الاثنين، 13 أبريل 2020

رؤية جديدة في محاكمة يسوع

رؤية جديدة في محاكمة يسوع

تمهيد: في ظهيرة يوم الخميس 14 نيسان من عام 30-33م [1]، قبل 2020 سنة، وفي السنة السابعة من حكم الوالي الروماني على اليهودية بيلاطس البنطي (26-36م) وفي السنة العشرين من حكم القيصر الروماني طيباريوس (13-36م) [2]، الموافق 13 أبيب لسنة 3760 يهودية (حالياً سنة 5780 عبرية) وبعد نشاط تبشيري إستغرق بحدود سنة إلى ثلاث سنوات، إشتهى يسوع الناصري الذي كان يتجول ويتنقل بين مدن وقرى مقاطعة اليهودية، أن يتناول الفصح أو الفطير في عيد الفصح اليهودي الذي يقام سنوياً في بَيْتِ عَنْيَا بقرب المدينة المقدسة أورشليم، قائلاً لِرُسُلِهِ:‏ «اِشْتَهَيْتُ شَهْوَةً أَنْ آكُلَ هٰذَا ٱلْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ».‏‏ (لوقا 22-15)‏.
كانت أورشليم مزدحمة جداً بالحجّاج أثناء موسم الفصح. كان عدد سكان أورشليم 25-30 ألف نسمة تقريباً. بينما يُقدَّر عدد الحجاج أثناء الفصح 85-135 ألف نسمة. لهذا قُدِّر عدد الناس الكلي أثناء موسم الفصح أكثر من 100,000 نسمة. [3]
تقاليد الفصح اليهودي
كما هي العادة في المجتمعات الزراعية، فإن إحتفالاتها تكون في موسم الربيع. ويستغرق الفصح اليهودي سبعة أيام من الإحتفالات تبدأ من يوم 15 نيسان. [4]
الامتناع عن الخمير حيث إن معظم تقاليد العيد مأخوذة من وصفة في التوراة مع التفاسير التي أضيفت إليها عبر العقود. ومن أبرز مميزات العيد هو الامتناع عن أكل الخبز أو أي طعام مصنوع من العجين المختمر، وبدلاً من الخبز يؤكل الفطير غير المختمر المختبز للعيد بشكل خاص، ويسمى هذا الفطير بـ"ماتْساه" (מַצָּה). ويشرح سفر الخروج هذا التقليد كرمز لاستعجال بني إسرائيل عند خروجهم من مصر حيث لم يتمكنوا من الانتظار لانتفاخ العجين عندما أعدوا مؤونتهم.
حسب الشريعة اليهودية المعاصرة على كل يهودي التخلص من كل المأكولات المصنوعة من عجين مختمر قبل حلول العيد وأن يقوم بحرق ما يبقى من هذه المأكولات في طقس يقوم به عشية العيد عبارة عن استعداده لأداء وصايا العيد.
والتقليد الأهم فيه هو عشاء العيد تعرف عشية العيد باسم "ليل هسيدر" (לֵיל הַסֵּדֶר "ليلة المنهاج") وفيه يجتمع أبناء العائلة والأقرباء للعشاء الاحتفالي المرافقة بصلوات وسلسلة من الطقوس الدينية، وتعرض تفاصيل منهاج الصلوات والطقوس في كتاب خاص يسمى ب"هچداه" (הַגָּדָה "سرد"). "كتاب الهجداه" هو من أكثر الكتب التقليدية انتشاراً لدى اليهود، وهو يحتوي على نصوص ذات علاقة بالعيد من التوراة، الميشناه والتلمود كما يحتوي على صلوات العيد والمزامير مع تعليمات عن الوقت الملائم لقراءة كل منها وطريقة أداء الطقوس المرافقة بالقراءة. ويتكون العشاء من: بقدونس – الأعشاب المرة – خليط المكسرات المطحون مع تفاح – بيض مشوي مكسور – ماء بملح – برتقال -مع إضافة عظمة مشوية لخروف في الطبق. وبالطبع مع هذا أربع كؤوس من النبيذ (عصير عنب).
من أهم الطقوس هو شرب أربع كؤوس من خمر العنب خلال قراءة نصوص ال"هجاداه"، كذلك يغني أصغر أبناء العائلة ترنيمة بعنوان "ما نشتانا" (מָה נִשְתָּנָה "كيف تختلف"، أي كيف تختلف هذه الليلة عن باقي الليالي). وتطرح في هذه الليلة أسئلة عن العيد وأجوبة يغنيها جميع أفراد العائلة وهي عبارة عن واجبهم لسرد قصة الخروج لأبناء الأجيال القادمة. في نهاية العشاء يفتح أحد الشيوخ مع أحد الأولاد باب البيت ويدعوان إيليا لينضم إلى العائلة عند شرب الخمر ويبارك أبناء العائلة. وعادة يستحم أفراد العائلة أستعداداً وطهارة للعيد، وعند وجود ضيوف لديهم، يقوم ربُّ العائلة بغسل أقدامهم كنوع من التكريم.
ويقوم صاحب الدار بتكليف أحدهم بتوزيع بعض الأموال على الغرباء -كما هي العادة في الأعياد عند كل الشعوب- ولهذا فقد أرسل يسوع تلميذه يهوذا خازن المال أو أمين الصندوق -والذي غالباً ما أتهم باختلاسه من تلك الأموال- إلى أورشليم لهذا الغرض، وهناك تمكّن الكهنة اليهود من رشوته بمبلغ ثلاثين قطعة من الفضة مقابل أن يدلّهم على معلمه يسوع، في قُبلة هي الإشارة إليه، لكيلا يتم الخلط بينه وبين تلاميذه في ظلام المساء، ولتلافي هروبه منهم.
العشاء الأخير ليسوع
تعني كلمة فصح في العبرية "العبور"، وهي بحسب سفر الخروج الليلة التي تحرر بها بنو إسرائيل من فرعون، بعد أن "عبر" ملاك الله عن البيوت التي عليها دم الحمل بينما قتل الأبكار في البيوت التي لم تكن عليها تلك العلامة. ويدعى اليوم الثاني من تذكار الحدث "يوم الفطير" حيث تجتمع عائلات بنو إسرائيل استذكارًا لخروج أسلافهم من مصر، ويتناولون فطيرًا أي خبزًا غير مخمر، إذ إن أسلافهم عند خروجهم من مصر لم يتسع لهم الوقت ليختمر العجين فخبزوه دون خمير، وفق سفر الخروج أيضًا، كما يتناول حمل الفصح وبعض الأعشاب المرّة في ذلك العشاء. وبهذه المناسبة أمر يسوع بطرس ويوحنا بن زبدي حسب إنجيل لوقا أن يذهبا إلى القدس ويطلبا من أحد الرجال إعداد المكان الذي سيتناول به الفصح مع التلاميذ، وهو مكان قريب من بستان الزيتون حيث يسوع قد انتقل بعد العشاء.
وعَمَلًا بِإِرْشَادَاتِ يَسُوعَ،‏ يَصِلُ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَبْدَآنِ بِإِعْدَادِ تَّرْتِيبَاتِ الْفِصْحِ.‏ وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ. فَأَرْسَلَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلًا: «اذْهَبَا وَأَعِدَّا لَنَا الْفِصْحَ لِنَأْكُلَ» فَقَالاَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ؟». فَقَالَ لَهُمَا: «إِذَا دَخَلْتُمَا الْمَدِينَةَ يَسْتَقْبِلُكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ إِلَى الْبَيْتِ حَيْثُ يَدْخُلُ، وَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ الْمُعَلِّمُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ فَذَاكَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً. هُنَاكَ أَعِدَّا». فَانْطَلَقَا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا، فَأَعَدَّا الْفِصْحَ. وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ اتَّكَأَ وَالاثْنَا عَشَرَ رَسُولًا مَعَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: «شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ، أَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ». ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ». وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ. وَلكِنْ هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ.
وَسُرْعَانَ مَا يَصِلُ هُوَ وَتَلَامِيذُهُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ.‏ فَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى ٱلْبَيْتِ حَيْثُ سَيَأْكُلُونَ ٱلْفِصْحَ،‏ وَيَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْعُلِّيَّةِ ٱلْكَبِيرَةِ.‏ فَيَجِدُونَ كُلَّ شَيْءٍ مُعَدًّا لِيَتَنَاوَلُوا هٰذِهِ ٱلْوَجْبَةَ عَلَى ٱنْفِرَادٍ.‏ لَقَدْ كَانَ يَنْتَظِرُ بِشَوْقٍ هٰذِهِ ٱلْمُنَاسَبَةَ.‏ لِذَا يَقُولُ لِرُسُلِهِ:‏ «اِشْتَهَيْتُ شَهْوَةً أَنْ آكُلَ هٰذَا ٱلْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ».‏ ‏[لوقا 15:22‏].‏
وقد دَرَجَتِ ٱلْعَادَةُ أَنْ تُمَرَّرَ عِدَّةُ كُؤُوسٍ مِنَ ٱلْخَمْرِ إِلَى ٱلْمُحْتَفِلِينَ.‏ وَيَأْخُذُ يَسُوعُ وَاحِدَةً مِنْهَا،‏ ثُمَّ يَشْكُرُ وَيَقُولُ:‏ «ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ». وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». َكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ.».‏ [لوقا18:22]
ويعتبر هذا الحدث شديد الأهمية في المسيحية إذ به أسس يسوع، وفق الإيمان المسيحي، القداس الإلهي والقربان الأقدس ويدعى يوم استذكار ذلك سنويًا «خميس الأسرار»، لكونه قد شهد تأسيس سري الكهنوت والأفخارستيا. ويؤمن الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيون والمشرقيون وكذلك أتباع كنيسة المشرق الآشورية وأغلب البروتستانت بأن الخبز والخمر يتحولان فعلاً في جوهرهما إلى جسد يسوع ودمه بينما اكتفت بعض الطوائف البروتستانتية بالمعنى الرمزي للحدث. [5] وهنا ظهر فصح مسيحي إل جانب الفصح اليهودي.
وَبَيْنَمَا هُمْ يَحْتَفِلُونَ،‏ فَإِذَا بِيَسُوعَ يَقُومُ عَنِ ٱلْعَشَاءِ،‏ يَضَعُ رِدَاءَهُ جَانِبًا،‏ وَيَأْخُذُ مِنْشَفَةً.‏ ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً فِي طَسْتٍ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُ.‏ فِي ٱلْعَادَةِ،‏ يَحْرِصُ صَاحِبُ ٱلْبَيْتِ أَنْ تُغْسَلَ أَقْدَامُ ضُيُوفِهِ.‏ وَغَالِبًا مَا يَقُومُ بِذٰلِكَ أَحَدُ ٱلْخَدَمِ.‏ (‏لوقا 44:7‏)‏ لٰكِنَّ صَاحِبَ ٱلْبَيْتِ لَيْسَ مَوْجُودًا.‏ لِذَا يَأْخُذُ يَسُوعُ هٰذِهِ ٱلْمُهِمَّةَ عَلَى عَاتِقِهِ.‏ طَبْعًا،‏ كَانَ بِٱسْتِطَاعَةِ أَيٍّ مِنَ ٱلرُّسُلِ أَنْ يَغْسِلَ أَقْدَامَ ٱلْبَاقِينَ.‏ لٰكِنَّ هٰذَا لَمْ يَحْصُلْ.‏ فقد أعطاهم يسوع درساً في التواضع وخدمة الناس.‏
وَعِنْدَمَا يَحِينُ دَوْرُ بُطْرُسَ،‏ يَعْتَرِضُ قَائِلًا:‏ «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا!» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ». قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي»‏.‏ يَغْسِلُ يَسُوعُ أَقْدَامَ رُسُلِهِ ٱلِـ‍ 12 جَمِيعًا،‏ حَتَّى قَدَمَيْ يَهُوذَا ٱلْإِسْخَرْيُوطِيِّ.‏ وَبَعْدَمَا يَنْتَهِي وَيَلْبَسُ رِدَاءَهُ،‏ يَتَّكِئُ ثَانِيَةً إِلَى ٱلْمَائِدَةِ." [يوحنا4:13]
إن مشاركة يسوع الناصري وتلاميذه في الفصح اليهودي تدل دلالة قاطعة إن يسوع كان يهودياً وظلّ كذلك، حتى صلبه. ولم يدّع إنه رومانياً، ولو تم ذلك لتعذر صلبه، فالمواطن الروماني لا يعاقب كالمجرمين والخارجين على القانون.
إلقاء القبض على يسوع
يبدو إن يسوع كان يخشى من إلقاء القبض عليه ليلاً، حيث يتعذر على اليهود ذلك نهاراً، لكي لا يسبب ذلك القلاقل لدى الشعب وخاصة من تلاميذه ومحبيه، وقول لوقا يفسر ذلك: وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ. [لوقا2:21] لذا فقد إعتاد على أن يقضي النهار في الهيكل، ويختلي ليلاً في جبل الزيتون. "وَكَانَ فِي النَّهَارِ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ، وَفِي اللَّيْلِ يَخْرُجُ وَيَبِيتُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ." [لوقا37:21]
وبعد العشاء، وكما تتفق الأناجيل الإزائية تقدم يهوذا الإسخريوطي يرافقه فرقة من الجند الرومان بقيادة كورنليوس، وهم في الغالب يقيمون منفصلين عن اليهود في محميات خاصة خارج المدن، فلم يكونوا على اختلاط بيسوع وربما استقدموا في إطار حفظ الأمن خلال عيد الفصح لا غير، وقد اتفق مسلموه مع الجند ويهوذا، أن الذي يقبله هو يسوع، فبعد أن قبله قال له يسوع: "يا يهوذا أبقبلة تسلّم ابن الإنسان."[لوقا 48/22]
لا يذكر إنجيل يوحنا شيئاً عن قبلة يهوذا، لكنه يضع التسليم في إطار لاهوتي، فعندما سأل يسوع الجند من تريدون وأجابوه أنهم يريدون يسوع الناصري، قال لهم "أنا هو" [6]، وهو العبارة التقليدية في الديانة اليهودية للإشارة إلى الله فتراجع الجنود بقوة خارجية وسقطوا على الأرض، لكنهم قبضوا عليه بعد ذلك، وبحسب العقائد المسيحية واتفاق الأناجيل الأربعة، فهو من سمح لهم بالقبض عليه. حاول التلاميذ إبداء المقاومة، وقام بطرس بضرب عبد رئيس الكهنة المدعو ملخس فقطع أذنه، لكن يسوع رفض استخدام القوّة وقال: "ردّ سيفك إلى غمده!، فإن الذين يلجأون إلى السيف بالسيف يهلكون. أم تظنّ أني لا أقدر أن أطلب من أبي فيرسل لي اثني عشر جيشًا من الملائكة؟ ولكن كيف يتم الكتاب حيث يقول إن ما يحدث الآن لا بدّ أن يحدث".[متى 52/26-54] وقام بإعادة أذن ملخس إلى مكانها، ثم وجه كلامه للجند ومرافقيهم: "أكما على لص خرجتم بالسيوف والعصي لتقبضوا عليّ؟ كنت كل يوم بينكم أعلم في الهيكل، ولم تقبضوا علي ولكن قد حدث هذا كله لتتم كلمات الأنبياء".[متى 55/26] أما التلاميذ فقد هربوا بعد ذلك جميعًا،[متى 56/26] وتركوه وحيدًا وينقل إنجيل مرقس أن الجند حاولوا اعتقال بعض التلاميذ لكنهم فشلوا.[مرقس 51/14]
التهم الموجهة ليسوع
ويمكن تلخيص التهم الموجهة ليسوع، والتي تقسم إلى ثلاث أنواع مختلفة إلى تهمة دينية، وتهم جنائية وسياسية، وتهمة إقتصادية واحدة، وهي: -
1- التجديف (المساس بالذات الإلهية)، أو إزدراء الدين، أو إهانة الله، أو الادعاء بالألوهية، وإنتحال صفة الله.
2- إفساد الشعب.
3- التحريض على الشغب والثورة.
4- الإمتناع عن دفع الجزية (الضريبة) للحاكم.
5- الإدعاء بالسلطة (المَلَكية).
وقد تغيرت التهم الموجهة ليسوع الناصري من تهم دينية تتمثل في الإدعاء بالألوهية، أو الادعاء بأنه المسيح، والتي لا يعاقب عليها القانون الروماني بإعتبارهم إمبراطورية تتعدد فيها الآلهة، على الرغم من أن الشريعة اليهودية تعاقب عليها بالعقوبة الأشد وهي الرجم، إلى تهم سياسية وهي الإدعاء بالسلطة على مقاطعة اليهودية بإعتباره ملك اليهود وإثارة الشغب والقلاقل بين الشعب والتحريض على الثورة، وهي تهم سياسية مناهضة لسلطة قيصر روما، ويعاقب عليها بالعقوبة الرومانية الأشد وهي الصلب. ولما كانت اليهودية تحت سلطة الاحتلال الروماني قبل 63 سنة من ذلك التاريخ، فإن سلطة إنزال العقوبة القصوى بالموت قد أصبحت محصورة بيد الوالي الروماني وهو بيلاطس آنذاك، وإذا ما إرتكبها رؤساء الكهنة اليهود فإنهم يعاقبون بجريمة القتل العمد.
أما التهمة الاقتصادية والمتمثلة بتخريب إقتصاد الإمبراطورية الرومانية من خلال دعوة يسوع الناصري للشعب إلى عدم دفع الجزية للقيصر، فَلم تثبت، لأن موقف يسوع العلني منها كان واضحاً، وهو ضرورة دفع الجزية للقيصر، بقوله: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ».
" وينقل لنا لوقا في إنجيله ثلاث تهم هي: يفسد الشعب، يمنع دفع الجزية للقيصر، يدعي إنه ملك، فكتب يقول: وَابْتَدَأُوا يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «إِنَّنَا وَجَدْنَا هذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ». [لوقا 2:23] ويبدو أن بيلاطس لم يهتم لها، لعدم إيمانه بها أو قناعته بصحتها، وربما تذكّر الجميع قول يسوع: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ». [مرقس 12:12-17].[7]
ويذكر إنجيل يوحنا إن تهمة يسوع كانت وفقاً للناموس لإدعائه بأنه إبن الله. أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللهِ». [يوحنا 7:4019]
وخشية من إفلات يسوع من العقوبة، فقد إرتأى اليهود تحويل التهمة من تهمة دينية إلى تهمة سياسية، لا بل والأكثر من ذلك، فقد هدوا بيلاطس بتهمة عدم محبته لقيصر روما، "مِنْ هَذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ». [يوحنا 12:19] وقد نجحوا في ذلك.
وقفة عند فكرة المسيح
فكرة المسيح (المسيّا) هي بدعة يهودية خالصة، تشير إلى مجيء شخص من نسل الملك داود يتمتع بالقوة لإنقاذ اليهود وجمع شتاتهم وردت على لسان إشعيا النبي ووضع له شروط معينة، وهي أن يولد من عذراء بقوله: اسمعوا يا بيت داود هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضا، ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو إسمه عمانوئيل. [إشعيا 13:7 -14] وكان يسميه زكريا (ربُ الجُنود) أو مرسل من قبله، وهو تعبير يشير إلى القوة العسكرية. ويقول إشعيا "هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبّ ُبِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ. [إشعيا 10:40] [8] ويذكر إشعياء 53، والمعروف بأنه نبوة "الخادم المتألم"، تفاصيل موت المسيا من أجل خطايا شعبه. ويقدم إشعياء تفاصيل حياة وموت المسيح قبل ميلاده بحوالي 700 عام. سوف يكون المسيا مرفوضاً (إشعياء 53: 3؛ لوقا 13: 34). سوف يقتل المسيا كذبيحة كفارية عن خطايا شعبه (إشعياء 53: 5-9؛ كورنثوس الثانية 5: 21). سوف يكون المسيا صامتاً أمام المشتكين عليه (إشعياء 53: 9؛ متى 27: 57-60). سوف يكون المسيا بين مجرمين عند موته (إشعياء 53: 12؛ مرقس 15: 27).
وقد تكررت هذه الفكرة وتطورت لدى الكثير من أنبياء إسرائيل مثل إرميا ودانيال وملاخي وزكريا وغيرهم، حتى أصبحت فكرة مجيء المسيح المخلص والمنقذ لشعب إسرائيل اليائس والمشتت والضعيف ويعيد بناء الهيكل وإحقاق الحق وبداية العصر المسيّاني فكرة متسلطة على اليهود حتى يومنا هذا، علماً يمكن أن يكون المسيح غريباً مثل الملك الفارسي كورش الثاني الذي أطلق عليه النبي أشعياء لقب المسيح (سفر أشعياء 45:1). كما رأى العديد من يهود العصر الحديث إن "بن غوريون" أول رئيس لدولة إسرائيل قد حقق كل ما أرادت نبوءات العهد القديم من المسيح تحقيقه في جمع شتاتهم وغير ذلك.
"ومع ذلك، تتفق جميع الروايات التوراتية الأربعة على أن قيافا والسنهدرين أدانا يسوع في نهاية المطاف بتهمة التجديف. وتُسجل الأناجيل أنه عندما سأل قيافا يسوع عما إذا كان يدعي أنه المسيح، أجاب: "أنا هو" (مرقس 14: 62) (أو «أَنْتَ قُلْتَ!». (متى 26: 64) أو «إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لاَ تُصَدِّقُونَ». أو فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا هُوَ». (لوقا 22: 67-8) أو "أنتَ تقول إنني" (يوحنا 19: 7). على الرغم من أن كتاب المِشنا، وهو رمز القانون اليهودي والذي تم تجميعه حوالي 200م، في القسم هاء، يُعرف التجديف بشكل أضيق على أنه المساس بأسم الله المقدس (يهوه)." [9]
جلسات الإستماع ومحاكمة يسوع
عُقِدت ست جلسات للأستماع إلى التهم الموجهة ليسوع الناصري وشهود القضية، ثلاث منها دينية وثلاث الأخرى مدنية، وأمام كل مِنْ:
رئيس المجلس اليهودي الأعلى (السنهدريم) حنانيا.
- كبير الكهنة اليهود قيافا (المُعيّن من قبل الرومان) وهو نسيب حنانيا.
- الوالي الروماني لمقاطعة اليهودية بيلاطس البنطي.
- الحاكم الروماني لمدينة الجليل هيرودس.
أما شهود الإدعاء ضد يسوع فكانوا:
من قبيلة إسرائيل: روان، دانيئيل، رامبينيل، يوناكين، روتيم، يوتافيل وبيريكولان.
من المملكة والولاية الرومانية: لوكيوس، ستيتيليوس وماكسيميليوس.
من الفريسيين: باربوس، سيميون وبونيلي.
من القضاة الأعليين الرومانيين: رابان، ماندانيس وباكارولاس.
مراقب الجرائم اليهودية: بوتان." [10]
وقد وصفهم الإنجيل على أنهم شهود زور. فيقول متى في إنجيله: " وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ». فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟» [متى 59:26]
إهانة المتهم وإحتقاره
ويثور التساؤل الآتي: هل إحتقر بيلاطس يسوع وأهانه هو أو جنوده الرومان؟ في الواقع، بخلاف ما يشاع وما توحي به بعض الأناجيل، فإن بيلاطس لم يحتقره أو يهينه، بل إن الذي قام بذلك هو هيرودس أنتيباس حاكم الجليل وشرق الأردن [11] الذي ورث الحكم عن والده هيرودس الكبير في سنة 4 ق.م. وقد تم تقسيم مملكته بين أولاده الأربعة، فكانت الجليل من حصة هيرودس أنتيباس ولهذا كان يسمى برئيس الربع. وكان من المفترض أن يحاكم يسوع أمامه لكونه جليلياً، ولكنه بدهائه تخلص من هذه الورطة، وألقى الكرة في ملعب بيلاطس، ولكنه لم يَدَع الفرصة تَمُر دون أن ينتقم معنوياً من يسوع، وكان يومها قد جاء من الجليل إلى أورشليم ليحضر إحتفالات الفصح، وعندما أحيل يسوع إليه، إستمع إلى التهمة الدينية التي يتهمه به اليهود، وهي الادعاء بأنه المسيح ملك اليهود، ويذكر إنجيل لوقا دور هيرودس بوضوح قائلا: " فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ ذِكْرَ الْجَلِيلِ، سَأَلَ: «هَلِ الرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ؟» وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضًا تِلْكَ الأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا، لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيل أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَي آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ. وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ، فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. فَصَارَ بِيلاَطُسُ وَهِيرُودُسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا. [لوقا 11:23] بينما الأناجيل الثلاثة الأخرى لا تتهم هيرودس بالإسم بإحتقار يسوع. فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلًا مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. ويضيف يوحنا جزئية صغيرة أخرى في ذات السياق وهي إجلاس يسوع على كرسي الولاية بإعتباره ملك إستهزاءً به: فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «الْبَلاَطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا». وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ، وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». [يوحنا 13:19]
ويبقى السؤال: لماذا فعل بيلاطس أنتيباس كل ذلك، وكان فرحاً بمصير يسوع، وما هو الدافع لذلك؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب العودة إلى الوراء أكثر من 30 سنة من ذلك التاريخ، وتحديداً في عام 6 ق.م. وعند ولادة يسوع، حيث تنبأ المجوس الذي زاروا هيرودس الأول [12] أو هيرودس الكبير بولادة طفل سيكون ملكاً لليهود وفقاً لنبوءة ميخا (2:5). وخشية على زوال ملكه، فقد أمَر هيرودس بقتل جميع أطفال بيت لحم بعمر يوم واحد وحتى السنتين. وقد صادفت ولادة يسوع أثناء الإحصائية الأولى عندما كان كيرينيوس والياً على سوريا (لوقا 2: 2)، وينقل لنا إنجيل متى القصة ببعض التفصيل، بقوله: "وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟ فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ». حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: «اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا. ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ. وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ." [متى 1:2-15]
وهكذا، فما فشل فيه أبوه هيرودس الأول قبل أكثر من 30 سنة، حققه هو هيرودس انتيباس. وإذا كان يسوع قد إستطاع أن يفلت في المرة الأولى وهو طفلاً، فإنه لم يفلت في المرة الثانية وهو رجلا بعمر الثلاثين. كما تجدر الإشارة إلى إن يسوع كان قد نَعت هيرودس بالثعلب. [لوقا 32:13]
وقد ذهب العديد من المؤرخين القدماء مثل تاسيت إلى إن هيرودس هو الذي أمر بصلب يسوع.[13] إقترحه هيرودس بالذات، حيث يذكر إنجيل بطرس المنحول، وهو أقدم نص منحول بين أيدينا حول آلام المسيح لذا يسمى بإنجيل الآلام، بقوله: إذاك أمر الملك هيرودس بأقتياد الرّب، قائلا: "نفذوا الأوامر كلها التي أعطيتكم إياها في شأنه." [14] أو إقترح هيرودس الصلب، وهو ما نفذه بيلاطس بلا مبالاة.
دفاع يسوع عن نفسه
تكاد كل الأناجيل تعطينا صورة واضحة تبين فيها إن يسوع لم يدافع عن نفسه بل كان دفاعه ضعيفاً، وكانت إجاباته غير منطقية، وبعيدة عن الأسئلة الموجهة إليه، كما إنها كانت فلسفية يصعب على أي حاكم أن يفهمها في سياق محاكمة قضائية. يضاف إلىذلك، إن يسوع لم يُفند شهود الوزر ضدّه. وينقل لنا إنجيل متى ذلك، قائلا: وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُور وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ». فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟» وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ». فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلًا: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا: «إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ». [متى 60:26] وحتى أمام الوالي بيلاطس لم يُجِبْ بكلمة واحدة على الشهود العديدين ضدّه، مما دفع الوالي إلى التعجب من ذلك جداً. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟» فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدًّا. [متى 13:27]
وأضعف نقطة في دفاع يسوع هي عندما "وَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي قِائِلًا: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ»." [متى11:27] وكان على بيلاطس أن يقول له: إن هذا هو سؤال موجّه لك كمتهم وليس رأيي الشخصي فيك. ولكن بيلاطس لم يشأ أن يزيد في معاناة يسوع، وإكتفى بذلك. ويبدو إن يسوع كانت قد تملكته حالة من الذهول المفاجئ والوقتي -وخاصة في حالات تخطيط المشتكي مسبقاً ومفاجأة المتهم بها فيؤخذ على حين غرّة- والتي تجعل منه يبدو كما لو كان أخرساً، وهي حالة تزول بعد فترة قليلة، وهكذا نجد أن يسوع بعد ذلك وهو في طريقه للصلب يعزي بنات ونساء أورشليم ويتحدث مع اللصين الذين صلبا معه على يمينه ويساره، ويوعد أحدهم بالجنة. ومن المستغرب ألا نجد في كل مراحل محاكمة يسوع إدعاءه صراحة بأنه هو (المسيح المنتظر)، رغم تكرار السؤال عليه أكثر من مرة مِنْ قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، كما أسلفنا.
ومن المؤكد إن نفي يسوع للتهمة كانت ستنقذه من الصلب، وكان عليه مناقشه الشهود والإدعاء بإن ما قصده كان أمراً مغايراً، ولكن يبدو إن ذلك كان سيُسقطه في نظر تلاميذه وأتباعه كمعلم ومخلص ولن يعودوا يصدقوا بإدعاءاته لاحقاً، ولما قامت الديانة المسيحية فيما بعد، ولكنه كان سينقذ حياته. وما جرى هو خلاف ذلك كما في السياق. والواقع، إن قضية صلب يسوع إنما تشير بوضوح إلى الفجوة الكبيرة بين مجتمعين هما: المجتمع الروماني المتحرر، والمجتمع اليهودي المنغلق، أو شرخاً كبيراً حضارتين، بين الشرق والغرب. فحكام روما الأشرار والفاسدون والذين لم يتورعوا عن القتل بوحشية وممارسة الزنا حتى بالأقارب، ويعبدون آلهة متعددة، بالتأكيد كانوا يسخرون في سرّهم ويستهزئون من تعقيدات المجتمع اليهودي الشرقي الذي يحاسب على الزنا بالرجم حتى الموت، أو السرقة، أو القتل، أو حتى التجديف "الإستخاف المتعمد بالمقدسات"، ونكران الله أو الشرك به. فهيرودس الذي أصدر حكم صلب يسوع لإنه قال أنا المسيح الموعود، كان قد تزوج أخته هيرودية، وهكذا، يمكن تصور هذا الفرق بينهما. وهذه الفجوة موجودة حتى يومنا هذا.
الباعث الخفي لمحاكمة يسوع
على الرغم من أن يسوع ظَلّ ينتقد رؤساء الكهنة اليهود والفريسيين طيلة نشاطه التبشيري الذي إستمر لسنة أو ثلاث في أكثر تقدير، ويصفهم بأقذع الألفاظ، مثل: أولاد الأفاعي (متى 34:12)، أو (وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ)، (متى 14:23) ومع ذلك لم يلتفت اليهود إلى ذلك كثيراً، إلا إن دخول يسوع الهيكل يوم السبت قبل أسبوع عيد الفصح اليهودي، وهو أقدس الأماكن اليهودية، ومجادلته أحد الكهنة حول الطهارة. وقد إستغربوا من محاسبة يسوع لهم، وَفِي أَحَدِ تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ كَانَ يُعَلِّمُ الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ وَيُبَشِّرُ، وَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ مَعَ الشُّيُوخِ، وَكَلَّمُوُه قَائِلِينَ: «قُلْ لَنَا: بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا؟ أَوْ مَنْ هُوَ الَّذِي أَعْطَاكَ هذَا السُّلْطَانَ؟» [لوقا 1:19]
يقول متى الرسول: "وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ داخل الهيكل، مشيراً إلى قول إشعيا النبي: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»" (متى 21: 13). كان هذا الإقتحام بمثابة القشّة التي قصَمت ظهر البعير، فقد مسّ بتصرفه هذا الجانب الاقتصادي الهام للمجتمع اليهودي، وهذا الجانب لا يقل أهمية عن الجانب الروحي لكل دين، فالثراء والتجارة في المعابد الدينية أمر جَليّ وواضح في كل الديانات بحيث جرى الإهتمام بتذهيب تلك المعابد مقابل إهمال الاهتمام بحياة الناس ومستوى معيشتهم. وقد كانت عملية إقتحام الهيكل والطعن بتصرفاتهم التجارية-الدينية، واحدة من التهم التي وجِهَت ليسوع أثناء المحاكمة، كما سنرى لاحقاً.
ويقول ليندر: " تصف روايات الإنجيل مشاركة يسوع في احتجاج موجه إلى بعض الممارسات التجارية المرتبطة بالهيكل. وقد أساءت هذه الممارسات إلى العديد من اليهود. وفقاً لمتى، اشتكى يسوع: " بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ" (متى 21: 13). ووفقاً لمرقس ويوحنا فإن يسوع قد قَلِب طاولات الصيارفة، وهؤلاء الأشخاص هم الذين يقومون بتحويل القطع النقدية التي تحمل صورا للإمبراطور إلى القطع النقدية الفضية التايريان (شيكل)، وهو الشكل الوحيد للعملة المقبولة للتبرع. كما تصف الأناجيل يسوع وهو يخرج بائعي الحمام (استخدمت الطيور كذبائح من قبل المصلين) من المعبد. إن من الصعب أن نتصور أن مثل هذا العمل الدرامي لم يكن ليجلب ردًا فوريًا من حراس الهيكل المسلحين، لذلك من المرجح أن الأناجيل بالغت في أفعال يسوع. ومهما كانت الطبيعة الدقيقة لأفعاله، فقد كان من شبه المؤكد أنها كانت مصحوبة بأقوال - بما في ذلك التنبؤ بأن المعبد سيسقط ما لم يتم إجراء إصلاحات لإعادة المعبد إلى مهمته الدينية المركزية. في وقت من التوتر الشديد مثل عيد الفصح، فمن المرجح أن أي عمل تخريبي في المعبد - حتى العمل ذو طبيعة رمزية - من شأنه أن يثير ردّة فعل قوية من كبار الكهنة والمسؤولين الرومان. وهذا ما حدث. ولِفهم الجريمة التي أدت على الأرجح إلى اعتقال يسوع، فإن من الضروري أولاً فهم دور الهيكل في الحياة اليهودية في القرن الأول. لقد خدم الهيكل في القدس أغراضا مزدوجة. كان المركز المبجّل للحياة الدينية - مكان للصلاة والتضحيات - وبنك مركزي، ومكان للضرائب والعُشور." [15]
إصدار حكم الصلب
وأخيراً، رضح الوالي الروماني لرغبة اليهود ورؤساء الكهنة وأصدر قراراً بالصلب في الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة، وسيق يسوع للصلب في الساعة العاشرة صباحاً، فوصلوا جميعاً إلى مكان الصلب وهي قمة تلة تدعى «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». [مرقس 22:15] حيث كان هناك خشبة عمودية طويلة مغروسة في الأرض، فيما كان المجرم يكلف بحمل خشبة قصيرة تمتد على طول الذراعين والتي كانت تُلف بالحبال ومثقوبة في الوسط لتنزل أفقياً داخل الخشبة العمودية، فيما كانت المسامير الطويلة تُدق على الأرجل فقط خشية عدم السقوط.
أما اللافتة الصغيرة التي وضعت أعلى الخشبة العمودية والتي كتب عليها عبارة [يسوع الناصري ملك اليهود] فلم يكن القصد منها السخرية كما صورتها الأناجيل، ولكنها كانت صورة مصغرة جداً لتهمة المصلوب، لكي يطّلع الجمهور ويعرف الشعب سبب عقوبة هذا الشخص، حيث إن القاعدة تقضي بعدم قتل إنسان دون سبب أو جرم. وهذا ما قصده مرقس في إنجيله بقوله: “وكان عنوان علته مكتوبا: ملك اليهود.“ [مرقس 15:36] ويقصد بالعِلّة التهمة الموجهة له. وهي الإدعاء بالملوكية على اليهود خلافاً لإرادة القيصر.
وقد إعترض اليهود على ذلك لعدم إعترافهم بيسوع ملكاً عليهم، ولكن بيلاطس لم يلتفت لهم ورفض تغيير اللافتة، وردّهم بالقول لقد كتبت وانتهى الأمر، في إشارة ضمنية إلى إن هذه هي التهمة السياسية التي إدعيتم بها وحكم عليه بموجبها، ولا يمكن تغييرها. "فَقَرَأَ هَذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوباً بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَاللَّاتِينِيَّةِ. فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ». أَجَابَ بِيلاَطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ». [يوحنا 20:19].
وترى الكنيسة إنها إعتراف بملوكية يسوع، "فالعبريّة هي الآراميّة لغة الكتاب المقدّس؛ واللاتينيّة [16] هي لغة السلطة الرومانيّة المحتلّة، أما اليونانيّة، فهي لغة المخاطبات الثقافيّة والتجارية... ويرى يوحنا، في العنوان الممنوح ليسوع، كلامًا نبويّا حقيقيّا، وإعلانا ملوكيّا. ونقول، مع الكاردينال كارلو مارتينيّ: إنّ الحقيقة العميقة التي تنطوي على هذا المشهد هي بالضبط ”الملوكيّة المشيحانيّة للكلمة المتجسّد”. فيسوع هو المسيح الذي كان إسرائيل ينتظره؛ وعلى الصليب، أظهر سيادته، حسب تفسير القديس يوستينس، وقد تبنّته الليترجيّا: ألربّ يملك بالصليب، اعترفت السلطة العليا المعاصرة بهذه السيادة."[17]
وكانت الإجراءات تقضي بإسقاء المصلوب عصارة من الخل ممزوجا بمرارة لتخديره قليلاً وعدم شعوره بالألم، كما يُطعن المصلوب بعد عدة ساعات في قلبه بالرمح للتأكد من موته، وفي حالة يسوع قام جندي روماني إسمه لُوْنْجان بطعنه في جنبه، متناولاً حربة، فخرج دم وماء. وأخيراً تكسر ساقي المصلوب كعقوبة أخيرة، ولكن يبدو إن الرومان قد إستغنوا عن ذلك فيما يخص يسوع فإستثنوه من ذلك الإجراء إعتقاداً منهم إنه قد مات، كما جاء في الإنجيل، وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. (يوحنا 33:19)
وقبل وضع المجرم على الصليب يتم تعرية المصلوب كنوع من الإهانة له أمام الشعب. ويشرح يوحنا في إنجيله ذلك، بقوله: ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ نَشُقُّهُ بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هَذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ. (يوحنا 23:19) وبهذا الصدد يقول ليندر: "ويبدو إن تجريد السجناء من ملابسهم ومقتنياتهم كانت أيضاً ممارسة رومانية عادية، حيث يتم تقسيم الملابس وغيرها من الممتلكات الصغيرة لضحايا الإعدام بين الجلادين. فالإذلال في الصلب عارياً في مكان بارز يشكل إضافة إلى قيمة الردع المقصود من العقاب." [18] وذهب إنجيل نيقوديموس المنحول غير المعترف به كنسياً، والذي يعود إلى القرن الخامس الميلادي، إستثناءً إلى القول: عرّاه الجنود من ثيابه وزنّروه بقطعة قماش." [19] أي أن الجنود وضعوا في حقويه قطعة قماش.
وجرى الصلب بحضور والدة يسوع مريم وأحد تلاميذه يوحنا، وهو الوحيد من بين تلاميذ يسوع الإثني عشر، فقد هرب الجميع خشية القبض عليهم ومعاقبتهم. وكان من بين الحضور عدد من النسوة اللواتي عَرفن يسوع في حياته ومن بينهم مريم أخت أمه زوجة كلوبا أو مَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ، بالإضافة إلى مريم المجدلية.
وبعد 3 ساعات، وفي تمام الساعة الثالثة بعد الظهر، أسلم يسوع الروح، وكانت إجراءات الصلب تقضي بقاء المصلوب على الصليب لعدة أيام، وهي في الغالب ثلاثة أيام لتنهشه طيور السماء، ولكن يسوع أستثني من ذلك بناءً على طلب أحد أعضاء المجلس اليهودي المكون من 70 عضواً والذي كان بمثابة تلميذ ليسوع خفية كما يذكر يوحنا في إنجيله، وهو يوسف الرامي (من مدينة الرامّة) الذي يصفه مرقس في إنجيله بأنه شخص مشير شريف بقوله: جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. (مرقس 43:15) بينما يذهب يوحنا مجازاً إلى إنه تلميذ يسوع بقوله: "ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ". (يوحنا 38:19). وقد طلب يوسف من بيلاطس بحكم معرفته به، أن يأمر الجنود الرومان بأن يسلِّموه جسد يسوع ليقوم هو ونيقوديموس، وهو عضو أخر في مجلس السنهدريم إعترض هو الأخر على محاكمة يسوع، بتحنيطه وتعطيره ودفنه في قبر في بستان قريب كان يوسف الرامي قد إشتراه سابقاً. وتجدر الإشارة هنا إلى إن القبر هو أشبه بكهف أو غرفة صغيرة يوضع فيها الميت ملفوفاً بكف من القماش أبيض والقطن، ويمكن دخول شخص أو شخصين إلى الداخل والجلوس إلى جانب الميت. وتغلق هذه الغرفة بلوح خشبي أو بحجر، وفي حادثة يسوع، تم غلق القبر بحجر دحرج أمام الباب. ومن هنا يجب التفريق بين القبر والدفن، فالقبر في تلك الأيام كانت أكثر فسحةً، بينما الدفن هو طمر الإنسان تحت التراب في مساحة ضيقة جداً لا يدخلها أحد، كما يتعذر على المدفون الجلوس لو عادت له الحياة.
وينقل لنا إنجيل يوحنا ذلك بقوله: وَجَاءَ أَيْضاً نِيقُودِيمُوسُ الَّذِي أَتَى أَوَّلاً إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً. فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا. وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيباً. وقد وافق بيلاطس على إنزاله بعد موته كما هي العادة، وقد إستغرب كثيراً عندما علم إنه مات بعد الصلب بثلاث ساعات، فسأل قائد المئة المكلف بالصلب، فيما إذا كان قد مات فعلاً. فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعًا. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ. (مرقس 44:15). فيما طارد اليهود يوسف هذا، وسجنوه لاحقاً.
وقد أنزل جسد يسوع في الساعة السادسة مساءً لتلافي حلول الظلام ودخول عشية يوم السبت الذي يُحرّم فيه على أي يهودي القيام بعمل ما.
والأناجيل الأربعة متفقة في تحديد موعد العشاء يوم الخميس والصلب يوم الجمعة والقيامة يوم الأحد.
إن هذه الحقائق لا تنتقص من يسوع الناصري ورسالته الإنسانية، بل هي عرض لبعض الحقائق والوقائع التاريخي بشكل موضوعي ودقيق، والتي غالباً ما يتم تجاهلها تحت التأثير العاطفي أو التعلق الشخصي، أو عدم معرفتها.
هذه هي خلاصة محاكمة يسوع الناصري وصلبه، والتي كانت لها تداعيات كثيرة، سنوردها بالتفصيل في كتابنا القادم حول محاكمة يسوع.

د. رياض السندي
خميس الفصح 2020
.........................
[1] تذهب الكنائس الشرقية في معظمها إلى إن سنة الصلب هي 33 ميلادية، في حين تُصِّر الكنائس الغربية على إن سنة الصلب هي 30 ميلادية.
[2] هو ثاني أباطرة روما، واسمه الكامل هو "طيبيريوس كلوديوس نيرون Tiberius Claudius Nero واسمه الرسمي كإمبراطور هو "طيباريوس قيصر أوغسطس" Tiberius Caesar Divi Augusti filius Augustus. ولد في نوفمبر 42 ق. م. وكان أبوه -بنفس الاسم- قائدًا من قواد يوليوس قيصر، ثم إلى جانب أنطونيوس ضد أوكتافيوس (أوغسطس قيصر فيما بعد)، ثم صارت زوجته "ليفيا" زوجة ثالثة لأوغسطس قيصر، وهكذا أصبح طيباريوس -الابن- ابنًا لزوجة أوغسطس قيصر. حكم طيباريوس قيصراً في 13 م. (أو 11 م. في رأي آخر) أصبح طيباريوس بمرسوم إمبراطوري خاص وصيًا على العرش. وعندما مات أوغسطس قيصر في 19 أغسطس 14م، خلفه طيباريوس. وقضي جرمانيكوس (ابن أخته، وابنه بالتبني) على تمرد قوات الراين. وقد سار طيباريوس على هدي وصية أوغسطس، بالحفاظ على الإمبراطورية بحدودها كما هي، فتخلى طيباريوس عن خطة دفع الحدود إلى نهر الألب، ووجه جهوده لتقوية الإمبراطورية والحفاظ على تماسكها. ولكن هذه السياسة الحريصة الجامدة، وجدت لها أعداء، وبخاصة أنه كانت لا تزال هناك قوي داخل مجلس الشيوخ لم تقبل استمرار هذه الأوتوقراطية المستترة. وفي 26 م. اعتكف طيباريوس في كابري حيث لاحقته الشائعات بالإسراف في الفجور. وفي 16 مارس عام 37 مات طيباريوس في مسينا، وخلفه كايوس كاليجولا، الابن الثالث لسيجانوس. ومنالمستبعد أن يكون طييباريوس قد سمع شيئًا عن المسيحية، فقد مات طيباريوس في عام 37 م، ولم تكن المسيحية قد انتشرت في نواحي الإمبراطورية. ويذكر يوستينوس الشهيد ويوسابيوس أن بيلاطس أرسل تقريرًا إلى طيباريوس عن محاكمة يسوع وصلبه، وهو أمر غير مستبعد. ويذكر تقليد أبو كريفي أن طيباريوس استدعى بيلاطس إلى روما لاستجوابه عن صلبه يسوع. ولكن ما حدث في الواقع هو أن حاكم سوريا عزل بيلاطس من ولاية اليهودية وأرسله إلى روما لمحاكمته أمام القيصر على الفظائع التي ارتكبها (انظر مثلا لو 13: 1)، ولكن طيباريوس مات قبل وصول بيلاطس إلى روما. أنظر، طِيباريوس قيصر | تيبيريوس قيصر، موقع الأنبا تكلا هيمانوت. الرابط:
https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/16_TAH/TAH_39.html
[3] عدنان طرابلسي، تاريخ الصلب - اليوم والشهر والسنة، موقع شبكة أرثوذكس أونلاين، الرابط: https://www.orthodoxonline.org/theology/biblical-studies/biblical-general-studies/1632-the-date-of-crucifixion-day-month-and-year#gsc.tab=0
[4] في التقويم اليهودي يعتبر شهر نيسان أول أشهر الربيع وعيد الفصح نفسه يسمى أحيانا بـ"عيد الربيع"، ولكن لكون الأشهر اليهودية قمرية، يجب في بعض السنوات مضاعفة الشهر الذي يسبق نيسان، أي شهر آذار، كي لا يتراجع شهر نيسان إلى موسم الشتاء.
[5] العشاء الأخير، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
[6] هذه العبارة ترد في مطلع الوصية الأولى من وصايا الله العشر لموسى على لسان الله (إيلوهيم) بقوله: أنا هو الرب إلهك، لا يكون لك إله غيري. والمفترض أن يجيب يسوع على سؤال الحرس بكلمة نعم، ولكنه إستخدم عبارة (أنا هو) التي جاءت على لسان الله في الوصايا، مما عزز الشكوك بادعائه الألوهية.
[7] كانت الحيلة أن الهيرودسيين يتظاهرون بالتديُّن لكي يصطادوا المسيح ويمسكوه بكلمة، فيسلِّموه إلى حكم الوالي وسلطانه. فتقدموا إليه وتملَّقوه واستشاروه إن كانوا يدفعون الجزية للحكومة الرومانية أو لا يدفعونها، أملًا أن يمسكوه في شبكتهم مهما كانت إجابته، فإن قال بدفع الجزية ينفر الشعب منه، لأنهم ضجروا من هذه الضريبة التي هي علامة استعبادهم للرومان، ولأنهم ينتظرون مجيء المسيح ليحررهم منها. وكانوا يسألون: “كيف يمكن أن يكون المسيح ملك إسرائيل – كما هتف له الشعب بالأمس في الهيكل، ويحكم أن ندفع الجزية لقيصر”؟. وإن أجاب بعدم دفعها كما يرغب الهيرودسيون (وهو ما كانوا يرجّحونه) يحصلون على حجة كافية ليسلموه للحكومة، كمثير للفتنة ضد القيصر الذي وضع هذه الضريبة. أنظر، ما معنى الآية: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”؟ موقع أليتيا في سبتمبر 29, 2017.
[8] المسيح الماشيح أو المسيا (بالعبرية: המשיח) (ومعناها المسيح) [1][2][3][4][5]، في الإيمان اليهودي هو إنسان مثالي من نسل الملك داود (النبي داود في الإسلام)، يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي من ويلاته. وفي اللغة العبرية تعني "ماشيح - מָשִׁיחַ" من الفعل "مشح" أي "مسح" ومعناها في العهد القديم "الممسوح بالدهن المقدس"، ونقلت كلمة "ماشيح" إلى اللغة اليونانية كما هي ولكن بحروف يونانية " ميسياس -Мεσσίας" ومن ثم ترجمت ترجمة فعلية " خريستوس -Хριστός" من الفعل اليوناني " خريو -chriw" أي يمسح؛ وجاءت في اللاتينية "كريستوس ـ Christos" ومنها في اللغات الأوربية " Christ"؛ كانت عملية المسح تتم في العهد القديم بواسطة الدهن المقدس الذي كان يصنع من زيت الزيتون مضافًا إليه عددًا من الطيوب (سفر الخروج 22:30-31)، وقد ظل هذا التقليد حتى أيامنا هذه في المسيحية في سر الميرون؛ وكان الشخص أو الشيء الذي مسح يصبح مقدساً ومكرساً للرب؛ وحصر استخدامه للكهنة، الملوك والأنبياء (خروج 30:30)؛ ولهذا دعوا بمسحاء الرب (المزامير 15:105)، ومفردها "مسيح الرب" (صموئيل الثاني 1:23)، ويصفهم الله بمسحائي (أخبار الأيام الأول 22:16)؛ لكن الوحي الإلهي في أسفار العهد القديم يؤكد أن هؤلاء "المسحاء" جميعاً؛ كانوا ظلاً ورمزاً للآتي والذي دعي منذ داود فصاعداً بـ "المسيح"، وكانوا جميعاً متعلقين بمسيح المستقبل الذي سيأتي في ملء الزمان ودعاه دانيال النبي المسيح الرئيس (دانيال 24:9)، و"المسيح" و"قدوس القدوسين" (دانيال 25:9)، لأنه سيجمع في شخصه الصفات الثلاث: الكاهن والنبي والملك؛ وهذا الشخص وفق العقيدة المسيحية هو يسوع، بينما لا تزال الديانة اليهودية تنتظر قدومه. أنظر، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
[9] Douglas Linder, The Trial of Jesus: An Account, SSRN, 16 Oct 2007.  https://ssrn.com/abstract=1021250
[10] جورج حداد، تقرير بيلاطس البنطي عن قضية صلب السيد المسيح، موقع الحوار المتمدن-العدد: 3583 - 2011 / 12 / 21.
[11] هيردوس أنتيباس ثاني ملوك عائلة هيرودس، تقاسم مع أخويه مملكة أبيه، وكانت حصته حسب القسمة الجليل وشرق الأردن، وهو إحدى الشخصيات الواردة في العهد الجديد وقد دعي في الأناجيل بأمير الربع، أي ملك ربع بلاد فلسطين، وقد ساكن زوجة أخيه فيليبس فكان ذلك سبب كره له في الشارع اليهودي، كذلك فقد تسبب له بتوبيخ يوحنا المعمدان (يحيى)، وكان هو من أصدر الأمر بقتله. نعته يسوع بالثعلب، وخلال محاكمة يسوع مثل أمام أنطيباس إذ كان متواجدًا في أورشليم أيضًا لمناسبة عيد الفصح، وقد ذكر لوقا بأن أنطيباس ازدرى يسوع وألبسه ثوبًا براقًا للهزء والسخرية. أنظر، هيرودس أنتيباس، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة. اسم “هيرودس” معناه بطل، ولكنه كان هشـًّا ضعيفـًا أمام شهواته ونزواته، فانتهى للضياع. ولُـقـِّب بأنتيباس لتمييزه عن الكثيرين في عائلته بذات اسم هيرودس.. وهو ابن هيرودس الكبير الذي قتل كل أطفال بيت لحم ليقضي على الطفل يسوع. أما هيرودس أنتيباس فكان حاكمًا على الجليل وبيريه أيام المسيح، ولُـقـِّب برئيس الرُبع، أي رُبع مملكة اليهود، من عام 4ق.م - 39م. تزوج من ابنه الحارث ملك العربية ثم طلـّقها ليتزوج هيروديا زوجة أخيه. وكانت نهايته أليمه، حيث علم كاليجولا، قيصر روما، بتأمر هيرودس ضده مع ضابط روماني اسمه سيجانوس؛ فاستدعاه كاليجولا للمحاكمة، ونفاه إلى فرنسا، ثم أسبانيا؛ حيث مات هناك. أنظر، هيرودس أنتيباس، الرابط: http://www.nahwalhadaf.com/makala.aspx?mid=255
[12] هوردس أو هِيرُودِسُ (العبرية: הוֹרְדוֹס؛ 73 قبل الميلاد - 4 قبل الميلاد) هو ابن الدبلوماسي انتيباتر الأدومي من زوجته النبطية، عين حاكماً على الجليل ثم أصبح ملك اليهودية. وهو الابن الثاني لأنتيباتر، الأدومي الأصل. وكانت أمه أدومية أيضًا لذلك لم يكن يهوديًا من ناحية الجنس مع أن الأدوميين كانوا قد رضخوا للمذهب اليهودي بالقوة منذ سنة 125 ق.م. وكان قيصر قد عين انتيباتر Antipater the Idumaean حاكمًا على اليهودية سنة 47 ق.م. وقسَّم انتيباتر فلسطين بين أبنائه الخمسة وكان نصيب هيرودس في الجليل. وبعد أربع سنوات قُتِلَ انتيبار. فجاء ماركوس انطونيوس إلى فلسطين وعيَّن الابنين الأكبرين للعاهل المقتول على فلسطين. ثم قَتَلَ أكبرهما نفسه بعد ما أسره الفوتيون الذين هاجموا فلسطين. وهكذا خلا العرش لهيرودس. وفي سنة 37 ق. م. دخل القدس فاتحًا بمعونة الرومان. وقد تزوَّج هيرودس عشر نساء وكان له أبناء كثيرون. ولد يسوع في أواخر أيامه، بعد أن كانت نقمة الشعب عليه، وخوفه من منافسة أعدائه، قد بلغت أشدها. ولذلك أسرع الأمر بقتل جميع الأطفال في بيت لحم، حتى لا ينجو ابن داود، ولا يملك على اليهود ويتربع على عرشه (متى 2). ولكن الوقت لم يمهله كثيرًا. إذ مرض مرضًا خطيرًا، وسافر إلى شرقي الأردن للاستشفاء بحمامتها، ثم عاد إلى أريحا أسوأ مما كان عليه قبلًا. وهناك مات، وهو في السبعين من عمره، بعد ملك أربعًا وثلاثين سنة، وكأنه لم يشأ أن يودع الحياة على عكس ما كان في حياته. فأمر بقتل وجهاء القدس ساعة موته، حتى يعم الحزن المدينة ولا يجد أحد السكان فراغًا ليبتهج بموت ملكه المكروه. ومن بعده جاء ابنه هيرودوس انتيباس فأعدم الرسول يوحنا المعمدان، لأنه عارض الملك معارضة شديدة لعلمه انه تزوج من أخته هيرودية بعد تطليقها من زوجها فعارضه يحيى المغتسل يوحنا المعمدان بقوة وأمره بتطليقها وفي احدى الحفلات التي كان ينظمها هيرودس في قصره طرب لنغمات الموسيقى التي كانت تتراقص عليها بنت أخته هيرودية سلامة أو سالومي كما تذكر في المصادر العبرية فطلبت منه راس يوحنا المعمدان والحت في الطلب حتى قام بتلبية طلبها وهو كره لخشيته من رد فعل الكهان والكتبة اليهود إلا انه نجا بفعلته لكون النبي يوحنا المعمدان يحيى المغتسل يعارض الهيكل كثيرا فلم يعقب أحدا من الكهان أو الكتبة اليهود على ما حدث وقدم لها راس النبي على طبق وذهب. توفي هيرودس عام 4 ق.م. فقسَّم الإمبراطور أغسطس مملكته بين أبنائه الثلاثة حسب وصيته الأخيرة، فعين أرخلاوس Archelaos حاكماً على يهوذا التي تحولت بعد إقصائه عن الحكم عام 6م إلى مقاطعة رومانية، أما فيليب Philippos فحكم المنطقة الشمالية الشرقية (توفي عام 34م)، في حين حصل هيروديس أنتيباس على منطقة الجليل التي حكمها حتى عام 39م، وكان مثل بقية أسرته يهودي في الداخل وهلنستي في الخارج. أنظر، هيرود الكبير، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
[13] إ. س. سفينسيسكايا، المسيحيون الأوائل والإمبراطورية الرومانية، خفايا القرون، ترجمه عن الروسية د. حسان مخائيل إسحق، ط 2، دمشق 2007، ص 85.
[14] الأناجيل المنحولة، ترجمة اسكندر شديد، تقديم ومراجعة أ. جوزيف قزي - أ. إلياس خليفة، بيروت 2004، ص 130.
[15]  Douglas Linder, The Trial of Jesus: An Account, SSRN, 16 Oct 2007.  https://ssrn.com/abstract=1021250
[16] العنوان اللاتيني INRI وهو اختصار لاتيني لـ Iesus Nazarenus Rex Iudaeorum ، والذي يترجم إلى " يسوع الناصري ملك اليهود .
[17] الكتابة فوق الصليب” يسوع الناصريّ ملكُ اليهود “. هل هي كتابة نصر أم إخفاق؟! موقع زينيت في مارس 27, 2016.
[18] Douglas Linder, The Trial of Jesus: An Account, SSRN, 16 Oct 2007. https://ssrn.com/abstract=1021250
[19] الأناجيل المنحولة، ترجمة اسكندر شديد، وصدر سابق، ص 146.

الخميس، 19 ديسمبر 2019

بداية المؤامرة على العراق

بداية المؤامرة على العراق 


د. رياض السندي
- تمهيد
قامت دولة العراق بعد إنفصالها عن الدولة العثمانية عام 1921، وبعد سنة من أول معارضة شعبية عارمة عُرفت بثورة العشرين. وكانت قد تزامنت معها حركة الشيخ محمود الحفيد، كأول معارضة كردية عام 1919-1931، ثم تلتها حركة التمرد الأشوري، أو ما عُرف حينها بثورة التياريين عام 1930-1933. 
وقد فُسِّرت كل حركات المعارضة هذه بأنها ضد سياسة الاحتلال البريطاني في العراق. بينما لم يشهد التاريخ معارضة أو ثورة عراقية ضد الدولة العثمانية التي حكمت المنطقة طيلة 400 سنة بأسم الإسلام إمتداداً لسلسلة خلفاء للرسول العربي، وطاعة لأولي الأمر.
وبعد قيام الحكم الوطني في العراق، ونتيجة لإستقرار الأوضاع بصورة عامة، ولقمع السلطات لأي معارضة بصورة خاصة، فَلَم تقم معارضة حقيقية للحكم في العراق، بإستثناء بعض الحركات الإنقلابية التي قام بها عدد من ضباط الجيش العراقي، ولكن حركة التمرد الكردي عادت ثانية بعد عودة مصطفي البارزاني من منفاه في الإتحاد السوفييتي عام 1958. وظلت المعارضة الوحيدة التي شغلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 1961 وحتى عام 1970. 

•-   لماذا لم تقم المعارضة في العهد العثماني؟
والسؤال الذي يثار بهذا الصدد، وهو لماذا لم يثُر العراقيون على الحكم العثماني رغم أوضاعهم المزرية وضعف الخدمات وتخلفها طيلة أربعة قرون؟ 
يمكن إرجاع ذلك إلى عدّة عوامل، أهمها: -
•(1) العامل الديني: فقد كان يُنظر إلى السلطان العثماني على إنه خليفة المسلمين وولي أمرهم، ويجب طاعته وعدم الخروج عليه. 
•(2) قساوة العثمانيين وقمعهم لكل من يعارضهم، وقد بدا ذلك واضحاً من قمع الأكراد والأرمن. 
•(3) إعتماد العثمانيين أسلوب "الحكم السائب" -على حد تعبير الدكتور علي الوردي- الذي يرى إن إلعراقيين -وخاصة الشيعة- لم يثوروا على العثمانيين، بحسب تفسيره، بسبب " أن الشيعة لا يميلون الخضوع للقانون، ويحبذون أن يعيشوا حياتهم الخاصة التي إعتادوا عليها، حتى لو كانت في نظر الأخرين فوضى ... وكل ما يطمحون إليه هو نظام حكم يجارهم في عاداتهم هذه، وهم لا يبالون إذ ذاك أن يكون الحاكم مسلماً أو كافراً، نجفياً، أو غير نجفي، سُنياً كان، أو شيعياً. ولهذا كانوا راضين عن الحكم التركي قبل الحرب، فلَم يثوروا عليه؛ وقد إتّبَع الأتراك نظام "الحكم السائب"، إذ هي إعتادت أن تترك الناس يفعلون ما يشاؤون ولا تتدخل في شؤونهم إلاّ فيما يخص جباية الضرائب ... وقد أعتاد العراقيون على هذه الحياة وألفوها حتى أصبحت في نظرهم كإنما هي الحياة الطبيعية التي لا يمكن أن يكون هناك شيء أخر غيرها. [1] ويقول الكابتن البريطاني لايل: " إن الطبيعة الفوضوية المشاغبة التي إتصف بها أهل العراق معروفة تماما لدى المطّلعين على شؤون الشرق الأوسط من الساسة الأوربيين وإن عدم رغبة العراقيين فينا ليس بالأمر الجديد فهُم لا يحبون أي شكل من أشكال الحكومة يمنعهم من مواصلة غرائزهم الموروثة في التمرد على القانون وإقتراف الجرائم العنيفة". [2]
•(4) ضعف الوعي الشعبي بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. 

•-   معارضة أعداء صدام 
بدأت المعارضة تظهر للوجود بعد بروز صدام حسين كمتنفذ رئيسي في السلطة منذ عام 1970، فقد حاول القضاء على المعارضة بوسائل ومعالجات غير محسوبة، فقرّب الأكراد وأغراهم بالحكم الذاتي 1970، ثم ضربهم عام 1975 بالإتفاق مع شاه إيران على إتفاقية الجزائر. ثم تودّد للشيوعيين وضمهم في الجبهة الوطنية والقومية القدمية عام 1972، ثم ضربهم عام 1975، وإنفك عقد الجبهة عام 1979. ثم ضرب المؤسسة العسكرية العراقية الرصينة، عندما منح نفسه رتبة (مهيب) وهي أعلى رتبة عسكرية حتى الوقت الحاضر، ولم يحصل عليها أي شخص أخر من الذين جاءوا بعده، وهذا ما أدى إلى تذمر العديد من الضباط السابقين، وإلتجأ الكثير منهم إلى سوريا، وبدأوا معاضته من هناك. كما حاول صدام كسب المسيحيين، فأصدر قانون منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية عام 1972 [3]، وجرى التضييق عليهم أيضاً في عام 1979. ثم كسب صدام أعداء جدد عند وصول الخميني إلى السلطة في إيران عام 1979، فقرر ترحيل قرابة 60 ألف عراقي من أصول إيرانية إلى إيران مع بدء الحرب العراقية الإيرانية عام 1980. 
هذه كانت المجموعات المعارضة لصدام حسين والتي لم تكن تفرق بين الدولة والحكومة، كما إن صدام ربط الدولة بشخصه، مما قاد إلى سقوطها بسقوطه.

•-   معارضة مشتتة ... وتجنيد أجنبي
ظلّ المعارضون العراقيون تائهون في بلدان العداوات للعراق، وهي سوريا البعثية، وإيران الفارسية، وليبيا التوتاليتارية، ليستقر الكثير منهم لاحقاً في بريطانيا، حاضنة التطرف في العالم، يتنقلون فيما بينها، ولا أحد يصغي لهم، ويعاملوهم مضيفيهم بإحتقار واضح، وقد عانوا الخوف من خشية تسليمهم إلى السلطات العراقية، أو أن تلاحقهم المخابرات العراقية فتغتالهم هناك، كما عانوا الحرمان من التعليم والحياة الحرة الكريمة، وبقوا على تحصيلهم الدراسي الذي إكتسبوه في العراق. لذا عاشوا حياة التقشف والبؤس، وكانوا لا يعلمون ما سيؤول إليه مصيرهم المظلم دون أن يبدو أي ضوء في نهاية نفق اللجوء.
وجاء تغيير النظام في إيران من النظام الملكي الشاهنشاهي إلى النظام الإسلامي الشيعي في 11 شباط/فبراير عام 1979 بمثابة طوق نجاة يرمى لهم في بحر اللجوء المتلاطم. 
بقي اللاجئون العراقيون هناك ليشهدوا أكبر تحول سياسي جذري هزّ منطقة الشرق الأوسط، وسيبقى عامل عدم إستقرارها لأكثر من 40 سنة قادمة، دون أن يتوقع أي أحد منهم ذلك، ألا وهو سيطرة الخميني وتياره الديني المتشدد على إيران. وعلى غرار حزب البعث في إنتشاره القومي (العروبي) للأقطار العربية، فإن هذا النظام الإسلامي بشَّر بإنتشاره المذهبي (الشيعي) حصراً وفقاً لمفهوم تصدير الثورة الإسلامية الذي تبنَّاه الخميني. 
هذا الشعور بالإنفراج المشوب بالحذر ساد جميع الفصائل العراقية المعارضة لحكم صدام حسين، وأحيا الأمل فيهم، ولاح نور في نفق معاناتهم الطويل. وفي مقدمة هؤلاء -بالطبع- المجموعات الإسلامية الشيعية الصغيرة الملتفة حول مراجع دينية شيعية هربت من العراق، أبرزها عائلة الحكيم [4]، وعلى رأسهم محمد باقر الحكيم [5]، وإخوانه مهدي الحكيم [6]، وعبد العزيز الحكيم. وكذلك عائلة الصدر، ولكن بدرجة أقل، نظراً لأصولهم العراقية، بعكس عائلة الحكيم وأصولها من أصفهان بإيران، ولإكتواءهم بنار التطرف الخميني منذ البداية. [7]فقد أعدم محمد باقر الصدر عام 1980، وقتل محمد محمد صادق الصدر عام 1999 [8]، وكلاهما أيدا ثورة الخميني. كما إن أصابع الإتهام في إختفاء الإمام موسى الصدر [9]مؤسس حركة أمل في لبنان، تشير إلى الدور الإيراني في الطلب من معمر القذافي بقتله، لعدم تناغمه مع التوجهات الشيعية الفارسية المتنامية. 

•-   حزب الدعوة الإسلامية
اجتمع الأعضاء المؤسسون للحزب في سنة 1957، وتأسست النواة الأولى لحزب الدعوة الإسلامية على صيغة هيئة مؤلفة من 8 أعضاء، وكان لـمحمد باقر الصدر دور رئيسي في لجنة قيادة الحزب الذي تشكل لخلق حالة توازن فكري مع الشيوعية والعلمانية والقومية العربية وغيرها من الأفكار المادية، كما كان لمحمد حسين فضل الله تأثرًا كبيرًا بفكره وعقلانيته وتدينه.
في عام 1975 قامت الحكومة العراقية بحظر أحد الطقوس الدينية الشيعية وهو المسيرة من النجف إلى كربلاء والذي كان يطلق عليه اسم "مراد الراس". وفي عام 1977 قام حزب الدعوة وكتحد منه للحكومة العراقية بتنظيم هذا الطقس الديني الشيعي فحصلت في ذلك العام أي 1977 ما يطلق عليه حزب الدعوة "انتفاضة صفر الجريئة" حيث قتل في هذه الانتفاضة عناصر قيادية من حزب البعث. 
أما حزب الدعوة فأن الكثير من قيادته إيرانية الجنسية والهوى مثل مرتضى العسكري (زعيم الحزب في مرحلته الثالثة.. في تاريخ حزب الدعوة) ومحمد مهدى الآصفي (حاليا يمثل ولى الفقيه في العراق بعد أن كان الأمين العام لحزب الدعوة قبل تسليمها لإبراهيم الجعفري وعلى زندي (الأديب) وغيرهم كثير)، فقد تهيأت للدعاة معسكر الأهواز وانطلاق العمليات العسكرية التي قتلت الآلاف من الأبرياء من الحدود الإيرانية العراقية فقد اشتركت في عمليات الداخل وكذلك الكثير من عمليات الحرب بين العراق وإيران فضلا عن مكاتب سورية ومسؤولها نوري كامل المالكي، فضلا عن مكاتب وبيوت وجوازات تهيؤها أجهزة المخابرات الإيرانية والسورية وغيرهما. لكن مشكلتين أساسيتين أضعفت الدعاة أولاهما أن المسؤولين على معسكر الأهواز وغيره كحسين بركة الشامي وتورطهم في تسليم ما يسمى بالمجاهدين بصفقات مشبوهة وقصة أبى حوراء واتضاح عمالة قيادات الدعوة لأجهزة المخابرات العالمية من خلال وثائق خصوصا السفارة الأمريكية في طهران وأجهزة السافاك مما أدى على التحجير على مرتضى العسكري (الذي كان يقود الحملة السيئة ضد المفكر الاجتماعي على شريعتي) ولجوء حسين الشامي وإبراهيم الجعفري وغيرهم إلى لندن وغير ذلك من قضايا يخاف الدعاة كشفها ويهددون ناشرها. 
بعد انطلاق الثورة الإسلامية في إيران أعلن حزب الدعوة الوقوف إلى جانبها فقامت الحكومة العراقية في 31 مارس 1980 بإصدار قرار نص على إعدام كل من ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية، وكان في طليعة من أعدم بهذا القرار محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى في 8 أبريل 1980. 
بعد ذلك قام الحزب في عام 1981م بإنشاء معسكر الصدر في الأهواز بإيران وهو نواة لعمل عسكري بهدف إسقاط صدام حسين. [10] وهي البداية الفعلية لحزب الدعوة بنسخته الفارسية الصرفة حتى يومنا هذا. 

•-   المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق
أنشأ هذا المجلس عام 1982، أي بعد سنتين من قيام الحرب العراقية - الإيرانية، بإدارة إيرانية ليتولاها لاحقاً محمد باقر الحكيم، حتى إغتياله بعبوة ناسفة زرعت في سيارته عام 2003، الذي لعباً دوراً قذراً في تعذيب الأسرى العراقيين في إيران، وما زالت عائلته تكمل هذا الدور التخريبي لهذه العائلة الأصفهانية (عائلة الحكيم) حتى يومنا هذا، وقد تولى رئاسة الحزب من بعده أخوه عبد العزيز الحكيم الذي إغتصب دار طارق عزيز منذ عام 2003، كما فعل أخوه عندما إغتصب دار تاجر إيراني معارض طيلة 21 سنة، والذي توفي عام 2009 إثر مرض عضال، وتولاها بعده أبن أخيه عمار الحكيم، وما زال حتى الآن.  
ولدينا شهادتين موثوقتين عن خفايا أسرار وتفاصيل وتوجهات هذا الحزب. 

•-   شهادة شاهد شيعي 
يعد الباحث نبيل الحيدري [11] المختص في الشأن الشيعي، من أبرز من إنتقد ممارسات الأحزاب الشيعية التي نشأت في إيران، وقد كتب يقول: -
" بعد مجيء الثورة الإيرانية كانت القضية العراقية من اهتمام المسؤولين الإيرانيين على أعلى المستويات من قيادتها التي لجأت إلى العراق في 14 عاما وحتى مراجعها الذين درسوا في حوزات العراق من الكاظمية وكربلاء وسامراء والنجف وغيرها حتى تزوج البعض من العوائل العراقية المعروفة بطيبتها فضلا عن تأثير وأهمية العراق وعمقه العربي... كان مكتب حركات التحرر التابع للشيخ المنتظري فيه فرع (مكتب العراق) الذي سيطر عليه وعلى الإذاعة آنذاك الخط الشيرازي ومنظمة العمل الإسلامي للمدرسي. 
محمد باقر الحكيم كان مترددا في المجيء لإيران باعتبار العلاقة التاريخية بين الشاه وآل الحكيم خصوصا المرجع محسن الحكيم. لقد دخلت على إحدى قياداتهم الخلفية فرأيت صورة الشاه كبيرة خلفه في مكتبه. قلت له: (لقد سقط الشاه) أجابني (سيعود قريبا الوفي الكريم). عرف آل الحكيم بالعلاقة التاريخية والإستراتيجية بالحكام كالشاه وهاهي الرسائل المتبادلة والمبالغ الضخمة واضحة، كما اشتهرت علاقتهم بالتجار الفجار والمترفين والبرجوازيين وبعدهم عن الفقراء والمحرومين وزواجاتهم وبيوتهم وترفهم كالطواغيت.
بعد تردد طويل خوفا من الإنتقام والقتل فكر باقر الحكيم في لبنان أو غيره لكن الإشارات والرسائل من طهران كانت هي الأقوى لدرجة (القرار الصعب دون بديل مناسب) كما قال لي. علما أن الحكيم هو الرجل الثاني في المرحلة الأولى من الدعوة وقد خرج عام 1960 بعد طلب أستاذه الصدر كما شرحت سابقا. حزب الدعوة الذي كشفت بعض أسراره وفساده أراد رمزا لمشكلة القيادة والزعامة المزمنة للدعاة فاستقبل الحكيم كزعيم وتهيأت الجماهير العراقية وغيرها في وقت مشحون عاطفيا زمن اشتعال الحرب بين العراق وإيران وتهجير صدام للآلاف إلى إيران، كان الدعاة وغيرهم من العراقيين والإيرانيين إستقبلوا باقر الحكيم كزعيم وقائد ورمز وهم يرددون بالآلاف (يا حكيم سير سير كلنا جنودك للتحرير). [12]
حتى توهم البعض في مرحلات معينة أن محمد باقر الحكيم هو زعيم حزب الدعوة خطأً في فترة كانت الصراعات على أشدها بين الحكيم والدعوة وأخذ الإيرانيين معسكر الأهواز من حزب الدعوة إلى الحكيم وكذلك دعم مؤسساته مثل (مؤسسة الشهيد الصدر) ومجلسه الأعلى فضلا عن تسليمه الأسرى العراقيين بيد صدر الدين القبانجي مسؤول حزب الله الإيراني فرع العراق. [13]  
كانت الحكومة الإيرانية قد أعطت باقر الحكيم بيتا عظيما في طهران. الظاهر كان بيتا لتاجر لم يؤيد الحكومة الإيرانية مما جعلها تصادره كما صادرت آلاف البيوت والممتلكات لمن يعارضها بحجة محاربة الله ورسوله. هكذا يستخف ما يسمى بالحكم الإلهي بمصادرة حقوق الناس وأموالهم لكن الله تعالى برئ ممن يتحرك ظلما بنفسه. دعاني باقر الحكيم إلى بيته مرة فتفاجأت بكونه بيتاً جباراً طاغوتياً فسألته عن ذلك مستغربا (إن بيت على بن أبى طالب كان بسيطاً) وأجابني (إنه بيت لأحد معارضي الحكومة الإسلامية وقد لجأ إلى دول الكفر) فقلت له (وهل يجوز الصلاة في مكان مغصوب لا يرضى صاحبه) فنظر إليّ نظرة متعجب قائلا (لم يسألني أحد هذا السؤال من قبل) قلت له (لأن حاشيتك ممن لا يعترض عليك أبدا كما أنه لا يعرض الحقائق. أخرج بنفسك لترى الحقائق ومحنة العراقيين ومعاناتهم في إيران). 

تأسس (مكتب العراق) ثم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) في 17 تشرين الثاني عام 1982 برعاية مباشرة من أجهزة المخابرات الإيرانية حيث يشرف جهاز إيراني بحت يسمى(بشتبانى) فضلا عن ممثل الولي الفقيه الذي كان أحيانا على خامنئي نفسه (ولى الفقيه المعاصر) الذي قد يرفض حتى الورقة البسيطة لإذلال العراقيين وطريقة تعامل غير أخلاقية كان يشكو منها الحكيم نفسه مرارا، وهي طبيعة مزمنة للإيرانيين بسبب عقدة النقص عندهم من الشخصية العراقية. علما أنه ليس من حق العراقي في إيران أن يعمل أو يتزوج أو أي حق آخر.. كانت محنة كبيرة وعظيمة لآلاف العراقيين في دولة تدعى الإسلام بالاسم فقط وتطبق أعلى أنواع العنف والدكتاتورية والعنصرية والبعد عن حقوق الإنسان، فيكفي أن تهين المقابل بتسميته عراقي وتعنى وقتها في العرف الفارسي صدامي برؤيتهم. نعم حاول الإيرانيون إستغلال العراقيين كثيرا مثل محاولة تجنيدهم وتجنيد الأسرى العراقيين لما سموهم التائبين لمحاربة إخوتهم العراقيين في حرب أراد النظام الإيراني إطالتها خوفا من ثورة شعوبه المتعددة القوميات في الداخل لكنهم يمكن أن يتحدوا عند الأزمات الخارجية مما يسهل تصفية خصومهم الإيرانيين في الداخل واتهامهم بالعمالة للخارج كما فعل النظام الإيراني مع الشيوعيين ومجاهدي خلق وفدائيين إسلام وغيرهم في تصفيات وإعدامات واعتقالات رهيبة حتى أنها تنكرت للكثير من القوى والتيارات والشخصيات التي اشتركت معها في إسقاط الشاه لكنها استفردت في القرار وصفت خصومها بحجة أنهم أعداء لولاية الفقيه. 

كان حزب الدعوة يمتلك معسكر الأهواز وقوات الشهيد الصدر وجريدة الجهاد، أما الحكيم فقد فتح مكتب الشهيد الصدر وجريدة لواء الصدر فضلا عن تأسيس لواء بدر واسمه الحقيقي (سباه نوه بدر) وإدخال الأسرى العراقيين فيه كمقاتلين للخروج من جحيم الأسر والتعذيب والإذلال وسوف أكتب عما جرى لهم من الويلات تحت رحمة الطغاة في الحلقات القادمة. 

كانت قيادات (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) الأولى هي إيرانية صرفة كاملا أولا محمود الهاشمي الشاهرودي (رئيس القضاء الأعلى حاليا في إيران الذى يسرع في إمضاء الإعدامات الكثيرة لمن يعترض على الظلم والظالمين إرضاء لولي الفقيه وجبروتها) ثم على الحائري صهر على المشكيني (رئيس مجلس الخبراء الذى يختار ولى الفقيه) وكان الحكيم ناطقا رسميا في دوراته الأولى ولا يمتلك القرار الحاسم حيث كان المجلس يضم وقتها الحكيم والدعوة ومنظمة العمل الإسلامي وتيارات أخرى. أرادت بعض قيادات الدعوة استلام رئاسة المجلس لكنها متهمة في الكويت بتصريحها الإعلامي المعروف (الخميني حمار تمتطيه الشيوعية) فضلا عن اتهام القيادات العلمائية العليا بالماسونية من خلال الوثائق والمستندات مما حجبها عن القيادة رغم وجود شخصيات إيرانية الجنسية والهوى كفقيههم كاظم الحائري وقياداتهم من محمد مهدى الآصفي ومرتضى العسكري وكوادره كعلى زندي الأديب وموسى الخوئي وعماد الخوئي فضلا عن المرتبطين المعروفين بأجهزة المخابرات الإيرانية. كان الصراع بين باقر الحكيم ومحمود الهاشمي وكاظم الحائري على أشده للسيطرة على الزعامة في القضية العراقية. 
شيئا فشيئا بدأ الحكيم يتولى رئاسة المجلس بعد عدة دورات ويجلب مؤيديه مثل أبى على المولى التركماني وصدر الدين القبانجي وعبد العزيز الحكيم وهمام حمودي وسامي البدري ومحمد الحيدري وأبو ميثم الخفاجي للإستحواذ على المجلس تماما مبعدا كل الخصوم مما أدى إلى خروج الكثير من التيارات الأخرى فضلا عما أشرنا إليه في الحلقة الأولى حول الشيرازيين وفضائح حزب الدعوة، وعندها بدأ المجلس يصير حكيمياً بامتياز مما يجعل القضية العراقية تدخل في مرحلة جديدة من الصراعات والأهواء.
وفي 17 تشرين الثاني 1982 أعلن عن تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (تغيّرت تسميته إلى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي لاحقاً) برعاية النظام الديني الجديد في إيران، وبرئاسة محمود الهاشمي شاهرودي [14] (إيراني) لفترة قصيرة بحدود  سنة واحدة، وهو التشكيل الذي كان يضم تنظيمات وقوى سياسية شيعية معارضة عدة (فهو لم يكن حزبا بالمعنى الدقيق للكلمة، وإنما إطار عام ومجلس يضم مختلف الأحزاب العراقية التي لجأت إلى إيران، من أهمها: حزب الدعوة بانشقاقاته فصائله المتنوعة، ومنظمة العمل الإسلامي، وحركة الجماهير المسلمة، وجماعة العلماء المجاهدين، وحركة المثقفين الرساليين، وحركة المجاهدين، وغيرها من القوى والحركات المعارضة الشيعية)، وذلك بدعمٍ وإشرافٍ مباشرين من الحكومة الإيرانية، ثم سُلِّمت رئاسة المجلس إلى السيد محمد باقر الحكيم واشترك المجلس إلى جانب الجيش الإيراني في حربه ضد العراق من خلال جناحه العسكري المسمى بفيلق بدر.
لقد كان المجلس الأعلى تعبيراً عن التقاء الإرادة الإيرانية مع الإرادة العراقية المعارضة، وذلك تحت قيادة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني (Pasdaran)، الذي كان مهتما بتقديم الدعم للحركات والأحزاب العراقية بهدف إسقاط نظام صدام حسين من الداخل. وقد تطور المجلس الأعلى من تنظيم مقاتل يجمع الفصائل السياسية المتنوعة على هدف إسقاط نظام البعث، إلى ما هو عليه الآن، بتشكيلاته الثلاث [15]، التي تضم أكثر من خمسة عشر ألف منتسب، بحسب بعض التقديرات، وذلك برغم انسحاب الكثير من مكوناته (إذ انسحب حزب الدعوة ما عدا الدعوة تنظيم العراق، وحركة العمل الإسلامي وقوى أخرى)، وبرغم أن عملية تفكيك منتظرة بعد سقوط نظام صدام حسين كانت ستحدث. لكن شيئاً منها لم يتم، ربما لأن الإرادة الإيرانية التي أرادت تفكيك التنظيم بعيد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، قد أعادت حساباتها من جديد.

•-   رواية شاهد مسيحي [16]
كتبَ أحد الشهود مستذكراً ذكرياته عن تلك الفترة، قائلا: في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كنا نعمل مع المعارضة العراقية في سوريا ضد النظام الدكتاتوري في بغداد، وتحت قيادة اللواء الركن حسن مصطفي النقيب، وكنت آنذاك ممثل لحزب بيت نهرين الديمقراطي في دمشق، وفي سياق نشاطات حزبنا السياسية، قمت بزيارة الى ايران ولعدة مرات، وفي احدى هذه الزيارات كانت بتاريخ 1982، وبينما كنت في طهران ، ذهبت الى مؤسسة الصدر للاطلاع على لوائح  الأسرى العراقيين الذين كانت قوائم أسمائهم تعلق في  بناية مؤسسة الصدر التي كانت تضم مقر قيادة المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة المرحوم  آية الله محمد باقر الحكيم وفي تلك الأثناء التقيت مع بعض العناصر التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، وطٌلب من عندي بصفتي ممثل للحزب تقديم الاعتراف، والتأييد للتشكيل السياسي الجديد الذي انبثق منه المجلس الإسلامي الأعلى باعتباره  الممثل الشرعي، والوحيد للمعارضة الشيعية العراقية ضد النظام الدكتاتوري في بغداد، ولكن قبل تلبية طلبهم طالبتهم بتأمين مقابلة لي مع قيادة المجلس ولا سيما السيد محمد باقر الحكيم، للاطلاع على السياسة الجديدة لهذه الجبهة السياسية الجديدة، وفعلاً تم استصحابي الى الطابق الثاني من البناية والتقيت مع السيد أبو حيدر لترتيب المقابلة وبعد نصف ساعة تقريباً، دخلت الى مكتب السيد محمد باقر الحكيم وإستقبلني بحفاوة، وكان عدد من أعضاء قيادة  المجلس الإسلامي الأعلى موجودين داخل المكتب، ومن ضمنهم السيد محمود الهاشمي الذي كان يرأس المجلس آنذاك، وهو رجل دين  إيراني ولكنه سياسي محنك، وكذلك أتذكر الشيخ أبو علي وهو من أهالي تلعفر، والسيد أبو حيدر وأخرين، ودار بيننا حديث طويل مع السيد الحكيم، وبعضه كان اجتماعياً حيث تحدث عن العلاقة الودية التي كانت تربط المرحوم والده السيد محسن الحكيم مع المرحوم البطريرك مار بولص شيخو الذي هو من أقربائي، وبعدها عرضت عليهم بعض الأسئلة التي تتعلق بمستقبل شعبنا الأشوري الكلداني، وفجأة رفض هذه التسميات وقال نحن نتعامل معكم كمسيحين ليس إلا، لأننا لا نؤمن بالقومية لأي كان، لأن في الإسلام لا توجد قومية ولا فرق بين فارسي وعربي وتركماني وأخرين طالما هم مسلمين،  والدليل على ذلك إن رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حالياً هو السيد بني صدر وهو تركماني من تبريز وليس فارسي، ثم قلت له نحن في حزب بيت نهرين الديمقراطي نؤمن، ولنا أمل كبير بان النظام في بغداد سوف لن يدوم طويلاً وان البديل الوحيد لهذ النظام هو مجلسكم المؤقر بدعم ورعاية القيادة الإيرانية الحالية، فما هو موقفكم من شعبنا الأشوري الكلداني السرياني؟
 ومرة أخرى قاطعني وقال إننا لا نحبذ أن نسمع مثل هذه الألفاظ والأفضل لك أن تستخدم تسمية المسيحين، وأضاف قائلاً اسمع مني جيدا، إننا لسنا سياسيين، يجب أن تعرف ذلك، إننا رجال دين، لا نكذب عليكم، ولا نبالغ في كلامنا، وليس عندنا تكتيك، أو ديالكتيك كما لدى غيرنا من أحزاب المعارضة العراقية ومنهم البعثين، والشيوعين، و الأحزاب الكردية، وغيرها، انهم يكذبون ويخدعون الأخرين عندما يكونون خارج السلطة، ولكن متى ما يستلموا الحكم فيعملون عكس الوعود التي قطعوها مع الأخرين، وهذا ليس نهجنا، وليست قيمنا وأخلاقنا، وهذا ما لمسناه منهم في الماضي القريب وان تجاربنا معهم في العراق ماثلة أمامنا منذ تموز عام 1958والى يومنا هذا أما نحن فنعاملكم بصراحة واحترام كمسيحين من أهل الكتاب وكما جاء في القرآن الكريم، وحسب فهمنا وتفسيرنا للآيات القرآنية إننا سوف لن نعاملكم كاليهود وان الحكومة العراقية الملكية آنذاك قامت بطرد اليهود وحجزت أموالهم المنقولة وغير المنقولة وإستولت على ممتلكاتهم  وأصبحت ملك وقف للدولة العراقية، أما انتم سوف نطبق عليكم الشريعة الإسلامية ونضع أمامكم ثلاث خيارات، الخيار الأول وهو اعتناق الدين الإسلامي وحسب المذهب الشيعي الاثني عشري، والخيار الثاني وهو دفع الجزية، أما الخيار الثالث فهو مغادرة البلاد، ثم قاطعته وقلت له كيف يمكن أن تعاملوننا ذلك ونحن  أهل البلد الأصليين ولنا دور رئيسي في بناء تاريخ  وحضارة هذا البلد، وأثارنا في بابل ونينوى تشهد على ذلك، فرد عليَّ قائلاً: نعم انتم من أهل البلد الأصليين وشاركتم في بناء التاريخ وحضارة بلاد ما بين النهرين ولا احد ينكر عليكم ذلك ولكن، لكم عندنا خصوصية وليس كما فعلنا باليهود فإننا نسمح لكم في بيع ممتلكاتكم واستلام أثمانها لتساعدكم في مغادرة البلاد والسفر الى بقاع الدنيا الواسعة، وهذا هو موقفنا الإيجابي تجاهكم الآن ونحن خارج الحكم، وسوف يكون نفس الموقف في المستقبل القريب ونحن في دفة الحكم، وكل من يقول لكم غير ذلك فهوا يكذب عليكم أو يجاملكم، وعليكم أن تعرفوا جيداً أننا نقدم كل هذه التضحيات بأرواحنا وممتلكاتنا من اجل استلام الحكم في بغداد لتطبيق الشريعة الإسلامية في  العراق ومن ثم لتصديرها الى دول الجوار كما أوصى بها الأمام الخميني، وحسب المذهب الشيعي، وبموجب نظام ولاية الفقيه، وكما هو قائم الآن في جمهورية ايران الإسلامية، ولا يمكن أن نحيد عن ذلك قيد أنملة، هذا هو موقفنا الآن وسوف يكون نفس الموقف في المستقبل القريب عند استلامنا للسلطة ،وسيبقى هكذا والى الأبد، حتى نحقق كافة أهدافنا.
وبعدها غادرت مكتب السيد وإستصحبني معه الشيخ أبو علي مسؤول الإعلام في المجلس آنذاك الى الطابق الأرضي، ودخلنا في غرفة كانت تضم جهاز إرسال لإذاعة المجلس، وأجرى معي مقابلة إذاعية مباشرة على الهواء حول موقفنا من التشكيل الجديد للأحزاب والمنظمات الشيعية التي انبثق عنها المجلس الإسلامي الأعلى للثورة العراقية في إيران.

•-   خاتمة
بعد هذا الإستعراض الموجز لنشوء المعارضة العراقية -إن جاز التعبير- وكيف نمت، وما هي الأحداث التي مرّت بها، فإن شهادتي من عاصرها، تلقي الضوء على خفايا تفكيرها وخططها، ودور الأيادي الأجنبية في تشكيلها وحمايتها وصولا إلى تسليم الولايات المتحدة السلطة لها عام 2004، بعد إسقاط نظام صدام حسين، ونتيجة لأيدلوجياتها المتطرفة فقد فشلت في أدائها السياسي وإدارة الحكم طيلة 17 عاماً، وما جلبته جراء ذلك من خراب ودمار وقتل وقمع وتبديد الثروات وسرقة الأثار وهدم مؤسسات الدولة وتحطيم المرافق الأساسية في التعليم والصحة والصناعة والزراعة وغيرها، تقطع أي شك في وجود وعِظَم حجم المؤامرة على العراق. مما قاد إلى ظهور وعي عراقي شعبي جديد بدأته جماعات النخبة بالتحشيد لمقاطعة الانتخابات عام 2018، ثم إندلاع حركة الإحتجاجات الشعبية في الأول من أكتوبر عام 2019 وخاصة في المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، ومع تزايد الضغط الشعبي إزاء قمع الحكومة أدى إلى إستقالة حكومة عادل عبد المهدي في الأول من ديسمبر من ذات العام، مما يجعل نهاية هذا النظام الذي أقيم برعاية وحماية أجنبية إلى أن يشارف على نهايته. وما زالت هذه الأحزاب التي أنشأها نظام الخميني في إيران بعيد الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 تمارس نفس الأساليب اللإجرامية في القتل والتفجير وتهديم الكنائس وإرغام السُنّة والأقليات من المسيحيين والأيزديين والصابئة على ترك مناطقهم والهجرة خارج العراق في كل مرافق الدولة (وبضمنهم كاتب هذا المقال) بدعم إيراني واضح بقيادة قاسم سليماني، وقد أدى هذا القمع إلى قتل 450 متظاهراً، وجرح نحو 20 ألف أخرين، وإعتقال الالآف من المحتجين، ولكن تبقى إرادة الشعوب هي الأقوى وهي مصدر كل السلطات. ولا بد أن تشرق شمس الحرية على أرض العراق قريباً. 

د. رياض السندي 



[1] د. علي الوردي، لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج 5 حول ثورة العشرين، القسم الأول، بغداد 1977، ص 18. 
[2]Thomas Lyell, Ins and Outs of Mesopotamia, London 1928, pp. 183-194.                                                                  
[3] صدور قانون منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 251 لعام 1972.
[4] آل الحكيم أو بيت الحكيم هي أسرة عراقية (غير عربية) يرجع نسلها إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، تشتهر بدراسة الفقه والأصول والعقائد، يسكنون مدينة النجف منذ مجيء جدهم الذي جاء مع الشاه عباس الأول لزيارة العراق سنة 1033هـ (1624م).
[5] السيد محمد باقر محسن الحكيم الطباطبائي (8 تموز 1939 - 29 آب 2003) هو محمد باقر ابن السيد محسن الحكيم المرجع الديني الشيعي الكبير. وهو أيضا مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والتي تعد من قوى المعارضة العراقية التي عملت ضد النظام العراقي السابق، يعد من أبرز القادة الشيعة في العراق. ولد عام 1939 م في النجف. اغتيل في 29 آب 2003 أثر تفجير النجف 2003 بعد خروجه من ضريح الأمام علي حيث كان يلقي خطبة صلاة الجمعة. وراح ضحية ذلك التفجير ما يقارب من 83 شخص. هاجر من العراق بعد وفاة آية الله السيد محمد باقر الصدر في أوائل شهر نيسان عام 1980 م، وذلك في تموز من السنة نفسها قبل أشهر من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية. كان محمد باقر الحكيم دور كبير في تصعيد العمل المعارض ضد النظام العراقي آن ذاك وقد قام بخطوات كبيرة في هذا المجال، أسفرت عن زعامة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (المجلس الأعلى الإسلامي العراقي) بعدما كان قد أسس من قبل الخميني والذي أنيط زعامته محمود الهاشمي الشاهرودي. إلا بعد قدوم محمد باقر الحكيم وتكريما لآل الحكيم عزي زعامة المجلس الأعلى للسيد محمد باقر الحكيم، انتخب رئيساً للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق منذ عام 1986 إلى اغتياله. كما اهتم بإنشاء المؤسسات ذات الطابع الخيري، فأسس "مؤسسة الصدر" والمؤسسات الصحية، ثم المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق، ومنظمات حقوق الإنسان في العراق المنتشرة في أرجاء العالم.
[6] هو النجل الثالث ابن الإمام محسن الحكيم (قدس سره) حامل الاسم المركب السيد محمد مهدي بن السيد إبراهيم (الملقب بـ طباطبا (بن إسماعيل الشهير بالديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الإمام الزكي المجتبى الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام. ولد العلامة الشهيد عام 1935 م ـ1353 هـ في مدينة النجف الأشرف. واستشهد اغتيالا بتاريخ 17|ك2|1988 م ـ 1408 هـ في السودان |الخرطوم اثر اطلاق ناري من قبل محطة المخابرات الصدامية الكائنة بمبنى السفارة العراقية في السودان بعد وضع خطة مبرمجه واستدراجه لحضور مؤتمر الجبهة الوطنية الإسلامية في البلد المذكور أنفا. وكان مهدي الحكيم وهو معارض عراقي شيعي من أسرة الحكيم، وصل إلى الخرطوم في منتصف يناير 1988 بدعوة من الجبهة الإسلامية القومية لحضور مؤتمرها العام، ومع ذلك لم يستطع حضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وأوفدت الجبهة محمد يوسف محمد والكابتن النور زروق الى الحكيم في مقر إقامته بفندق الهيلتون، معتذرين عن ما حدث من ملابسات، كما استقبل خلال اليوم الثاني الدكتور أحمد علي الإمام الذي نقل له رغبة الدكتور حسن الترابي في لقائه، فلبى الحكيم الدعوة في اليوم التالي، حيث زاره وعُقد اجتماع موسع بينهما تمت خلاله مناقشة بعض القضايا التي تهم العالمين العربي والإسلامي، ومنها دور الحركة الإسلامية في العراق وكيفية إقامة حكومة إسلامية. استنادا الى محاضر التحقيق الجنائية السودانية التي وقع عليها العقيد أمين القريش مدير التحقيقات الجنائية في السودان فان الشهيد مهدي الحكيم قدس سره الشريف استدرج الى السودان بواسطة المدعو نور الله رزوق سوداني الجنسية حيث تلقى دعوة رسمية من الجبهة الشعبية برئاسة الدكتور حسن الترابي لحضور مؤتمرها في السودان وقد استلم الدعوة من ممثل الجبهة في لندن نور الله رزوق الذي رافقه الى مطار هيثرو وذكر السيد أمين القريش ضابط التحقيق بان السيد مهدي الحكيم ومرافقيه حضروا الى السودان يوم الخميس 14/1/ 1988وقابلهم بالمطار مدير سيتي بانك وأخذهم للهيلتون؟
يقول نور الله رزوق كلفني أمين عام الجبهة «الدكتور حسن عبدالله الترابي» بالذهاب ضمن وفد من الجبهة لمقابلة السيد مهدي الحكيم ومرافقيه بالهلتون وتحديد موعد معه للقائه وأبلغناه إن الدكتور حسن عبدالله الترابي يرحب به في منزله وكان حديثاً مختصراً وأبلغناه بان الدكتور احمد علي الإمام سوف يحضر له يوم الأحد 17/1/88 لأخذه في اليوم الثاني قابلته بمكتب الأستاذ محمد يوسف في الساعة الثانية عشرة ظهراً تحديداً ثم أخذناهم لمنزل السيد محمد يوسف. بعد رجوعه من الاجتماع مع نور الله رزوق عاد الى فندق هيلتون الخرطوم الذي كان يقيم فيه فكان اثنان من جلاوزة المخابرات العراقية العاملون في السفارة العراقية في السودان بانتظاره وحينما دخل الى قاعة الاستقبال أطلقا عليه الرصاص ثلاث طلقات كانت هي خاتمة حياة الشهيد الذي لبى نداء ربه صابرا محتسبا وهرب الجناة في سيارة تحمل أرقاما دبلوماسية وفرا الى جهة غير معلومة. وقيل إن الذي سلم دعوة حضور المؤتمر في لندن للعلامة الشهيد الحكيم هو سعيد محمد رئيس تحرير جريدة العالم الإيرانية. وهو الذي نقل جواز سفر الشهيد ومرافقه السيد عبد الوهاب الحكيم الى القنصلية السودانية في لندن. والمضيف في السودان كان متواجد في القنصلية المذكورة ويدعى التيجاني. ومرتين لم يحصل الشهيد على تأشيرة الدخول للسودان من القنصلية. يعني ترتيب لشيء مجهول. بعد وصول الشهيد تم منعه من حضور افتتاح المؤتمر بعض التصرفات بقصد. وزاره الكابتن النور زروف ومعه محمد يوسف في الفندق واعتذار عن تلك التصرفات محذرين سماحته من حزب البعث السوداني بقولهم "هؤلاء مجرمون قتلة وقد يتعرضون لكم".
وبعد اغتيال الشهيد وإصابة مرافقه لم يتم إسعافه أو نقله للمستشفى لمدة ساعتين. وهذا دليلا قطعا على اشتراك الحكومة السودانية. وبعد ذلك حضر وزير الداخلية السوداني بعد عدة ساعات لمكان الحادث. وهذا دليل أيضا على الاشتراك في الجريمة.
وكان حضور وزير الزراعة العراقي لمطار الخرطوم بعد الحادث بدقائق ودخلت سيارة المنفذين للمطار كونهما يحملان رقم دبلوماسي فصعد الجناة بطائرة وزير الزراعة ونقلتهم الطائرة الى مكان أخر. أنظر، مجاهد منعثر منشد، الشهيد السيد مهدي الحكيم دم مهدور في الخرطوم، موقع خفاجة في أبريل 11, 2011. الرابط: http://kafajh.forumarabia.com/t32-topic
من جهته نفى محمد ضياء الدين، عضو القيادة القطرية لحزب البعث، أية علاقة لهم بتلك الحادثة، وقال إن البعث بريء من دم الحكيم، مشدداً على أن الجهة التي قدمت الدعوة وراء عملية التصفية، وهي جهة مخابراتية، ولفت إلى أن المجموعة التي اخترقت دائرة الحماية كانت لها علاقة بالدائرة، وأردف: "الاغتيال جزء من عملية الصراع الشيعي المحتدم بين الزعامة التقليدية العربية في كربلاء والزعامة الفارسية في قم". أنظر، الصادق المهدي يحمٌل الجبهة الإسلامية مسؤولية مقتل الحكيم، موقع النيلين، في 2016/06/14.
لقد مرّ الحدث باردا من أمام منصة المعارضة العراقية برمتها كما مرت جنازة العلامة الشهيد وهي صامتة تحملها عشرات الألاف من الأيدي التائهة بين خطاب متردد للمعارضة وتنافس محموم على تمثيل التيار الإسلامي في ساحة إيرانية مشغولة بالحرب والتحدي الدولي وتعاني من الحصار والتآمر. ورغم إستلام الأحزاب الشيعية للحكم في العراق إلا إنها لم تكشف عن تفاصيل هذا الملف بعد مرور 17 عاماً مما يدل على ضلوع إيران في حادث الإغتيال بالتماهي مع الحكومة العراقية.
[7] أُعدم نظام صدام حسين المرجع محمد محمد باقر الصدر في عام 1980 بتهمة العمالة والتخابر مع إيران بعد أن أعلن تأييده للجمهورية الإسلامية الإيرانية وقد أرسلت حكومة البعث إليه موفداً من قبلها يطلب منه أن يتراجع عن مواقفه المؤيدة. وهنا لعب الخميني دوراً خبيثاً إذ أرسل له رسالة مفتوحة عِبرَ وزارة الاتصالات العراقية يدعوه فيها للبقاء في العراق وعدم مغادرته لقلب نظام الحكم، وهذا ما دفع صدام لإعدامه.
[8] وفي يوم الجمعة الرابع من ذي القعدة الموافق التاسع عشر من شباط 1999 وبينما كان محمد محمد صادق الصدر برفقة ولدية مؤمل ومصطفى في سيارته عائداً إلى منزله في الحنانة أحد مناطق النجف، تعرض لملاحقة من قبل سيارة مجهولة فاصطدمت سيارته ميتسوبيشي بشجرة قريبة، وحسب التقارير الطبية والشهود العيان إن المهاجمين ترجلوا من السيارة وأطلقوا النار على الصدر ونجليه وتوفى إبنه مؤمل الصدر فورا، أما محمد محمد صادق الصدر فقد جاءته رصاصات عدة، ولكنه بقي على قيد الحياة، وعند نقله إلى المستشفى تم قتله برصاصة بالرأس، أما إبنه مصطفى أصيب بجروح ونقل إلى المستشفى من قبل الأهالي وتوفى هناك متأثراً بجراحه. في أعقاب مقتل الصدر، فقد شهدت مناطق جنوب العراق، ومدينة صدام (مدينة الصدر حاليا) اضطرابات ونزاعات عسكرية سميت بانتفاضة الصدر 1999 حيث قامت مجاميع مسلحة بالهجوم على قوات الأمن ومراكز الشرطة ومقرات حزب البعث في الجنوب.
[9] الإمام موسی الصدر (بالفارسية: امام موسی صدر) (ولادة: 4 يونيو 1928 في قم- مختفى: 31 أغسطس 1978 في ليبيا) عالم دين ومفكر وفيلسوف وسياسي وزعيم ديني شيعي ولد في 4 يونيو عام 1928 في مدينة قم الإيرانية وهو ابن السيد [3] صدر الدين الصدر المنحدر من جبل عامل في لبنان. خضع لكلا الدراستين الحوزوية والأكاديمية في إيران. غادر قم إلى النجف لاستكمال دراساته الدينية وعاد إلى إيران بعد انقلاب 1958 العراقية. ولد في مدينة قم الإيرانية في 4 حزيران عام 1928م، حيث درس العلوم الدينية بعد نيله لشهادتين في علم الشريعة الإسلامية والعلوم السياسية من جامعة طهران في العام 1956م. بعد عدّة سنين في قم توجه الإمام موسى الصدر إلى النجف لإكمال دراسته تحت إشراف المرجع الأعلى للطائفة الشيعية الإمام محسن الحكيم الطباطبائي وزعيم الحوزة العلمية آية الله أبو القاسم الخوئي. في العام 1960م توجه للإقامة في صور اللبنانية. وما زالت حركته (أمل) في لبنان والتي يرأسها نبيه بري أضعف مرتبة من حزب الله الذي يتزعمه حسن نصر الله، الموالي لولاية الفقيه في إيران.
[10] حزب الدعوة الإسلامية، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
[11] باحث عراقي مختص بالشأن الشيعي. ولد في بغـداد، اهتم مبكرا بهوايته في الرسم، حصل على الجائزة الأولى للفنانين الشباب بعد إقامته معرضه الشخصي الأول في بغداد، تشرين الأول 1970، خريج قسم الفيزياء -كلية العلوم- الجامعة المستنصرية. كتب ونشر بعضا من كتاباته الشعرية والأدبية، فضلا عن نشره رسوم كاريكاتيرية في مجلات وصحف عراقية، وكتب في صفحات الطلبة والشباب. اجتاز دورة متخصصة للمذيعين في معهد التدريب الإذاعي والتلفزيوني في بغداد 1974. بدأ العمل لإذاعة العراق الحر منذ عام 2003 مراسلا في بغداد ثم مديرا لمكتبها، والتحق عام 2007 بمقر الإذاعة في براغ. عضو نقابة الصحفيين العراقيين. أصدر عدداً من الكتب والمقالات التي تنتقد التشيع الفارسي، أبرزها كتابه التشيع العربي والتشيع الفارسي.
[12] نبيل الحيدري، المجلس الأعلى الإسلامي العراقي في الميزان، ح1، موقع الحوار المتمدن، الرابط: 
[13] نبيل الحيدري، في ذكرى محمد باقر الصدر... حزب الدعوة في الميزان، موقع الحوار المتمدن، العدد 3697 في 2012 / 4 / 13. 
[14] السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (بالفارسية: محمود هاشمی شاهرودی) (1 سبتمبر 1948 - 24 ديسمبر 2018) هو سياسي ومرجع دين عراقي-إيراني. نال درجة الاجتهاد في حوزة النجف من قبل أستاذه محمد باقر الصدر. كان من مؤسسي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وتولّى رئاسته لأربع دورات عقب تأسيس المجلس في مطلع عقد الثمانينيات. شغل محمود الشاهرودي منصب رئاسة السلطة القضائية في إيران لدورتين (1999-2009). تولى رئاسة الهيئة العليا لحل الخلاف وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث، وعيِّن رئيسا في مجمع تشخيص مصلحة النظام وعضوا في مجلس صيانة الدستور من قبل المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي. كما كان عضواً في المجمع العالمي لأهل البيت ومجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية. ولد محمود الشاهرودي في الثاني من ذي القعدة عام 1367 هـ/ 15 آب 1948م، بمدينة النجف، في عائلة متدينة تنحدر أصولها من مدينة شاهرود في إقليم سمنان. كان والده علي الهاشمي الشاهرودي رجل دين ومن تلامذة أبو القاسم الموسوي الخوئي وكان جدّه علي أكبر الهاشمي الشاهرودي، الذي هاجر من مدينة شاهرود إلى كربلاء لمجاورة مرقد الإمام الحسين. أما والدته فكانت بنت آية الله علي مدد الموسوي القائيني، الذي كان أحد علماء قرية سيدان التابعة لمدينة بيرجند.
[15] المقصود بها: 
1) تنظيم المجلس الأعلى: وهو الوجه السياسي للمجلس.
2) منظمة دار التبليغ: وقد تحول اسمها إلى شهيد المحراب بعد مقتل محمد باقر الحكيم، وهي تمثل التنظيم الاستخباراتي للمجلس.
3) فيلق بدر: وهو الجناح العسكري لتنظيم المجلس الأعلى.
[16] داود برنو، الكردينال عمانوئيل دلي ومقال السيد حميد الشاكر، موقع عنكاوا، على الرابط: http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=306396.msg3914898#msg3914898

الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...