صور حصرية من زيارة البابا فرنسيس لكنيسة سيدة النجاة في بغداد يوم ٢٠٢١/٣/٥

تتولى هذه المدونة الاهتمام بشؤون العراق، ونشر الاعمال الأدبية والدراسات والبحوث والمقالات للدكتور رياض السندي، لا سيما وقد نشر أكثر من 200 دراسة وبحث ومقال في اختصاصات القانون والسياسة والتاريخ والصحافة والاديان في أكثر من 50 موقعا إلكترونيا وصحيفة يومية ودوريات علمية، ومعظمها باللغة العربية بالاضافة الى الانكليزية والكردية، حتى عّده موقع ويكيبيديا، الموسوعة الحرة واحداً من مشاهير الكتاب المسيحيين العرب في العراق. كما تعرض هذه المدونة للبيع كتب الدكتور رياض السندي، مع خدمة شحنها للعالم.
الجمعة، 5 مارس 2021
الخميس، 4 مارس 2021
المَسِيحيَّة بالعراق.. عشرون قرناً بلا انقطاع (3-5)
المَسِيحيَّة بالعراق.. عشرون قرناً بلا انقطاع (3-5)
عاش المسيحيون العراقيون في ظل الدَّولة العثمانية بشكل عام "في ظل نظام كان التَّساهل فيه يزيد على ما كان في الولايات الأُخر. فبغداد كانت عالمية إلى حد أنها لا تشجع شيوع التَّعصب. يضاف إلى ذلك أن هذه الديانات كانت تسلك سلوكاً حسناً. كما كان النَّاس قد ألفوهم نظرا لطول إقامتهم، ولعدم وجود ما يمنع اختلاطهم بباقي النَّاس.
فربما كان من المحذور عليهم امتلاك الرقيق الأبيض أو أن يركبوا الخيل؛ لأن حصتهم من هذه الأصناف كانت العبيد والزنوج والحمير. على أن التحقير الأعظم الذي كان يقضي بعدم الركوب مطلقاً، أو بالنزول عند مرور سيد من السَّادة كان لا يؤتى إلا قليلا"(أبونا، تاريخ الكنيسة الشرقية، 3 ص 97).
من أخبار ولاية البصرة -وهي مركز جنوبي العراق- الإيجابية تجاه المسيحيين، اضطرار السُّلطان العثماني إلى استحداث منصب معاون الدَّفتردار، أو زير المالية في الولاية. و"كان يفترض أن لا يشغل هذا المنصب إلا المسيحيون"(آداموف، ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها، ترجمة: هاشم صالح التكريتي، البصرة: جامعة البصرة، مركز دراسات الخليج العربي 1982 ص76). وأن يُكلف ناصر باشا آل سعدون مؤسس مدينة النَّاصرية الحديثة ومتصرفها، في أيام مدحت باشا في السبعينيات من القرن التاسع عشر، الشَّخصية المسيحية المعروفة نعوم سركيس، بتخطيط وإنشاء مدينة الشَّطرة، وهو "من الذين يثق بهم"( المصدر نفسه ص51)، فأصبح "ملتزماً لمقاطعات في أنحاء المنتفك وملاكاً فيها"(مير بصري، أعلام الأدب في العراق، لندن: دار الحكمة 1994ج 1 ص270).
في أحوال تلك الفترة أفاد تقرير المطران باييه عمانوئيل، أسقف بغداد الكاثوليكي (1742) إلى البابوية بروما، إعطاء صورة مفيدة لوضع المسيحيين، وبالأخص الكاثوليك منهم، في تلك المرحلة. وصاحب التقرير ولد بفرنسا، وأُوفد إلى العراق عام 1728، وأصبح أسقفاً للكاثوليك ببغداد، وظل في منصبه الديني حتى وفاته بمرض الطَّاعون، الذي اجتاح العراق سنة 1773(مجلة بين النَّهرين، العدد 43 السنة 1983).
يذكر المسيحيون العراقيون فضل أسرة الجليليين المسلمة بالموصل، التي كانت تسعى لحمايتهم من حملات الصفويين ضدهم، وفي حروبهم مع العثمانيين. ففي حصار سنة (1743)، الذي قام به نادر شاه على الموصل، قتلت قواته عدداً كبيراً "من المسيحيين. واستولت الأَيزيدية على الأديرة ونهبتها وقتلت رهبانها. منها دير مار أوراها القريب من بلدة باطنايا في سهل الموصل. فأصاب الهلع أهل القرى، والتجأوا إلى الموصل، حيث استقبلهم الحاج حسين باشا الجليلي، وشجعهم وجهزهم بالمؤن والأسلحة"(أبونا، تاريخ الكنيسة الشرقية 3 ص212). كذلك مما تعرض لاضطهادات نادر شاه منطقة باطنايا، التي تقع شمال الموصل، سنة 1743(حبي، كنسية المشرق الكلدانية - الآثورية، ص166).
تدخل الجليليون لحماية مسيحيي قرقوش من الجيش الصَّفوي، فطلبوا مِن سكانها "أن يحملوا كل ما يعزَّ عليهم ويتوجهوا إلى الموصل قبل عبور نادر شاه وعساكره إلى قرقوش"(بهنام، قرقوش في كفة التاريخ، بغداد: مطبعة الأديب 1962 ص54). تجاوز أمراء الموصل بهذه المواقف النبيلة كل حكم أصدره خليفة أو والٍ مسلم ضد المسيحيين والديانات الاُخر.
عموماً، لم نقرأ عن تطبيقات عثمانية خاصة بأهل الذِّمة، مِن شروط الملابس الخاصة أو تحديد مستوى البناء إلى هدم كنائس وغير ذلك. والأمر ربما يرتبط بتبدل الزَّمن، وتقدم العثمانيين الحضاري قياساً بمن سبقهم من الملوك والحكام، ووجود البعثات الدبلوماسية الأوروبية، التي تشارك المسيحيين الدين نفسه.
يضاف إلى ذلك طبيعة المذهب الحنفي الذي اعتمده سلاطين آل عثمان. فالإمام أبو حنيفة النُّعمان (ت 150هـ) لا يكفر أحداً، ولم يحكم بالقتل على مَن اُتهم بسب الرَّسول أو الصَّحابة، ويقضي بقتل المسلم بالذِّمي. ودليله على ذلك "عموم آيات القصاص مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى. وقوله: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ. وقوله تـعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً. مِن غير فصل بين قتيل وقتيل، ونفس ونفس"( زيدان، أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، بيروت: مؤسسة الرِّسالة للطباعة والنشر والتوزيع 1982 ص260-261). اعتمد الفقه الحنفي على ما ورد عن النَّبي: أنه "أقاد مسلما بذمي وقال: أنا أحق مَن وفى بذمته". وعن علي بن أبي طالب أنه قال: "أعطيناهم الذي أعطيناهم لتكون دماؤهم كدمائنا ودياتهم كدياتنا"(المصدر نفسه).
في القرن التاسع عشر، وبتأثير الدول الغربية، بدأ وضع الطوائف المسيحية الأخرى يتغير، فقد حصل الأرمن الكاثوليك عام (1831) على اعتراف بهم كطائفة مستقلة. كما اعترف لبطريرك الأرمن الكاثوليك عام (1857) بتمثيل "مصالح طوائف الكنائس الشرقية المتحدة مع الكنيسة الكاثوليكية، مثل الكلدان والسِّريان والملكيين (الرُّوم الكاثوليك)(المصدر نفسه).
كان لإعلان المرسوم المعروف بخطية كلخانة (1839)، مِن قبل السلطان عبدالمجيد الأول (1839 ـ 1861)، أثره في مساواة الطوائف المسيحية أمام الدولة في الحقوق والواجبات؛ إذ تقرر صون أرواحهم وأعراضهم وأموالهم. ثم تبع ذلك إصدار خط همايون (1856)، الذي أكد صراحة "معاملة جميع تبعة الدولة العثمانية معاملة متساوية مهما كانت أديانهم ومذاهبهم، مع الإبقاء على سلطات رؤساء الدين بشرط إعادة تنظيمها"(المصدر نفسه).
وأصبح لكل طائفة مجلس روحاني ومجلس جسماني، إذ تم الاعتراف بطائفة اللاتين، التي تكونت مِن المهاجرين إلى العراق وبلدان الدولة العثمانية الأُخرى، ومعظمهم مِن التُّجار الإيطاليين، ومِن تبعهم بفعل حملات التَّبشير. واعترفت الدَّولة لأول مرة بالطَّائفة الكلدانية والنِّسطورية، فاستخرج البطريرك (زيعا) العام 1844، أثناء زيارته إلى القسطنطينية، فرمانا بلقب بطريرك الكلدان ببغداد والموصل.
لقد ضمن الدُّستور العثماني، الصَّادر في 23 ديسمبر (كانون الأول) 1876 أيام الصَّدر الأعظم (رئيس الوزراء)، ووالي العراق المتنور مدحت باشا، حقوقا للطَّوائف غير الإسلامية، فقد "أُطلق لقب عثماني بدون استثناء على كافة أفراد التبعة العثمانية مِن أي دين ومذهب كانوا، مع تأكيده أن الإسلام دين الدولة الرسمي. وضمن الحرية لجميع الأديان، بشرط عدم إخلالها براحة الخلق والآداب العمومية. وحافظ على الامتيازات الممنوحة للجماعات المختلفة.
الأربعاء، 3 مارس 2021
المَسِيحيَّة بالعراق.. عشرون قرناً بلا انقطاع (2-5)
المَسِيحيَّة بالعراق.. عشرون قرناً بلا انقطاع (2-5)
رشيد الخيون
تشرف العرب بالنَّصرانية، قبل الإسلام، فكانوا يقسمون بالكعبة والصليب معاً، مثلما تقدم مِن قول عدي بن زيد. وقال الأعشى الأكبر أو أعشى قيس (629م): "حلفتُ بثوبي راهب الدَّير والتي/ بناها قصيٌ والمضاف بن جرهم(ابن سيد النَّاس، عيون الأثر في فنون المغازي والشَّمائل والسِّير 2 ص262).
وقال الزَّبرقان بن بدر، يوم وفد على النَّبي محمد مع تميم، مفاخراً شاعر الرَّسول المسيحي السابق حسان بن ثابت (ت نحو 54هـ): "نحن الكرام ولا حيٌ يعادلنا/ منَّا الملوك وفينا تُنصب البيعُ(ابن سيد النَّاس، عيون الأثر في فنون المغازي والشَّمائل والسِّير 2 ص262).
من جانبه استقبل النَّجاشي (9 هـ) المسلمين الفارين مِن قريش، لاجئين في مملكته، ورفض تسليمهم إلى موفد قريش عمرو بن العاص (ت 43هـ)( الطَّبري، تاريخ الأُمم والملوك، تحقيق: عبدأ علي مهنا، بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات 1998ج 2 ص245)، الذي أصبح من أبرز أمراء المسلمين في ما بعد. كان في مقدمة اللاجئين إلى الحبشة ابن عم النَّبي جعفر بن أبي طالب، المعروف بجعفر الطَّيار (قُتل 8هـ)، قيل: فقد ساعديه في غزوة مؤتة (كرك الأردنية حالياً) مع الرُّوم ليكون له جناحان يطير بهما في الجنة، فسمي بذي الجناحين(ابن عبدالبرِّ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، القاهرة: الفجالة- مطبعة نهضة مصر 1 ص242).
كذلك استقبل مقوقس مصر رسول النَّبي محمد، وبعث بهديته إليه ومنها الجارية مارية القبطية (ت 16هـ)، وهناك مَن ملك يدها مِن زوجاته، لكنها مِن أمهات المؤمنين، وأم ولده إبراهيم(المصدر نفسه 4 ص 1912). قبل هذا تقدم المسيحي عداس، وهو غلام من نينوى يعمل بخدمة نفر من ثقيف، يشد من أزر النبي محمد بعد أن لقي ما لقي من صد ثقيف وإيذائهم وسخريتهم. وتبسط معه في قصة النبي يونس أو يونان ليصبره على العذاب والخذلان(الطبري، تاريخ الأمم والملوك 2 ص253).
كذلك أيد مسيحيو نجران الدَّعوة وكُتب عهد لهم، لم يلتزمه عمر بن الخطاب في ما بعد، فقد أمر بتهجيرهم عنها. ولما قِدم وفدهم برئاسة الأسقف أبي الحارثة "أظهروا اليباج والصّلُب ودخلوا بهيئة لم يدخل بها أحد، فقال الرَّسول: دَعوهم"( اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت: دار صادر 2 ص82).
كان ورقة بن نوفل، المتكهن بنبوة محمد، مسيحياً، وقيل إنه عاش ومات على المذهب الآيروسي الذي تجاوب معه الإسلام في صفات المسيح، وما يتعلق بالأقانيم الثلاثة. ولا نعرف ديانة خديجة بنت خويلد، قريبة ابن نوفل، وزوجة النَّبي الأولى، فربما كانت قبل الإسلام مسيحية أيضاً. هناك أحاديث عديدة خصت ورقة بن نوفل بالتكريم، منها: "أَنَّ خَدِيجَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فَقَالَ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ ثِيَاب بَيَاضٍ فَأَحْسبُهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثِيَابَ بَيَاضٍ"( مسند ابن حنبل، باقي مسند الأنصار، حديث رقم: 23846).
جلاثقة وخلفاء
انتقل مركز الخلافة في العهد العباسي إلى العراق، فأصبح التَّعامل مع الخلفاء مباشرة. يومها اقترب المسيحيون مِن دواوين الدولة التي كانت بحاجة إلى "مثقفين يقومون بأعباء الإدارة والدَّواوين والجباية والشُّؤون المالية، وكان المسيحيون وحدهم يمتازون في ذلك الوقت بثقافة عالية، فكانوا من أهل العلوم والحرف، كالفلاسفة والأطباء والفلكيين"(أبونا، تاريخ الكنيسة الشرقية 2 ص105).
كان الجاثليق طيمثاوس الأول أو الكبير (ت 823م) أبرز جثالقة الكنيسة الشَّرقية في العهد العباسي، فقد امتدت "كنيسة المشرق في عهده إلى الهند والصين والتبت"(المصدر نفسه 2 ص102). انحدر من أربيل وتدرج في المهام الدينية حتى حل محل الجاثليق حنا نيشوع الثاني. ومن أعمال طيمثاوس أنه "سعى كثيرا بتربية إكليروسه تربية صحيحة، وبنى لهم مدارس ومعاهد يتلقون فيها إلى جانب علوم الكنيسة العلوم المدنية بجميع فروعها وفنونها"(ساكسو، البطريرك طيمثاوس الكبير رائد الحوار المسيحي - الإسلامي في العصر العباسي، بين النهرين، العدد 4 السنة 1976).
عاصر طيمثاوس خمسة خلفاء عباسيين: المهدي (775 - 785م)، والهادي (785 – 786م) والرَّشيد (786 - 809م) والأمين (809 - 813م) والمأمون (813 - 833م). وكانت فترة رئاسته لكنيسة الشَّرق مثمرة في العلاقة بين المسيحيين والمسلمين. وقد اشتهرت فيها حواراته العقائدية مع الخليفة المهدي وعلماء المسلمين.
كان الخلفاء والوزراء يحاولون كسب المذاهب السائدة والمهيمنة على العامة؛ مثل المذهب الحنبلي أو الشَّافعي الشديدين على أهل الذِّمة. حدث مثل هذا في أزمة الخلافة عقب فشل انقلاب عبدالله بن المعتز ضد المقتدر بالله سنة 296هـ. فتقرر عدم استخدام "أحد من اليهود والنَّصارى إلا في الطِّب والجهبذة فقط، وأن يطالبوا بلبس العسلي، وتعليق الرِّقاع المصبوغة بين أظهرهم"(ابن تغرى بردى، النُّجوم الزَّاهرة في ملوك مصر والقاهرة، القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية 1932ج 3 ص165). غير أن المسيحيين، وأهل الذِّمة عامة، أثبتوا وجودهم عن طريق إتقان المهن، التي عزف عنها العرب المسلمون، بداية من الطب والهندسة والترجمة إلى الصياغة والحدادة والزِّراعة، وأعمال الخدمة المتنوعة الرَّفيع منها والوضيع. وهي تتراوح بين الطّبابة والكتابة والتَّنظيف، وأثر ذلك ما زال بائنا ببغداد والبلاد العراقية الأخرى.
شهد العراق حضوراً مميزاً للأطباء المسيحيين، وأول هؤلاء كان الطَّبيب (تياذوق)، طبيب الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95هـ). وكان "فاضلاً وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطب"(ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، بيروت: دار الثَّقافة 1987ج 2 ص32). وكان قد شفى الحجاج من أكل الطين(المصدر نفسه 2 ص34). وخدم جورجيس بن جبرائيل أبا جعفر المنصور (ت 158هـ) وكان حظيا عنده وترجم له كتبا عديدة، استدعاه المنصور من جند نيسابور عام 148هـ لعلاجه من فساد معدته وانقطاع شهوته(المصدر نفسه 2 ص37).
في الحقبة المغولية
كانت المسيحية قد وصلت عبر العراق إلى الهند وما وراء النهر، فاعتنقها الكثير من المغول، حتى إن مغولياً مثل (يهبالاها) (القرن الخامس الميلادي)، نصب جاثليقا للكنيسة الشرقية. وفي فترة متأخرة نصب يهبالاها الثالث (1281 – 1317م) جاثليقاً أيضاً. وإن الجيش المغولي، الذي اجتاح بغداد يتكون من جنود يدينون بالمسيحية. وكانت زوجة هولاكو، دقوز خاتون مسيحية أيضا. فعملت "ما بوسعها للذود عن المسيحيين"(أبونا، تاريخ الكنيسة الشرقية 3 ص7).
حسب الأب الدومنيكي أن تعاطف المغول مع المسيحيين يعود إلى أسباب عديدة؛ منها "عقلية المغول التي تميل بطبيعتها إلى الخرافات، وتأثير النساء المسيحيات، والمصلحة السياسية"(الدومنيكي، الآثار المسيحية في الموصل، ص58). فغير المسيحيين منهم كانوا يسمون أولادهم بأسماء مسيحية ويعمدونهم. "إذ يرون في العماد طقساً سحرياً، تفيد ممارسته أكثر من نظرهم إلى حقيقته الأساسية. وعند قراءتنا تاريخ المغول قد يقودنا التفكير إلى عالم الغجر اليوم، الذين تمتزج مسيحيتهم بخرافات كثيرة جاءتهم من أجدادهم"(المصدر نفسه).
يضاف إلى تلك الأسباب التي جعلت المغول يتعاطفون مع المسيحيين، هناك صلات للبابوية مع خاناتهم، بعد أن أصبحوا قوة عظمى تتساقط البلدان والقلاع المحصنة أمامهم، وهم في طريقهم إلى بغداد. فقد أرسل البابا اينوشنسيوس عام 1248م، أي قبل اجتياح بغداد بعشر سنوات، رسالة يدعوهم فيها إلى اعتناق المسيحية(المصدر نفسه، ص56).
وفي العــهد الجـلائري (1337 - 1411م)، الذي حل محل العهد الإيلخاني، انخفض إيراد الجزية ببغداد، بعد تراجعه أواخر العــهد السابق "بزيادة عدد الذين يدخلون منهم في الإسلام تخلصاً من المضايقات، ولجوء قسم منهم إلى منطقة الجزيرة وغيرها" أبونا، تاريخ الكنيسة الشرقية 3 ص97). وفي هذا العهد عاد الاضــطهاد الـدِّيني من جديد وأُلزم أهل الذمة "بالغيار، وهدمت كنائسهم وأديرتهم، وأسـلم منهم ومـن أعيـانهم خلـق كثير، منـهم سديد الدولة، وكان ركنا لليهود"(المصدر نفسه).
المَسِيحيَّة بالعراق.. عشرون قرناً بلا انقطاع (1-5)
المَسِيحيَّة بالعراق.. عشرون قرناً بلا انقطاع (1-5)
رشيد الخيون
عُرفت روايات وآراء عديدة عن كيفية دخول المسيحية إلى العراق، منها: "أن أول جماعة نصرانية قامت في بلادنا، وفي مملكة حدياب بالذات كانت تتألف مِن اليهود، وسرعان ما انضم إليهم بقية الأقوام والأجناس الوثنية وازداد عددهم"(نباتي، تاريخ عينكاوة، أربيل: مطبعة جامعة صلاح الدين 2000 ص38 عن آدي شير، شهداء الشرق 1 ص181).
بعد أربيل، تحدثت المصادر عن وصول المسيحية إلى مناطق العراق الأُخر: دخلت الموصل بواسطة "ما لا يقل عن ثلاثة مِن الرُّسل الاثني عشر، وهم: بطرس وتوما وبرتلماوس، يصحبهم أربعة مِن التَّلاميذ السَّبعين، وهم: آدي وماري وبنيامين وسمعان"(الدومنيكي، الآثار المسيحية فــي الموصــل. ترجمة نجيــب قاقو، بغــداد: مطبــعة الطيــف، 2000 ص11).
بينما تأخر دخولها جنوبي العراق إلى عهد الملك السَّاساني شابور الأول (ت 272م). انتشرت هناك عن طريق سبايا الرُّومان "الذين أتى بهم مِن المنطقة الرُّومانية في حروبه الكثيرة وغزواته الموفقة. فقد غزا أنطاكية مرتين، وأجلى العديد مِن سكانها إلى البلاد البابلية، وإلى سائر المناطق الفارسية. وكان مِن بين السَّبايا ديمترياس مطران إنطاكية نفسه"(الأب البير أبونا، تاريخ الكنيسة الشرقية، الموصل: المطبعة العصرية 1973ج 1 ص27).
أشارت رواية أخر إلى أن تأسيس كنيسة المدائن يعود إلى القرن الأول والثاني الميلاديين، أي في الأعوام (79 - 116م)(نباتي، تاريخ عينكاوة، ص31). غير أن هناك مَن أشار إلى التَّبشير المبكر بجنوب العراق، متزامنا مع شماله بحدياب. قال الأب اليسوعي: "إن الكتب الطَّقسية النِّسطورية وأعمال المجامع أشارت إلى دعوة آدي بين العرب في بلاد ميشان (ميسان) وسواد العراق وسكان الخيام"(الأب اليسوعي، النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية، بيــروت: مطبعة الآبــاء اليسوعييــن 1912، ص75).
عُباد الحيرة
أصبحت الحيرة، لمنزلتها المسيحية، داراً أبدية لرفاة عدد مِن الجثالقة العظام في تاريخ الكنيسة الشرقية، منذ القرن الخامس الميلادي وحتى بعد دخول العرب المسلمين إلى العراق بفترة طويلة. منهم: داد يشوع ( 456م)، بابوي (484 م)، آقاق (496 م)، حزقيال (581 م)، ايشوعياب ( 595 م)، كوركيس (681 م) وإبراهيم (850 م).
كذلك أصبحت الحيرة ملجأً للجاثليق الذي كان مركزه المدائن غالباً. ففي الأزمات الطَّارئة بين المسيحية والملوك السَّاسانيين يضطر إلى تركها. وبسبب ذلك غادر العاصمة "ايشوعياب الأول الأرزني (582-595م) والاجتماع بالملك النُّعمان بن المنذر، وهو أبو قابوس. وكان المنذر قد تنصر حديثا السنة 593م، وصار يعد نفسه من حماة المذهب النُّسطوري، وأصبحت الحِيرة حاضرة ملكه، من معاقل هذا المذهب. وهناك وافت المنية الجاثليق فتولت شؤون دفنه هند الصغرى أخت النعمان"(أبونا، تاريخ الكنيسة الشَّرقية1 ص136).
بحث جواد علي (ت 1987) في ظاهرة "عُباد الحيرة"، فتوصل إلى: "أن هذا الاسم لم يكن يعني قبيلة أو بطنا، وإنما يعني جماعة مِن قبائل شتى، جمعت بينها وحدة الدِّين ووحدة الموطن. لذلك لم يطلق إلا على النَّصارى العرب مِن أهل الحيرة. أما غيرهم مِن نصارى العرب فلم يشملهم اسم العبادين. ويمكن أن نقول استناداً إلى روايات الإخباريين في تحديد مدلول الكلمة واقتصارها على نصارى الحيرة من دون غيرهم من نصارى العرب: إن هذه الكلمة أطلقت في الأصل على مَن تنصر من أهل الحيرة، ليميزهم عن غيرهم من سكان المدينة من الوثنيين"(جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، بغداد: مكتبة النهضة. بيــروت: دار الملايـين 1978ج 3 ص171).
لأبي فرج الأصفهاني (ت 356 هـ) رواية في سبب تنصر النُّعمان بن المنذر، مفادها أنه أخذ بنصيحة أحد العباديين، وهو الشَّاعر عَدي بن زيد العبادي (ت 587م)، عندما كان يرافقه في إحدى رحلاته، وقد مرَّ الموكب بشجرة ومقبرة فأنشده ما حمله على التنصر(أبو فرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، تحقيق: إحسان عباس وآخرين، بيروت: دار صادر 2998 ج 2 ص 86).
ولعلَّ عَدِياً كان أول المحذرين مِن توظيف الدِّين في السِّياسة، وإن لم يكن يقصدها وعبر حينها عن نزعته الصُّوفية المسيحية في البيت التالي، الذي استشهد به ابن خلدون (ت 808 هـ) في مقدمته فصل: "في انقلاب الخلافة إلى المُلك"(ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: علي عبدالواحد وافي. القاهرة: نهضة مصر 2004ج 2 ص588). أي وظفه لغرض سياسي، مِن دون أن يرجعه لصاحبه، ولا محقق الكتاب استخرجه مثلما استخرج بقية الأشعار في التَّحقيق. قال عَدِي بن زيد: "نُرَقعُ دُنيانا بتمزيقِ دِيننا/ فلا دِينُنا يَبقى ولا ما نُرقِّعُ"(اليسوعي، شعراء النَّصرانية قبل الإسلام، بيروـت: دار المشرق 1967 ص470). ولعَدي بن زيد هذا ما يربط بين المسيحية وعبدة العرب قبل الإسلام، والاعتراف بالإله الواحد عندما قال: "سَعى الأعداء لا يألون شرَّا/ عليك وربَّ مكةَ والصَّليبِ"(المصدر نفسه، ص451).
مِن المفارقة بمكان أن أختَيْ المنذر الثَّالث (512 - 554م) هند الصُّغرى ومريم كانتا مسيحيتين مع والدتهما، و"تعاون جميعهن في تأسيس دير شهير"(أبونا، تاريخ الكنيسة الشرقية 2 ص29). بينما ظل الملك "لا يتردد في أن يقدم للآلهة ضحايا بشرية. ففي إحدى صولاته ضد الرُّوم استولى على 400 راهبة في منطقة حمص السُّورية، وقدمهن قرابين دون رحمة"(المصدر نفسه).
إذا صح أن البيت الآتي: "نحن بما عندنا وأنــــــت بمــــا/ عندك راضٍ والرَّأي مختلفُ"، هو لأحد ملوك الحيرة التنوخيين، عمرو بن امرئ القيس من ملوك الدولة اللخمية بالعراق (380م)، فذلك سبق يُحسب للحيرة في التَّسامح، نقول هذا ونذكر اختلافات الروايات في نسبة هذا البيت العظيم.
من الحيرة امتدت الصِّلات بين قريش والعراقيين، فانعكس ذلك في ما بعد على ما بين الإسلام والمسيحية، عبر الصِّلات التِّجارية، ولعلَّ بيت عَدي بن زيد العبادي السَّالف الذِّكر علامة على تلك الصِّلات. فكان بالحيرة "سراة نصارى اشتركوا مع سراة قريش في الأعمال التِّجارية، مثل كعب بن عدي التنوخي، وهو من سراة نصارى الحيرة، وكان أبوه أسقفا على المدينة، وكان يتعاطى التجارة وله شركة في التجارة في الجاهلية مع عمر بن الخطاب في تجارة البز، وكان عقيدا لهم"(علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج 6 ص596).
لماذا نعترض على زيارة البابا للعراق في هذا الوقت؟
لماذا نعترض على زيارة البابا للعراق في هذا الوقت؟
ان فكرة زيارة البابا للعراق هي قديمة وترجع الى عام ١٩٩١ عندما فرض الحصار على العراق، ففكرت حكومة صدام حسين دعوته لينقل معاناة الشعب، ولكنه رفض لان ذلك يشكل دعما لحكومة صدام حسين.
ان البابا يمثل قيمة روحية كبرى في العالم ويتبعه اكثر من ملياري مسيحي يمثلون ثلث سكان الارض، وهو شخص مرحب به في كل زمان ومكان، وخاصة ان البابا الحالي هو من أصول ارجنتينية ومن دول العالم الثالث، ويتفهم قضايا شعوبها، وله اراء متميزة في الكثير من قضايا الكنيسة وفي المسيحية ذاتها.
ولكن الآن، والشعب يعاني من الظلم والفساد والاحتلال وليس من جوع الحصار أو الديكتاتورية فقط، ويأتي البابا في هذا الظرف العصيب الذي تكالبت عليه ازمات كبيرة لم يسبق لها مثيل، مثل مرض الكورونا، وقصف الميليشيات الموالية لإيران للسفارة والقواعد الامريكية، واحتجاجات العراقيين منذ سنة دون جدوى،
فلا معنى لهذه الزيارة سوى تقديم دعم لحكومة الفساد وعدم الالتفات لمعاناة الشعب العراقي.
قد يحتج البعض بانه رجل دين وليس رجل سياسة؟ وهذا غير صحيح، فلو كان رجل دين فقط لما دعته الحكومة العراقية واهتمت به، فما اكثر رجال الدين في العراق والعالم ولا احد يشتريهم بفلسين، لا بل ان البعض منهم خطفوا وقتلوا وتم رميهم في المزابل ولم تتحرك الحكومة او تلتفت لقضيتهم، بل البابا هو رئيس دولة الفاتيكان رغم صغرها، وله منصب سياسي كبير .
هذا هو سبب اعتراضنا على زيارة البابا في هذا العهد دون الالتفات لقضية الشعب ككل، كما لم يلتفتوا له عندما كان يرزح تحت الحصار والجوع لمدة ١٣ سنة، وتناوب اربعة بابوات على حكم الفاتيكان ولم يلتفتوا إليه، بينما اليوم تحكم العراق حكومة فاسدة لا تهتم للشعب ولا توفر له ابسط مقومات الحياة حتى لو كان لقاحا بسيطاً لمرض الكورونا الوبائي، وياتي البابا تلبية لدعوته حكومته، ان هذا لا يعني سوى ان هذه الزيارة مدفوعة الثمن مقدماً. ونتمنى ان لا يكون ذلك صحيحاً.
د. رياض السندي
2021/3/4
الأحد، 28 فبراير 2021
الاثنين، 15 فبراير 2021
الأحد، 14 فبراير 2021
نظام بغداد الفاسد يريد قمع واسكات وتكميم افواه القنوات العربية
نظام بغداد الفاسد يريد قمع واسكات وتكميم افواه القنوات العربية
بالوثيقة: لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين توجه كتاب رسمي لوزارة الخارجية لاستدعاء سفيري مملكتي الاردن والسعودية لتسليمهم مذكرة احتجاج بخصوص قناة العربية وظهور ابنة الرئيس السابق رغد صدام حسين في برنامج تلفزيوني.. كما تدعو هيئة الاعلام والاتصالات لاتخاذ الاجراءات القانونية بحق مكتب القناة في بغداد.
علما ان هذه الموسسة ورئيسها عبد الاله النائلي هي أفسد مؤسسة شرعت قانون رفحا لسرقة اموال العراقيين ومنح المجرمين عدة رواتب على تمردهم على دولة العراق.
الحمير وكلاء الله
الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...

-
الدكتور رياض السندي رياض يلدا أوشانا بساوة السندي، ولد في مدينة الموصل – مركز محافظة نينوى في شمال العراق عام 1957. يقيم في مدينة ...
-
نظام (نَاطِر كُرسِيَّا) للوراثة البطريركية الشرقية (1318-1976) Natter-Ku...
-
قناة د. رياض السندي على اليوتيوب بعنوان: رؤية عراقية أرجو الاشتراك في القناة والضغط على زر الجرس والإعجاب. https://youtube.com/@riadhsind...