ما الذي يجري في العراق؟
القسم الأول
د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
سؤال حيّر العراقيين ولكنه لم يحير العالم،
والسبب، إن العراقيين مازالوا حتى الآن لا يفهمون كيف يفكر الأخرون، وخصوصا الغرب،
لان التخلف سمة الشعوب العربية، والعراقيين جزء رئيسي منها، ولان مؤسساتنا
التعليمية لا تقدم لنا صورة دقيقة للفكر الغربي ولان اتصالنا بالغرب كان قليلا حتى
عام 2003 بسقوط بغداد بيد الأمريكان.
سنتحدث هنا باختصار شديد، نظرا لسعة الموضوع
وتشعبه، ولكثرة ما كتب عنه من تحليلات، ولطول المدة التي تعدت 13 سنة، على الرغم
من إنها بدأت قبل ألف سنة تقريبا.
غالبية الشعب العراقي من العرب المسلمين،
نصفه من الشيعة، و13% من الأكراد، و7% من المسيحيين، وقوميات واديان أخرى.
إن
أي عدو مفترض للعرب والمسلمين في العراق، إذا سعى لتدميرهم يجب أن يعتمد الخطة التالية:
-
1.
تحريض الشيعة على السنة.
2.
تحريض الأقليات على الأغلبية.
3.
تشجيع الطموحات الكردية بالانفصال.
4.
تحريض المرأة والمنحرفين على تشتيت توجه
المجتمع بحثاً عن الحرية.
القصد من ذلك، الانتقام فقط منهم من خلال: -
1.
نهب الثروات القومية وتبديدها.
2.
تدمير حضارتهم الإنسانية العريقة.
3.
تفتيت مجتمعهم من خلال: -
أ-
تعين قادة موالين أو مسلوبي الإرادة، أو
حمقى لضرب بعضهم ببعض.
ب-
تشجيع فئة الغوغاء على تخريب مؤسسات الدولة.
ت-
تشجيع الأمور الغيبية لفقدان الصلة بالواقع،
والدفع باتجاه اتخاذ قرارات جائرة تسهم في زيادة التذمر والإحباط.
ث-
تهجير البنائين لبلدانهم من الواعين
والمثقفين والوطنيين والكفاءات.
ج-
إفساد رجال الدين بالرشاوى والجنس والمناصب
السياسية.
وكان الجانب الداخلي لا يقل أثرا عن العدو الخارجي، حيث:
أولا. العرب لا يفهمون معنى
الدولة وغير حريصين عليه.
ثانيا. نظام الحكم فيها فردي
تسلطي.
ثالثا. ضعف كبير في منح الحقوق.
رابعا. تخلف التكنولوجيا.
بدأت الخطة عام 1979، عندما قرر الغرب
التضحية بنظام شاه إيران، وإقامة نظام إسلامي بديل عن مفهوم الدولة، فالإسلام دين
دعوة وانتشار وفرض حتى في الشكل. وسيتحمل الغرب بعض التضحيات من أجل تحقيق هذه
الأهداف، لاسيما وان غباء المجموعات الإسلامية أمر مفترض ابتداءً.
بانتصار الثورة الإسلامية في إيران، جرى
تطبيق المفاهيم الدينية الغبية في عصر التنظيم، فاقتحم الشباب الإسلامي المتحمس
ومن بينهم احمدي نجاد (رئيس إيران لاحقا) مقر السفارة الأمريكية في طهران،
واحتجزوا الدبلوماسيين كرهائن لمدة 444 يوما، دون تذكر لاتفاقيتي فيينا للأمم
المتحدة للحصانات الدبلوماسية والقنصلية لعام 1966.
من اجل ضرب الحكام بعضهم ببعض، يجب إزاحة
الرئيس العراقي المتعقل احمد حسن البكر وإحلال مكانه الرئيس الشاب المتهور صدام
حسين لاستخدامه أداة لمعاقبة النظام في طهران ولاستنزاف قدرات العراق المتنامية، فقامت
حرب الخليج الأولى 1980-1988. والتي انتهت بنهاية غريبة في تاريخ أشبه برقم بطاقة
اليانصيب الرابحة في 8/8/88، شرط ألا يكون هناك منتصر أو خاسر. إلا أن الأطراف
المتحاربة فضحوا أنفسهم فالخميني تجرع كأس السم ومات إثره، وصدام احتفل بالنصر
واستقوى على الدول العربية.
لابد من معاقبة صدام فقد أصبح غولا ضاق به
قفص العراق حيث حشر فيه ولم يخرج منه حتى في زيارة رسمية لدولة أخرى، وخشية أن
يحطم قيده الاقتصادي والأمني قريبا، حيث سعى لعقد اتفاق مع مصر والأردن واليمن في
الاتحاد العربي عام 1989. فأدخل قفص الكويت التي كانت فيه نهايته، وبتحريض من
السفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي التي كتبت بذلك نهايتها.
13 عشر عاما من أقسى حصار اقتصادي عرفه
العالم على العراق، شارك في عقوده الفاسدة الكثيرون ومن بينهم ابن الأمين العام
للأمم المتحدة كوفي عنان. إلا أن صدام الذي تربى على الجوع لم ينهكه الحصار ولكنه أنهك
الشعب الذي أصبح جاهزا للتخلي عن صدام وتسليمه لأي عدو. ولغرض إقامة قاعدة قريبة
لأعداء العراق، الذين ادعوا بأنهم أعداء صدام زورا وبهتانا، وهم في الواقع أعداء
الدولة، أقيم الملاذ الآمن شمال العراق عام 1991 بقرار غير ملزم للأمم المتحدة أشبه
بقرار بيلاطس البنطي الذي وقع على قرار صلب المسيح ولكنه غسل يده للتبرئة وعدم
الانتقام مستقبلا.
وبعدد من المشاهد المسرحية الهوليوودية أحكمت
الحبكة الدرامية من خلال: -
1.
قصة حلبجة لاستخدام السلاح الكيمياوي عام
1988.
2.
الهجرة المليونية في أذار 1991 نحو الحدود
الدولية.
3.
أفلام كارتون كولن باول في مجلس الأمن في
كانون الثاني 2003.
يضاف إلى ذلك الطبق الجاهز بهارات النظام
العراقي، من خلال أخطاءه: -
1.
قمع
المعارضة السياسية.
2.
تهجير الفيليين إلى إيران عام 1980.
3.
عمليات الأنفال 1988.
وضعت خطة محكمة مزدوجة الأهداف في الانتقام
من صدام وابتزاز دول الخليج النفطية مالياً وفي مقدمتها السعودية، من خلال إيهامها
بصور أقمار صناعية لإرعابها من طموحات صدام التوسعية، لفتح المحفظة السعودية
لتمويل جيش تحرير الكويت، ولنهب العراق من جانب أخر من خلال نظام قاسي للعقوبات
الاقتصادية يمول اقتصاداتها المتداعية لعشرين سنة قادمة. ويضمن الإله المعبود في
الخفاء، ألا وهو المال. دفعت السعودية ببذخ في المرة الأولى عام 1990و1991، لتمويل
قوات التحالف الدولي، ولقمع الانتفاضة الشعبية العراقية في نيسان 1992 التي أوهمت
أيضا بانها شيعية وليست عراقية، وستخضع لحكم ولاية الفقيه الإيراني، فاحتضنتهم في
رفحا. فأبقي نظام صدام ضعيفاً، بعد أن تحمس شوارسكوف بالتقدم إلى بغداد في أذار
1991.
بينما رفضت السعودية في المرة الثانية بقبول
نفس الحجة لإخراج محفظة النقود ثانية في نيسان 2003 ولم تعد تبالي حتى لو سلم
العراق للشيعة وإيران، وهذا ما دفع الأمريكان إلى وضع يدهم في يد إيران لإسقاط
العراق وليس صدام. في حين أجبرت مرة ثالثة على إخراج محفظة نقودها لتمويل الحرب
على داعش بعد خلقها وسيطرتها على الموصل في حزيران 2014، ولإشراكها في اليمن
وسوريا.
سقطت دولة العراق في 9 نيسان 2003، في تاريخ رمزي قريب لذكرى ميلاد حزب
البعث العربي الاشتراكي الحاكم في العراق وسوريا. وفي نفس شهر ميلاد صدام
الافتراضي. وكانت الخطة الأكبر لإسقاط الدول
العربية لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير من خلال فوضى رايس الخلاقة، وصولا
للنظام العالمي الجديد.
وانطلق اللصوص للسرقة بشكل واضح على شاشات
التلفزيون، حيث نهبت كل مؤسسات الدولة عدا وزارة النفط، سرقت الأثار، وبعد مرور
عشر سنوات يكتب لي بعض الضباط الأمريكان طلبا لمساعدتهم لإخراج أموال عراقية
مسروقة تم إخفاءها في أماكن حصينة، وجوابي المعتاد رغم حاجتي (هذه أموال عراقية
أتركها للعراقيين). وفي هذه الفوضى قمع بقسوة أي صوت وطني معارض لخطة التخريب، حتى
يومنا هذا. فأقتحم منزل الدكتورة ليلى معروف عميدة كلية القانون في جامعة الموصل
ليلا لتذبح مع زوجها بعد لقاء تلفزيوني ذكرت فيه أن من يقوم بالسرقة هم أناس
قادمون من خارج الموصل، في إشارة للأكراد. وقتل ممثل الأمين العام سيرجيو دي ميلو
في 2004، وآخرون كثيرون. وشعر العراقيون إن هناك ذراع للدولة العميقة قد نشأ في
العراق، فقد قتل في صيف 2004 شاب في الدورة إعتاد أن يتسامر مع أصدقائه فيلعن
ويشتم إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء آنذاك، وطبعا الجعفري المسجل رسميا في
بريطانيا كمريض نفسي لا علاقة له بذلك، بل أجهزة مخابرات الدولة التي جلبته.
دخل المنحرفون بغداد، وقدر عددهم ب 30 ألف
شخص ليفرضوا سيطرتهم عل شعب عنيد تعداده 30 مليون نسمة، وكل واحد من أولئك
المنحرفون قد أرضع حقدا على العراق استمرت فترة رضاعة بعضهم اكثر من عشرين سنة،
يتقدمهم نوري (جواد) المالكي كأقوى عميل إيراني، متهم بتفجير السفارة العراقية في
بيروت عام 1982، فأستقبله الأكراد مكرهين ولان هيئته دلت آنذاك على شحاذ أكثر من سياسي،
فقد قدموا له المال وبالمقابل ترك لديهم نيشان الخيانة، جنسيته السورية، التي هدده
بها مسعود البارزاني لاحقا في 2009.
أكمل الحاكم المدني السيء الصيت بول بريمر
أركان الخطة من خلال: -
1.
حل الجيش العراقي.
2.
إلغاء وزارة الإعلام.
3.
تعيين المزيد من الجنسيات الأجنبية
الموالية.
4.
نقل أموال ووثائق وأثار العراق إلى الخارج.
5.
إجراء انتخابات مسرحية وفرض الفائزون بخلاف
النتائج.
منحت إيران دوراً دائمياً في الانتقام من
العراق لتحجيم نشاطها النووي المرتقب ولإدخالها نفس الشرك الذي دخله العراق سابقا،
لتهيئة الأجواء لاقتحامها وسلبها لاحقا لمدة عشرين عاما قادمة، فانتقمت بجملة إجراءات:
-
فخربت المصانع وسرقت كل ما يقيم بثمن من أموال وأجهزة ومعدات وأنشأت
ميليشيات وأحكمت السيطرة على كل مصادر القرار نزولا إلى مستوى مركز شرطة في محلة
صغيرة يتحكم به ضابط مخابرات إيراني، معتمدة على موالاة الشيعة المذهبية في تدمير
بلدهم الذين ساعدتهم في ممارسة طقوسهم الدينية التي تبقيهم في أسوأ حال، واعتمدت
عليهم في التضحية بالأنفس والمال والعقل. وسيطرت على اقتصاده وموّلت نفسها من
خزينة العراق للتخلص من الحصار الاقتصادي الدول، فضاع ألف مليار دولار من أموال
العراق. واستغلت معظم العراقيين حتى السنة والأكراد وغيرهم في سيطرتها وصراعها مع
الولايات المتحدة، فأصبح الملف النووي الإيراني سمة هذا الصراع. واخضع العراق لأكثر من 14 ألف تفجير، وضحايا أكثر من 250 ألف شخص،
وجرحى قرابة المليون، ومهجرين ونازحين نحو خمسة ملايين عراقي.
بعد أكثر من عقد كامل ظل المجتمع العراقي
متماسكاً ولم تنجح خطة تفتيته، فاستخدم الصراع الشيعي – السني بإحكام فتم تفجير
مرقد الإمام العسكري في سامراء 2006، وهجر 120 ألف من المسيحيين في أواخر عام 2014
وطلب منهم إنشاء ميليشيات مسلحة في 2016، وقتل وسبي أكثر من 3 الأف من الإيزيديين
في نفس الوقت. فقرر اغتيال الفرح العراقي تماما في فاجعة الكرادة في 3/7/2016
بمواد محرمة دوليا.
اليوم وبعد أكثر من 13 سنة يصرخ الشيعة قبل
غيرهم لخروج إيران من العراق ولطرد أو محاكمة عملائها، ولبناء الجيش مجدداً،
ولإعادة سيادة الدولة. في تظاهرات شعبية يجري إفراغها من أهدافها الوطنية. عسى ألا يكون ذلك جزء من الخطة الدولية لتمويل
دول الغرب من خلال القتال والتخريب في غير ساحتها وأرضها. فسنظل نحتاجها لإعادة
البناء في أضعف الأحوال مقابل أموالنا. ومازال حيتان الرأسمالية مترددين في اختيار
العدو القادم لسلب غنائمه، هل تقدم السعودية على إيران؟ لاسيما وان اتهامها
بتفجيرات 11 سبتمبر جاهزة، أم بالعكس. لاسيما وقد جرى خلق قطبين إسلاميين أحدهما
إيراني بصبغة شيعية، والأخر سعودي بصبغة سنية.
ولكن هل على العراقيين أن يستعدوا للحرب
العراقية – الإيرانية القادمة؟
د. رياض السندي
6/7/2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق