الأحد، 6 يناير 2019

القيمة القانونية لتصريح وزير خارجية العراق حول إسرائيل


القيمة القانونية لتصريح وزير خارجية العراق حول إسرائيل


د. رياض السنديدكتوراه في القانون الدولي


- تمهيد
أثار تصريح وزير خارجية العراق (وليس العراقي) موجه إستنكار واسعة على صعيد الحكومة وقادة الأحزاب السياسية وفي الشارع العراقي ووسائل التواصل الاجتماعي، حول أثر هذا التصريح وقيمته القانونية، وهل هو إعتراف بإسرائيل من عدمه، أو هو مجرد رأي شخصي للوزير، عبّر في عن إنطباعاته الشخصية التي يسمعها من زملاءه سواء من العرب وخاصة من الدبلوماسيين الفلسطينيين، أو من مستشاريه من العراقيين، إن وجدوا، في ظل طبيعة إدارية لا قيمة لرأي المستشار فيها لدى المسؤول العراقي الذي يرى نفسه جامعا مانعا لكل العلوم.
وإزاء إنقسام الشارع العراقي بين مؤيد للتطبيع مع إسرائيل وبين معارض لذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يُعد ما قاله الوزير إعترافاً بإسرائيل كدولة؟ وبالتالي، ما هي القيمة القانونية لهذا التصريح؟ وهل هو تصريح ملزم للعراق؟
أولا. ماهيّة التصريح وتداعياته
بتاريخ 2/1/2019 صرح وزير خارجية العراق محمد علي الحكيم في ندوة حوارية مع صحافيين عراقيين في بغداد، قائلا: -
" بالنسبة لنا القضية الفلسطينية تبقى قضية محورية بالنسبة لنا، إحنا (نحن) قضية حل الدولتين مؤمنين فيها ...".

ويأتي هذا الجزء من ضمن مجموعة تصريحات كثيرة أدلى بها الوزير المذكور دون حساب للعواقب في ظل منظومة متهرئة عطّلت القانون وألغت المحاسبة. ففي هذا التصريح تحدث وزير الخارجية بشهية مفتوحة بعدة مواضيع كثيرة وشائكة دون تمحيص أو تدقيق. فقد تحدث بالمواضيع التالية: -
1. زيارة الرئيس الأميركي ترامب للعراق.
2. زيارة وزير الخارجية الأميركي بومبيو ووزيري خارجية فرنسا وإيران للعراق هذا الشهر.
3. زيارة الرئيس العراقي برهم صالح لتركيا اليوم.
4. القمة العربية الاقتصادية المرتقبة في بيروت التي ستعقد في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي، ووفد العراق اليها.
5. موضوع منع العراقيين ممن على جوازات سفرهم أختام (طمغة أو جواز مطموغ بحسب لغة الوزير) سورية أو إيرانية من دخول الأردن ودول خليجية وأوروبية.
6. الملف الفلسطيني، مشدداً على أنّ "العراق يؤمن بحل الدولتين".
7. مجلس التعاون الخليجي، وتحسين العلاقات مع الدول الخليجية.
8. فكرة لإصلاح الجامعة العربية، نواتها برنامج) إصلاح الأمم المتحدة.
9. تقدّم العراق بطلب للانضمام إلى مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
10. تأييد العراق لـ"اجتماع إستوكهولم لإنهاء الأزمة اليمنية.
11. الأمن في سورية ووحدتها ... ودعم عودة سورية للجامعة العربية.
12. العقوبات الأميركية على إيران، وأنّ "العراق غير ملزم بتطبيقها.
13. مساعدة دول الاتحاد الأوروبي والناتو (حلف شمال الأطلسي) في التحالف الدولي وعمليات الإعمار وتدريب القوات العراقية.
14. والتعهّد بتنفيذ مخرجات مؤتمر الدول المانحة في الكويت، الذي انعقد في فبراير/شباط 2018.
15. وأخيراً، العراق سيكون نقطة انطلاق قوية في المنطقة، وموقفه سيكون جامعاً للعرب.
إن أي مطّلع على شؤون السياسة والدبلوماسية سيجد أن الحديث في كل هذه المواضيع الحساسة والمثيرة للجدل، إنما ينطوي على مخاطر عديدة لا ينجو منها إلا الدبلوماسيون المحترفون ومن ذوي الإختصاص وليس الطارئون على حقل السياسة الخارجية، لا سيما وأن إختصاص الوزير بحسب سيرته الذاتية المنشور على موقع وزارة الخارجية تشير إلى أن إختصاصاته هي، الإدارة الهندسية، العلوم والتكنولوجيا، التربية والإحصاء، وهي جميعها إختصاصات بعيدة عن السياسة الخارجية. على الرغم من أن سيرته تشير على إنجازاته في مجال التعليم الأكاديمي، من بينها "الإشراف على مشاريع أبحاث يعدها دبلوماسيون لدرجة مستشار ووزير مفوض."
والأدهى من ذلك، أن الوزير وهو في نشوة سكرة المنصب الجديد يصرح كعادته بأسرار خطيرة تمس الأمن القومي، لم يصرح بها رئيس الوزراء نفسه، مثل إن ترامب لم يمنح رئيس الوزراء أكثر من عشر دقائق للقاء، بينما كانت تصريحات رئيس الوزراء ذاته مختلفة تماما ولم تتضمن مثل هذه التفصيلة التي تمس سيادة الدولة وكرامة مسؤوليها رغم صغرها. ولوكان الوزير المذكور دبلوماسيا محترفا لإستعاض عن كل ذلك بعبارة: (أن ضيق وقت زيارة الرئيس الأميركي لم يعط الفرصة للقاء المسؤولين العراقيين). وكذلك، كشف الوزير عن زيارة وزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو للعراق هذا الشهر، في الوقت الذي لم تشر مصادر وزارة الخارجية الأميركية أن العراق من ضمن الدول التي سيزورها الوزير الأميركي بعد.
- ردود الأفعال
أثار تصريح الوزير المذكور ردود أفعال كثيرة من جانب الكتل والأحزاب السياسية وبعض الميليشيات والفصائل المسلحة، وضجة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، والشارع العراقي، أبرزها: -
أ‌- نائب يعتزم جمع تواقيع لاستجواب وزير الخارجية "إن صحت" تصريحاته بشأن الاعتراف بإسرائيل، جاء فيه: " يعتزم النائب وجيه عباس جمع تواقيع من اجل استجواب وزير الخارجية داخل البرلمان في حال ثبت صحة تصريحاته الاخيرة بشأن "الاعتراف" بدولة اسرائيل.
وقال عباس في بيان تلقت، السومرية نيوز، نسخة منه، اليوم الخميس، إن "تصريحا خطيرا من قبل وزير الخارجية نقف ضده كمجلس نواب عراقي، العراق ليس مرابيا او مقاولا ليعترف بوجود دولتين في فلسطين حتى لو رغب الفلسطينيون بذلك".
ب‌- عزت الشابندر يبدي إستغرابه لموقف وزير الخارجية محمد علي الحكيم حول القضية الفلسطينية، تم نشره في 04‏/01‏/2019 جاء فيه: " أبدى السياسي المستقلُ عزت الشابندر إستغرابَه لموقفِ وزيرِ الخارجية محمد علي الحكيم على خلفيةِ تصريح ِالاخير بتأييدِ العراق مشروعِ حلِ الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية.
الشابندر في تغريدة له قال ان السيد وزيرَ الخارجية يصرحُ أنّ العراق يؤيدُ مشروعَ حلّ ِالدولتين الإسرائيليةِ و الفلسطينةِ والذي يعني ضمناً الإعترافَ بدولةِ الكيان الصهيوني، موجها تساؤلاً لرئيسِ الوزراء وكتلة الإصلاح التي دعمت تسلمَ الحكيم لحقيبةِ الخارجية حول مدى تطابقِ كلامهِ مع الموقفِ العراقي بشأنِ هذه القضية."
ت‌- كتلة نيابية تتهم وزير الخارجية العراقي بالإعتراف بإسرائيل، نشر في 2019-01-03، جاء فيه: " أعرب رئيس كتلة النهج الوطني النيابية عمار طعمة، الخميس، بما سماه "إعتراف وزارة الخارجية بإسرائيل"، مؤكدا أنه لا مبرر لمنح مواقف مجانية لانظمة غاصبة لاراضي المسلمين والعرب، حسب تعبيره.
وذكر طعمة في بيان صحفي له اليوم 3 كانون الثاني 2019 "نستغرب من وزير الخارجية العراقي وإعلانه الترحيب ضمنا والاعتراف بدولة للكيان الصهيوني الغاصب متجاوزا بذلك الأُطر والسياقات الدستورية والقانونية في اتخاذ مواقف مهمة تتعلق بقضية أساسية في وجدان العراقيين خصوصا والعرب والمسلمين عموما".
وأضاف أننا "لانرى اي مبرر لمنح مواقف مجانية لانظمة غاصبة لاراضي المسلمين والعرب تمهد للاعتراف والقبول بنظام عنصري ظالم اقترنته ممارساته ومواقفه بالقمع والاضطهاد وارتكاب المجازر الدموية بحق الشعب الفلسطيني الشقيق" .
وطالب، رئيس الوزراء بتنبيه وزير الخارجية وإلزامه بعدم التعبير عن مواقف تقوي أنظمة عنصرية ظالمة وغاصبة خصوصا وان مثل هذه المواقف لابد من الرجوع فيها الى مجلس الوزراء والبرلمان ولايجتهد فيها بهذه الطريقة الاعلامية دون حساب الأثار والنتائج التي يمكن ان ينتفع منها كيان غاصب وظالم ومنتهك لحقوق الشعوب وكرامتها.
وكان وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم قد ذكر في جلسة حوارية مع عدد من الاعلاميين أمس الاربعاء أن "العراق يؤمن بحل الدولتين لإنهاء الأزمة الفلسطينية مع إسرائيل"."
ث‌- كتائب حزب الله تصدر بيانا بشأن تصريحات وزير الخارجية العراقي بخصوص حل الدولتين لإنهاء ازمة فلسطين، نشر في 4/12/2019، جاء فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم
"لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" صدق الله العلي العظيم
لم تزل قضية فلسطين حاضرة في وجدان الشعب العراقي طيلة سنوات الصراع مع الكيان الصهيوني
الغاصب، بل كان العراق في مقدمة الداعمين لنضال شعبها الأبي في طريق تحرير أرضه ومقدساته.
وعلى الرغم من محاولات التسوية والتمييع وحملات الذل والتطبيع التي تبناها العملاء والخونة، تفريطا بقضية فلسطين وإرضاءً للاستكبار العالمي، إلا أن شعبنا العراقي بقي على موقفه المبدئي الرافض لهذه المخططات، مساندا لأشقائه الفلسطينيين في مقاومتهم وصمودهم بوجه الاحتلال.
إننا نؤمن بأن الحل الوحيد لقضية فلسطين هو درب المقاومة حتى تحريرها واستئصال الغدة السرطانية منها.
‏والآن وبعد أن تمكن محور المقاومة الذي يمثل إرادة الشعوب العربية والإسلامية، من إفشال جميع المخططات الرامية إلى تدمير المنطقة وإضعافها، خدمة لأمن الكيان وضمان تفوقه، وبعد أن أصبح الصهاينة في أضعف حالاتهم، وباتوا يعيشون مأزقا وجوديا سيؤدي بهم إلى الزوال إن عاجلا أو آجلا، يخرج علينا وزير الخارجية العراقي متبنياً طروحات لا تنتمي لواقع العراق الذي من المفترض أنه يمثله، بل تعترف بالكيان الغاصب، ضاربا بإرادة وثقافة ومبادئ الشعب العراقي عرض الجدار، متماهيا مع ما يطرحه الأعراب والعملاء.
‏ولذا ترى المقاومة الاسلامية - كتائب حزب الله إن من الواجب على الحكومة العراقية تصحيح هذا الموقف الشاذ، وإلزام هذا الوزير بتقديم الاعتذار للشعب العراقي المجاهد الذي قدم دماء زكية، وبفضلها نُصَّب وزيرا ليدافع عن الحقوق والمبادئ، "فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ".

- معالجات وزارة الخارجية
سارعت وزارة الخارجية بعد الأزمة السياسية التي خلفّتها تصريحات الوزير الجديد، إلى توضيح الموقف. والمضحك في الأمر، أن وزرارة الخارجية قد دعت في تصريح صحفي لها بتاريخ 4/1/2019 في أزمة شخصية خلقها ذات الوزير مع الوزير السابق، دعت السلطة الرابعة إلى توخي الدقة فيما يصدر من تصريحات من وزارة الخارجيَّة. ويبدو أن الوزير قد أستعاض عن المتحدث الرسمي للوزارة بالمكتب الإعلامي لوزارة الخارجية العراقية. فأصدر المكتب المذكور بتاريخ 3/12/2019 بياناً جاء فيه:
" تؤكد وزارة الخارجية موقف العراق التاريخي، والمبدئي من القضية الفلسطينية في دعم حقوق الشعب الفلسطيني في تحرير الأرض والإنسان وإقامة دولة مستقِلة وعاصمتها القدس، كما يدعم العراق مبادرات السلام العربية، والدولية، ومنها مبادرة السلام العربية التي سبق أن طرحت في قمة بيروت ٢٠٠٢، وأصبحت بنداً دائماً على جدول أعمال القمم العربية اللاحقة."
وعلى الرغم من أن بيان المكتب الإعلامي قد جاء مقتضبا ومكررا موقف العراق السابق، ومناقضا لتصريح الوزير. إلا إنه تضمّن خللا كبيرا، يتمثل في إشارة غير موفقة إلى دعم لمبادرة السلام العربية التي طرحت في قمة بيروت مارس ٢٠٠٢، والتي هي مثار جدل كبير، سنتناول ذلك، لاحقاً.

والمضحك في الأمر، أن وزرارة الخارجية قد دعت في تصريح صحفي لها بتاريخ 4/1/2019 في أزمة أخرى شخصية خلقها ذات الوزير مع الوزير السابق قبل يومين، دعت فيه السلطة الرابعة إلى توخي الدقة فيما يصدر من تصريحات من وزارة الخارجيَّة.

وفي اليوم التالي صدر توضيح لوزير الخارجية. وقد جاء فيه ما يلي: -
" صدرت مؤخراً بعض التصريحات والاخبار التي تداولتها وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حول تصريح وزير الخارجية بشأن موقف العراق من القضية الفلسطينية وحل الدولتين، وبهذا الصدد نود ان نبين ان ما تم تناقله هو مجاف للواقع وعارٍ عن الصحة والحقيقة.
ان موقف العراق الثابت من القضية الفلسطينية، والمستند الى المبادرة العربية للسلام لعام 2002 والتي اعيد التاكيد عليها في القمة العربية ببغداد 2012، (اعلان بغداد)، يتجسد في الدعم المستمر لاسترجاع الاراضي الفلسطينية المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني فضلا عن دعم جهود السلطة الفلسطينية في المؤتمرات والمحافل الدولية في كل من جنيف ونيويورك وبشكل مباشر من الوزير عندما كان مندوباً دائماً للعراق في كلا الموقعين، حيث عمل الوزير في مجلس حقوق الانسان، وعبر البند السابع من جدول الاعمال والذي يبحث القضية الفلسطينية، على تاشير الانتهاكات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والمطالبة بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم ضد المدنيين العزل. اما في الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، واثناء ترؤس الوزير للمجموعة العربية، عمل على اعداد مشروع قرار برفع العلم الفلسطيني في مبنى الامم المتحدة وتعزيز مكانتها في العالم، حيث قدم مشروع القرار الذي مرر باغلبية الاصوات وبنجاح ساحق بعد التصويت عليه في الجمعية العامة للامم المتحدة، وبناءً على هذا النجاح منح الرئيس الفلسطيني محمود عباس الوزير (وسام القدس) وهو اعلى وسام تمنحه السلطة الفلسطينية، مصحوباً برسالة شكر لجهود مندوب العراق سابقاً (الوزير الحالي) وتقديراً لدعم العراق للقضية الفلسطينية.
وفي مجلس الامن الدولي دافع العراق عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، تحت بند الحالة في الشرق الاوسط، والقى عدداً كبيراً من الخطابات والبيانات الرسمية تاكيداً على حقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها الحق في العيش بدولة مستقلة قابلة للحياة. وفي لجنة انهاء الاستعمار (اللجنة الرابعة في الجمعية العامة) دأب المندوب الدائم (الوزير الحالي) خلال الاجتماعات الدورية على تقديم الخطابات الوطنية وعقد لقاءات للدول المتماثلة التفكير لدعم دولة فلسطين وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية.
كما دعم العراق فلسطين للحصول على عضوية كل من مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ورئاسة مجموعة 77 والصين."

ويمكن التعليق على توضيح وزير الخارجية، بما يلي: -
1. تراجع الوزير عن مضمون تصريحه بشكل مشوّه، مبيناً أن ما تم تناقله هو مجاف للواقع وعارٍ عن الصحة والحقيقة. وأين هي الحقيقة؟ إن ما تناقلته وسائل الإعلام جرى في لقاء الوزير مع الصحفيين وليس في علاقة ثنائية مع دبلوماسي زائر. وإن ما نقل هو حديث الوزير مسجل بالصوت والصورة، وليس صورة يمكن الطعن بتحريفها بالفوتوشوب.
2. إستند الوزير في توضيحه إلى مبادرة السلام العربية لعام 2002، مكرراً ذات الإشارة التي إستند اليها بيان المكتب الإعلامي للوزارة المشار اليه في أعلاه، دون تدقيق موقف العراق من هذه المبادرة، والتطورات على الساحة العربية حول هذه المبادرة، وأخيراً موقف إسرائيل منها. وأضاف توضيح الوزير أن هذه المبادرة "والتي أعيد التأكيد عليها في القمة العربية ببغداد 2012، (إعلان بغداد)، يتجسد في الدعم المستمر لاسترجاع الأراضي الفلسطينية المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني".
3. تمسك الوزير بحل الدولتين من خلال التأكيد على المبادرة العربية للسلام لعام 2002، والتي أعيد التأكيد عليها في القمة العربية ببغداد 2012، (إعلان بغداد). فهو ليس فقط مؤمن بحل الدولتين، بل متمسك به ضمنياً، من خلال الإصرار على التمسك بهذه المبادرة.
4. جاء توضيح الوزير مليئاً بمواقفه الشخصية وعلاقاته بالجانب الفلسطيني الرسمي عندما كان سفيرا في الأمم المتحدة ويكرر عبارة (الوزير الحالي) لمرتين، وكإنما هي أفضال قام بها بصورة شخصية، وليس تمثيلا لموقف رسمي عراقي.
5. النقطة الأبرز في توضيح وزير الخارجية، هي إستخدامه لعبارة (الكيان الصهيوني) في وصف (إسرائيل). بما يؤكد تراجعه عن تصريحه، والعودة إلى نقطة الصفر.

والحقيقة، أن معالجات وزارة الخارجية لإحتواء هذه الأزمة كانت مشوشة وغير دقيقة، وهي ترقيعات لا ترتقي لمستوى الأزمة، وينطبق عليها القول القائل (عذرٌ أقبح من ذَنْب).
ومن خلال تقرير قدّمته قناة العهد نيوز تم نشره في 03‏/01‏/2019، وصف مراسلها أحمد الحربي، وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم بأنه يغرّد خارج سرب الدبلوماسية، مضيفا "الحكيم إما إنه مؤمن بحل الدولتين، وأطلق لقريحته العنان أمام الكاميرات، وهي مثلَبة لا تغتفر بالعرف الدبلوماسي، فعلى الدبلوماسي أن يتبنى أسس دولته لا قناعاته الشخصية، وأما إذا كان له رأي ما، فعليه إتباع السبل القانونية لتغيير النهج الدبلوماسي، بما يتوافق مع قناعاته إذا إستطاع إقناع بقية السلطات، وإن كان ما تحدث به الحكيم سقطة لسان فالمصيبة أعظم"
لذا من الضروري الوقوف على مبادرة السلام العربية التي إستند إليها الوزير ومكتبه الإعلامي، لإلقاء بعض الضوء على مضمون المبادرة المذكورة، وتطوراتها اللاحقة، وتداعياتها، والموقف العربي والإسرائيلي والعراقي حولها بإختصار.

- وقفة عند مبادرة السلام العربية لعام 2002
مبادرة السلام العربية هي مبادرة أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين. هدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، وكانت في عام 2002. وقد تم الإعلان عن مبادرة السلام العربية في القمة العربية في بيروت. وقد نالت هذه المبادرة تأييداً عربياً. وفي ما يلي النص الحرفي لمبادرة السلام العربية:
" مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة المنعقد في دورته الرابعة عشرة.
إذ يؤكد ما أقره مؤتمر القمة العربي غير العادي في القاهرة في حزيران/يونيو 1996 من أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاما مقابلا تؤكده إسرائيل في هذا الصدد.

وبعد أن استمع إلى كلمة عبد الله بن عبد العزيز، ولي عهد المملكة العربية السعودية، التي أعلن من خلالها مبادرته داعياً إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، تنفيذا لقراري مجلس الأمن (242 و338) والذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، وإلى قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية. وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل.

وإنطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف.
- يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضا.

- كما يطالبها القيام بما يلي:
الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو (حزيران) في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي:
اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.
- ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.
- يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعا إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقنا للدماء، بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنبا إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار.
- يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة.
- يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الأعضاء المعنية والأمين العام لإجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي.

عندما صدرت مبادرة السلام العربية اعتبرها العديد من المراقبين الغربيين عرضاً يصعب على إسرائيل رفضه.
كانت بنود المبادرة بسيطة: ستقيم الدول العربية علاقاتٍ دبلوماسية كاملة مع إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية على طول حدود الأراضي المحتلة منذ عام 1967. وللحصول على موافقة إسرائيل، تبنت مبادرة السلام العربية موقفاً متبايناً تجاه حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو شرطٌ يعتبره أكثر من 4 ملايين فلسطيني يعيشون في المنفى غير قابلٍ للتفاوض.

ويعتقد خبراء آخرون أن مصير مبادرة السلام العربية كان مُقدرٌ لها الفشل منذ لحظة إعلانها. فقد رفضها أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بالمجمل. وفي وقتٍ لاحق، رحب خليفته إيهود أولمرت، بالاقتراح إلا أنه جادل بأن على الفلسطينيين تقديم المزيد من التنازلات.

فبدايةً، تم توقيع معاهدة السلام مع مصر في 26 مارس 1979، ليتم بعدها اغتيال الرئيس المصري أنور السادات على يد حركة الجهاد الإسلامي المصرية بعد عامين لتوقيعه على المعاهدة. ثم جاء اتفاق السلام مع الأردن، الذي وقعته إسرائيل والملك حسين في 23 أكتوبر 1994.

وبعد توقيع اتفاقات أوسلو، أوضح إسحاق رابين- الذي وصف بصانع السلام العظيم- أنه أياً كان الاتفاق الذي أبرم مع الفلسطينيين، فإنه لن يكون هناك دولة فلسطينية ذات سيادة، وأن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية.”

إلا أن القادة الفلسطينيين، الذين سئموا من اتفاقياتٍ أوسلو الفاشلة، تساءلوا عما يمكن تقديمه من تنازلاتٍ أخرى محتملة. وكتب الدكتور جودت بهجت، مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة أنديانا، أن إسرائيل اعتقدت أنها تستطيع تطبيع العلاقات مع العالم العربي في الوقت الذي تستطيع فيه إجبار الفلسطينيين على التخلي عن كفاحهم من أجل إقامة دولة.

وفي نهاية المطاف، نجح رهان إسرائيل. فلم تبني إسرائيل المزيد من المستوطنات غير القانونية فحسب، بل أجرت أيضاً محادثاتٍ علنية وسرية على حد سواء مع دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة.
واليوم يبدو تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل وشيكاً. ويتمثل دافع المملكة الرئيسي للقيام بذلك بخلق تحالفٍ ضخم ضد إيران، العدو اللدود لكلا البلدين.

أما موقف العراق، فقد حضر مؤتمر قمة بيروت لجامعة الدول العربية عام 2002، بوفد برئاسة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عزت إبراهيم نائباً عن الرئيس صدام حسين، وكان العراق يعاني من العقوبات الاقتصادية منذ 12 عاما، وكان تركيز الوفد على تحسين العلاقة مع السعودية والكويت، تجنباً لضربة محتملة تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاءها ضده. فتضمن جدول أعمال القمة بنداً حول الحالة العراقية -الكويتية. لذا، إرتاى الوفد العراقي القبول بمبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية، وهكذا، صدر البيان الختامي للقمة (والموافقة بالإجماع على المبادرة السعودية).

وبعد مرور ستة عشر عاماً، بات مصير مبادرة السلام العربية الفشل بعد أن طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الفلسطينيين “قبول السلام” أو الصمت. فقد أدلى ولي العهد بملاحظاته هذه في اجتماعٍ عُقد في مارس 2018 في نيويورك مع المنظمات اليهودية الأمريكية. وتابع قوله بأن القضية الفلسطينية لم تعد أولويةً للمملكة بسبب القضايا الأكثر إلحاحاً في المنطقة.

وهكذا نرى بوضوح أن أهم ما تتضمنه هذه المبادرة، هي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب (دولة) إسرائيل، وإعتبار الصراع العربي-الإسرائيلي منتهيا، ثم التطبيع مع إسرائيل وإقامة جميع الدول العربية علاقات طبيعية مع إسرائيل.

فهل ينوي العراق، إقامة علاقات مع إسرائيل؟
مما لا شك فيه، أن تغيير الولايات المتحدة لنظام صدام حسين عام 2003 قد أزال من طريق إسرائيل واحد من ألد أعدائها الذي تجرا وأطلق صواريخه عليها. وهذا ما دفع إلى التقارب مع إسرائيل، وشهدنا زيارة عدد من النواب العراقيين إلى إسرائيل، سواء علنا أو سراً. ولم تخفي الحكومات العراقية عدم إرتياحها لوجود العديد من المقيمين الفلسطينيين بالعراق، ودفعتهم سوء معاملتها لهم إلى مغدرة العراق.

إلا إن تسليم السلطة للأحزاب الشيعية بعد عام 2005، وموالاة هذه الأحزاب لإيران بحكم التقارب المذهبي وسبق احتضانها فيها، مما قاد إلى تغيير سياسة الحكومة من الإنفتاح بدفع أمريكي إلى المعاداة بدفع إيراني. وهنا إلتقت مواقف حكومة الأحزاب الشيعية مع موقف نظام صدام حسين من إسرائيل، بإستثناء إقليم كردستان العراق، حيث زادت أواصر الصداقة والتعاون بين الأكراد وإسرائيل وغدت العلاقة بينهما وشيجة وعلنية، ويرفع الأكراد العلم الإسرائيلي في بعض المناسبات، تعبيرا عن دعم إسرائيل لهم، كما حدث في إستفتاء عام 2017.

ثانيا. الإعتراف في القانون الدولي
يعرّف الإعتراف بالدولة: (بأنه عمل حر تقر بمقتضاه دولة أو مجموعة من الدول وجود جماعة لها تنظيم سياسي في إقليم معين مستقلة عن كل دولة أخرى، وقادرة على الوفاء بالتزامات القانون الدولي العام، وتظهر الدول بالاعتراف نيتها في عدِّ هذه الدولة عضواً في الجماعة الدولية ".
أن الاعتراف باعتباره تصرف أحادي الجانب وعن إرادة منفردة هو إرادة منسوبة لشخص من أشخاص القانون الدولي، تملك سلطة الالتزام بشرعية وضع معين وتنتج آثار قانونية مستقلة عن ذلك عن أي إرادة أخرى.

الاعتراف بالدولة لا يخضع لأية قاعدة شكلية خاصة، فهو قد يكون صريحاً أو ضمنيـــــاً، وفردياً أو جماعياً، وقانونياً أو واقعاً (أو فعلياً).
الاعتراف الصريح أو الاعتراف الرسمي، هو الإعلان المباشر الذي تعلنه الدولة بصورة رسمية والمتضمن الاعتراف بدولة معينة. ويتم الاعتراف الصريح بصدور قرار رسمي من حكومة الدولة أو مذكرة دبلوماسية تبلغ الجهة المعترف بها بقرار الدولة المعترف بها.
أما الاعتراف الضمني فهو اعتراف عن طريق الدخول في علاقات مع الدولة الجديدة كعلاقات التي تقيمها مع الدول التي اعترفت بها بصورة رسمية دون أن يصدر إعلان رسمي من الدولة يتضمن الاعتراف بها؛ أي يتم استنتاجه من ملابسات وظروف لا تدع مجالا للشك على اتجاه نية الدولة إلى الاعتراف بالدولة الجديدة.
وسواء كان الاعتراف ضمنيا أو صريحاً فهو يتوقف عن نية الأطراف وما دامت هذه النية واضحة لا تثير أيِّ غموض فإن الاعتراف في الحالتين واحد من حيث آثاره.
أما الاعتراف القانوني: فهو الاعتراف الصريح والحاسم الذي يستند إلى استقرار الشخصية الدولية الكاملة المعترف بها وبثباتها ويصدر إما مباشرة أو بعد صدور الاعتراف الواقعي.
في حين أن الاعتراف الواقعي أو الاعتراف الفعلي: هو اعتراف بدولة من ناحية وجودها على الواقع دون أن تتوافر فيها الشرعية الدولية أي أن هناك خلل في عناصرها الثلاثة أو هناك شكوكاً في هذه العناصر.

يشير الاعتراف الدولي بإسرائيل إلى الاعتراف الدبلوماسي بدولة إسرائيل والتي أعلن عن قيامها بتاريخ 14 مايو عام 1948. إن وضع إسرائيل متنازع عليه نتيجة للصراع العربي الإسرائيلي. تعترف 161 دولة بإسرائيل حالياً من أصل 192 دولة عضو بمنظمة الأمم المتحدة.
في الوقت الحاضر، ما مجموعه 32 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا تعترف بدولة إسرائيل: 18 دولة عضو في جامعة الدول العربية: الجزائر، والبحرين، وجزر القمر، وجيبوتي، والعراق، والكويت، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وعمان، وقطر، والسعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، الإمارات العربية المتحدة، واليمن؛ كذلك 11 عضواً في منظمة التعاون الإسلامي: أفغانستان، وبنغلادش، وبروناي، وتشاد، وغينيا، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا، ومالي، والنيجر، وباكستان. كما هناك بلدان أخرى لا تعترف بإسرائيل منها بوتان، وكوبا، وكوريا الشمالية.

ثالثا. الجانب القانوني لتصريح وزير الخارجية

على الصعيد الداخلي، فإن الدستور العراق النافذ لعام 2005، على الرغم من خلوه من الإشارة إلى مسألة الإعتراف بالدول، إلا إنه قد حدد رسم السياسة الخارجية بالسلطات الإتحادية التي حددها الدستور بالمادة (47) التي تنص على ما يلي:
"تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات."

كما حددت المادة (110) منه إختصاصات هذه السلطة بقولها:
تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية:
أولا: رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وإبرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.

وهذا النص الدستوري واضح وجَلي في أن السلطات الثلاث هي من يرسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، وينصرف مضمون ذلك إلى الإعتراف بإعتبار أن ذلك جزء من السياسة الخارجية، وأن نتيجته هو تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
لذا لا يجوز لوزير الخارجية العراقي وفقاً للدستور الحالي أن ينفرد برسم السياسة الخارجية وبضمنها الإعتراف بالدول.

أما على صعيد القانون الدولي، فقد شهدت العقود الأخيرة ثورة في وسائل الاتصال، رافقتها تغيرات في الممارسات الإعلامية. وقد تضمن ذلك زيادة كبيرة في وصول وسائل الإعلام لكبار ممثلي الدولة، وطلبات غير منقطعة لهم للتعليق على القضايا ذات الاهتمام الدولي. ومن المناسب هنا، النظر إلى الأهمية القانونية لمثل هذه التعليقات وخاصة تلك التي يدلي بها وزراء الخارجية، لإنها عادة (ولكن ليس دائما) ما تنطوي على موقف الدولة، وان بدرجة اقل من البيانات الرسمية والإعلانات الصادرة عن رؤساء الدول ومن على غرارهم.

ولطالما أثار القانونيون التساؤل حول إذا كان وزير الخارجية يقوم بدور مهم في العلاقات الدولية، فما مدى أهليته لإلزام دولته؟ وهذا، ما يدفعنا إلى تناول مسألة القيمة القانونية للتصريحات الشفهية لوزير الخارجية.

التصريحات الشفهية (Oral Statement)
شهدت العقود الأخيرة ثورة في وسائل الاتصال، رافقتها تغيرات في الممارسات الإعلامية. وقد تضمن ذلك زيادة كبيرة في وصول وسائل الإعلام لكبار ممثلي الدولة، وطلبات غير منقطعة لهم للتعليق على القضايا ذات الاهتمام الدولي. ومن المناسب هنا، النظر إلى الأهمية القانونية لمثل هذه التعليقات وخاصة تلك التي يدلي بها وزراء الخارجية، لإنها عادة (ولكن ليس دائما) ما تنطوي على موقف الدولة، وان بدرجة اقل من البيانات الرسمية والإعلانات الصادرة عن رؤساء الدول ومن على غرارهم.
يمكن القول بان الإعلام شرع منذ عدة عقود يلاحق وزير الخارجية بأمل الحصول على تصريح ما حول موضوع معين أو مسألة من المسائل الهامة في السياسة الدولية والتي غالبا ما تكون موضوع الساعة على الساحة الدولية. لا بل – إذا أردنا الذهاب ابعد من ذلك – فان وزراء الخارجية اليوم قد وضعوا نظاما لمثل هذه التصريحات والمقابلات الصحفية والتلفزيونية ويوجد في كل وزارة خارجية في دول العالم المختلفة جهاز يتولى تنظيم ذلك ويمكنه الاتصال بمندوبي الإعلام في كل وقت، ومهما اختلفت التسميات في جزئياتها فهي الدائرة الإعلامية أو الصحفية.

فوزير الخارجية هو لسان الدولة وخير معبر عنها على الصعيد الدولي واحد أجهزة التعبير عن إرادتها في الخارج، وان سعي الإعلام المحموم هو بقصد التعرف على موقف الدولة من خلال وزير خارجيتها.

وبهذا الوصف فان وزير الخارجية يستطيع وبكل سهولة من تحديد سياسة الدولة تجاه قضية معينة، لا سيما وان القانونين الوطني والدولي يخولانه ذلك، وحتى إذا لم يوجد نص في القانون الوطني (الداخلي) سواء في الدستور أو أي نص تشريعي أخر.

ويرى الدكتور احمد محمد رفعت رئيس جامعة بني سويف إن وزير الخارجية يتولى تحديد مواقف دولته السياسية ووجهة نظرها فيما يتعلق بالمشاكل الدولية عن طريق مؤتمرات صحفية تعقد بهدف اطلاع الراي العام على سياسة دولته في مواجهة المتغيرات السياسية والأزمات الدولية.

إن القانون الدولي قد منحه ذلك الحق استنادا إلى نص المادة 7 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 والتي اعتبرت وزير الخارجية ممثلا لدولته من اجل التعبير عن رضاها في الالتزام بمعاهدة دولية، ومن اجل القيام بجميع الأعمال المتعلقة بعقد المعاهدة، ومن بينها التصريحات الشفهية. لا بل إن المادة 11 من الاتفاقية المذكورة قد بنيت وسائل التعبير عن رضا الدولة الالتزام بالمعاهدة، ومن بينها التوقيع أو تبادل الوثائق أو التصديق أو الموافقة عليها أو قبولها أو الانضمام اليها أو أية وسيلة أخرى تتفق عليها.

وأصرخ مثال على أثر تصريح وزير الخارجية، هو تصريح بلفور الشهير الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور من خلال رسالة مختصرة تضمنت 117 كلمة وردت في 16 سطرا وجهها إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك في 2 نوفمبر 1917، وكانت سببا في ضياع دولة عربية في الشرق الأوسط ألا وهي فلسطين ومنذ 95عاما وحتى الآن.

وهكذا نجد أن وزير الخارجية هو واسطة التعامل القانوني بين الدول وذلك، بما يعلنه من بيانات أو يدلي به من تصريحات يلزم بها دولته.

ولقد سنحت الفرصة للقضاء الدولي أن يبدي رأيا في ذلك، وفي أكثر من مناسبة. وكانت أولى الحالات التي نظرها القضاء الدولي تتمثل في القرار الذي اتخذته محكمة العدل الدولية الدائمة عام 1933 في قضية غرينلاند (فقد حدث وان صرح وزير خارجية النرويج لممثل الدانمارك كتابة بان دولته تعترف بسيادة الدانمارك على غرينلاند، ثم عدلت النرويج بعد ذلك عن هذا الموقف وعرض الأمر على محكمة العدل الدولية، فقررت في حكمها الصادر بتاريخ 25 أبريل سنة 1933، إن تصريح وزير خارجية النرويج يقيد هذه الدولة، لأنه صدر من عضو له حق التعبير عن إرادتها.

ولقد قررت محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية غرينلاند الشرقية سنة 1933 إن البيان الذي ادلى به وزير خارجية النرويج لوزير خارجية الدانمارك المفوض في أثناء مقابلة رسمية يعتبر ملزما للحكومة النرويجية. وان اتفاقا دوليا ملزما ينجم عن محادثات رسمية بين وزير خارجية ومندوب دبلوماسي لدولة أخرى، وان التعهد الذي يقطعه وزير الخارجية في المحادثات وأثناء قيامه بالعمل ضمن نطاق سلطته الرسمية الطبيعية هو تعهد ملزم لدولته.

وهكذا ففي دائرة القانون الدولي، يعد كل ما يصدر عن وزير الخارجية، بوصفه ممثلا لدولته في الشئون الخارجية، ملزما لدولته ومنتجا لكافة أثاره القانونية، حتى إذا تجاوز حدود الاختصاصات التي خولها له الدستور.

وبالتالي فإن تصريح وزير خارجية العراق في 2/1/2019، يعد تصريحا صادراً من جهة دولية مختصة قادرة على إحداث أثار قانونية على الصعيد الدولي، وإنه تعبير عن نية العراق في الإعتراف بإسرائيل إعترافاً ضمنياَ بقوله: (إحنا قضية حل الدولتين مؤمنين فيها). وحتى من الناحية الشرعية ألا يكفي الإيمان للدلالة على النية؟ وحتى لو لم يقصد ذلك، وهذا ما يستشف من توضيح الوزير لاحقاً. ويبقى في كل الأحوال، ملزما من الناحية القانونية.
إن ذلك يذكرنا بالحديث النبوي القائل: "ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ".

والواقع، أن الوزير الجديد محمد علي الحكيم (الأمريكي الجنسية) هو من مواليد النجف عام 1952 (67 سنة)، ومن الطائفة الشيعية. عاد إلى العراق بصحبة الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر عام 2003، عمل مستشاراً لنائب رئيس الجمهورية (رئيس الوزراء الحالي) عادل عبد المهدي للشؤون الاقتصادية 2005-2010.
إنتقل إلى وزارة الخارجية بدرجة سفير عام 2006، ونقل إلى ممثلية العراق الدائمة لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف عام 2010، دون تدريب وخبرة دبلوماسية سابقة، كما هو معروف لدى الدبلوماسي المحترف أو المهني (Diplomat Careers). والأن يستوزر وزيرا لخارجية بلد ملتهب وسط صراعات دولية كبيرة.

وكثيرا ما كانت مواقفه وتصريحاته تثير أزمات سياسية وإشكالات قانونية مع الدول والمنظمات الدولية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

(1) منح حق الجنسية للأجانب في العراق
قام ممثل العراق الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف سابقا محمد علي الحكيم والذي ادخل العراق في مأزق قانوني لن يستطيع الخروج منه لعشرات السنين ، عندما صادق على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف أثناء انعقاد الدورة الاعتيادية العشرون والخاص بالحق في الجنسية : النساء والأطفال، والذي صدر في 16 / تموز /2012، حيث نصت الفقرة 4 من القرار المذكور على إن المجلس (يشجع الدول على أن تيسر، وفقا لقانونها الوطني، حصول الأطفال على جنسيتها عندما يولدون على أقاليمها أو لمواطنيها المقيمين في الخارج ويكونون من غير ذلك عديمي الجنسية). وكان القصد من القرار هو صهر مواطني الدول العربية من خلال منح الجنسية لكل من يولد على إقليم الدولة حتى لو كان والديه من الأجانب، وهكذا فان أي أجنبية تدخل العراق وهي حامل وتلد على الإقليم العراقي حتى لو كانت الولادة قد تمت في طائرة محلقة في الأجواء العراقية، فان على الحكومة العراقية إن تمنحها الجنسية العراقية إسوة ببقية العراقيين. وبرغم من التحذيرات الكثيرة له من المختصين من أعضاء البعثة ومن مسؤول الملف إلا انه اصرّ على ذلك. وهكذا صدر القرار باسم العراق كدولة راعية لمشروع القرار، وهذا سيشكل بحد ذاته قنبلة قانونية موقوتة كما هو الحال في دستور 2005، لتثير مشاكل عديدة للعراق في الأمد البعيد.

(2) سيطرة مجموعات مسلحة إرهابية على منشأة سابقة للأسلحة الكيمياوية عام 2014
يوم 9 / تموز / 2014 أبلغ سفير العراق لدى الأمم المتحدة في نيويورك محمد علي الحكيم في رسالة موجهة للأمين العام بان كي مون بتاريخ 30 / حزيران / 2014 بان حكومة بلاده فقدت السيطرة على منشأة سابقة للأسلحة الكيمياوية لصالح مجموعات مسلحة وإنها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها الدولية لتدمير المواد السامة هناك. وان منشاة المثنى (72 شمال غربي بغداد) قد سقطت في 11 من يونيو / حزيران وان بقايا برنامج سابقة للأسلحة الكيمياوية موجودة في غرفتين محصنتين تحت الأرض هناك “. وان كاميرات المراقبة قد رصدت فجر الثلاثاء 12يونيو / حزيران نهب بعض المعدات وأجهزة المشروع قبل أن يعطل المسلحون نظام المراقبة.
وقد أثار هذا الخبر المستند على رسالة السفير العراقي إشكاليات قانونية وسياسية كبيرة وقادت إلى استنتاجات خطيرة أبرزها: –
1. إن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل رغم عجز الأمم المتحدة وفرق تفتيشها لأكثر من 13 سنة من التقصي والتفتيش وكذلك عجز الولايات المتحدة عن إثبات ذلك منذ 11 سنة من البحث داخل العراق.
2. إن العراق قد انتهك التزاماته المقررة بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية لعام 1993 والتي دخلت حيز النفاذ عام 1997، وأنظم اليها العراق في عام 2009 ليصبح الدولة العضو رقم 186 من مجموع الأعضاء (190) دولة.
وأخيرا جاء القول الفصل والكلمة الحاسمة من بغداد عاصمة السفير، حيث صرح علي الحيدري عضو التحالف الوطني، الأربعاء 9 تموز بانه لا صحة لتصريحات سفير العراق لدى الأمم المتحدة واعتبر تصريحات سفيره الأممي” مدفوعة الثمن” أو كما يعرف بالإنكليزية (paid statement) وهذا ينطوي على شك في إن يكون السفير المذكور قد تقاضى مبلغا من المال من جهة معينة لقاء هذا التصريح.

(3) دخول القوات التركية إلى شمال العراق عام 2015
في 7/12/2015 توغلت القوات التركية في الأراضي العراقية مما ولّد أزمة دولية بين العراق وتركيا. وقد صرّح سفير العراق في نيويورك محمد علي الحكيم (الوزير حالياً) داعيا الحكومة العراقية إلى حل المسالة بالطرق الدبلوماسية وعدم تصعيد الموقف بين بغداد وأنقرة لإنه ليس من مصلحة العراق. مما أثار استهجان العراقيين وتساؤلهم فيما إذا كان هذا موظفا لدى العراق ويتقاضى راتبه وامتيازاته المالية الكبيرة منها أو موظفا لدى جهة أخرى مستقلة ومحايدة في ظل هذا النزاع الدولي؟ متخذاً موقفاً مخالفاً لحكومته، ففي تصريح لرئيس الوزراء حيدر العبادي بتاريخ 8/12/2015 أنكر وجود أي اتفاق مع الجانب التركي لهذا التوغل العسكري وأمهل القوات التركية بالخروج من العراق خلال 48 ساعة، ثم تلاه إدانة البرلمان العراقي لهذا التوغل العسكري في 9/12/ 2015. وما زالت القوات التركية موجودة في العراق، حتى يومنا هذا.

(4) مشاكل شخصية
في تقديري أن الوزير الحالي يعاني من مشاكل نفسية تتمثل في وسواس العظمة، وهذا ما لاحظته عليه خلال عملنا سوية لمدة ثلاث سنوات (2010-2013). كيف لا، وقد تحول من لاجئ في أميركا إلى سفير ثم وزير.

وقد كتبت عن تصرفاته هذه في عام 2015 فهو يرى نفسه انه قد أصبح رئيس العالم بهذا المنصب، ولكن من الجنون أن يظّن سفير دولة صغيرة بانه أكبر من حجمه، وهذا ما شهدناه أثناء العمل معه، وهذا ما عانيته طيلة فترة العمل معه. خاصة بوجود عدد كبير من المتملقين والمتزلفين الذي يجَمِلون له كل تصرفاته الخاطئة، وخاصة الدبلوماسيين الشيعة، الذين يعتقدون أن إنتقاد أي مسؤول شيعي، مهما كان مخطئاً، بأنه إنتقاد لحكم المذهب الديني الشيعي والسعي لإزالته، دون أن يكلفوا نفسهم عناء إصلاح أخطاءهم. إن هذا ليس من قبيل التقليل والتسقيط رغم الخلافات بيننا، ولكنها شهادة لسوء إدارة الدولة في العراق منذ 2003 وإلى يومنا هذا، وتشخيص الأخطاء والسعي لإصلاحها. ومن الحالات التي أذكرها على سبيل الإستشهاد، هاتين الحالتين:

- ففي احدى المرات في عام 2011 وأثناء اجتماعنا في مقر بعثة تايلند في جنيف برئاسة رئيس مجلس حقوق الإنسان آنذاك السفير التايلندي سيهاساك فوانغكيتكيو لبحث تقييم عمل وأداء المجلس، واذا به تطلق قريحته متحدثاً باسم جميع الدول العربية والإسلامية دون مراعاة لوجود سفراء الدول العربية والإسلامية، فما كان من سكرتيرة مجلس حقوق الإنسان (Ann Schive Viken)التي كانت تجلس خلف الرئيس إلا أن همست بإذني حيث كنت أجلس بجانبه وطلبت بأن أوجه السفير العراقي آنذاك بأن يتحدث وفقا لاختصاصه الوطني (National Jurisdiction) لا أن يتحدث نيابة عن جميع الدول، بعد أن صرح قائلا : بأننا بإسم جميع الدول لن نقبل بذلك، وبإسم الدول العربية جميعا. وسط دهشة السفراء وخاصة سفير مصر، الدبلوماسي المخضرم الزميل هشام بدر الذي فغر فاه مستغرباً من هذا الطرح على الصعيد الدبلوماسي. وقد همست بإذنه قائلا: سعادة السفير تحدث باسم العراق فقط. فتدارك وقال إني أتحدث باسم العراق فقط.

- وعلى غرار ذلك ما صرح به لدى أول اجتماعه بمكتب الجامعة العربية في جنيف في نيسان عام 2010 حيث طرح إنطباعاته الشخصية كما في حوار في مقهى بين الأصدقاء، قائلا: بان الجامعة فاشلة ولا فائدة منها، ولا أرى ضرورة لبقائها.

وهذا ما دفعني للاعتذار لاحقاً في الاجتماع التالي وتبرير هذه التصرفات المخالفة للعمل الدبلوماسي، وسارت الأمور بعد ذلك سيراً حسنا مع مندوب الجامعة العربية.

ولهذا فقد ذهب الفقه القانوني الدولي إلى إن الزاوية التي يصعب اكتسابها في الصفات الواجب توفرها في وزير الخارجية، هي تلك الخاصة بمدى القدرة الشخصية على التصرف السليم والوزن الدقيق للأمور. ففي دائرة العلاقات الدولية يكثر الطلب والالتماس والتفاوض. إن أية كلمة تقال في غير محلها قد تجرح أمة بكاملها. كما إن السعي إلى تحقيق شيء بدون تقدير لنتيجته جيدا فيؤدي إلى إخفاقه. قد يعرض كرامة الأمة كلها ومصلحة الدولة للخطر. لذا يُختار رجل السياسة الخارجية من بين الرجال الممتازين شخصيا وعلميا، ومن القادرين على التفاوض والتحدث، وممن تتوافر فيهم اللياقة والكياسة وحسن المعاملة.

فهل تفقَه الحكومة العراقية ووزير خارجيتها ذلك منذ تغيير النظام عام 2003، وإقامة حكم الدولة الدينية بصبغة شيعية، وتهجير كل الكفاءات العراقية (وأنا من بينهم وبدفع من الوزير المذكور ذاته) ذلك؟
ولكن يبدو أن الشيعة ما زالوا وبعد أربعة عشر قرناً يكررون تجربتهم المريرة في إختيار أبي موسى الأشعري، رغم الكارثة. فهل من متعظ؟


د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي - دبلوماسي سابق
كاليفورنيا في 5/1/2019

الهوامش
https://youtu.be/JVwq8j9Ohpo?t=36 ، https://youtu.be/JVwq8j9Ohpo
وزير الخارجية العراقي: ترامب طلب لقاء عبد المهدي لـ10 دقائق، موقع العربي الجديد، في 2 يناير 2019، الرابط:
https://www.alaraby.co.uk/politics/2019/1/2/%d9%88%d8%b2%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8-%d8%b7%d9%84%d8%a8-%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a1-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%af%d9%8a-%d9%84%d9%8010-%d8%af%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%82
الرابط:  http://www.mofa.gov.iq/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9
نائب يعتزم جمع تواقيع لاستجواب وزير الخارجية، موقع قناة السومرية الإلكتروني في الخميس 3 كانون الثاني 2019، الرابط:
https://www.alsumaria.tv/news/256899/%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%87-%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%84/ar?utm_campaign=magnet&utm_source=article_page&utm_medium=related_articles
عزت الشابندر يبدي إستغرابه لموقف وزير الخارجية محمد علي الحكيم حول القضية الفلسطينية، الرابط على اليوتيوب:
https://www.youtube.com/watch?v=pGCZTg6kolg
كتلة نيابية تتهم وزير الخارجية العراقي بالإعتراف بإسرائيل، موقع قناة إن أر تي عربية، في 3 كانون الثاني 2019، الرابط:
http://www.nrttv.com/AR/News.aspx?id=8001&MapID=2
موقع قناة الإباء، الرابط:
http://alebaa.tv/news/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82/234218/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a6%d8%a8-%d8%ad%d8%b2%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87---%d8%b7%d8%b1%d9%88%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%b2%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d8%a8%d8%ad%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%aa%d9%8a%d9%86-%d9%84
بيان المكتب الإعلامي، وزارة الخارجية تؤكد موقف العراق التاريخي والمبدئي من القضية الفلسطينية، الموقع الرسمي لوزارة الخارجية العراقية في 3/12/2019.
تصريح صحفي، موقع وزارة الخارجية، http://www.mofa.gov.iq/ar/news/29164/تصريح-صحفي
تصريح صحفي لوزير الخارجية، الموقع الرسمي لوزارة الخارجية العراقية في 4/12/2019. الرابط:
http://www.mofa.gov.iq/ar/news/29163/%D8%AA%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%AD-%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9
https://youtu.be/JVwq8j9Ohpo?t=36
ردود فعل نيابية غاضبة من موقف وزير الخارجية إزاء فلسطين، قناة العهد الفضائية.  https://youtu.be/nWwaLGc3nOw?t=3
مبادرة السلام العربية، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
تضمن البيان الختامي لقمة بيروت 2002، ما يلي: "وفيما يتعلق بالبند الثاني في البيان الختامي للمؤتمر الذي تضمن "الحالة العراقية-الكويتية"، كان أبرز ما فاجأ المجتمعين العرب المصالحة والوفاق بين العراق والمملكة العربية السعودية، الذي بدا واضحاً في صورة العناق والمصافحة الحارة بين عزت إبراهيم نائب رئيس الجمهورية العراقية، وبين الأمير عبد الله، وقد بدا ذلك واضحاً في البندين التاليين في البيان الختامي:
1- يرحب القادة بتأكيدات جمهورية العراق، على إحترام إستقلال وسيادة وأمن الكويت وضمان سلامة أراضيها ووحدتها. ويطالب القادة بإحترام إستقلال العراق، وسيادته وأمنه ووحدة أراضيه وسلامته الإقليمية كما يطالبون العراق بالتعاون لإيجاد حل سريع لقضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين، وإعادة الممتلكات وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. كما يرحب القادة بإستئناف الحوار بين العراق والأمم المتحدة والذي بدأ في جو إيجابي إستكمالاً لتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

2- تدارس القادة التهديد بالعدوان على الدول العربية، وبصورة خاصة العراق وأكدوا رفضهم المطلق لضرب العراق، أو تهديد أمن وسلامة أية دولة عربية بإعتباره تهديداً للأمن القومي لجميع الدول العربية. أنظر، نبيلة أبو سلطان، القمة العربية في بيروت 28/3/2002، الرابط:
http://www.oppc.pna.net/mag/mag5-6/new_page_11.htm
مبادرة السلام العربية في عداد الموتى، موقع فَنك، الرابط: https://fanack.com/ar/arab-palestinian-israeli-conflict/death-of-arab-peace-initiative
علاء اللامي، أكثر من عشرين نائبا عراقيا زاروا "إسرائيل" سرا!، موقع البديل، في 12/27/2017، الرابط: http://www.albadeeliraq.com/node/886
معهد القانون الدولي في دورة انعقاده في بروكسل عــام 1936.
الاعتراف الدولي بإسرائيل، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
د. رياض السندي، المركز القانوني لوزير الخارجية، بحث ترقية مقدّم إلى وزارة الخارجية العراقية عام 2013 (غير منشور).
دستور العراق لعام 2005.
لقد جاء الدستور العراقي العام 2005، وقانون الخدمة الخارجية لعام 2008 خاليا من أي نص يشير إلى ذلك.
د. جعفر عبد السلام، مبادئ القانون الدولي العام، ط5 (دون مكان الطبع) 1996، ص 418 – 419.
انظر، وعد بلفور، ويكيبيديا - الموسوعة الحرة.
د. سموحي فوق العادة، القانون الدولي العام، القاهرة 1965، ص 485.
د. حامد سلطان ود. عائشة راتب، ود. صلاح الدين عامر، القانون الدولي العام، ط4، القاهرة 1987، ص 162.
د. عبد الكريم علوان، القانون الدولي العام، ج1، الإسكندرية 2007، ص 261-265.
د. رياض السندي، المركز القانوني لوزير الخارجية، مصدر سابق، ص52.
د. رياض السندي، سفير ضد الدولة التي يمثلها، موقع كتابات، في 30 نيسان/أبريل 2014. الرابط:
https://kitabat.com/2014/04/30/%d8%b3%d9%81%d9%8a%d8%b1-%d8%b6%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%8a%d9%85%d8%ab%d9%84%d9%87%d8%a7 /
د. رياض السندي، السفير المهرج، موقع كتابات، في 11 تموز/يوليو 2014، https://kitabat.com/2014/07/11/السفير-المهرج/
د. رياض السندي، سفير العراق في نيويورك وأزمة التوغل التركي، موقع الحوار المتمدن، في 2015 / 12 / 28. الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=498464
د. جعفر عبد السلام، مبادئ القانون الدولي العام، ط5 (دون مكان الطبع) 1996، ص 426 –

الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

سويدي مرشحاً لرئاسة العراق

سويدي مرشحاً لرئاسة العراق




رياض السندي

الحوار المتمدن-العدد: 5993 - 2018 / 9 / 13 - 01:09

ما زلتُ على يقين بأن أساس المؤامرة على العراق يتمثل في إستخدام مجموعة من الأشخاص ذوي أصول عراقية وممن إكتسبوا جنسيات أجنبية بعد أن أقسموا بالولاء لبلدانهم الجديدة، للعمل ضمن مخطط دولي كبير لتدمير العراق وسرقة ثرواته وإنتهاك حقوق شعبه، بما ينعكس على كل دول منطقة الشرق الأوسط.
وإنطلاقاً من هذا اليقين، فقد نشَرتُ عدّة مقالات بهذا الصدد، كشفتُ فيها عن العديد من هؤلاء، أمثال الكويتي الذي أصبح وزيراً في العراق، والإيراني الذي أصبح مسؤولا عن شهداء العراق.
واليوم، أتحدث عن لاجئ سويدي رشحَه الاتحاد الوطني الكردستاني ضمن المحاصصة الحزبية المقيتة، بضغط شديد من هيرو إبراهيم زوجة الرئيس السابق جلال الطالباني.
فما قصة هذا اللاجئ؟ وما خفايا ترشيحه؟ وما هو مستقبل العراق إذا أصبح رئيساً له؟

- سيرة لاجئ
- تحدثنا سيرة حياة محمد صابر إسماعيل المنشورة على موقع وزارة الخارجية والتي حذفت فيما بعد، بأنه من مواليد 1947 في السليمانية، ولا يعلم تاريخه ميلاده الحقيقي باليوم والشهر، لذا فقد دُوّن بأنه من مواليد 1/7 كما هو الحال لألاف العراقيين الذين قرر قانون الجنسية العراقي إدراجه للذين لا يعرف تاريخ ميلادهم بدقة. وهذا يعني بأنه يبلغ من العمر 71 سنة.
- وتشير السيرة ذاتها أنه خريج بكلوريوس في الفيزياء من جامعة بغداد، وإنه حصل على ماجستير في الفيزياء النووية من جامعة ستوكهولم عام 1983، ثم دكتوراه بذات الاختصاص من نفس الجامعة عام 1988. وكانت الأمم المتحدة ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان تشكك كثيرا بشهادته، وهذا ما أبلغوني به شخصيا عندما كنت نائبا للسفير في ممثلية العراق الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف.
- تفرغ للعمل الحزبي منذ عام 1978 فأصبح مسؤولا للاتحاد الوطني الكردستاني للدول الأوربية، ثم ممثلا لحكومة أقليم كردستان والإتحاد الوطني الكردستاني في فرنسا منذ عام 1993، ثم إنتقل إلى واشنطن ممثلا لنفس الحكومة والحزب منذ عام 2001.
- عاد إلى العراق بعد سقوط النظام السابق في عام 2004، ليمنح بعد 3 أشهر درجة سفير في 20/7/2004، وليعين سفيرا للعراق في الصين بعد أقل من شهرين في 9/9/2004، في إستغلال واضح للوظيفة العامة قام الرئيس طالباني بتعيينه سفيراً نظرا لحالة القرابة بينهما وبتزكية وترشيح من وزير الخارجية هوشيار زيباري، حيث كان قانون الخدمة الخارجية رقم (122) لسنة 1976 ينص على ما يلي: -
مادة 11
أولا – يعين السفير بمرسوم جمهوري، بناء على اقتراح وزير الخارجية.
- وبعد تعيين عدد من المقربين في مناصب كبيرة، أصدر القانون الجديد للخدمة الخارجية رقم 45 لسنة 2008، الذي وضع شروطاً معقدة لتعيين السفير للمرشحين الجدد، حيث تقضي المادة 9 منه على ما يلي: -
اولاً- يعين السفير بمرسوم جمهوري بناء على ترشيح الوزير وتوصية مجلس
الوزراء وموافقة مجلس النواب.
ثانياً- يشترط فيمن يعين سفيراً أن يكون:
أ- عراقي الجنسية.
ب – حاصلاً على الشهادة الجامعية الأولية أو ما يعادلها في الأقل.
ج- من ذوي الخبرة والاختصاص ومن المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة.
د – لا يقل عمره عن (35) خمسة وثلاثين عاماً.
هـ – أن لا تقل درجته الوظيفية عن درجة مستشار.
كما أجازوا لأنفسهم ترشيح من يرغبونه لمنصب السفير خارج هذه الضوابط، على أن لاتزيد نسبتهم على (25%) من مجموع السفراء، كما نصت الفقرة ثالثاً من هذه المادة أعلاه.
- إنتقل محمد صابر إسماعيل إلى الصين سفيرا للعراق ليستمر هناك لفترة أطول من أي سفير أخر، وهي 6 سنوات بدلا من 4 سنوات، كما تنص المادة 19/أولا من نظام الخدمة الخارجية رقم 1 الصادر في 3/1/ 2010، حيث نصت على ما يلي:
أولاـ تحدد مدة عمل موظف الخدمة الخارجية في الخارج بـ(4) أربع سنوات، وللوزير بتوصية من مجلس الوزارة عند مقتضيات المصلحة العامة، تمديدها (1) سنة واحدة.
وربما من يعترض محتجا بأن النظام المذكور قد صدر بعد تعيين المشار اليه سفيرا، وهنا ينبغي التنويه من الناحية القانونية إن القانون السابق لا يلغى إلا بصدور قانون لاحق، وفي الغالب ينص القانون الجديد في أحكامه الختامية على إلغاء القانون السابق.
وبهذا الصدد، فقد كانت التعليمات المعمول بها سابقا وفقا لنظام الخدمة الخارجية رقم (32) لسنة 1976، والتي نصّت صراحة في المادة 32 منه على تقسيم مناطق الخدمة الخارجية، كما يلي: -
مادة 32
تقسم مناطق الخدمة الخارجية لأغراض هذا النظام إلى:
المنطقة الأولى – وتشمل دول واربا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية واليابان.
المنطقة الثانية – وتشمل دول آسيا وأفريقيا بما فيها الدول العربية عدا دول المنطقة الثالثة.
المنطقة الثالثة – وتشمل الدول التالية:
السودان والصومال ونيجيريا وموريتانيا والجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وجمهورية كوريا الديمقراطية وجمهورية الصين الشعبية وبنغلاديش وجمهورية فيتنام الديمقراطية وكمبوديا وجمهورية أفريقيا الوسطى وكوبا وتانزانيا وأوغندا والسنغال واي دولة أخرى يقرر الوزير ببيان اعتبارها من ضمن هذه المنطقة.
ثم حددّت المادة 33، مدة الخدمة لكل منطقة بقولها:
مادة 33
مدة الخدمة في كل من المنطقتين الأولى والثانية ثلاث سنوات في المنطقة الثالثة سنتان.
ولما كانت جمهورية الصين الشعبية ضمن تصنيف المنطقة الثالثة، فكان على وزارة الخارجية تحديد مدة خدمة السفير المذكور لسنتين وليس لست سنوات، وحتى في حالة التمديد لمدة سنة فإن مدة بقائه هناك تكون لثلاث أو أربع سنوات وليس أكثر، وبالتأكيد فقد لعب الرئيس السابق جلال الطالباني دورا في ذلك، وهذا ما سنوضح أسبابه ودوافعه لاحقا.
- عاد إلى وزارة الخارجية بعد إنتهاء خدمته الطويلة في الصين ليعين رئيسا لدائرة آسيا وأستراليا لمدة ثلاث سنوات تقريبا.
- عيِّن سفيرا للعراق وممثلا له في بعثة الإمم المتحدة في جنيف بتاريخ 2013/2/26، حتى كانون الثاني 2015 ليحال على التقاعد وهو بعمر 68 سنة تجاوزا على القانون الذي يحدد السن القانوني للتقاعد ب (64 سنة) وفقا قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014، حيث نصّت المادة 10 منه على ما يلي: -
تتحتم إحالة الموظف إلى التقاعد في إحدى الحالتين الآتيتين:
اولاًـ عند إكماله (63) الثالثة والستين من العمر وهي السن القانونية للإحالة إلى التقاعد بغـض النظر عن مدة خدمته ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
ثانياًـ إذا قررت اللجنة الطبية الرسمية المختصة عدم صلاحيته للخدمة.
وهكذا يبدو لأي مطّلع حجم المخالفات والإنتهاكات القانونية التي مارسها هذا اللاجئ السويدي والذي رُشِّح لمنصب رئاسة الجمهورية اليوم.

- خدمته في جنيف
لما كنت قائما بأعمال العراق المؤقت في جنيف عام 2013، إستدعتني وزارة الخارجية في بغداد لإمتحان الترقية ولإيجاز السفير الجديد إلى جنيف وهو محمد صابر اسماعيل، وقد التقيته في مكتبه بالوزارة وشرحت له طبيعة عملنا في الأمم المتحدة، وكانت لغته العربية ركيكة، ويعتمد نفس أسلوب جلال الطالباني في إلقاء النكت والضحك، وهي وسيلة لخداع المقابل وخاصة العرب، وتهوين الأمور. وطلب مني مفاتحة الجانب السويسري لإستحصال تأشيرة دخول له ولعائلته، وتعهد بإرسال الوثائق اللازمة لذلك.
وصلتني الوثائق الرسمية الخاصة بذلك، وهما كتابين صادرين من وزارة الخارجية العراقية، الأول بتوقيع هوشيار زيباري وزير الخارجية آنذاك، يشير إلى الأمر الوزاري ذي العدد م خ/1/25/475 الصادر في 20/2/2013، يكلف محمد صابر إسماعيل ممثلا دائما لجمهورية العراق في الأمم المتحدة /جنيف. أما الكتاب الثاني فموقع من فارس علي ال شكر رئيس دائرة المراسم وكالة في وزارة الخارجية، ويحمل العدد 11/س/1/621 والصادر في 11/3/2103 والموجه إلى السفارة العراقية في عمان – الأردن لماتحة السفارة السويسري هناك لإستحصال سمة الدخول إلى الأراضي السويسرية له ولعائلته المكونة من: -
1. السيدة هه تاو إبراهيم أحمد / الزوجة.
2. نازكالي محمد صابر إسماعيل / الأبنة.
3. ئاكري محمد صابر إسماعيل / الإبن.
وقد تفاجأنا جميعا بأنه متزوج من أخت زوجة جلال الطالباني هيرو إبراهيم أحمد، وكان هو وغيره من الطبقة السياسية التي دخلت العراق تخفي صلة القرابة فيما بينهم لسنوات طويلة وتتقن فن خداع العراقيين تجنباً لإنتقادهم بحصر الوظائف العامة بأقربائهم وحرمان بقية أفراد الشعب منها، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا.
كان مسؤول البروتوكول في ممثلية العراق في جنيف موظف فاسد ومتملق ومخادع وكذاب يدعى (أزهر) قد جرى تعيينه من قبل الوزير زيباري شخصيا، وفائدته أنه يمارس أساليب ملتوية في جمع الأموال منها شاء السجائر من السوق الحرة وبيعها في السوق السوداء، وكذلك حجز فنادق للمسؤولين بشكل وهمي وإسترجاع الأموال من الفندق، وكذلك إسترجاع مبلغ الضرائب للمشتريات بإعتبار أن الدبلوماسيين معفيين من الضرائب، وهكذا يرسل للوزير شهريا من 20-50 الف دولار، وهكذا هو الحال في 83 سفارة وبعثة للعراق، ولم يتمكن السفير السابق محمد علي الحكيم (أمريكي من أصل عراقي) أن يزيح هذا الموظف الفاسد مراعاة لمصالحه الشخصية، وعندما تولَيت مهام القائم بالأعمال المؤقت كلفت موظف آخر بإدارة شؤون البروتوكول بدلاً عن أزهر، وما هي ساعات حتى إتصل بي من بغداد السفير الجديد محمد صابر إسماعيل ليطلب مني إبقاء الموظفين في مراكزهم دون تغيير، ويبدو أن هذه المكالمة كانت بدفع من الوزير شخصياً.
وقبل أن يصل السفير إلى جنيف ويباشر مهام عمله طلب مني تعيين عدد من المستخدمين الجدد، والغريب أن كل الذين طلب تعيينهم هم أجانب وتحديدا من أقربائه وأصدقائه السويديين من الأكراد المقيمين هناك، ويحرم في ذات الوقت العراقيين من التعيين في سفارات بلدهم، وهكذا أصبحت بعثة العراق ملحق ببعثة السويد من حيث العاملين فيها.
وربما سيستغرب أحدهم من ذلك، وهل يعقل هذا؟
نعم، هذا ما حدث فعلا، فقد أرسل لي رسالة إلكترونية يطلب فيها تعيين كل من:
1. هاوار علي عمر (Hawar Ali Omar) يحمل جواز سفر سويدي برقم (86162494P ).
2. سوزان حمه سليمان (Sozan Hama Suleiman) تحمل جواز سفر سويدي برقم (P 82864145).
وإذا كانت هذه تصرفاته وهو سفير، فكيف ستكون تصرفاته وهو رئيس للعراق؟
ومنذ اليوم الأول كان عليلا ولا يقوى على حضور إجتماعات الأمم المتحدة أو إلقاء كلمة العراق، وكان دبلوماسيي البعثة وموظفيها سعيدين بالفوضى التي خلقها، وحالهم أشبه بحال طلاب المدارس التي يغيب المعلم أو المدرس فيها، في حين كنت أنا من المعترضين عليها، لأنها تضر بمصالح العراق.
كلفت البعثة أحد المستخدمين المحليين وإسمه (باسم) وهو يتبع للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق بأخذه إلى طبيب سويسري ليبلغني في اليوم التالي بأن الطبيب قال بأن جسم السفير لا يستجيب لأي علاج فلا حاجة لمراجعة الأطباء، وبإمكان عصير الفواكه أن يساعده قليلا.
وهكذا قامت البعثة بشراء معصرة كبيرة وكيس كبير من الجزر يوميا لعصره لهذا العليل الذي يكلف العراق أكثر مما يفيده مثل عديله جلال الطالباني الذي أقام في مستشفى ألماني لأكثر من سنة ونصف وكلف العراق أكثر من 150 مليون دولار، إضافته لإمتيازاته كرئيس للجهورية في الوقت الذي بقي كرسي الرئاسة شاغرا طيلة هذه الفترة.
ويبدو أن للوزير وحاشيته الفاسدة غرض من جلب هذا العليل الذي لا يتوافق إختصاصه مع إختصاصات الخارجية، ولم تمضي أيام حتى إتضح إن الغرض من نقله لهذه الفترة القصيرة قبل تقاعده هو لتمرير عقد شراء قطعة أرض لبناء ممثلية للعراق في جنيف حيث وقع السفير المذكور العقد بتاريخ 12/2/2014 بسعر (23.5) مليون فرنك سويسري، في حين عن سعرها الحقيقي (9) مليون فرنك سويسري، وقد نشرت تفاصيل ذلك العقد في مقالي السابق (باي ... باي هوشيار) المنشور بتاريخ 30/4/2016.
وكان أخر حديثي معه بتاريخ 27/7/2013 في مكتبه عندما صارحته بأن ما يقوم به هو ظلم حقيقي، فأجاب لا أن هذا ليس بظلم، ورددت عليه في أخر عبارة: فاذا الأيام بيننا وهي ستكشف ذلك للجميع.
هذه حقيقة أدونها للتاريخ، وشهادة حية، أنبه بها العراقيين من مغبة إنتخاب هذا الشخص لمنصب رئاسة الجمهورية لأربع سنوات قادمة، وأشهد الله على كل كلمة فيها.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=611413

الأحد، 2 سبتمبر 2018

مَنْ يُمثّل مسيحيي العراق؟

مَنْ يُمثّل مسيحيي العراق؟

?Who Represents the Christians of Iraq

By Dr. Riadh AlSindy 

د. رياض السندي*


يمكن القول، دون تردد، أن مسيحيي العراق لم يتمكنوا من إختيار من يمثلهم سياسيا، منذ قيام دولة العراق الحديث عام 1921 وحتى يومنا هذا. فهذه المجموعات المسيحية أو الطوائف الدينية، أو الكنائس التاريخية تعاني من إنقساماتها المذهبية وعدم إتفاقها على من يمثلها سياسيا، على الرغم من إتفاقها الظاهري فيما بينها. كما iإنها تفتقد للقوة التي توحدها بخلاف العرب الذين ظهر فيهم الإسلام كقوة موحدة لهم. وفي تاريخ الكنيسة الطويل فإن إتفاق الجماعات المسيحية وأتحادها كان يتم بإرادة الحاكم وقوة السلطة، كما هو الحال في معظم الأقليات والمجتمعات.

وينبغي بهذا الصدد، الإقرار بثلاثة حقائق مهمة عن هذه الجماعات، وهي: -

1. إنها من الشعوب الاصيلة في المنطقة.
2. إنها لعبت دوراً متميزاً في الحضارة العربية وبناء الدولة.
3. إن ايديولوجيتها المتسامحة كانت سبب بقاءها، وعامل خسرانها لمواقعها وتضاءل أعدادها.
وقد حافظت هذه الجماعات على تماسكها فترة طويلة، على الرغم من تقلبات الزمن، فقد وجدت في هذه المنطقة قبل الإسلام وعايشت كل العصور الإسلامية المختلفة، إبتداءا من حكم الخلافة الراشدة وحتى نهاية حكم الخلافة العثمانية عام 1924. أما بعد تأسيس الحكم الوطني في العراق سنة 1921 فقد تضمن الدستور تمثيلا يتناسب وعددهم ومن الاوائل الذين انتخبوا نواباً في مجلس النواب الدكتور سليمان غزالة ورؤوف شماس ألّوس والخوري يوسف خياط ثم تكللت مشاركتهم فيما بعد بتعيين البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني عضوا في مجلس الاعيان، وتبعه البطريرك يوسف غنيمة في نفس المنصب حتى وفاته قبل ثورة 14 تموز1958 بأيام قليلة عندما عطلت اعمال المجلسين. 
ومن الناحية المذهبية، فإنهم يتوزعون الى المذاهب الرئيسية الأربع التالية، والتي تقودها كنائس محددة، وهي: -
أولا. الكاثوليك: ويضم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، الطائفة السريانية الكاثوليكية، الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية، الروم الكاثوليك، طائفة اللاتين الكاثوليك.
ثانيا. الأرثوذكس: ويضم الطائفة السريانية الأرثوذكسية، الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، الروم الأرثوذكس، طائفة الأقباط الأرثوذكس.
ثالثا. كنيسة المشرق: وتضم كنيسة المشرق القديمة، كنيسة المشرق الآشورية أو الكنيسة الآثورية.
رابعا. البروتستانت والطوائف الغربية: وتضم الطائفة البروتستانتية الإنجيلية الوطنية، الطائفة الإنجيلية البروتستانتية الآثورية، طائفة الأدفنتست السبتيين.
أما من الناحية القانونية، فإن القانون العراقي قد أعترف بأربعة عشر طائفة مسيحية في العراق وفقاً لنظام ملحق نظام رعاية الطوائف الدينية المعترف بها رسميا في العراق رقم 32 لسنة 1981.
إزاء هذا التعدد المذهبي، والاعتراف القانوني، أثيرت بعد عام 2003 مشكلة التمثيل السياسي لمسيحيي العراق، وتحولت شيئا فشيئا الى عقدة مستعصية، وقد برزت توجهات عديدة، عززت من روح الإنقسام لدى هذه الطوائف بدلا من توحيدها، وهي: -
(1) التمثيل وفقاً لمبدأ أسبقية التنظيم السياسي: ووفقا لهذا التوجه، فإن الأحزاب الآشورية هي التي تمثل مسيحيي العراق، نظراً لسبقها للتنظيم السياسي المتمثل بالحركة الديمقراطية الأشورية (زوعا)، الى جانب أحزاب أخرى صغيرة ظهرت فيما بعد، لتمثّل الأشوريين والكلدان والسريان وغيرها.
(2) التمثيل وفقاً لمبدأ الأغلبية العددية :ووفقا لهذا التوجه، فإن الكلدان الكاثوليك يعدون أكبر الطوائف المسيحية في العراق، وهم الأحق بتمثيل مسيحيي العراق قاطبة.
(3) التمثيل وفقاً للإعتراف الرسمي أو الحكومي: ووفقا لهذا التوجه، فإن من يسبق غيره في الحصول على الإعتراف الرسمي هو الأولى بتمثيل المسيحيين، ويقع تنظيم ريان الكلداني المسمى بالحركة المسيحية في العراق، ضمن هذا التمثيل، بالإضافة الى أحزاب وتنظيمات أخرى صغيرة نشأت في بغداد أو إقليم كردستان العراق، وحظيت بإعتراف رسمي. 
إن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم قدرة هذه المجموعات على توحيد نفسها تحت أي مسمى كان. وهذا الأمر ذاته تعاني منه المجموعات السياسية المسيحية جميعها، فالكلدان والسريان في غالبيتهم، يجدون صعوبة في الانضمام الى الحركة الآشورية، لان التسمية تعيق ذلك. كما تعذر قيام أحزاب سياسية مسيحية، لتعارضها مع التعاليم المسيحية السمحاء، ولتلافي أثارة أي صراع ديني غير متكافئ مع الأغلبية المسلمة.

- التنظيمات السياسية المسيحية اليوم
بعد عام 2003 شهد العراق إنفتاحاً سياسياً كبيراً بعد زوال سلطة الحزب الواحد، إلا إن ذلك قاد الى الفوضى نتيجة عدم وجود قانون ينظم الحياة الحزبية في العراق، حتى تاريخ صدور قانون الاحزاب السياسية في 27 آب 2015.
كان الأشوريون سبّاقين في تنظيم أنفسهم سياسيا بعد العديد من النكبات التي ألمت بهم وأخرها مذبحة سميل عام 1933، كما كان خروج البطريرك الأشوري إيشاي مار شمعون منفيا من العراق بعد تلك المأساة الى قبرص، ثم نقل مقر البطريركية الى الولايات المتحدة الأمريكية منذ ذلك الحين والى عام 2015، حيث أعيد الى أربيل شمال العراق مؤخراً، قد ساعد في إنفتاح الاشوريين على العالم وأدى الى خلق تنظيماتهم السياسية، فأنشأت الحركة الديمقراطية الأشورية عام 1979. كأول تنظيم سياسي مسيحي عراقي.
وفي جانب أخر، كانت الكنيسة قد نقلت التراث الكلداني عبر القرون لكنها لم تكن في موقف يحث الشعب على استخدام الاسم الكلداني في فضاء التعامل السياسي فبقيت الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية تنأى بنفسها عن الجوانب السياسية للمسألة القومية لشعبنا الكلداني بعكس الكنيسة الآشورية التي لم تألوا جهداً للمساهمة الفعالة في تنمية الروح القومية لشعبها. 
كانت البداية في انبثاق التنظيمات الكلدانية في تأسيس المركز الكلداني للثقافة والفنون في دهوك سنة 1996 وعمل على نشر الوعي والثقافة والتعريف بتاريخ الكلدانيين. وفي عام 1999 كانت هناك جهود حثيثة لتأسيس حزب سياسي قومي للشعب الكلداني وفي 1/ 10/ 2001 اثمرت تلك الجهود عن انعقاد اجتماع موسع ضم 35 شخصية كلدانية، وتم الأتفاق على وضع النظام الداخلي لحزب سياسي كلداني. وقد كانت ولادة حزب اتحاد الديمقراطي الكلداني المعروف.
ولم تظهر التنظيمات الكلدانية بشكل واضح إلاّ عام 2000، وقبل سقوط النظام في العراق، حيث ظهر حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، ثم في عام 2005 تشكل المجلس الشعبي الكلداني -السرياني-الاشوري، وغيره.
أما الطوائف الأخرى كالسريان والأرمن والروم واللاتين وغيرهم فقد إرتأوا النأي بأنفسهم عن معترك السياسة نظراً لقلة عددهم، وتجنيباً لأنفسهم من صدمات السياسة وهزاتها في العراق. وإسوة بأقرانهم الكلدان، فلم تظهر الأحزاب السياسية السريانية إلا بعد عام 2003. 
أما التنظيمات المسيحية اليوم، فهي: -
1. الحركة الديمقراطية الآشورية، تأسس عام 1978، أمينه العام يونادم كنّا.
2. حزب بيث نهرين الديمقراطي، تأسس عام1976، أمينه العام روميو هكاري.
3. إتحاد بيث نهرين الوطني، تأسس عام1996، رئيسه يوسف يعقوب متي.
4. الحزب الوطني الآشوري، تأسس عام 2003، أمينه العام عمانوئيل خوشابا يوخنا. 
5. حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، تأسس عام2000، أمينه العام أبلحد أفرام ساوا.
6. المجلس القومي الكلداني، تأسس عام2007، امينه العام سمير عزو داود.
7. المنبر الديمقراطي الكلداني، تأسس عام2007، أمينه العام سعيد شامايا.
8. المجلس الشعبي الكلداني-السرياني-الاشوري تأسس عام2005، أمينه العام شمزدين كوركيس زيا. 
9. حركة تجمع السريان، تأسس عام 2005، رئيسها نجيب بنيامين.
10. مجلس أعيان بغديدا، تأسس عام2007، رئيسه أسطيفو جميل حبش.
11. كتلة الوركاء الديمقراطية، تأسست عام 2013، رئيسها جوزيف صليوا سبي.
12. كيان أبناء النهرين، تأسس عام2013، رئيسته گلاويژ(كاليتا) شابا جيجو.
13. حركة المسيحيين الديمقراطية المستقلة، تأسس عام 2015، أمينه العام بولص جرجيس بولص.
14. الرابطة الكلدانية، تأسست عام2015، رئيسها صفاء هندي.

- الفصائل المسيحية المسلحة
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وما تبعه من حل للأجهزة الأمنية والجيش إتسعت دائرة التشكيلات المسلحة خارج سلطة الدولة في العراق ليكون لكل مكوّن ميليشيا خاصة توفر الحماية له وتنفذ أجندته، وفي هذا الصدد شكّل المسيحيون ميليشيا خاصة بهم لحماية بعض قراهم في الموصل.
وأعلنت الطوائف المسيحية في العراق عن تشكيل ميليشيا مسلحة في محاولة لاستعادة بلداتهم التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بسقوط الموصل في حزيران 2014، الذي استولى على مساحات واسعة من العراق في العام الماضي.
وجاء تشكيل ميليشيا مسيحية مشابهة لعمل ميليشيات الأحزاب الشيعية كقوات بدر أو سرايا السلام التابعة للتيار الصدري أو عصائب أهل الحق.
وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 4 آلاف مواطن عراقي مسيحي انضموا إلى ما يسمى "وحدات حماية سهل نينوي" التي قامت الحركة الديمقراطية الآشورية- زوعا- بتأسيسها، وهي الحزب السياسي الرئيسي للآشوريين في العراق، والمدعوم من قبل الحكومة العراقية والبيشمركة الكردية. ومن أبرز هذه التنظيمات المسلحة: -
1- كتائب "بابليون" الجناح العسكري للحركة المسيحية في العراق
وتعد الدراسة التي كتبتها ميرفت عوف بعنوان: «كتائب بابليون» أول فصيل مسيحي مسلح في الحشد الشعبي العراقي (33)، أول دراسة مفصلة عن هذا الفصيل المسلح، والذي دافعت عنه بشكل كبير، نقتطف منه ما يلي: -
" بالرغم من أن أطرافاً مسيحية لا تعتبره ممثلاً لكل المسيحيين إلا أن حركة «بابليون» وهي أول فصيل مسيحي في العراق، أصبحت خلال مشاركتها في عدة عمليات عسكرية منها معركة تحرير الفلوجة، رقماً فاعلاً في الحشد الشعبي وأيضاً في معادلة العملية السياسية المعقدة في العراق.
2- الحراسات التابعة للمجلس الشعبي 
وهي مجاميع من أبناء المسيحيين أوجدهم تنظيم المجلس الشعبي لـ "نينوي" من أجل حماية القرى والقصبات التي يقطن فيها المسيحيون، وكان التنظيم يخصص لهم راتباً شهرياً عن جهودهم، هؤلاء الأشخاص لم يجر إدخالهم في معسكرات تدريب للحماية، كان يقدر عددهم بما يقارب 3000 عنصر.

3- وحدات حماية سهل نينوى (NPU)
عقب تهجير المسيحيين من الموصل على يد تنظيم "داعش" فتحَ بابٍ للتطوع لأبناء الطائفة المسيحية من فرع "زوعا" في عاصمة إقليم كردستان أربيل أمام الشباب والشيوخ؛ لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ومحاربة التنظيم وتحرير القرى التي سيطرت عليها.
وتشير التقارير الإعلامية المسيحية العراقية إلى أنها مرتبطة بقوات البيشمركة الكردية، وكان تواجدها بقرى المسيحية بالموصل مع مجيء قوات البيشمركة إلى نينوي في 2003 عقب سقوط نظام صدام حسين على يد القوات الأمريكية.
ولدى الحركة الديمقراطية الآشورية 500 مقاتل من المسيحيين الآشوريين يقومون بحماية البلدات الواقعة في سهل نينوي من المقاتلين المتطرفين، وهناك 500 آخرون يتلقون التدريبات اللازمة، إضافة إلى وجود 3000 شخص ينتظرون الدخول إلى معسكرات التدريب.
ويتزعم تنظيم "زوعا" الذي تأسس عام 1982 رئيس قائمة الرافدين النيابية والسكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية السيد "يونادم كنا"، وهو لديه علاقات وثيقة بحكومة إقليم كردستان العراق.
4- " الـ دويخ نَوشا" كتائب الحزب الوطني الآشوري
سرايا أو "مفارز" هي كتائب تابعة للحزب الوطني الآشوري تشكلت، بعد سقوط نينوي على يد "داعش" في يونيو الماضي، وكان أهدافها حماية قرى وقصبات سهل نينوي، وتشير بعض التقديرات إلى أن عددهم يقارب الـ 200 عنصر، وحسب بيان للحزب الوطني الآشوري ضد ما كان يعرف بتجمع التنظيمات السياسية.
5- قوات سهل نينوي 
وهي كما تبدو قوات تم تشكليها من قبل حزب بيت نهرين، ويبلغ عددها 500 عنصر كدفعة أولى، متوقعا أن تكون أكثر من ذلك خلال الأيام القادمة.
وأكد السكرتير العام لحزب بيت نهرين الديمقراطي روميو هكاري، أن تشكيل قوة سهل نينوي تم بالتنسيق بين الحزب ووزارة البيشمركة، لافتا إلى أنها قوة وطنية ذات خصوصية قومية من حيث المهام والتركيبة وليست حزبية.

6- كتائب "أسود بابل" المشتركة 
كتائب أسود بابل المشتركة، هي قوات حديثة التشكيل ضمن تجربة الحشد الشعبي، الأمين العام لهذه الكتائب هو"سرﮔون يلدا" مستشار المصالحة الوطنية، وحسب بيان التطوع لهذه القوات الرسمية فإن باب التطوع مفتوح للكلدان والسريان والآشوريّين بصورة خاصة، إلى جانب الشبك والتركمان والأكراد والأيزيديّين والصابئة وغيرهم.
ويبلغ عدد عناصر هذه الكتائب أو الفوج الـ 2500، وتشير بعض التقديرات أو المؤشرات إلى أن أعداد التطوع تجاوزت هذا العدد وتعمل تحت غطاء الدولة، مما يستوجب التدريب والتسليح إلى جانب شمولهم ببقية المخصصات والامتيازات حسب التشريعات من رواتب أو في حالة الجرح.

7- كتائب "عيسى ابن مريم" 
سرايا أبناء السريان أو كتائب عيسى ابن مريم، وهي كتائب منطوية تحت لواء الميليشيات الشيعية أو "الحشد الشعبي" قائد هذه القوات هو السيد سلوان موميكا، وتتكون من أبناء "بغديدا" يتلقون تدريبهم في معسكر التاجي وهي سرايا تعمل تحت غطاء الدولة والجيش، تتلقى تدريباً عالي المستوى وستكون مسلحة بتسليح الجيش وتعمل ضمن السياقات العسكرية النظامية. 

- الصراع على تمثيل المسيحيين
واليوم، ينقسم مسيحيو العراق الى 14 طائفة دينية، وهناك 14 حزباً سياسياً مسيحياً، و7 فصائل مسيحية مسلحة، و37 صحيفة ومجلة، وقناتين تلفزيونيتين، وخمس إذاعات، وأكثر من 20 موقعاً ألكترونياً. في الوقت الذي تدّعي جميعها تمثيل مسيحيي العراق، بينما تزداد أمور المسيحيين العراقيين سوءا ويتناقص أعدادهم بإضطراد. فمَن يمّثل مَن؟ وما الذي تحقق لمسيحيي العراق؟
وعلى الرغم من الإحصائيات المؤلمة عن الوجود المسيحي في العراق، وتناقص أعدادهم بشكل كبير، فإننا نشهد تهافت العديد من الطراف على الادعاء بتمثيل المسيحيين بدلا من التكاتف حول إيجاد حل لمأساة هذه الفئة من الشعب العراقي، التي انخفضت أعدادها وفقا لإحصائيات غير رسمية، على الشكل التالي: -
عدد المسيحيين في العراق عام 1987 كان 1,400,000 نسمة
عدد المسيحيين في العراق عام 2003 كان 1,500.000 نسمة
عدد المسيحيين في العراق عام 2013 كان 450,000 نسمة 
وحالياً تبلغ نسبة المسيحيين الى سكان العراق زهاء 4%يتوزعون على النحو التالي 65% :كلدان كاثوليك)14% سريان (كاثوليك وأرثوذكس)16% أثوريون (من طوائف ثلاثة)4% أرمن (من طوائف عدة)1% مذاهب وطوائف بروتستانتية.
وفي آخر تصريح لبطريرك الكلدان لويس ساكو قال: لا توجد احصائية دقيقة لعدد المسيحيين في العراق وبتقديري فإن نسبة المسيحيين في البلد كانت 4% واصبحت الان 2%، بينما كانت نسبة المسيحيين في المنطقة 20%. 
- الكنيسة تسد فراغ مرجعية سياسية حقيقية
في 10/05/2015، وعند ترأس البطريرك لويس ساكو لندوة تعريفية عن الرابطة الكلدانية في بغداد، "وأعتبر البطريرك الكلداني وجود خمسة فصائل مسلحة مسيحية، ثلاثة منها ضمن الحشد الشعبي وواحد تحت لواء حزب البارتي وأخر مع الاتحاد الوطني الكردستاني دليل على أنشطار الموقف المسيحي في العراق ولا وجود لمرجعية سياسية حقيقية تمثله مما دفع بالكنيسة لسد هذا الفراغ". 
ثم عاد ثالثة لتوضيح موقف الكنيسة من السياسة، من خلال مقال بعنوان (البطريرك ساكو يكتب: جدل الكنيسة والسياسة والموقف المبدئي)، نشر على موقع أبونا الألكتروني، جاء فيه:
" يكمن الفساد والخروج عن الموقف الانجيلي المبدئي، عندما تنتقل الكنيسة الى سدّة الحكم وتتحول الى قوّة سياسية وعسكرية تحكم باسم الدين كوحدة مشتركة كما الحال اليوم في بعض دول منطقتنا.
أجل قد تنتقد البطريركية أداء وتبعية البعض، لكنها أيضا لا تريد ان تكون قوة ومرجعية سياسية. والبطريرك لا يسعى ابدا ليكون زعيما قوميا للكلدان ولا قطبا سياسيا للمسيحيين. يكفيه ما له من مسؤوليات واعباء، لكن من واجبه كأب وراعٍ وفي ظل البيئة السياسية والاجتماعية والامنية الحالية على إثر الصراعات المتعددة وظهور داعش وتداعياته، ان يدافع مثل معلمه المسيح عن المظلومين والمقهورين والمهجرين والفقراء، وان يدعو الى تحقيق المصالحة الوطنية والشراكة الفعلية لبناء دولة قوانين عادلة ومؤسسات، ووطن شامل يحتضن الكل على حدّ سواء. من هذا المنطلق بعينه، وبغية ان "نبقى معًا" دعا الى تكوين مرجعية سياسية مسيحية من نخب وأحزاب وتنظيمات ذات اقتدار لتكون الصوت السياسي للدفاع عن حقوق المسيحيين الاجتماعية والسياسية الكاملة، وتقوم بدور وطني رائد بالتعاون مع المرجعيات السياسية الاخرى. وهذا المنطلق بحد ذاته، يبين ضحالة ما يشاع من آراء غير واقعية، والعقبة امام تشكيل كذا هيئة هو التشدد القومي والطائفي!
لا غرو ان للناس آراء وتطلعات مختلفة ومتباينة، وترضية الناس غاية تدرك، الا أننا نستطيع أن نخلص الى القول بأن المرجعية المسيحية ان تشكلت والرابطة الكلدانية ستخففان من وطأة عمل البطريركية لمتابعة تفاصيل شؤون المسيحيين اليومية!". 

- حالات الادعاء بتمثيل المسيحيين وإنكاره

1. كتائب بابليون - الحركة المسيحية في العراق لا تمثل المسيحيين
أصدرت البطريركية الكلدانية بياناً بالعدد 49 في 13 مارس 2016 تؤكد فيه ان لا علاقة لها بكتائب بابليون ولا بقائدها ريان الكلداني ولا تمثلها وان ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب العراقي فقط. هذا نصه:-
"تؤكد البطريركية الكلدانية الا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بكتائب بابليون او غيرها من الفصائل المسيحية المسلحة ولا بالشيوخ الكلدان. 
كان مثلث الرحمات البطريرك الكردينال مار عمانوئيل الثالث دلي قد منح كتبا رسمية لبعض الأشخاص استغلوا مرضه، يعلن فيها انهم شيوخ، لكن منذ تسنم غبطة البطريرك الحالي مار لويس روفائيل ساكو مهامه وجه كتاباً الى المراجع الحكومية يعلمها بانه لا يوجد للكنيسة الكلدانية شيوخ يمثلونها، انما مرجعيتها السياسية هي الحكومة العراقية وان ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب.  
ولم يستقبل غبطته أحدا من هؤلاء ولم يمنحهم أي كتاب أو تخويل". 
ولاحقاً ردّ إعلام البطريركية الكلدانية عبر بيان أو تصريح موجز في 15/2/2017 بعنوان: "البطريركية الكلدانية تستنكر تصريحات السيد ريان الكلداني حول الانتقامات من أهالي الموصل"، جاء فيه: 
"تستنكر البطريركية الكلدانية بشدة تصريحات السيد ريان سالم الكلداني التي تناقلتها نشرات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي والتي تعلن الحرب على مسلمي الموصل واخذ الثأر من أحفاد "يزيد" زاعما انه ومن معه هم أحفاد "جوني ووهب". هذا كلام غير مسؤول.
اننا نعلن للجميع ان السيد ريان لا صلة له بأخلاق المسيح رسول السلام والمحبة والغفران، ولا يمثل المسيحيين باي شكل من الاشكال، ولا هو مرجعية للمسيحيين، ولا نقبل ان يتكلم باسم المسيحيين. ان تصريحاته المؤسفة تهدف الى خلق الفتنة الطائفية المقيتة. على السيد ريان ان يحترم اخلاق الحرب ويحترم حياة الأبرياء ونعتقد ان الحشد الشعبي يرفض كذا تصريحات ومواقف". 
وبالمقابل، أصدر المتحدث باسم كتائب بابليون السيد ظافر لويس بيانا شديد اللهجة، نشرته قناة السومرية العراقية على موقعها الرسمي في اليوم التالي بتاريخ 16/2/ تحت عنوان 2017، "بابليون" تستغرب تصريحات "ساكو" وتصفه برجل الدين "المسيس" وتهدد بمقاضاته، جاء فيه:
أبدى متحدث باسم كتائب "بابليون" إحدى فصائل الحشد الشعبي، الخميس، استغرابه من تصريحات رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم "لويس روفائيل ساكو" والتي استنكر فيها تصريحاً لقائد الفصيل ريان الكلداني، مشيرا الى ان تصريحات الاخير كانت قبل نحو سنة ونصف، فيما وصف ساكو بأنه "رجل دين مسيس" وتصريحاته "مدفوعة الثمن"، وهدد بمقاضاته. 
وقال المتحدث باسم "بابليون" ظافر لويس، في بيان تلقت السومرية نيوز، نسخة منه، "نستغرب بشدة أن ينساق لويس روفائيل ساكو وراء الاعيب الإعلام المغرض ويكون ضحية التضليل والتلاعب والتقطيع لكلام قاله الأمين العام لحركة بابليون قبل أكثر من سنة".
وأوضح لويس أن امين عام بابليون ريان الكلداني "مازال يوكد بأن داعش هم أحفاد يزيد واتباع الخوارج"، لافتا الى أن "كلام الكلداني كان قبل سنة ونصف السنة، ونقلته الآن وسائل علام تحاول البحث عن مادة إعلامية للإثارة".
واضاف لويس "نستغرب ان ينساق هذا رجل الدين المسيس وراء هذه الحملة المغرضة التي تستهدف النسيج الاجتماعي والديني في الموصل"، مشيرا الى أن "هذا التصريح المغرض للويس ساكو مدفوع الثمن ومن أطراف لا تريد الخير والسلام للعراق وأهله" على حد قوله.
وأبدى لويس أسفه أن "يتحول هذا الرجل إلى مستنقع وعاظ السلاطين وابواق الشياطين ليتخلى عن دوره اللاهوتي وزرع السلام والمحبة في ربوع الوطن ويقحم نفسه في أنفاق الطائفية المقيتة"، مؤكدا "سنقاضيه لكي يرعوي ويتعظ ويعرف حدوده ودوره ووظيفته دون أن يتحول إلى بوق للطائفية ومطية للأصوات السياسية النشاز". 
ورد البطريرك ساكو على البيان أعلاه بعبارة موجزة نشرتها الشرقية في 16/2/2017 بالنص: ساكو يرد على "بابليون": أنا رجل دين عراقي ولست رجل سياسة ولا أحتاج للمال".
وعلى غرار ذلك كان موقف الحركة الديمقراطية الاشورية من كتائب بابليون، حيث صرح سكرتير عام الحركة قائلا: "رئيس هذا الفصيل المسلّح لا يمثّل المسيحيّين، ومشاركته في الحشد والقتال ضدّ "داعش" تمثّله شخصيّاً. نحن نؤمن بأهميّة مشاركتنا في الحرب ضدّ الإرهاب، لكن هذا الشخص بعيد عنّا، ولديه بين 20 و30 مقاتلاً، لكنّ الإعلام يضخّم وجوده لغايات أخرى، خصوصاً أنّ الكنيسة اعترضت على تسمية ريان بـ "الشيخ" لأنّنا في الديانة المسيحيّة ليس لدينا مصطلح "شيخ". إضافة إلى ذلك، بعثت الكنيسة التي ينتمي والده إليها ببيانين إلى الحكومة أكّدت فيهما تخلّيها عنه وأنّه لا يمثّلها، لكنّ الحكومة تجاهلت الأمر وبقي البعض يعتمده كمقاتل مسيحيّ يمثّل المسيحيّين... والحقيقة عكس ذلك". 
2. النواب ممثلي المسحيين الرسميين، ونائب كتلة الوركاء المسيحي لا يمثل المسيحيين
في عام 2016 أعلن البطريرك الكلداني "انما (الكنيسة) مرجعيتها السياسية هي الحكومة العراقية وان ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب".  
ولكنه في عام 2017 صرح إعلام البطريركية الكلدانية إن أحد النواب لا يمثّل المسيحين بقوله: "السيد جوزيف ليس رئيسا للكنيسة الكلدانية ولا للمسيحيين ولا يمثلهم فهو يمثل رسميا كتلة الوركاء، لكنه لا يشرف كتلة الوركاء ولا مجلس النواب. فتصريحاته متهورة وتفتقر الى اللياقة والى المسؤولية. وهذه ليست المرّة الأولى التي فيها يتجاوز على غبطة البطريرك وشخصيات مسيحية وعراقية أخرى. ان هذا النائب (جوزيف صليوا) لا يمثل المكون المسيحي باي شكل من الاشكال ولا يمثل الكلدان ولا يشرفهم، ويبدو انه انسان غير مسؤول ولا يعرف حجمه وحدوده، او مدفوع من جهة معينة". 
3. الحركة الديمقراطية الأشورية تمثل المكون المسيحي، ولا تمثله 
صرح سكرتير عام الحركة قائلا: "نحن كمسيحيّين وممثّلين عن المكوّن المسيحيّ في مجلس النوّاب العراقيّ، لم نطالب بإقامة إقليم، ولا بالانفصال عن العراق، ولا حتّى بأن نعزل في مناطق معيّنة بعيداً عن بقيّة العراقيّين. ما حدث أنّ هناك أحزاباً أوروبيّة وامريكية، وضمن إطار الدفاع عن مسيحيّي العراق، طالبت عبر تصريحات أو بيانات صحافيّة بتخصيص إقليم لمسيحيّي العراق. إذاً، من طالب بهذا هم أناس من خارج العراق، أمّا نحن الذين نناضل في البرلمان، فنعمل وفق مبادئ الدستور العراقيّ، ونؤكّد أهميّة العيش في وطن واحد يجمع العراقيّين بانتماءاتهم كافّة، ونجد في طلب إقامة إقليم، خطوة عنصريّة تعزلنا عن الآخر". 
أصدرت بطريركية بابل الكلدانية بتاريخ 15/1/2012 بياناً الى الشعب العراقي والمسؤولين في الدولة العراقية جاء فيه: " ان بعض السياسيين المسيحيين ونخص منهم بالذكر سعادة النائب يونادم كنا سكرتير الحركة الديمقراطية الاشورية التي لها ثلاث مقاعد في مجلس النواب العراقي وحصلوا عليها عن طريق الكوتا المخصصة للمسيحيين، يقدم نفسه للشعب العراقي والعالم على انه ممثل المسيحيين وهذا لا يجوز فهو يمثل نفسه وحزبه فقط لا غير ولقد دأب في احاديثه على تهميش الكلدان والاقلال من شانهم وتبخيس تاريخهم والاصرار على حصرهم في اطار مذهبي كنسي فقط , وهذه افكار عنصرية مقيته لا يجوز ترويجها في العراق الجديد. ان نظرية الغاء الاخر قد ولى زمنها واصبحت من الماضي غير المشرف، وإذا كان له حق الاختيار للهوية والمعتقد والقومية فمن حق الاخرين ان يكون لهم نفس الفضاء من الحرية في الاختيار لا ان يفرض عليهم رغبات وخيارات لا يرتضونها لهم ومن حق الكلدان ان يفتخروا ويجاهروا بقوميتهم الكلدانية وخاصة انهم يمثلون ما نسبته (70-75) % من مجمل مسيحيي العراق". 
وبالمقابل اصدرت قائمة الرافدين النيابية ايضاحا ردا على البيان الصادر من قبل بطريركية بابل للكلدان حول موضوع رئاسة ديوان اوقاف المسيحيين والديانات الأخرى جاء فيه: " جاء في فقرة (1) من بيان البطريركية بانه لا يجوز تقديم انفسنا ممثلين عن شعبنا وانما نمثل انفسنا وحزبنا، وهنا نود ان نقول بان ذلك يتناقض والسطر الذي قبله في البيان عندما يقول بفوزنا بثلاثة مقاعد من اصل (5) من الكوتة المخصصة للمسيحيين، اذ اننا اعضاء مجلس النواب منتخبين من ابناء شعبنا، ولدينا شرعية التمثيل على الصعيد الحكومي اكثر من غيرنا كما ونمثل كل الشعب العراقي في ذات الوقت". 
ومن جانب أخر، "ذكر القيادي في حركة بابليون ظافر لويس، اليوم الثلاثاء، أن النائب يونادم كنّا لا يمثل كل مسيحيي العراق، وبالتالي لا يحق له ان يقدم ورقة مطالب ضمن إطار التسوية، معتبرا ان المطالَب المذكورة مطالب حزبية خاصة وان على رئيس مجلس النواب ان لا يعتبرها انجازا او مكرمة تقدم للمكون المسيحي. وقال القيادي في حركة بابليون في بيان تلقته "الغد برس"، ان "كنا يحق له التحدث باسم الحزب الذي يرأسه، لكن لا يحق له التحدث باسم مسيحيي العراق كافة". وأضاف أن "مطالب الشعب المسيحي يجب ان تحظى بإجماع مسيحي لم يتوفر بالنسبة لورقة كنا". 
أعلن النائب عن كتلة الوركاء الديمقراطية، جوزيف صليوة، اليوم الاحد، ان كتلته ستقاضي مقرر مجلس النواب، عماد يوخنا، على خلفية “كلمات بذيئة” تلفظ بها على كتلة الوركاء، منتقدا رئاسة مجلس النواب، لحصر تمثيل المسيحيين، بالنائب يونادم كنا. 
ومن جهة أخرى، قال المطران السرياني أثناسيوس توما: يونادم كنا لا يمثل المسيحيين، ويفتح ملف فساد جديد بالوقف المسيحي.. الموظفة سامية بهنام حنو.. وتستر رعد كجه جي.  
وفي مناسبة أخرى، أكد رئيس كتلة الرافدين النيابية يونادم كنا، الأربعاء، أن المؤتمرين في الولايات المتحدة الأمريكية والمطالبين بإنشاء إقليم في سهل نينوى لا يمثلون المكون المسيحي. وقال كنا في تصريح لوكالة /اشنونا الاخباري/ إن “عدداً من الذين يدعون انتمائهم للمكون المسيحي عقدوا مؤتمراً في الولايات المتحدة الأمريكية مطالبين بإنشاء إقليمٍ للمواطنين المسيحيين في مناطق سهل نينوى يتمتع بحكمٍ ذاتي بعيداً عن مشاكل الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان”. وأضاف أن “المطالب المذكورة لا تمثل المكون، لأن المسيحيين سيعرضون مطالبهم المتوافقة مع الدستور العراقي على الحكومة العراقية بعد التحرر من تنظيم داعش الإجرامي”. 
ولم يَسْلم حتى الأموات من الإدعاء بعدم تمثيلهم للمكون المسيحي، رغم إنهم لم يدّعوا ذلك يوما. فقد قال رعد كجه جي رئيس ديوان الوقف المسيحي: إن نائب رئيس وزراء النظام السابق طارق عزيز لم يكن يمثّل مسيحيي العراق بأي شكل من الاشكال في زمن النظام السابق. 
4. البطريرك لا يمثل جميع مسيحيي العراق، بل الكلدان فقط
كتب وسام موميكا قائلا: " وقبل أيام جائت مطالبة البطريرك ساكو واضحة تماما بخلطه للأوراق ومتخبطا في ما دعا إليه في فتوته الأخيرة، متناسيا أنه يمثل الكنيسة الكلدانية فقط ولا يمثل السريان لا كنسيا ولا قوميا ولا يمثل عامة المسيحيين في العراق، رغم رفضنا لمقترحه السابق الذي دعا من خلاله إلى إعتماد التسمية المسيحية لوحدة شعبنا على حد تعبيره !!.. ومتناسيا أن الكلدان والاشوريين تم إدراج تسميتهم في الدستور العراقي وبمسمى (كلدو آشور) وأيضا في البطاقة الوطنية العراقية، أما السريان الآراميون في العراق ونتيجة تآمر الخونة والعملاء عليهم تم إقصائهم وتهميشهم وإلغائهم من الدستور العراقي والبطاقة الوطنية!!!."  

وفي وقت لاحق، "اعتبر رئيس كتلة الوركاء النيابية جوزيف صليوا، اليوم الثلاثاء، تصريحات رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق المعارض لاجتماع بروكسل لا تؤثر على المسيحيين والمؤتمر.
وقال صليوا في تصريح لوكالة "النبأ للاخبار"، ان "المؤتمر انعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل بمشاركة الشخصيات والاحزاب المسيحية بالعراق، اضافة الى منظمات المجتمع المدني لمناقشة أوضاع المسيحيين بعد مرحلة القضاء على تنظيم داعش الارهابي".
واضاف ان "البعض اعتبروا ان مؤتمر المسيحيين في بروكسل غير وطني، لكن الغريب في الامر هم كانوا من ازلام النظام السابق ويعملوا في المخابرات العراقية واحد دول الجوار ويعتبروا عميل مزدوج النظامين".
واشار صليوا الى ان "تصريحات رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق لويس روفائيل ساكو لمعارض لاجتماع بروكسل لا يؤثر كثيراً باعتبار أن المسيحيين العراقيين لديهم مرجعيات بطريركية مختلفة منها الكلدانية والآشورية والسريانية"، مبينا ان "ساكو شارك في المئات من المؤتمرات خارج العراق في امريكا ودول الاوروبية والمنطقة"، متسائلا هل تذكر لويس ساكو اليوم الوطنية وانعقاد المؤتمرات داخل العراق بدلا عن الخارج؟". 

- الحاضر الغائب
أما الحاضر الغائب في هذا الصراع، فهم مسيحيو العراق، الذي يتحدث كل أطراف الصراع وأنصارهم بإسمه. فمن المعروف إن مسيحيي العراق يعشون الان أوضاعا صعبة بعد تهجيرهم من معقلهم التاريخي الثاني مدينة الموصل، بطريقة مشابهة لذات السيناريو الذي حدث عام 1915-1917 عندما أقتلعوا من معقلهم الحصين قوجانس في جبال حكاري التركية أيام الدولة العثمانية، بعد أن غادره قرابة 150 ألف مسيحي، ولم يصل الى العراق سوى ثلث هذا العدد.
ومنذ ذلك التاريخ فقد إتخذوا من تلك المدينة الأثرية حصناً لهم يعوضهم عن معقلهم السابق الذي فقدوه وللأبد، إلا إنه وبعد مرور مئة عام تقريبا، تكررت نفس الهجرة من محافظة نينوى التي إحتلها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، والمعروف إختصاراً ب (داعش) في 10 حزيران 2014، وإمهلوا المسحيين فيها بإتباع قواعد الشريعة الإسلامية القديمة التي يرجع تاريخها الى ما قبل منذ 1437 سنة تماما، وهي إما دفع الجزية، أو إعتناق الدين الإسلامي، أو المغادرة، فغادرها جميع مسيحيي الموصل تقريبا بعد منحهم مهلة إسبوع واحد تنتهي في 18/7/ 2014، وفقا لبيان صادر من هذا التنظيم، الذي خيرهم بين: 1- الإسلام. 2- عهد الذمة (وهو أخذ الجزية منهم). 3- فإن هم أبوا ذلك فليس لهم سوى السيف، بحسب البيان. 
وفرغت المدينة من وجودها المسيحي الذي إستمر طيلة 1800 سنة، فغادرها نحو 25 ألف شخص، وبذلك انخفض عدد المسيحيين من حوالي مليون و400 ألف في عام 2003 في أزهى عصورهم، الى قرابة نصف مليون حاليا، أو 400 ألف شخص، ما يعني هجرة أكثر من ثلثيهم، أي حوالي 71,5 %، ولم يبقى منهم سوى 28,5 % من المسيحيين سكان العراق. وبإستعادة المدينة تقريبا في هذه الأيام بعد مرور 3 سنوات على وقوعها بيد داعش، ونتيجة للدمار الكبير الذي لحق بها جراء الحرب، فإن السوأل المطروح الأن هو مدى قدرة الجماعات المسيحية الى العودة وترميم مدنها لتعزيز وجودها التاريخي منذ قرابة الفي سنة.

- خلاصة 
يمكن القول إجمالا، أن وضع المسيحيين العراقيين تسوده الفوضى والإضطراب والإنقسام، وهو يمثل صورة مصغرة لوضع العراق عموما بعد عام 2003 وهو بلا شك وضع إستثنائي لا يصلح أن يكون قاعدة أو أساساً للحكم. وإن هذا الأمر نجده لدى الجماعات الأخرى كالأكراد والسنة أيضا، وحتى الشيعة الذين هم قادة السلطة الآن، لأن التقوقع الطائفي والمحاصصة القائمة على أساس المصالح الشخصية الضيقة وإلغاء المصلحة العامة للمجتمع ككل، كانت النهج والسلوك السياسي المتبع بعد سقوط النظام السابق. وإن هذا الوضع قد صيغ ليحقق للبعض مصالحهم الشخصية الضيقة، في ظل أوضاع الفوضى والتدهور على جميع المستويات والصعد، دون أدنى تفكير بالمصلحة العامة، وإن هذه المصالح الشخصية الضيقة هي التي جلبت وستجلب المزيد من الضعف والإنحطاط والتشرذم، وستدفع بآخرين الى سلوك نفس النهج، لأن الفساد ليس حكرا على شخص أو فئة بذاتها. وهذا ما يفسر تزايد أعداد الأحزاب المسيحية وتناقص أعداد المسيحيين في ذات الوقت، وكثرة القادة وبالمقابل غياب الشعب. 
ويمكن لهذا المكون الأصيل من الشعب، أن يعلب دورا في مجال بناء الدولة وإعادة سلطة القانون، لأنها عماد المجتمع وضامن حماية أفراده وحفظ حقوقهم، والسعي لتمثيل عراقي بدل البحث والإجتهاد في تمثيل مسيحي ضعيف، دون الأنسياق وراء أجندات ضحلة ومشبوهة ليس بإمكانها تحقيق أي منفعة لتلك المجتمعات لا بل من المؤكد إنها ستكون سبباً في تدهوره وإنهياره، وباعثا للمزيد من إنقسامه. لا سيما وأن المسيحيون كانوا دوما قادة الوعي المجتمعي، وحاوية الفكر النيّر في العراق، وأن يقدموا مشروعا عراقيا أصيلا يليق بمكون أصيل وبحضارة العراق وتاريخه العريق، وإن المصالح الشخصية الى زوال، مهما تأخر زمنها. والإبتعاد عن الصراعات والمناكفات الضيقة، وبخلاف ذلك فإن هذه الجماعات ستكتب نهايتها بيدها، كما كتبته المكونات الأخرى، مثل المكون السُنّي، وستكون الخسارة جماعية لان المنافع كانت فردية. 

د. رياض السندي
7/7/2017


حكم الشيعة في العراق (البزوغ والأفول)

حكم الشيعة في العراق (البزوغ والأفول) | ساسة بوست

 منذ سنه


د. رياض السندي

منذ 1 دقيقة، 12 فبراير,2017
سؤال ظل يتردد في أذهان الجميع، وهو: لماذا اختارت الولايات المتحدة الشيعة لحكم العراق عام 2003؟ بعد أن رفضت مساعدتهم قبل 12 عامًا، وتهاونت مع صدام على قمعهم في انتفاضهتم التي سمّاها النظام آنذاك بصفحة الغدر والخيانة، ووصفتهم بالغوغاء، فيما سمّاها النظام الحالي بالانتفاضة الشعبانية؟ ولماذا فضلتهم على غيرهم من مكونات الشعب العراقي الأخرى، والسُنة تحديدًا؟
إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي البحث باختصار في الجذور التاريخية للأزمة. كما تجدر الإشارة إلى أن ذلك لا يشكل مساسًا بأي مكون اجتماعي، أو مذهب ديني، بقدر ما يشخص السلبيات في كل جانب من أجل تلافيها. فالسُنة والشيعة مكونان أصيلان من مكونات الشعب العراقي، إلا أن استخدام اسم أي مكون لأغراض سياسية خاصة، أو في أي مشروع سياسي يربط الدين بالسياسة، دون الاكتراث لحجم الإساءة التي يلحقها بهذا المكون أو ذاك، هو الذي يطبع هذه المرحلة التاريخية من حكم العراق باسم الشيعة طيلة 14 عامًا الماضية.
ومن الناحية التاريخية، فإن هناك صراعًا خفيًا بين هذين المكونين يستند لأسس مذهبية راسخة، ومصلحية دفينة. وهي بهذا الوصف أشبه بنار تحت الرماد، تخبو تارة وتثور أخرى. وحتى لا يبدو وكأننا نُحَمِّل المسؤولية للدين بما هو كذلك، فلنقل إنها ثابتة من ثوابت الإسلام التاريخي، بل هي الثابتة الأكثر استمرارية فيه، وإن خمدت جذورها أو اتقدت تبعًا لتقلب موازين القوى الممسكة بمقاليد السلطة والدولة. كما أن الغلبة كانت للسُنة الذين انتزعوا الحكم الاسلامي بعد وفاة الرسول مباشرة في الاجتماع المعروف بسقيفة بني ساعدة يوم 13 ذي الحجة لسنة 11ه (632.6.8 للميلاد)، أي قبل 1426 سنة تمامًا.
فمن المعروف تاريخيًا، أن الانشطار السني – الشيعي بززدأ سياسيًا خالصًا، بالرغم من شكله الديني، حيث اتخذ أسلوب العنف في حروب الخلافة التي تتالت فصولها في موقعتين رئيستين: الأولى موقعة الجمل، في عام ستة وثلاثين للهجرة (656 ميلادية) بين علي بن أبي طالب، وبين عائشة، والثانية موقعة صفين، بين علي ومعاوية عام 37 هجرية/657 ميلادية، وفي هاتين الواقعتين: الجمل وصفين ، خَلَّفّ الاقتتال عشرة آلاف قتيل في أولاهما، وسبعين ألف قتيل في ثانيتهما، وقد أعقبت هاتين الواقعتين، بعد خمس وعشرين سنة، مجزرة أقل حجمًا بكثير، ولكن ذات بعد مأساوي أكبر بكثير أيضًا، تمثلت في موقعة كربلاء التي تمخضت في عام واحد وستين للهجرة (680 ميلادية) عن مقتل الحسين بن علي، وعدا بشاعة المقتلة في حد ذاتها، فقد أخذت مأساة كربلاء بعدًا تأسيسيًا لما لن يتردد بعض الدارسين في تسميته بـالديانة الشيعية، بالنظر إلى ما تَوَلَّدَ عنها من شعور بالذنب وحاجة إلى التكفير لدى أهل الكوفة وذريتهم من بعدهم.
ومنذ ذلك اليوم, ظّل الحكم بيد السُنة، على الرغم من انتقاله لأقوام أخرى متعددة ومختلفة من غير العرب، عبرَ نظام سياسي يستند على الشريعة الاسلامية يدعى بالخلافة، الذي استمر منذ انتخاب أبي بكر الصديق، أول خليفة للرسول محمد، حتى تاريخ إلغائها في 20 ربيع الأول 1342هـ الموافق 30 أكتوبر (تشرين الأول) 1923، إلا أن الإعلان عن إلغائها رسميًا جرى على يد أتاتورك في 27 رجب 1342هـ الموافق 3 مارس (آذار) 1924م، بعد أن استمرت طيلة 1292 سنة متصلة. وباستثناء حكم العباسيين، حيث تأسست الدولة العباسية على يد المتحدرين من سلالة أصغر أعمام نبي الإسلام محمد بن عبد الله، ألا وهو العباس بن عبد المطلب، وقد اعتمد العباسيون في تأسيس دولتهم على الفرس الناقمين على الأمويين لاستبعادهم إياهم من مناصب الدولة والمراكز الكبرى، واحتفاظ العرب بها، كذلك استمال العباسيون الشيعة للمساعدة على زعزعة كيان الدولة الأموية. نقل العباسيون عاصمة الدولة، بعد نجاح ثورتهم، من دمشق إلى الكوفة، ثم الأنبار، قبل أن يقوموا بتشييد مدينة بغداد؛ لتكون عاصمة لهم، فإن الشيعة لم يستلموا حكم الدولة الاسلامية أبدًا.
وفي عام 1921 أعلن فيصل بن الحسين ملكًا على العراق، وعلى الرغم من أن الشريف حسين يعتز بنسبه لآل البيت، إلا أن صراع السقيفة كان منسيًا، واستطاع فيصل أن يكسب شيعة العراق من خلال جولاته المختلفة، وكان يُقسم بجده الحسين (عليه السلام) في العديد من خطبه، كما أن والده كان قد تحفظ حول تنصيبه على العراق بقوله: إن أهل العراق سيقتلونه، كما قتلوا جده الحسين. وقد لعب البريطانيون على هذا الوتر المذهبي الحساس، بالإضافة إلى الوتر القومي العربي، عند استمالة الحسين شريف مكة لإعلان التمرد على الخلافة العثمانية. إلا أن البريطانيين سلموا السلطة إلى السُنة ممثلة في النقيب عبد الرحمن الكيلانيـ نقيب أشراف بغداد الذي اخْتِيرَ كَأَوَّلِ رَئِيسِ وُزَرَاءٍ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ فِي 1920 م، وهو شيخ كبير يبلغ من العمر آنذاك 79 عامًا، وتوفي بعد ذلك بسنتين في 1922. وظّل فيصل ومن بعده غاي وفيصل الثاني يسعون لخلق وإنماء روح المواطنة لدى العراقيين جميعًا.
إلا أن نار الصراع المذهبي ظلت قائمة، حتى سقوط الحكم الملكي، قامت الجمهورية في العراق صبيحة 14 من يوليو (تموز) 1958، وإعلان الزعيم عبد الكريم قاسم رئيسًا للوزراء. وعلى الرغم من أن قاسم هو عراقي من المذهب الشيعي في العراق، إلا إنه لم يثبت عليه طيلة فترة حكمه ممارسته للطائفية المذهبية.
وبعد أن انتزع رفيق دربه ومنافسه عبد السلام عارف السلطة منه في 8 فبراير (شباط) 1964، والتي يشير لها أتباع عارف بالتاريخ الهجري بثورة 14 رمضان، حيث عادت من جديد النغمة الدينية-والقومية الى أسلوب الحكم، حتى ثورة 14 يوليو (تموز) 1968 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي  أنشأه المفكر السوري المسيحي ميشيل عفلق، فكان حزبًا قوميًا علمانيًا أكثر منه دينيًا.
– حكم الشيعة في العراق
في 9 أبريل (نيسان) عام 2003، سقط حكم حزب البعث إثر الغزو الأمريكي للعراق، وخلال سنة من حكم الحاكم المدني بريمر، تقاطر إلى العراق كل الذين ادعوا أنهم كانوا معارضين لصدام حسين، والذي عاشوا ظروفًا قاسية في مختلف الدول، أهمها إيران وسوريا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهولندا، فشكلوا خليطًا غير متجانس من المرضى النفسيين لإدارة العراق. ومنحت الإدارة الأمريكية في عهد بوش الابن، الضوء الأخضر لإيران لتنتقم من نظام صدام حسين والشعب العراقي عمومًا، فوجدت في الطائفية الشيعية أفضل داء لتدمير العراق. وكما يفعل جميع المسلمين والعرب في اقتناص الفرصة حتى لو كانت مبنية على خطأ، دون التفكير في العواقب. وهكذا نجد حتى مثقفي الشيعة وليبرالييها يتوجهون إلى إيران منذ عودتهم للعراق، وفي مقدمتهم عراب الاحتلال أحمد الجلبي، الذي أثيرت الشبهات حول وفاته مسمومًا، دون أن يحظى بأي منصب حكومي مكافأة لخدماته. ولحق الشيعة آخرون مثل الاكراد، وخاصة أولئك الذين أقاموا فيها فترة من الزمن، فساعدوا على ترسيخ حكم الشيعة، وتبعهم انتهازيو السُنة أيضًا بعد سنة واحدة، في انتخابات 2005، ولا نغالي إذا قلنا إن هناك حتى من المسيحيين من الذين أصبحوا موالين لايران. وقد تأخر التأثير السعودي لعشر سنوات، وبدا ضعيفًا، أما التأثير التركي فقد كان محدودًا بتركمان العراق.
ولكن يمكن القول إجمالًا أن الحكم كان في أساسه شيعيًا، حيث إن الأحزاب الحاكمة طبعته بالطابع المذهبي الشيعي. وسنرى لاحقًا أن الشيعة في العراق، كانوا أكثر المتضررين منه، وتحولوا إلى معارضين له بشدة.
وبعد 14 عامًا من حكم الشيعة في العراق، يظّل السؤال قائمًا، وهو: لماذا اختارت الولايات المتحدة الشيعة لحكم العراق عام 2003 وحتى الآن؟
إن ذلك يرجع لأسباب عديدة، بعضها تاريخي أو سياسي أو مادي، بالإضافة إلى أسباب أخرى، نفسية راسخة في تكوين كل طائفة مذهبية، وأخرى اجتماعية، إلا أنها بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها ليست أكثر استراتيجية قائمة على الانتقام من نظام متمرد، واستثمار للكارثة، ويمكن تلخيص هذه الأسباب، وهي:
1. امتناع السعودية ودول الخليج من دفع الضريبة للولايات المتحدة للإبقاء على حكم السُنة، وإبعاد الشيعة وحاضنتهم إيران، كما فعلت عام 1991، حيث قاد ضغطها المالي إلى إيقاف تقدم القوات الأمريكية بقيادة الجنرال نورمان شوارسكوف إلى قلب العاصمة العراقية بغداد. وقد سبق أن وضعنا جدولًا للنفقات التي تكفلت بها السعودية وبقية دول الخليج، لتغطية النشطة العسكرية الأمريكية، وعلى الشكل الأتي:
– تكاليف الحرب العراقية – الإيرانية (حرب الخليج الاولى) 1000 مليار دولار.
– تكاليف حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية) 620 مليار دولار.
– تكاليف حرب إسقاط نظام صدام (حرب الخليج الثالثة) 3 تريليون دولار.
– تكاليف حرب القضاء على داعش (الحرب على الإرهاب) 10.2 مليار دولار.
– تكاليف الحرب في سوريا 800 مليار دولار.
– تكاليف الحرب على اليمن 38.7 مليار دولار.
– تكاليف الحر ب الليبية 240 مليار دولار.
وإن مما يثير الدهشة والاستغراب، إن أحد أسباب غزو الكويت، هي مطالبة صدام للكويت بتقديم عشرة مليارات دولار كمساعدة، وإلغاء ديون الحرب العراقية – الايرانية، والتي تقدر بعشرة مليارات أخرى، بالإضافة إلى مليارين وأربعمائة دولار كتعويض عن النفط المسروق من حقل الرميلة. أي ما مجموعه (22,4) مليار دولار.في حين أشارت بعض تقارير صندوق النقد الجولي إلى أن ديون تلك الحرب قد بلغت 60 مليار دولار. ويمكن المقارنة بينها وبين تكاليف حرب تحرير الكويت بعد غزوها، والتي بلغت 620 مليار دولار. وهي لا تشكل في كل الأحوال نسبة تتراوح بين 2-9% منها.
وربما أدركت الكويت والسعودية وباقي دول الخليج، إن صدام كان أرخص شرطي في المنطقة.
إن هذه الارقام المهولة كانت قادرة على تحقيق الرفاهية لكل سكان المعمورة.
2. الإستحواذ على ثروات العراق وآثاره، لتعزير مجتمعاتها التي تعاني من المديونية والأزمات الاقتصادية، وانعدام الامتداد الحضاري.
3. إن مجموعة من الشيعة كانوا من المعارضين غير السياسيين لنظام البعث، وشكلوا جماعات تدعي بالمظلومية والاضطهاد.
4. إن البعض من مثقفيهم وكفاءاتهم، تعاونوا مع الولايات المتحدة لوضع برنامج لاسقاط نظام صدام حسين، وفي مقدمتهم رند رحيم فرانكي وأحمد الجلبي وآخرون.
5. الاستخدام السيئ للدين، فمازال الدين في العراق يلعب دورًا كبيرًا وخطيرًا في حياة الشعب العراقي. وقد وجد السياسيون ضالتهم فيه، فجرى توجيهه الوجهة التي تخدم مصالحهم. كما أن المؤسسة الدينية قد وجدت مجالًا كبيرًا للتدخل في السياسة العامة، لذا فالمشهد العراقي مليء برجال الدين من كل الطوائف، وهم يمارسون السياسة بطريقة غير علمية. وهذا ما يبرر ظهور فتاوى دينية إسلامية لم تكن معروفة أو مقبولة من قبل، يغذيها رجال دين مدفوعون للإساءة للإسلام. فعلى سبيل المثال، وأثناء خدمتي الدبلوسية، زار ممثلية العراق في جنيف وفد من البرلمانيين العراقيين، وأثناء الحديث قال لي أحدهم بعد أن عرف بعملي ممثلًا للعراق في الأمم المتحدة: أريد يا أستاذ أن تتقدم على جميع الدبلوماسيين في الأمم المتحدة حتى في إلقاء الكلمات؛ لأننا نتقدم عليهم إنسانيًا وإلهيًا. وشرع يشرح ذلك، قائلًا: أما إنسانيًا، فلأن آدم أبا البشرية قد وُلد في العراق، وإلهيًا، لأن الإمام الغائب المهدي المنتظر سيظهر على أرض العراق.
ومن المؤكد أن هذا البرلماني من أصول دينية لا يعلم أسلوب ونظام إلقاء الكلمات والبيانات في الأمم المتحدة، وهذا ليس ببعيد عن التوجه الفكري الشيعي الإيراني، حيث سبق وأن قال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد: إن أمريكا أكبر حاجز يعطل ظهور المهدي المنتظر. وهكذا نجد الآخرون. ويجب أن لا يفهم ذكر هذه الأمثلة على التوجهات الفكرية الدينية الشيعية، على أن توجهات الفريق الآخر هي جميعها عقلانية، لا بل إن الكثير من الفتاوى السُنية تثير الاستغراب والذهول.
وقد رأينا، كيف أن الدين والمؤسسة الدينية تسودا الموقف لمعالجة التدهور الامني في العراق عام 2014 عند ظهور تنظيم الدولة واحتلاله الموصل، والأخير أخطر من الأول. وقد يقود إلى حرب أهلية لاتبقي ولاتذر.
وإلى جانب ذلك، فقد لعب الأمريكان دورًا في تشويه الدين والإساءة إليه وإلى رجال الدين، ولمختلف الأديان، عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، من خلال الاتصال بهم، وطلب التعاون معهم، وتشجيعهم على الاستحواذ على الأموال العامة والعائدة للأفراد ولمؤسسات الدولة، وجعل دور العبادة مخازن لإيداع الأموال المسروقة والمختلسة، وإغراء رجال الدين بالاستفادة منهم.
6. إعادة المسلمين إلى سقيفة بني ساعدة، وتحديدًا إلى يوم الجمعة 13/3/11 هجرية، ليرجعوا أربعة عشر قرنًا إلى الوراء، من خلال إثارة الصراع المذهبي بين المسلمين. صحيح أن ما يجري اليوم في بلدان الوطن العربي عمومًا، وفي العراق وسوريا واليمن خصوصًا، لا يدع مجالاً للشك في أن الطائفية في الإسلام ليست حدثًا طارئًا، ولا مصطنعًا بعامل خارجي: فهي قديمة قدم الإسلام نفسه، دون أن نتجاوز الدور الاستعماري في إحياء وتشجيع الصراعات الطائفية، وصياغة بعض الأنظمة العربية وفق المحاصصة الطائفية كما هو الحال في لبنان والعراق وسوريا .. إلخ.
7. ترسيخ الاستنتاج الأكاديمي، بأن الشيعة لا يصلحون للحكم إطلاقًا، بعد تجربتهم في العراق طيلة 15 عامًا، واستخلاص نتائج هذه التجربة.
8. تحجيم دور العراق، كبلد عنيد متمرد، يستند لقاعدة اقتصادية قوية، ويشكل تهديدًا للولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تشجيع بقية الدول على التمرد ضدها.
9. جعل العراق عبرًة للدول الاخرى عمومًا، والعربية خصوصًا، لضمان انصياعها للتوجيهات الأمريكية لاحقًا.
10. توريط إيران في المستنقع العراقي، لتكون الضحية القادمة التي ستحفر، بتصرفاتها الانتقامية، قبرها بيدها في العراق.
11. جعل العراق المنيع سابقًا، قاعدة أمريكية لتدمير وتفتيت الدول العربية بعد خمس سنوات، وفقًا لمفهوم الفوضى الخلاقة. وهذا ما حدث بالفعل في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا.
12. إزاحة بعض الاقليات، وفي مقدمتهم مسيحيو الشرق، والأيزدية والصابئة وغيرهم؛ لأنهم يشكلون عقبة في طريق تنفيذ المخطط التدميري الكبير، نظرًا لولائهم لأوطانهم، وطيب العلاقة بينهم وبين الأغلبية المسلمة، وذلك استعدادًا للحرب العالمية القادمة بين المسيحية والإسلام.
إلى جانب كل هذه الأسباب، فإن أهم سبب كان هو، طبيعة المجتمع الشيعي التي تتصف بما يلي:
أولًا. الشيعي ميّال إلى الغريب، في حين أن السُني ميّال إلى القريب. وذلك يرجع إلى إحساس الشيعة بالظلم والاضطهاد. فمن الناحية التاريخية، فإن أول مَن ناصر التشيع، كانوا من الفرس الذين سَبتهم الجيوش الاسلامية في فتحها لمملكة فارس. وفي وقت لاحق من تاريخ الدولة الإسلامية، وقف الشيعة إلى جانب الفرس وساندوهم في إقامة الدولة العباسية عام 128 هـ، الموافق 750م. وفي وقت متأخر، أثناء الحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988، كانوا يجدون الحرج في مقاتلة إيران، والتجأ العديد منهم إليها، وشكلوا أحزابًا وفرقًا عسكرية، مثل المجلس الأعلى وقوات بدر وغيرها، والتي عادت لتستلم السلطة في العراق بعد عام 2003.
ثانيًا. الشيعي يعتقد بالإمامة لا الخلافة. أي أنه يتبع مرجعيته الدينية لا سلطته السياسية. لذا فإن كسب المرجعية سيساعد على أخذ زمام القيادة للشيعة. وهذا سيساعد على إلغاء حدود الدول التي يقيمون فيها؛ مما يفقدها سيادتها. لأن اهتمامهم سينصب على نشر المذهب، لا الحفاظ على كيان الدولة. لذا تراهم يقاتلون في سوريا مؤخرًا.
ثالثًا. الشيعي يعتمد مبدأ التقية، لذا فهو بارع في إخفاء مشاعره الحقيقة، وهذا أمر مهم في العمل السياسي. وهذا ساعده على التقرب من الأنظمة القمعية المتعاقبة باستمرار والعمل معها.
رابعًا. لا يعاني الشيعي من عقدة المرأة التي ظهرت بتأثير أحد الصحابة الأقوياء، وهو عمر بن الخطاب، والذي أصبح لاحقًا ثاني خليفة للمسلمين. لهذا فالمرأة الشيعة لها حرية أكبر في الظهور من مثيلتها في المجتمع السُني، الذي يقيّد على المرأة كثيرًا. لهذا كانت وما زالت إحدى نقاط الخلاف بين السُنة والشيعة، هي مسألة زواج المتعة.
خامسًا. الشيعة في أصلها مدرسة روحية، في حين إن السُنة مذهب مادي إعتمد السنة النبوية لشرعنة الاستحواذ على السلطة، ولتبرير بقائها في يد العرب، وتحديدًا في قريش، لكن ، لابد من التأكيد على أن حماية الدين، عند أصحاب المذهب الشيعي، كانت على الدوام مهمّة النجف، فاتيكانه، حتى وإن تزعزع موقع هذا الفاتيكان إثر الثورة الإيرانية، لكن الشيعي الذي تحلّل من انتمائه العشائري، لم يلبس رداء الهوية المدنية، بل صار منقادًا وراء الإمام أو السيّد، وقد ارتكزت هذه الطاعة، على تفسير كلمة أولي الأمر، في الآية 59 من سورة النساء التي تدل عند الشيعة على الإمام المعصوم، أو من يحل مكانه، أما ولي الأمر عند القطب الإصلاحي السنّي الشيخ محمد عبده، حيث تتبدّل دلالات أولي الأمر مع الزمن، إلى درجة جعلت محمد عبده المتصالح مع واقعه، يُخرج الناس من مدار الطاعة لعلماء هذا العصر، ليستبدل بهم ممثلي الأمة المنتخبين من الشعب بلا إكراه أو ضغط، أي أهل الحل والعقد والقيادة، في الدولة الوطنية أو القومية الحديثة.
وعلى عكس الجمهرة الشيعية، يقف رجل الدين السُّني في المنابر السياسية إلى جانب صاحب السلطة/ أو الحاكم، أو الأمير أو الملك أو الرئيس أو شيخ العشيرة الذي يتولّى الإعلان عن الموقف السياسي. فالخطابات الدينية في الجوامع السنّية لا توجّه ولا تحذّر ولا تُصدر مواقف متباينة عن مواقف الحاكم المتنفذ ملكًا أو رئيسًا أو شيخ عشيرة، ثمة باختصار تقسيم عمل بين السياسي (الحاكم)، ورجل الدين السني، يقبع الأول على قمّته.
سادسًا. الشيعي منغلق على طائفته بحكم الاضطهاد السياسي، في حين أن السُني منفتح بحكم استحواذه على السلطة. ومن هنا ظهر مفهوم الطائفية.
ويُعرِّف معجم أوكسفورد الشخص الطائفي بأنه الشخص الذي يتبع، بشكل مُتعنِّت، طائفة معينة، أي أنه الذي يرفض الطوائف الأخرى، ويغبنها حقوقها، أو يكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها، تعاليًا على بقية الطوائف، أو تجاهلًا لها، وتعصبًا ضدها؛ في حين لا يعني مجرد الانتماء إلى طائفة، أو فرقة،أو مذهب، جعل الإنسان المنتمي طائفيًا، كما لا يجعله طائفيًا عمله لتحسين أوضاع طائفته، أو المنطقة التي يعيش فيها، دون إضرار بحق الآخرين.
يرى بعض الباحثين أن الطائفية تنتمي إلى ميدان السياسة، لا إلى مجال الدين والعقيدة، وأنها تشكل سوقًا موازية للسياسة، أكثر مما تعكس إرادة تعميم قيم أو مبادئ أو مذاهب دينية لجماعة خاصة، كما أن الطائفية لا علاقة لها في الواقع بتعدد الطوائف أو الديانات، إذ من الممكن تمامًا أن يكون المجتمع متعدد الطوائف الدينية دون أن يؤدي ذلك إلى نشوء دولة طائفية أو سيطرة الطائفية على الحياة السياسية، وبالتالي لتقديم هذا الولاء على الولاء للدولة والقانون الذي تمثله.
وفي هذا الجانب، فإن مفهوم الطائفية، أصبح يستخدم بديلًا لمفاهيم الملة، والعرق، والدين التي كانت سائدة قبل ذلك، واختلطت هذه المفاهيم جميعًا في بيئة متزامنة، فكريًا وسياسيًا، فأنتجت مفهوم الطائفية باعتباره تعبيرًا عن حالة أزمة يعيشها المجتمع، حيث أصبحت الطائفية مذهبًا، وأيديولوجية، وهوية، حلت محل الهويات الأخرى، والانتماءات الأعلى، بل بدأت تتعالى عليها؛ وقد تبدى الاستعداد للتقاطع معها، وأخذ موقعها، وهذا ما يهدد، اليوم، وحدة الشعوب، كما هو الحال في لبنان، والعراق، وسوريا، وغيرها، كما أن دولًا عربية أخرى تتخذ من الطائفية ذريعة لقمع شعوبها التي تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية.
سابعًا. لقد أفرزت وقائع الصراع السُني- الشيعي طبيعة كل منهم. وهذه أهم نقطة في طبيعة الشخصية. فالسُني، عند بلوغ الصراع أوجُه، يلجأ إلى الانتحار من خلال تفجير نفسه على خصومه. أما الشيعي فإنه يلجأ الى جلد نفسه وتعذيبها بشتى الأشكال، وهذا ما نجده أساسًا في ممارساته لطقوسه الدينية. وإذا كان السنُي ساديًا في تعامله، فالشيعي بدا مازوخيًا. وهذه كانت واحدة من أهم النقاط التي دفعت الأمريكان إلى تفضيل تسليم السلطة لهم؛ لأنهم لا يشكلون ضررًا عليهم وعلى استراتيجيتهم.
من المعروف أن القسم الأكبر من المعارضة العراقية لنظام صدام حسين كانت من الطائفة الشيعية التي استخدمتها إيران وأمريكا وبريطانيا لإسقاط ذلك النظام. وقد شجعت الدوائر السياسية الأمريكية على إبراز مظلوميتهم، فأصدر أحد المختصين الأمريكيين وهو جراهام فوللر بالاشتراك مع شيعية أمريكية من أصل عراقي هي رند رحيم فرانكي كتابًا باللغة الإنكليزية بعنوان (The Arab Shi’a: the forgotten Muslims) عام 1999. وهكذا فقد استطاع الأمريكان أن يعيدوا العراق إلى صراعات (سقيفة بني ساعدة) لعام 632م. وشعر الشيعة بأن فترة إنصافهم قد حلت، وبأن الوقت قد حان للأخذ بثأر (الحسين) ، فانطلقوا يبحثون عن (يزيد)، وبدأوا يتصرفون على هذا الأساس، مما قاد إلى شيوع الانتماء الطائفي وانعدام المواطنة، وباحتلال العراق عينت رند رحيم سفيرة للعراق لدى واشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003. إلا أن السلطات الأمريكية قد خيرتها بين الاحتفاظ بمنصبها كسفيرة للعراق أو الاحتفاظ بجنسيتها الأمريكية، ففضلت الخيار الأخير وتركت المنصب في أغسطس (آب) 2004 بعد تسعة أشهر فقط. ولم يكن مصير زميلها ومعاصرها، وأحد أقطاب هذا المشروع، بأفضل منها. فقد نبذته الإدارة الأمريكية، وتناست خدماته، بعد أن شعرت بميوله لإيران، ولم يحظ بأي منصب رسمي. وهذا يدل على أن المشروع هو بالأساس سياسي بحت، وإن استخدم الدين غطاءً له. وقد قاد هذا التمسك الطائفي إلى أن يحل مفهوم ( المكونات ) بدلًا من مفهوم الشعب الموحد.
إن المتتبع لشؤون السياسة الدولية يمكن أن يلاحظ أن عام 1979 هو عام بزوغ الإسلام السياسي، حيث ظهرت المؤشرات التالية، وكمايلي:
آ- بزوغ الاسلام السياسي واستلامه السلطة في عدد من الدول الإسلامية والعربية، ابتدأها الخميني في إيران، ثم طالبان في أفغانستان، وحزب الدعوة الاسلامية في العراق، والإخوان المسلمين في مصر وغيرها. وهكذا، وجدنا أن الغرب عمومًا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا خصوصًا، قد سعت لتغيير الأنظمة السياسية العلمانية في تلك الدول الإسلامية والعربية، مثل نظام الشاه في إيران (1979)، النظام الماركسي في أفغانستان (1979)، ونظام صدام في العراق (2003)، ونظام زين العابدين بن علي في تونس، ونظام علي عبد الله صالح في اليمن، ونظام حسني مبارك في مصر (2011)، لتستبدل بها أنظمة دينية إسلامية.
ب- إن أحزاب الاسلام السياسي قد فشلت في كل الدول التي إستلمت السلطة فيها لسبب جوهري واحد، وهو أنها مارست السلطة وفقًا لأيدولوجيتها الدينية، ولم تستطع أن تستوعب حقيقة أن إدارة الحكم يختلف عن حساب يوم القيامة. وتعذر عليها أن تغير من مفاهيمها الدينية لتجعلها ملائمة لإدارة الدولة إلا بعد وقت طويل، قدمت فيه شعوب تلك الدول خسائر جسيمة وتضحيات كبيرة. مما تعذر قبولها وإستمرارها فيما بعد.
ج- إن الدول الغربية ذات التاريخ الاستعماري العريق، قد وجدت في هذه النظم السياسية الاسلامية أفضل وسيلة للأنتقام من شعوبها وتبديد ثرواتها، واستغلال جهلها وعدم معرفتها بشؤون الحكم، فاستغلتها أبشع استغلال، ودعمت الفريقين المتعارضين المؤمنين والكفار، فدعمت الفريق الأول رسميًا سرًا وعلنًا، وانتصرت للفريق الثاني تحت مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التفكير والتعبير والتدين (الإلحاد)، بشكل غير رسمي. فتمكنت بذلك من خداع الجميع.
د_ لقد وجد الغرب في مفهوم الجهاد أفضل وسيلة لتجنيد المقاتلين بأرخص الاثمان. فقاتلت بهم في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، وقاتلت بهم صدام حسين، وحسني مبارك وغيرهم. وهكذا شكّل هولاء المقاتلون جيوشًا تقاتل بهم الدول الغربية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، لتحقيق أهدافها الستراتيجية والعسكرية بشكل اقتصادي كبير، كما أنها استثمرتهم لبث الرعب لدى الدول العربية والاسلامية الغنية، وفي مقدمتهم الدول الخليجية، للتلويح بهم، كعصا سحرية للتدمير وسحق الشعوب وإسقاط الأنظمةالسياسية، وانتزاع ثرواتهم. ولعل أصدق مثل على التهديد بهم، هو ما قاله الرئيس الأمريكي أوباما لرئيس الوزراء العراقي حيد العبادي عام 2014 بأن الذئب على الباب. ويقصد بهم جماعة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش).
وكما قلت هيلاري كلينتون صراحة: دعونا نتذكر هنا أن أولئك الذين نقاتلهم اليوم نحن من قمنا بدعمهم يومًا ما قبل 20 عامًا. فعلنا ذلك لأننا كنا عالقين في صراع مع الاتحاد السوفيتي، ولم يكن بإمكاننا أن نسمح لهم بالسيطرة على آسيا الوسطى. «بمباركة الرئيس ريجان وبموافقة الكونغرس بقيادة الحزب الديموقراطي قمنا بالتعامل مع المخابرات الباكستانية ودعمنا تجنيد هؤلاء المجاهدين من السعودية وأماكن أخرى.. استوردنا العلامة الوهابية للإسلام حتى نستطيع الإجهاز على الاتحاد السوفيتي». «في النهاية انسحب السوفييت.. لم يكن استثمارًا سيئًا فقد أسقطنا الاتحاد السوفيتي، ولكن علينا أن نوقن أن ما نزرعه فسوف نحصده». وقد كانت كلينتون أول ضحية لنهاية عهد الاسلام السياسي، وكان سببًا لخسارتها في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016.
هل حان وقت إفول حكم الشيعة في العراق، وربما في إيران ودول أخرى أيضًا؟
لقد أفرزت انتخابات الرئاسة الاميركية طيلة عام 2016 عن بلورة برنامج جديد يبدو متعارضًا مع البرنامج السابق المتمثل في دعم الإسلام السياسي بكافة أشكاله وفصائله المختلفة، وهو برنامج ضرب الإسلام السياسي الذي استغرق قرابة 30 عامًا (1979-2017 )، والذي حظي بقبول الدولة العميقة في الولايات المتحدة أولًا، وبقبول أكثر من نصف الشعب الأمريكي، كما حَظي بارتياح من الشعوب العربية. إن هذا البرنامج في الحقيقة، لا يتعارض مع البرنامج السابق، وإن بدا كذلك، وإنما هو امتداد له. وقد مثّل هذا البرنامج الانتخابي المقبول أحد أثرياء الولايات المتحدة دونالد ترامب مرشحًا عن الحزب الجمهوري، وفاز بنتيجة غير متوقعة، أقصت واحدة من أكثر الشخصيات التي رافقت نشوء الإسلام السياسي طيلة 30 سنة، ألا وهي هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي.
وطيلة السنوات الثلاث الماضية، كانت الولايات المتحدة تبحث عمن تكون ضحية سقوط الاسلام السياسي، وانحصرت المنافسة والتفضيل بين السعودية، ممثلة للإسلام السُني في العالم، وإيران، ممثلة للإسلام الشيعي في العالم.
وكانت الترجيحات الأولية تشير الى إن السعودية هي الضحية القادمة، وتحقيقًا لذلك، أصدر الكونغرس الأمريكي قانون جاستا المعروف بقانون تطبيق العدالة على رعاة الإرهاب، والذي ينص على رفع الحصانة للوجود السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية، والسماح لأسر ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر  (أيلول) أن تقوم بمقاضاة حكومة المملكة العربية السعودية بمليارات الدولارات، وعلى الرغم من الفيتو الرئاسي الذي أصدره الرئيس أوباما في سابقة هي الأولى من نوعها منذ 2008، إلا إن الكونغرس الأمريكي تغاضى هذا الفيتو الرئاسي، وأصر على إصدار القانون المذكور في 28 سبتمبر (أيلول)  2016. إلا إن السعودية تداركت الموقف بالتهديد بالسلاح الاقتصادي المتمثل بسحب الارصدة السعودية في الولايات المتحدة، والعودة ثانية الى مركز تمويل أنشطة الولايات المتحدة العسكرية في العالم، مما شجّع الأمريكان على تقديم إيران لتكون الضحية القادمة، وعلى الرغم من توصل الطرفين إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو (تموز) 2015، والذي لم يغب عنه السلاح الاقتصادي أيضًا في رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، حيث إن أحد العوامل الخطيرة المؤثرة الأخرى والتي ستنتج عن الاتفاق هو توقع خسارة 20 دولار في سعر برميل النفط، وهو ما يعادل خسارة 72 مليار دولار سنويًا للسعودية وحدها.
وكانت مؤشرات برنامج ترامب تشير إلى ما يلي:
1. أن أصل خراب الشرق الأوسط، ومصدر وجع الرأس الأمريكي والأوروبي، معًا، وسبب ظهور تنظيمات الإرهاب الإسلامي، سنية وشيعية، هي الدولة الفاشلة المتخلفة المؤذية، إيران.
2. ظلّ ترامب يردد وفي أكثر من مناسبة أن إسقاط نظامي صدام والقذافي كان خطأ، فالعالم كان أكثر أمنًا بوجودهما. وفي وقت لاحق، اعتبر غزو العراق أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة.

الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...