجلس النواب بتاريخ 21/01/2018، قضت فيه بوجوب التقييد بالمدة المحددة في المادة المذكورة لانتخاب أعضاء مجلس النواب الجديد وعدم جواز تغييرها".  



ثانيا. موقفا طهران وواشنطن

كان الإصرار الأمريكي على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد مفهوما منذ البداية في إنها لا تريد أن تسقط تجربتها الفاشلة في العراق، وتسعى لتحسين صورتها أمام العالم.

في هذه الأثناء، يشير مراقبون إلى أنه بينما يعمل الجنرال الإيراني قاسم سليماني المستحيل من أجل الإبقاء على «وحدة البيت الشيعي»، فإن السفير الأميركي في العراق دوغلاس سيليمان يواصل - وبنجاح ساحق - خذلانه للأكراد والعرب السنة معا.

هؤلاء يذكرون أنه بعد شعور الأكراد بخيبة أمل مريرة من الموقف الأميركي من أزمة الاستفتاء الكردي - الذي كان قد أجراه إقليم كردستان العراق بشأن حق تقرير المصير يوم 25 سبتمبر (أيلول) عام 2017 -، فإن إعلان موقف أميركي صارم من ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها خلال مايو المقبل سيعني طعنة للعرب السنة الذين يسعون إلى تأجيلها لمدة ستة شهور. وللعلم، في اليوم الذي بدأ البرلمان العراقي (الخميس الماضي) التصويت سراً على إمكانية تأجيل الانتخابات من موعدها المقرر يوم 12 مايو المقبل إلى أول ديسمبر (كانون الأول) المقبل، أصدرت السفارة الأميركية في بغداد بياناً قطعت فيه الشك باليقين لجهة موقف الإدارة الأميركية من مسألة إجراء الانتخابات. السفارة، في بيان لها صدر أول من أمس الخميس بينما كانت جلسة البرلمان العراقي تشهد اصطفافات طائفية غير مسبوقة، أعلنت عن رفضها مطالب العرب السنة الداعية إلى التأجيل. وقال البيان إن «حكومة الولايات المتحدة الأميركية تدعم بشدة إجراء الانتخابات الوطنية العراقية في شهر مايو 2018 تماشيا مع الدستور العراقي»، وإن من شأن تأجيل الانتخابات أن «يشكل سابقة خطيرة، فيقوّض الدستور ويضرّ بالتطور الديمقراطي في العراق على المدى البعيد». (صحيفة الشرق الأوسط).

وعلى الرغم من الإختلافات العديدة بين إيران وأمريكا حول العراق والسعي كل منهما إلى الإستحواذ على العراق لوحده، إلاّ إنهما متفقان على إبقاء الوضع العراقي على ما هو عليه من تردي وفوضى وتدخل أجنبي وضعف السلطة، وإنتهاك للسيادة.



ثالثا. موقف الأمم المتحدة

رفضت الأمم المتحدة تأجيل الانتخابات في العراق مجاراة للموقف الأميركي، وذلك بعد تحذيرات أطلقتها الولايات المتحدة، مشددة على أن أي تأجيل سيشكل خطرا على الديمقراطية في البلاد. فقد أكد رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش، لرئيس الوزراء حيدر العبادي، في 19 يناير 2018 أن موقف الأمم المتحدة داعم لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر له.

رابعا. موقف رجال الدين

يمكن القول بأن موقف رجال الدين من مختلف الأديان والمذاهب في العراق إجمالا كان إلى جانب إجراء الانتخابات في موعدها وتشجيع أتباعهم على المشاركة فيها. وقد رصدنا تلك المواقف وكما يلي: -

1.     كان البطريرك الكلداني روفائيل ساكو سباقاً في دعوته لأتباعه بالمشاركة في الانتخابات، ففي 14/02/2018 وأعلن دعمه لائتلاف الكلدان الانتخابي، الذي دعَت اليه الرابطة الكلدانية التي أنشأها البطريرك ودعمها شخصياً قبل ثلاث سنوات. وجدد موقفه هذا في رسالته بتاريخ 18 نيسان 2018 إلى الناخبين العراقيين قبل شهر من الانتخابات العراقية، إن المشاركة في الانتخابات المقبلة هي الضمان لإحداث التغيير في هذه المرحلة الهامة. إلا أن بعض القوى اعتبر هذه المواقف تخلياً عن السمة التي تمتعت بها الكنيسة في «النأي عن التدخل في النشاط السياسي».

2.     مرجعيات السنة دعت إلى المشاركة الفاعلة بالإنتخابات، وأصدر مراجعها بيانات متعددة بذلك. فقد أكد رجل الدين السني الشيخ أحمد الكبيسي، في 28 كانون الثاني 2018، أن المشاركة في الانتخابات واجبة وفرض على العراقيين. وقال الكبيسي في تصريحات صحفية، إن "المشاركة في الانتخابات فرض عين على كل من له حق الانتخاب وسوف يسأله الله يوم القيامة عن عذره في الامتناع عن الانتخاب لأن الامتناع تفريط في حق الشعب بحكومة صالحة وأسأله تعالى أن يسعد العراق وأهله بحكومة يرضى عنها وترضى عنه".

3.     وكان موقف عبد اللطيف الهميم المقرب من الحكومة، مؤيداً للإنتخابات وجرى ترشيح "محمد" نجل رئيس ديوان الوقف السني، عبد اللطيف الهميم، الذي يقبع في أحد السجون، تنفيذاً لعقوبة فساد مالي، فيما دفع الهميم باثنين من أبنائه للمشاركة في الانتخابات المقررة في أيار المقبل، عبر قائمتين مختلفتين.

4.     دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في 2 شباط 2018، إلى "مليونية إصلاحية انتخابية" بانتخاب الصالح وإبعاد الفاسد، فيما حذر أنه عند مقاطعة الانتخابات "سيتفرد الفاسدون".

5.     والموقف الأكثر غموضا هو موقف المرجعية الشيعية ممثلة بالسيد علي السيستاني التي لا تخفي إمتعاضها من السياسيين الشيعة، ووقوفهم إلى جانب حكومة إيران ومؤسساتها الدينية، فمازالت مواقفها التي ينقلها معتمدي المرجع الشيعي الأعلى ضبابية وبحاجة إلى تفسير، والتي عُبِّر عنها بعبارات عامة، مثل (المُجرَّب لا يٌجرَّب)، و(مثلي لا يبايع مثله)، كما دعا وكيلها النجفي لانتخاب الجيد. فيما لم يصدر حتى الآن موقفا واضحا من الانتخابات.




لم تشهد الانتخابات العراقية الثلاث السابق التي أجريت في 2006، و2010، و2014، معارضة كما تشهده الانتخابات الحالية. فقد تزايدت الأصوات المطالبة بتغيير الوضع السياسي القائم بعد إحتلال العراق في 2003 وإسقاط مفهوم الدولة. وتنامى الغضب الشعبي من وجوه العملية السياسية المتكررة والتي تعيد إنتاجها نفسها في كل دورة إنتخابية منذ 15 سنة، وهي تفرض نفسها بالقوة بشكل لا يختلف كثيراً عن "الدكتاتورية السابقة" التي ظلَّوا ينتقدونها. ومن أبرز هذه الوجوه نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وأياد علاوي، وصالح المطلك، وأسامة النجيفي وسليم الجبوري، وسلمان الجميلي، وظافر العاني، ويونادم كنا، وغيرهم.



أولا. موقف رجال الدين

6.     لعل أبرز موقف رجال الدين المعارضين للإنتخابات والداعين لمقاطعتها هو موقف المرجع الشيعي الخالصي، حيث شنَّ المرجع الأعلى في الكاظمية، ورجل الدين العراقي، جواد الخالصي، الأربعاء 17 يناير 2018، هجوماً لاذعاً على الانتخابات العراقية، وأعلن “تحريمها تحريماً شديداً”، واصفاً إياها بـ”المزيفة والمخادعة". وأضاف الخالصي في حديث صحفي له اليوم، إن “من يذهب إلى الانتخابات يؤكد أنه أحمق وجاهل، ويخون البلد خيانةً عملية، ففي الماضي كان هناك مجال للخداع، أما الآن فلم يعد هناك مجال إلا لخداع الحمقى". وأضاف الخالصي أن “الذهاب إلى الانتخابات إثمٌ قطعيٌ ظاهرٌ لمن يريد أن يجعل من نفسه أضحوكة وأداةً بيد أعداء الإسلام، ومن أصحاب الفسق والفجور”.

7.     وفي موقف شيعي مماثل، افتى المرجع الديني الشيعي فاضل المالكي، في 24 يناير، 2018، بوجوب مقاطعة الانتخابات، فيما حرّم دخول المراكز الانتخابية لشطب استمارة التصويت. وذكر بيان صادر عن مكتب المرجع الديني فاضل المالكي: انه “نظرا للكم الهائل من الأسئلة الواردة عن الانتخابات القادمة ونظرا لفقدانها لشروط الشرعية الوطنية في مبادرتنا لحل الأزمة السياسية المعلنة قبل ستة أشهر ومن أخطرها عدم تعديل قانون الانتخابات وعدم تبديل مفوضيتها فإننا نحكم بوجوب مقاطعة هذه الانتخابات بل وحرمة الحضور في مراكزها ولو لشطب الاستمارة”. وعزا المالكي بحسب البيان ذلك إلى أن “عصابات الاحتلاليين ستتخذ من ذلك الحضور غطاءً لتزويرها وبذلك يكون الحاضر سببا في تمكينهم من رقاب العراقيين المغلوب على أمرهم وشريكا لهم في خيانتهم وآثامهم وإجرامهم”. وحذر المالكي المواطنين “إياكم يا أهلي الطيبون أن تخدعوا مرة أخرى بهم أو بفتوى من يفتي لهم من وعاظ السلاطين الذين كانوا ولا زالوا رافعة سلام للمحتلين وأذنابهم من العملاء والمستوطنين وذلك هو الكيد المبين". وتابع “إني والله لكم ناصح أمين كيف والرائد لا يكذب أهله، أما والله لقد محضتكم النصيحة وصارحتكم بالحقيقة، حقيقة ما يكاد لكم ويحاك ضدكم ولقد حذرتكم وما زلت أحذركم من دجلهم وكيد أسيادهم فحالوا بيني وبينكم وغلبوني بسحرهم ومكرهم عليكم أما اليوم وقد أفقتم من سحرهم وذقتم وبال أمرهم فلا تمكنوهم من رقابكم مرة أخرى فتكونوا من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وان العاقل لا يلدغ من جحر مرتين”.

8.     وفي موقف سُنِّي معارض للإنتخابات، دعا عبد الملك السعدي في بيانه المرقم 86 في 27 كانون الثاني 2018، السنَّة إلى المطالبة بتعديل نسبتهم المئوية في العراق، كما طالب بعدم اختيار التحالفات السنية الحالية المرشحة للانتخابات المقبلة. وسبق وإن صرح قائلا: لا أعترف بشرعية الانتخابات المقبلة.. ولا أحث على انتخاب أحد. (صحيفة الشرق الأوسط).



ثانيا. الموقف الشعبي (مقاطعون)

تلجأ الأحزاب المعارضة في بعض الأحيان إلى مقاطعة الأصوات التي يشعرون إنها غير عادله أو غير شرعية، أو إذا كانت الانتخابات لحكومة تعتبر غير شرعية. فمثلا، أوعز الكرسي الرسولي إلى الكاثوليك الإيطاليين بمقاطعه الانتخابات الوطنية لعده عقود بعد إنشاء دوله إيطاليا.

وفي العراق، تكاد الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات العراقية تشكل رأيا شعبيا واسعا ولم تعد مجرد نقاشات بدأها مثقفون وكتاب وصحافيون على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد ظهرت هذه الرغبة الشعبية في مقاطعة الانتخابات البرلمانية نتيجة الدور البرلماني الضعيف في محاسبة المسؤولين الفاسدين الكبار والتلهي بصغار الفاسدين، إضافة إلى توجه البرلمان لإقرار إمتيازات مالية ضخمة لأعضائه فاقت نظيراتها في أكثر دول العالم تقدما، إضافة لتشريع لقانون تقاعد البرلمانيين الذي يمنحهم راتبا تقاعديا مدى الحياة حتى لو كانت خدمة البرلماني ليوم واحد فقط، مما ولَّد إنطباعا شعبيا عاما بأن البرلمان لا فائدة ترجى منه، وإن وجوده كعدمه، وإن عدد أعضائه (329) هو عدد كبير مقارنة بالدول ذات الكثافة السكانية كالهند وغيرها. كما إن نوعية القوانين التي يشرعها البرلمان لا تلبي طموحات العراقيين، خاصة وانه مثل رئيس الوزراء يتراجع عن أي خطوة إصلاحية يقررها بعد أيام قلائل، كما حدث عن تراجعه عن قراره باستبعاد ترشيح حملة الشهادة الإعدادية، مما يشير إلى نفوذ طبقة الفساد السياسي، ودخول العراق في نفق الدولة العميقة التي تمنع أي تغيير طفيف لصالح الشعب. إضافة إلى الأعداد الكبيرة للنازحين الذين ما زالوا يسكنون الخيام وما زالت مدنهم مدمرة بالكامل، وتبدو الانتخابات بمثابة تخويل للفاسدين للإستمتاع بالإمتيازات المالية والإيفادات وحتى عمليات التجميل مع بقاء المواطن على حاله البائس. حتى أطلق على البرلماني العراق في الإعلام الغربي بأنه أفسد مؤسسة في العراق.



وقد لاحت مظاهر المقاطعة بشكل واضح من خلال ضعف الإقبال على الانتخابات الذي إنعكس على رغبة المواطن في الإنتخاب، فمن أصل 53 ألف بطاقة ناخب في مناطق وسط بابل وجنوبها، لم يتم تحديث سوى 16 ألف بطاقة فقط أي بنسبة تقل عن 30 بالمئة، وهي نسبة ضعيفة جدا مقارنة بنسبة سكان تلك المناطق واستقرارها، إذا ما قورنت بمناطق شمال بابل التي تعاني من ضعف أمني ينعكس ضعفا في الإقبال على تحديث السجلات.



كما تثير مسألة إنفاق الملايين من الدولارات على الدعاية الانتخابية في بلد عانى ويلات الحروب ولجأ إلى الإقتراض الدولي يشكل إشكالية كبيرة، فقد بدا نظامه للإنفاق الانتخابي والدعاية للمرشحين "ارستقراطيا" حيث حددت المفوضية العليا للانتخابات السقف الأعلى للإنفاق للدعاية على المرشح الواحد في بغداد بمليون دولار، وللقائمة بمئة وأربعة وأربعين مليون دولارا، بينما حُدّدت نسب الأنفاق في محافظة البصرة بثلاثمئة وخمسين ألف دولار وللقائمة الانتخابية بستة عشر مليون دولار. ورغم عدم وجود تقديرات رسمية لحجم الإنفاق الإنتخابي لهذا العام، إلا أن التقديرات غير الرسمية تتجاوز 12 مليار دولار، كان بالإمكان تحسين الخدمات العامة وتحقيق مستوى معيشي لائق بالمواطن العراقي.



إن هذا الموقف الشعبي قد ظهر بعد تجربة الإسلام السياسي في العراق لمدة 15 سنة وما جلبته للبلاد من كوارث وفساد وسرقات، كما أن أغلبية الشعب قد وصلت إلى قناعة مفادها إن الانتخابات محكومة بقانون إنتخابي يضمن للفاسدين بقاءهم في السلطة ضمن نظام إنتخابي يعتمد إسلوب سانت ليغو بنسبة 1،7، بالإضافة إلى مفوضية انتخابات غير مستقلة قائمة على المحاصصة السياسية وممثلة للكتل الكبيرة منها. كما إن التأثيرات الدولية التي تلي إعلان النتائج قد أفقدت المواطن الثقة بالإنتخابات كوسيلة للتغيير الحقيقي. وعلى سبيل المثال، ففي انتخابات عام 2010 فاز أياد علاوي، ولكن التأثيرات الأمريكية والإيرانية منحت السلطة لنوري المالكي، وفي انتخابات 2014 فاز المالكي إلا إن الولايات المتحدة منحتها لحيدر العبادي في طقوس باهتة هزيلة من قبل ثلاثة أشخاص هم فؤاد معصوم وسليم الجبوري وإبراهيم الجعفري داخل السفارة الأمريكية بعد أن أغرتهم بمناصب إشترطوها بأنفسهم. وهذا ما دفع الدكتور سعد ناجي جواد إلى القول: "عتب عليّ بعض الإخوان مطالبتي بمقاطعة الانتخابات القادمة، وقال لي أحدهم كيف تطالب بذلك وأنت الإنسان الذي يُؤْمِن بالديمقراطية وينادي بها منذ زمن بعيد. وفِي الوقت الذي أكرر فيه إيماني بالديمقراطية فاني مؤمن أيضا إن ما يجري في العراق منذ ٢٠٠٣ لا يمت إلى الديمقراطية بصلة، بل هي عملية فرخت الفساد وتسببت في نهب المال العام وأفقرت العراق والعراقيين بصورة غير مسبوقة وجعلت اغلب أبناء البلد أما مهجرين أو أرامل أو يتامى أو سكنة المقابر، ناهيك عن إيصال مزوري الشهادات والفاسدين وسراق المال العام إلى البرلمان والى المناصب الوزارية." (صحيفة رأي اليوم في March 9, 2018).



إلا أنه يجب التفريق بين عدم المشاركة والمقاطعة. فعدم رغبة الناخب بالذهاب للإداء بصوته وإختيار الشخص المناسب لسبب غير سياسي ودون هدف محدد، مثل الرغبة في استغلال يوم الانتخابات للإسترخاء ولقضاء بعض الأعمال الخاصة، لا يعد موقفا سياسيا من مجمل العملية السياسية، وهو موقف مؤقت بوقت قصير جدا ليوم الإنتخاب فقط، ولا تؤثر عدم المشاركة على نتائج الانتخابات. بينما مقاطعة الانتخابات تنطلق من موقف سياسي يتمثل في الإعتراض على مجمل العملية السياسية، وعدم الرغبة في منح الشرعية لمن لا يستحق، والرغبة الجادة في التغيير. وهو موقف مستمر لحين تحقيق غاياته وقد يطول لفترة أربع سنوات قادمة، هي مدة الدورة البرلمانية.

 كتب أحد أنصار فريق المقاطعة على الفيسبوك منتقدا الفريق الآخر قائلا: "بواقعة الطف شوهد أحد المسلمين يسلب بنات الحسين ع ويبكي. وعندما سألوه عن سبب بكائه، قال: لأني اسلب بنات الرسول؟ فقالوا له ولماذا تسلبهم إذا؟ فقال: لأني إن لم أسلبهم فسيأتي غيري ليسلبهن واخسر الغنيمة! هذا مثل مرشح البرلمان الذي يدعي التغيير لأن إذا لم يرشح نفسه فسيأتي غيره ليرشح نفسه ويفوز بتلك بالامتيازات.

فالمشكلة بالمنظومة السياسية وليس بالمرشحين ولا أعضاء العملية السياسية، فالمال السائب يعلم على السرقة".




وهذا ما سنحاول دراسته بالتفصيل مستندين في ذلك إلى الجانب القانوني للمسألة.

-الانتخاب حق

يجب الإشارة إبتداءا إلى أن قانون الإنتخاب العراقي إعتبر الإنتخاب حق فقط، ومن مفهوم الحق يبدو أنه رخصة للمواطن جاز له استخدامها من عدمها. وهذا ما نصت عليه المادة 4 من تعديل قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 الصادر في 4تشرين الثاني 2013 وتعديله في 27نيسان 2017، في الفصل الثاني منه، جاء فيها:

(حق الانتخاب)

مادة (4)

أولا- الانتخاب حق لكل عراقي ممن توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في هذا القانون لممارسة هذا الحق دون تمييز بسبب الجنس أو العرق آو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.

ثانيا- يمارس كل ناخب حقه في التصويت للانتخاب بصورة حرة ومباشرة وسرية وفردية ولا يجوز التصويت بالإنابة.

ومن هذه المادة نفهم بأن الإنتخاب ليس واجب، ولا يمكن إرغام المواطن أو إجباره على الإنتخاب، كما لا يمكن أن يرتب عدم الإدلاء بصوته أية عقوبات أو غرامات أو جزاءات لاحقة، رغم ذهاب بعض السياسيين إلى ذلك، إلا أن هذا الادعاء سقط بحكم القانون.



وأهم تساؤل لم يستطع أي من الطرفين، سواء الذاهبين للإنتخاب أو المقاطعين له، يكمن في نسبة المشاركة المطلوبة لإعتماد نتائج الانتخابات. وقد ذهب البعض إلى أن أي نسبة مشاركة تعد صحيحة، فيما عارض المقاطعون ذلك الرأي مدعين بأن نسبة المشاركة التي تقل عن 40% تعد غير مقبولة وفقا لمقاييس الأمم المتحدة. ولعدم دقة الرأيين المتناقضين فقد أقتضى التوقف عند هذه النقطة وتوضيحها.



وفقا للقواعد القانونية فإن المبدأ العام الذي يحكم في هذه الحالة هو المشاركة الكبيرة للمواطنين فيها، ولكن لا توجد نسبة محددة لذلك. وتعد المشاركة القوية للناخبين أمرا أساسيا لأقامه ديمقراطية سليمة. ونظرا لان الإقبال المنخفض يعزي عادة إلى فك الارتباط السياسي والاعتقاد بان التصويت لصالح مرشح/حزب أو آخر لن يؤدي إلى تغيير السياسة العامة، فان الديمقراطيات "المستقرة" تميل إلى الإقبال بدرجه أكبر من البلدان الأخرى. ويعزي انخفاض الإقبال إلى خيبه الأمل، أو اللامبالاة، أو الشعور بعدم الجدوى (التصور بان صوت المرء لن يحدث أي فرق). وعادة ما يعتبر انخفاض نسبه الإقبال أمرا غير مرغوب فيه. ونتيجة لذلك، بذلت تبذل جهود عديدة لزيادة إقبال الناخبين وتشجيع المشاركة في العملية السياسية.



ولا يعني الدستور بتحديد نسبة المشاركة، بل يشير إلى المبادئ العامة في الإنتخاب. وعادة ما تتضمن قوانين الإنتخاب تحديد نسب معينة للمشاركة، بحيث تتمتع الحكومة أو البرلمان أو الجهة المنتخبة بالشرعية اللازمة التي تؤهلها للعمل بثقة وإستقلالية. ومما يعيب على أي انتخابات قلة المشاركة فيها. وكثيرا ما لفق الدكتاتوريون إقبالا كبيرا في عرض الانتخابات لهذا الغرض.



وإذا كانت قلة نسبة المشاركة لا تلغي نتائج الإنتخابات إلاّ إنها لا تتيح لها البقاء والإستمرار. والمسألة يمكن تشبيهها بالزواج عن رضا وطيب خاطر أو عن غصب وإكراه، فكلاهما زواجان واقعان فعلا، ولكن الثاني مهدد بعدم الإستمرار والديمومة ويجعله أكثر عرضة للخيانة والإنفصال عند زوال أسباب الإكراه. وهكذا الانتخابات فهي في مضمونها عقد إجتماعي يخول فيه الشعب بعض الإشخاص لإدارة شؤونه وتحقيق مصالحه. والشعب صاحب الكلمة العليا في هذا العقد لأنه مصدر جميع السلطات، وهذا العقد هو أشبه بعقد الوكالة الذي يتضمن قيام شخص بتوكيل غيره بإدارة مصالحه على أكمل وجه، فإن أخَلَّ أو قَصَّر فيها جاز عزله وإلغاء توكيله.



-   حقائق إنتخابية

-         يخوض الانتخابات 27 تحالفا سياسيا.

-         يتنافس 190 حزبا سياسيا.

-         عدد المرشحين بلغ 7187 مرشحا يتنافسون على 329 مقعدا.

-          عدد المرشحات من الإناث 2014 مرشحة.

-         يتنافس 75 مرشح مسيحي (على مختلف تسمياتهم) على 5 مقاعد فقط.

-         يتنافس 51 مرشحا إيزديا على مقعد واحد.

-         تم إستبعاد 337 مرشحا من المشمولين بإجراءات المسائلة والعدالة.

-         تم استبدال 220 مرشحا.

-         تم إستبعاد 35 مرشحا بسبب نقص الوثائق الدراسية.

-         تم إستبعاد 73 مرشحة لأسباب أخلاقية.

-         إنسحب 54 مرشحا من السباق الإنتخابي.



-   غرائب إنتخابية

يمكن رصد بعض الحالات الغريبة في انتخابات العراق لعام 2018 ومنها: -

1.     لا وجود للبرامج الانتخابية لدى غالبية المرشحين إن لم يكن جميعهم، وهذا يدُّل على عدم قدرتهم على وضع برنامج طموح لتعذر تحقيق التغيير المنشود.

2.     طغت الترشيحات العائلية على العديد من القوائم والأحزاب السياسية، بشكل مشابه للإنتخابات اللبنانية. وهذا يدل على إعتماد نظام الطوائف بدلا من المواطنة في الترشح. ومن قبيل الحالات المذكورة ما يلي: -

-         ترشح اياد علاوي رئيس القائمة العراقية وابنته سارة التي استبعدتها مفوضية الانتخابات لعدم تحقق شرط العمر.

-         ترشح عبد اللطيف الهميم رئيس ديوان الوقف السني وولديه سرمد ومحمد، في حين أن الأخير محكوم بالسجن 10 سنوات بتهمة غسيل الأموال.

-         ترشح السياسي المستقل مشعان الجبوري وولديه يزن وهوازن.

-         إنتقالات عديدة شهدتها القوائم المختلفة، منها: -

·        ترشح الوزير السابق في الحكومة الاتحادية سركون لازار، المحكوم لمدة سنتين، والذي كان منتمياً إلى «الحركة الآشورية»، ضمن قائمة «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي.

·          ترشح ألاء الطالباني رئيسة كتلة الاتحاد الوطني الكردية في البرلمان مع قائمة تحالف بغداد السنية.

-         ترشح الصحفي منتظر الزيدي الذي ضرب الرئيس الأمريكي جورج بوش بالحذاء أواخر عام 2008.

-         ترشح القاضي وائل عبد اللطيف الذي عُرف بانتقاداته للفساد ضمن قائمة نوري المالكي.

-         ترشح بعض المتهمين والمحكومين سابقا بالإرهاب ومنهم: -

·        النائب السابق محمد الدايني المحكوم بالإعدام غيابيا.

·        النائب السابق محمد الطائي المسجون لسنتين في دولة الإمارات.

·        ليث الدليمي عضو مجلس محافظة الأنبار سابقا والمسجون لمدة 5 أعوام.

-         ترشح الفنان المخضرم فاضل عواد عن إئتلاف الوطنية.

-         ترشح عدد من الإعلاميين، منهم:

·        الإعلامي صباح ناهي.

·        الإعلامي أحمد ملا طلال.

·        الصحفي هادي جلو مرعي.

·        الإعلامية رشا فاروق.

·        الإعلامية منال المعتصم.

-         ترشح حجي حسين صاحب المطاعم المعروفة في العراق وخارجه عن قائمة الفتح.

-         ترشح نجاة حسين الجبوري المسجونة في سجن تسفيرات الموصل عن القائمة الوطنية.



والى جانب كل هذا الانقسام الداخلي الواضح فإن هناك عامل دولي مؤثر ينذر بصراع دولي قريب في المنطقة، يتمثل في رغبة إدارة ترامب وبدفع سعودي وتحريض إسرائيلي وتعاون فرنسي وبريطاني على الحد من النفوذ الإيراني المتغلغل في الشرق الأوسط منذ أكثر من ربع قرن من خلال تعديل أو إلغاء الاتفاق النووي لعام 2015.



-      الاستنتاجات

ما الذي يمكن أن نستنتجه من كثرة المرشحين الطموحين للوصول للبرلمان؟

إن أول إستنتاج يبرز من هذه الترشيحات هو السعي للتمتع بالمزايا المالية الكبيرة والحصانات المقررة لعضو البرلمان في ظل العطالة التي تضرب معظم مفاصل الحياة الاقتصادية في العراق، مما دفع حتى المعارضين والناقمين على الوضع السياسي الحالي إلى دخول حلبة السباق البرلماني بعد إستمرار الحكم الشاذ في العراق الذي جاءت به الولايات المتحدة للعراق. ويمكن وصف هذه الانتخابات بما يلي: -

-         إنها انتخابات مفصلية. 

-         إنها انتخابات السعي إلى التغيير.

-         إنها انتخابات تضم الكثير من الباحثين عن الغنائم.

-         إنها انتخابات نسائية بإمتياز.

-         إنها انتخابات سادتها عدد من الفضائح الأخلاقية.

-         إنها انتخابات المحاسبة على فشل الأداء الحكومي.



-   ما هو الحل؟

ما زال السؤال الذي يطرحه الجميع، ما هو الحل إذا؟

وقبل الإجابة على السؤال المطروح، نقول: أن التخلف هو المرض الأكثر فتكا بالشعوب ولهذا كان إلغاء التعليم أو تدني مستوياته أولى أهداف الأعداء، والإرتقاء بالتعليم أولى أهداف الوطنيين والحركات الوطنية، وكان العراق يتفوق حتى على الدول العظمى بمجانية التعليم في كل مراحله بعد صدور منذ عام 1970، في حين أن هذه الميزة تفتقر لها حتى الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا التي تكلف الطالب الجامعي قرابة 250 ألف دولار، أو أكثر وحسب الجامعة والتخصص، والمرحلة الدراسية.



إن مثل هذه المزايا وغيرها من شأنها أن تجلب نقمة الدول العديدة من التطور المرتقب للعراق في غضون عَقد واحد. كما إن حملة الشهادات الجامعية يعدون ثروة وطنية تسعى الدول لإستقطابهم مجانا. يضاف إلى ذلك، أن بلدا مثل العراق كان وما زال يعد من الدول الغنية بثرواتها الطبيعية، لذا فإن كثرة الأعداء أمر طبيعي في هذا المجال. كما إن القانون هو ضمانة الشعوب في الحفاظ على حقوقها وثرواتها، وأول ما تفعله الحكومات غير الوطنية هو تعطيل القانون لضمان سرقة ثروات الشعب دون عقاب.

يضاف إلى ذلك أمر أخر، وهو أن الجيش هو الحارس الفعلي للوطن، ومن عادة اللصوص إبعاد الحارس بأي ثمن أو قتله إن تطلب الأمر، وهذا ما حدث في العراق، عندما أصدر بول بريمر وبدفع من السياسيين الجدد قرارا بحَل الجيش العراقي.



ومن هنا يمكن القول وبكل جرأة ووضوح، إننا أمام مؤامرة كبيرة، وهذه المؤامرة لا تستهدف العراق فحسب بل المنطقة بأسرها. بدأت هذه المؤامرة منذ أكثر من 15 سنة وما زالت. لذا فإن إزالة أثارها السلبية والحفاظ على بعض نتائجها الإيجابية سيستغرق وقتا طويلا. وعلى القوى الوطنية توحيد قواها فيما بينها ووضع برنامجها الوطني في أقرب وقت. وكما قال أحد المرشحين الذي زار أمريكا قبل أيام: حقا إن العراق لم يعد فيه عراقيون، لأن معظم العراقيين هم هنا. ومن بقي هناك، ليسوا سوى مغامرين أو مقاتلين.



لذا نرى أن التغيير هو العنوان الأبرز في الانتخابات البرلمانية العراقية لهذا العام. فبعد موجة إحتجاجات شعبية منذ عام 2011 وتململ شعبي عراقي من تدهور الأوضاع العامة، وإستياء شعبي عارم من الأحزاب الإسلامية التي أستخدمت كمطية لتدمير العراق وإعادته عدة قرون إلى الوراء والقضاء على إنجازاته في التعليم والصحة والصناعة وغيره، ناهيك عن تبديد ثرواته القومية، فإن التغيير نحو الدولة المدنية بات ضرورة حتمية لإنتشال العراق والمنطقة من حالة التداعي المريع الذي بات يهدد الأمن والإستقرار في العالم أجمع.



د. رياض السندي

كاليفورنيا في 25 نيسان 2018


الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...