الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

المعارضة العراقية بعد 2003 وإرهاصاتها


المعارضة العراقية بعد 2003 وإرهاصاتها



د. رياض السندي



-         مقدمة
إبتداءً، يمكن القول بإختصار شديد، إنه ليس هناك معارضة حقيقية في العراق. وبالأحرى لم يكن هناك معارضة عراقية حقيقية، عندما تم إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

 فالجماعات المختلفة والتي أطلق عليها جزافاً تسمية المعارضة العراقية، لم يكونوا معارضين أولا، كما لم يكونوا عراقيين ثانيا. إن كل ما كان يجمع تلك الجماعات، هو (كره صدام حسين)، والرغبة الكامنة في الإستحواذ على المناصب والثروات. ومن وراء كل ذلك، هو تحقيق أجندات دولية متعارضة، إتفقت بشكل مؤقت وفق صيغة (الأخوة الأعداء). وخير مثال على ذلك، هو أمريكا وإيران. فأمريكا كانت ومازالت تنظر الى إيران على إنها محور الشر في العالم. وبالمقابل، ما زالت إيران ترى في أمريكا على إنها الشيطان الأكبر.

فتلك الجماعات المختلفة التي لم يكن يجمعها جامع، إفتقرت جميعها لأي أيدلوجية سياسية، لا بل إن بعضهم قال لي شخصياً: إن زمن الأيدولوجيات قد ولّى. وهكذا لم تكن تلك الجماعات تمتلك أي رؤيا سياسية، لعدم وجود مفكرين سياسيين لديها. وقد إعتمدوا في نظرتهم السياسية، الى ما تلقّنه لهم الدول التي إحتضنتهم، مثل أميركا وإيران وبريطانيا وغيرها، وما تزودهم به من تعليمات وتوجيهات لاحقاً. على العكس من حزب البعث العربي الإشتراكي، الذي تم إسقاطه في العراق، والذي كان يستند الى نظرية سياسية، صاغها مفكرو الحزب، أمثال ميشيل عفلق، وشبلي العيسمي، وإلياس فرح، وغيرهم. ويتذكر القراء العرب لمؤلفات عفلق، في سبيل البعث، وذكرى الرسول العربي، ونظرتنا الى الدين. كما يمكن تذكر كتب العيسمي، مثل، العلمانية والدولة الدينية، وعروبة الإسلام وعالميته. ويتذكر الجميع كيف ان حزب البعث وقبل ان يستلم السلطة في العراق كان قد وضع تصورا للعديد من المسائل الجوهرية وقضايا الساعة التي تشغل بال المواطن العادي، حيث ناقش مسألة الدين، وهي من الأمور الجوهرية في أي مجتمع، وكتب مفكرو الحزب آنذاك كراسا تحت عنوان (نظرتنا الى الدين)، وكذلك أصدر اعلام الحزب كراسا اخر ضع تصورا لحل المسألة الكردية من خلال مفهوم الحكم الذاتي عام 1970. وكذلك الامر بالنسبة للمسيحيين في العراق، وعلى اختلاف طوائفهم من خلال قانون منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية عام 1972. ومسائل اخرى جوهرية تخص دور المرأة والعمال والفلاحين والطلبة في المجتمع. 

ويمكن القول بإختصار، إن البعثيون في العراق كانوا أكثر خدمة للإسلام من الأحزاب الإسلامية التي حكمت العراق طيلة 14 سنة الماضية، والتي أساءت له كثيراً. كما كانوا أكثر خدمة للشعب العراقي، في مجال الخدمات العامة.

للإجابة على سؤال ما إذا قد نشأت جماعات معارضة لنظام الحكم بعد 14 سنة من حكم الأحزاب الإسلامية؟ 
نقول ابتداءً، انه من حيث المبدأ، إن قيام معارضة سياسية وطنية، يتطلب توافر ثلاثة أمور أساسية فيها، وهي: -
- رؤيا سياسية 
- قاعدة جماهيرية
- قيادة كاريزمية 
فهل توافرت هذه المتطلبات اليوم في المعارضة الشعبية في العراق؟

·  بدايات المعارضة بعد 2003

نتيجة معاناة العراقيين في الداخل من حصار إقتصادي قاسي فرضته الأمم المتحدة طيلة 13 سنة، إضافة لقسوة النظام في سنواته الأخيرة، فقد وجد العراقيون في إزاحة النظام متنفساً كبيراً للتخلص من الحصار وظلم النظام معاً. وهذه كانت غاية الحصار في تخلي الشعب عن القيادة، باعتبارها سبب جوعه وإضطهاده.

وتتشكل القوى السياسية في العراق من مجموعة من الأحزاب والقوى متباينة الأهمية والامتداد والعمق، بعض هذه القوى يمتد في تاريخه إلى عدة عقود لكنه اضطر إلى تجميد عمله أو نقل نشاطه إلى المنفى، وبعضها نشأ ونمى في الخارج، والثالث ظهر في الفترة التي تلت الغزو مشكلا ظاهرة من التعددية السياسية لم يعرفها العراق أو المنطقة من قبل وذلك بغض النظر عما فيها من فوائد أو ما يوجه إليها من نقد.
أما الأحزاب القومية العربية فهي على العموم قديمة التشكيل وما زالت تحتفظ بقياداتها القديمة، ومعظمها أعلن معارضته للاحتلال وقاطع العملية السياسية وكذلك الانتخابات الأخيرة، ومن بين أبرز هذه الأحزاب: -
•الحركة الاشتراكية العربية بزعامة السيد عبد الإله النصراوي  
•الحزب القومي الناصري بزعامة السيد صبحي عبد الحميد  
•حزب الإصلاح الذي تشكل بعد الحرب بدعم من الجناح السوري لحزب البعث.

ولم تظهر في الأيام الأولى لغزو الولايات المتحدة إي مقاومة تذكر، وحتى البعثيون كانوا مازالوا تحت تأثير الصدمة. إلا إنه بمرور الوقت، تكشفت الأمور بعد إن نظم البعثيون أنفسهم وشكلوا جماعات مقاومة مسلحة للوجود الأمريكي. كما إن السُنة، عزفوا عن المشاركة في انتخابات 2004. وعموما، يمكن تقسيم المعارضة السياسية في العراق الى نوعين رئيسيين هما: مسلحة أو سلمية. 

أولا- جماعات المعارضة السياسية المسلحة

لذا فقد كانت هناك أربع جماعات معارضة مسلحة، 3 جماعات منها، معارضة عراقية مسلحة، وجماعة معارضة إرهابية مسلحة من الخارج، وهي: -

1.     البعثيون وأنصار النظام السابق.
2.     جماعة السُنة. 
3.     جماعة شيعية واحدة، هي تيار مقتدى الصدر.
4.     تنظيم القاعدة الإرهابي.

أما البعثيون فقد شكّلوا في عام 2005، الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية والتي تعرف إختصاراً (الجهاد والتحرير)، وتضم عدة جماعات من بينها جيش رجال الطريقة النقشبندية، وأمينها العام هو عزة إبراهيم الدوري، نائب رئيس الجمهورية الأسبق. وقد إمتنعت الإدارة الأمريكية عن أي تعامل رسمي معها.

في حين إستطاعت الإدارة الأمريكية من إحتواء جماعتي السنة والتيار الصدري، من خلال إشراك التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في العملية السياسية، ومنحهم بعض المناصب الوزارية والبرلمانية. وإتفقت مع فصيل سني في الانبار غرب العراق، من تشكيل جماعات مسلحة خاصة بمناطقهم سميت قوات الصحوة، أو ما يعرف ايضاً بمجالس الإسناد أو الإنقاذ، وهي تجمعات عشائرية عراقيّة سُنّيّة أنشئت بعد الاحتلال الأميركي للعراق لمواجهة تنظيم القاعدة، في أيلول/سبتمبر 2006، وقد بلغ قوامها 80 ألف مقاتل، وأبرز مؤسسيها عبد الستار أبو ريشة، وقد خلفه شقيقه أحمد، والتي ألغيت بعد إلانسحاب الأمريكي من العراق فيما بعد. وعلى الرغم من مشاركة السُنة في السلطة، إلا إن العلاقة بينهما وبين الأحزاب الشيعية ما زالت غير مستقرة.

واليوم عاد السُنة للمطالبة بالإقليم السنّي الذي من المقرر أن يشمل المحافظات السنية الأربع، وهي: الانبار، والموصل، وصلاح الدين وديالى، بإستثناء العاصمة بغداد، ومحافظة كركوك الغنية بالنفط، والمتنازع عليها.

ولم يبقي إلا فصيل سني صغير يمثله حارث الضاري أمين عام هيئة علماء المسلمين الذي ترك العراق وإستقر في عمان بالاردن، فأهمله الأمريكان، وهي ليست حزبا تقليديا بل مؤسسة دينية تعاطت مع الشأن السياسي وقد تأسست بعد الحرب مباشرة وعرفت بأنها من القوى المناوئة للوجود الأجنبي، وقاطعت العملية السياسية والانتخابات عموماً. وقد خلفه في هذا المنصب إبنه مثنى، منذ كانون الأول/ديسمبر 2015.

 أما بقية السُنة فقد أعلنوا موالاة الحكومة بشكل أو بأخر، أو شاركوها في تقاسم الغنائم، مقابل بقاء السلطة بيد أحزاب الشيعة.

أما الأكراد فهم شريك أساسي في ممارسة السلطة، ومنحت لهم بعض المناصب السيادية، مثل منصب رئيس الجمهورية، ووزارة الخارجية أو المالية، وعدد من النواب، وغير ذلك. وعلى العموم، فالكرد ليسوا معارضين للحكومة على الإطلاق وإن إختلفوا معها أحيانا، فهو إختلاف على تقاسم الغنائم، وليس إختلاف أيديولوجي أبدا، وسياستهم تتمثل في إرساء مزايدة العلاقة معهم على المزايد الأعلى.

وبقيت القوات الأمريكية تحارب فقط تنظيم القاعدة الإرهابي الذي لا يمكن إغراءه بالمال أو المناصب، طيلة عقد كامل، حتى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ليحل محل القاعدة، بنسخة أكثر إرهابا من سابقه.

ولقد أدركت الإدارة الأميركية الأن تماما، إن الإطاحة بنظام دكتاتوري أسهل بكثير من خلق نظام تعددي، وهذا ما توصل اليه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بقوله: " إجتراح نظام ديمقراطي تعددي بدلاً من حكم صدام حسين الوحشي أثبت إنه أصعب بكثير من إطاحة الدكتاتور. فالشيعة المحرومون منذ زمن طويل الذين إكتسبوا قدراً غير قليل من الصلابة جراء عقود الظلم في ظل صدام حسين، كانوا ميالين إلى وضع إشارة المساواة بين الديمقراطية والمصادقة على هيمنتهم العددية. أما السنة فتعاملوا مع الديمقراطية كما لو كانت مؤامرة خارجية لقمعهم؛ وعلى هذا الأساس، فإن أكثرية السنة قاطعت انتخابات عام 2004، الحاسمة في تحديد نظام ما بعد الحرب الدستوري. والأكراد في الشمال، المثقلين بذكريات إغارات بغداد الإجرامية، بادروا إلى تعزيز قدراتهم العسكرية المنفصلة وجهدوا للسيطرة على حقول نفطية طلباً لموارد غير معتمدة على الخزينة القومية-الوطنية. راحوا يعرّفون الحكم الذاتي من منطلقات حساسة الاختلاف، إذا كانت مختلفة بالمطلق عن الاستقلال القومي-الوطني".

ثانياً- جماعات المعارضة السياسية السلمية
سعت الإدارة الأميركية الى إشراك السنّة في الحكم، وقد أنشئت أحزاب عديدة منها: -
-         الحزب الإسلامي العراقي
-         مجلس الحوار الوطني 
-         كتلة المستقبل
-         حزب الامة العراقي
-         مؤتمر صحوة العراق
-         المؤتمر الوطني العراقي
-         الجبهة العراقية للحوار الوطني
-         جبهة التوافق
-         الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية (الحل)

وقد مارست الأحزاب السنيّة دوراً مزدوجاً في الانضمام للحكومة ومعارضتها في نفس الوقت. ودخلوا انتخابات عام 2006، وفازوا ببعض المناصب السيادية والوزارات، مثل نائب رئيس الجمهورية الذي كان من حصة الحزب الإسلامي وقد تقلده طارق الهاشمي، كما منح لهم منصب رئيس البرلمان، فتقلده على التوالي: محمود المشهداني، وأسامة النجيفي، وسليم الجبوري. إلا إن هذه الجماعات قد جرى ضربها في عهد نوري المالكي، حيث قدم المشهداني إستقالته مرغما في ديسمبر/كانون الاول 2008، وغادر الهاشمي الى تركيا في ديسمبر/كانون الاول 2011، واستقال وزير المالية رافع العيساوي في مارس 2013 وغادر الى الأردن، وهذه كلها ضمن حملة ضرب الجماعات السنيّة في العراق. وبعد إلإنسحاب الأمريكي عام 2010، إستطاعت إيران من إحتواء الجماعات السنيّة المتبقية.

ويرى البعض إن العملية السياسية في العراق بأنها ميتة ومبنية على المحاصصة، حيث إن لكل من السنة والشيعة والأكراد حصة حددها المحتل الأميركي.

واعتبر أن المكون السني هو الحلقة الأضعف في العملية السياسية بسبب قبوله اللعبة السياسية الجائرة المبنية على أسس طائفية، مشيرا إلى أن المشاركين في العملية السياسية من السنة لا يمثلون جميعا فكرة الهوية للمكون السني وإنما ينتسبون لهذا المكون بالهوية وانتماؤهم الحقيقي هو للمصلحة الشخصية، حسب تعبيره.

·  واقع المعارضة اليوم
وإستمر حال المعارضة السياسية، على هذا المنوال، حتى ظهور داعش وإستيلائه على مدينة الموصل، المدينة الأثرية المعروفة، وثاني أكبر محافظة عراقية، بتاريخ 9 حزيران 2014. ومنذ ذلك التاريخ، ظهرت جماعات معارضة مختلفة، وهي جميعها معارضة سياسية سلمية، إلا إن المؤشر الخطير فيها، انضمام الشيعة الى المعارضة، بعد أن تم إغراءهم طيلة عقد كامل بأن الحكم بأيديهم، وعليهم التغاضي عن كل مساوئ النظام، حماية للمذهب، ومقابل إطلاق الحرية لهم في ممارسة شعائرهم الدينية.
إلا أن ما خلفه إستيلاء داعش على الموصل من تداعيات خطيرة، أهمها: - 
أولا. سوء الأوضاع الاقتصادية، نتيجة التدهور الكبير في أسعار النفط، حيث إنخفض سعر البرميل من أكثر من مئة دولار الى أقل من خمسين دولاراً.

ثانيا. إنشاء فصائل شيعية مسلحة لمحاربة داعش، اعتبرت ميليشيات أول الامر، إستمدت شرعيتها من فتوى الجهاد الكفائي الصادرة عن المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، ثم جرى توحيدها تحت مسمّى (الحشد الشعبي)، الذي أعترف له بشرعيته وفقا لقانون هيئة الحشد الشعبي في 2016. وتم إشراكها في معارك كثيرة داخل العراق وخارجه، مما أدى الى تزايد أعداد القتلى من الشيعة تحديداً.

ثالثا. تدني مستوى الخدمات العامة، كالكهرباء والماء والصحة والتعليم والقضاء، وغيرها، مما أدى الى تفاقم نقمة الشيعة الى جانب السنة قبلهم.

رابعا. تدهور العلاقة بين الحكومة المركزية والاكراد، وإصرار كل طرف على مواقفه، حول العديد من القضايا، مثل تصدير نفط الإقليم، وحصته من ميزانية الدولة، وإستجواب وإقالة عدد من المسؤولين الكرد في الحكومة المركزية، وقضية كركوك المتنازع عليها.

·  جماعات المعارضة اليوم
ويمكن تقسيم هذه الجماعات الى ثلاثة أنواع، وهي: -
أولا. الإحتجاجات السلمية

(1) حركة الاحتجاجات المدنية
لقد اثبتت حركة الاحتجاجات الشعبية في العراق والتي قادتها مجموعة من الناشطين المدنيين ومنذ ما يقرب من خمس سنوات من انطلاقتها وتحديدا في شباط 2011 انها غير قادرة على دفع الحكومة تجاه الإصلاح ناهيك عن التغيير الذي لم يتبلور في ذهنهم بشكل واضح. فحكام اليوم لا يقومون بأي خطوة نحو الإصلاح الاّ مرغمين وعلى قدر ذلك الارغام وبالشكل الذي لا يكون فاعلا ولا يصب في مصلحة الشعب، مثل تغيير امين بغداد، او تغيير وزير الصحة او حتى تغيير رئيس الوزراء. وهذا ما يدل على ان المشكلة تكمن في جوهر النظام بشكل عام.
وقد قمعت تلك الاحتجاجات بشتى الطرق معتمدين في ذلك على الخبرة الايرانية في هذا المجال. لذا فقد بدت الاحتجاجات غير فاعلة وضعفت شيئا فشيئا، لكنها ظلت مثل الجمر تحت الرماد انتظار من يشعل الشرارة الأولى للثورة. وقد عانت تلك الحركة من نقاط ضعف يمكن ايجاز أهمها بما يلي:
1.     عدم وجود قيادة موحدة للحركة.
2.     عدم وجود فلسفة ومنهاج لها.
3.     ضعف الامكانيات المادية لها.
4.     طغيان المصلحة الخاصة على معظم قادة الحركة.
5.     ضعف البعد الدولي للحركة.
6.     عدم تحصين قادة الحركة أمنيا.
7.     بطء الحركة وتعثر مسيرتها قياسا الى اجراءات الحكومة.

كل هذه العوامل أدت الى سهولة احتواءها وتحجيمها واضعاف تأثيرها. وتعاني احتجاجات ساحة التحرير في العراق من هذه الصعوبات، وهذا ما قاد الى انقسام حركة الاحتجاجات الى مجموعات صغيرة عديدة لا يربطها رابط ثوري. اما الايام الاولى للاحتجاجات والتي شهدت تجمع عشرات الالوف من المواطنين فيعود الى توافر الرابط العقائدي الثوري لدى عموم الشعب، وبمجرد غياب الرابط تفرق الجميع وأصبح قادة التنظيم دون غطاء في مواجهة السلطة.

 وتضم كل مجموعة عدد قليل من الافراد الذين تجمعهم صلات معينة، لذا فان تأثيرها كان ضعيفا واستطاعت السلطة تحجيم دورها والقضاء على بعض قادتها. وهنا ظهرت مجموعة الحزب الشيوعي العراقي الاكثر تنظيما بحكم خبرتها الطويلة واستطاعت أن تتسيّد الموقف لفترة معينة رغم انها شريك في السلطة منذ البداية، الا ان كل هذه الخبرة لم تمنعها من الوقوع في شباك الاسلام السياسي الذي يستند الى الدين والمقدس والله. وبالفعل فقد استطاع أحد تيارات الاسلام السياسي والمشارك فيما يسمى تضليلا بالعملية السياسية من ان يتقدم الى الامام ويقف في واجهة حركة الاحتجاجات ويتسيّد الموقف بفضل شعبيته والتزام انصاره.

(2) حركة الاحتجاجات العراقية 2013، وهي حركة شعبية نشطت في المناطق ذات الاغلبية السنية من العراق مثل الرمادي و صلاح الدين و الموصل وكركوك و تبعتها مناطق متفرقة من بغداد مثل الأعظمية و الدورة وكذلك في ديالى و طالب المتظاهرون خلالها بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في السجون العراقية وإيقاف نهج الحكومة الذي وصفوه بال"طائفي" وإلغاء المادة 4 ارهاب وقانون المساءلة والعدالة من الدستور العراقي وانشاء اقليم "سني" لاحقاً تحولت المطالب إلى اسقاط النظام الحاكم ذي الأغلبية الشيعية وإيقاف ما وصفوه بالتدخل الإيراني في العراق اعقبت هذه الاحتجاجات اشتباكات مسلحة في المناطق التي حدثت فيها التظاهرات بين قوات الجيش العراقي والشرطة من جهة ومسلحين سنة ينتمون إلى هذه المناطق من جهة أخرى.
    وقد ظهرت هذه الحركة بعد إنسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2010، وإنفراد إيران في العراق، في الولاية الثانية للمالكي، وبفضل سياسته الرعناء، عاد السُنة لمعارضة الحكومة من خلال ما عٌرف بساحات الإعتصام، مثل ساحة إعتصام الفلوجة في الرمادي وساحة إعتصام الموصل في الموصل، وساحة إعتصام الحويجة في وكركوك، وديالى، والتي تم فضّها جميعها بالقوة.

ولقد طرح الاعتصام المفتوح والمستمر كأحد الحلول لتطوير حركة الاحتجاجات، لحين تحقيق مطالبها او اجراء التغيير. وكان لهذا الخيار -فيما لو إستمر- أن يؤدي الى ظهور طبقة سياسية جديدة تتولى مهمة التغيير الشامل في العراق، وآنذاك سنكون امام ثورة. الا ان تسارع الاحداث جعل من الاعتصام امر غير ذي جدوى بعد الان. فالأمور قد وصلت الى نقطة النهاية.

(3) الحراك المدني المستقل
ويضم مجموعة من الشباب الناشطين المدنيين من مختلف محافظات العراق. وقد إنبثقت هذه الحركة في شباط 2011، ثم تم تأسيس جماعة بإسم الحراك المدني عام 2013 للقيام بحملة إلغاء تقاعد البرلمانيين. وقد عقد الحراك المدني المستقل تسعة مؤتمرات في محافظات مختلفة، وكانت إنطلاقة المؤتمر الأول في مدينة النجف، إلا إن دخول جماعات تنتمي للأحزاب السياسية القائمة، وفي مقدمتهم التيار الصدري قد إستلبت هذا الحراك إستقلاليته، وإستغلت حاجته للأنصار، ولكنهم كانوا أنصار وقتيين، سرعان ما ينفضون من حولهم. إلا إن الحراك لم يستطع حتى هذه اللحظة أن يتخلص من أسارهم. كما إن الحزب الشيوعي والتيار الصدري هم شريكين متشاركين في الحكومة. 
وقد ضمت هذه الحركة عدة جماعات هي:
       الحزب الشيوعي العراقي 
       أنصار التيار الصدري
       تنسيقيات التظاهرات في مختلف المحافظات، بإستثناء محافظات إقليم كردستان العراق.
       الحراك المدني المستقل

وكانت إنطلاقة الإحتجاجات العراقية في 31 يوليو/تموز 2015 في ساحة التحرير في بغداد للمطالبة بتحسين واقع الخدمات وخصوصا الكهرباء، حيث طالبوا بمحاسبة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي أو إقالته، بالإضافة للمطالبة بتخفيض رواتب المسؤولين والوزراء والنواب والدرجات الخاصة. ثم إنتقلت الى مشاكل أخرى كثيرة، مثل مشكلة رواتب موظفي السكك الحديد، مشكلة الضرائب، وإقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى، وغيرها.

ثانيا. الاعتصام المدني 
·        الإعتصام المدني الشعبي (التيار الصدري والتيار المدني)
انطلقت صباح الجمعة (18 مارس/آذار 2016) فعاليات اعتصام أتباع التيار الصدري في المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد. وفي يوم السبت 30 نيسان 2016، إقتحم المتظاهرون من أنصار التيار الصدري بوابات المنطقة الخضراء المحصنة حيث المقار الحكومية وصولا الى البرلمان، ثم سحب التيار الصدري مؤيديه من المنطقة الخضراء في بغداد الأحد 1 مايس 2016 بعد يوم من اقتحامهم مقر البرلمان. وطلبت عناصر من ميليشيا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من المتظاهرين المغادرة بعد 6 ساعات على اقتحامهم المبنى داخل المنطقة الخضراء الشديدة التحصين.
·        إعتصام نواب البرلمان (حركة الإصلاح البرلمانية)
ولاحقا، في 12 أبريل/نيسان 2016 اعتصم عدد من أعضاء مجلس النواب، داخل قاعة البرلمان احتجاجاً على الكابينة الوزارية الثانية التي قدمها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي. وقيام أكثر من 50 نائبا بالاعتصام وقضاء الليلة في مبنى البرلمان للمطالبة بعقد جلسة لإقالة الهيئات الرئاسية الثلاث في العراق.

وطالب أكثر من 100 نائب عراقي من مختلف الكتل في وثيقة تم تقديمها أمس إلى رئيس البرلمان العراقي بعقد جلسة لبحث موضوع إقالة الرئاسات الثلاث في البلاد "التنفيذية والتشريعية ورئاسة الجمهورية".

وفي 14 نيسان صوّت النواب المعتصمون داخل مجلس النواب برئاسة النائب عدنان الجنابي، بالإجماع على إقالة هيئة رئاسة البرلمان واختيار الجنابي رئيساً له بدلاً من سليم الجبوري بشكل مؤقت.

وفي 26 نيسان أنهى البرلمان أزمة استمرت لأكثر من أُسبوعين، بعقد جلسة أعادت الثقة برئيسه سليم الجبوري ونائبيه الذين تمت إقالتهم في جلسة سابقة عقدها 170 نائباً. وتّم تصوّيت مجلس النواب العراقي على تسمية مرشح الكابينة الوزارية الجديدة عبد الرزاق العيسى لمنصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وعلاء دشر لمنصب وزير الكهرباء، ووزير الموارد المائية حسن الجنابي، وعلاء غني وزيراً للصحة ووفاء المهداوي وزيرة للعمل والشؤون الاجتماعية.

وهكذا، فقد أستخدمت بعض الكتل السياسية وسيلة الإعتصام للضغط على الحكومة لانتزاع بعض المناصب الحكومية الكبيرة. فهل كان الإعتصام سلاح للتغيير أم وسيلة ضغط فقط؟

ثالثا. الأحزاب السياسية الجديدة
وقد ظهرت اليوم ضمن تشكيلات جديدة. وقد سبق الذكر، أن مفوضية الانتخابات قد أعلنت عن تسجيل أكثر من 200 حزب وتنظيم سياسي، منها 133 حزبا قديما، و79 حزبا جديدا. إلا إن معظمها سيدخل ضمن تحالفات أحزاب السلطة، لذا سنقتصر هنا على أهمها والمعلن منها، وهي: -
          المشروع العربي في العراق
تأسس في منتصف عام 2015، والمشروع العربي في العراق تنظيم وطني اجتماعي ثقافي سياسي عام، يؤكد على وحدة العراق أرضا وشعبا، وبأن العراق جزء من الامة العربية. وهو يسعى إلى بناء عراق ديمقراطي يؤمن بأن العراق مجتمع تعددي، ومن ثم لا بد من له من نظام سياسي يؤمن المشاركة الحقيقية لمكوناته. الأمين العام لـلمشروع العربي في العراق الشيخ خميس الخنجر.
          المبادرة الوطنية – موطني
أعلن عنها في بغداد بشهر كانون الأول (ديسمبر) 2015، منطلقا وإطارا لتحالف قوى الاعتدال والتغيير المدني ضمن صيغة شركاء في الرؤية وليس التنظيم. وراعي هذه المبادرة هو الدكتور غسان العطية، الذي يرى إن على القوى المدنية العراقية أن تستثمر وعي الشباب المتنامي بضرورة مغادرة “منهج المحاصصة العرقية – الطائفية التي بنيت عليها العملية السياسية”، ووجود مطالب شعبية “تزداد إتساعاً بوجوب إصلاح النظام، وبروز معارضة نيابية”، بالإضافة إلى “خسارة أحزاب الإسلام السياسي لمصداقيتها وفقدان جمهورها الذي بنته عبر الخطاب والتحشيد الطائفي ضد الآخر، في ظل حماية بعضها لفاسدين كبار”، ودعا قوى الإعتدال المدنية إلى استثمار ذلك من أجل إحداث التغيير المنشود. وأن التغيير في البلاد يقوم بالدعوة إلى تشكيل حكومة، محددة ومفوضة بمهام، تكون إما برئاسة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي أو أي شخصية أخرى”. وذكر العطية، راعي مبادرة “موطني” التي تقوم على دعوة أطراف الاعتدال العراقي للعب دور محوري بانتخابات مجلس النواب العراقي المقبل، تكون مهمة هذه الحكومة العمل على ضمان نزاهة وعدالة وحرية الانتخابات النيابية المقبلة من خلال إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات المستقلة، وإشراك القضاء في عملية الإشراف والتنفيذ للانتخابات.
          حزب الحق الوطني
تأسس في 17 كانون الأول 2016، يهدف الحزب الى لم الشمل والابتعاد عن الضغينة والتفرقة وتسييس الدين، والتي أضعفت الوحدة الوطنية ومزقت النسيج الاجتماعي العراقي"، وإلى تحقيق المصالحة الوطنية من خلال برنامج شامل يقضي على جميع ما خلَّفته المرحلة السابقة من دمار للمجتمع العراقي". الأمين العام للحزب النائب أحمد المساري.

-تقييم جماعات المعارضة السلمية اليوم
وكما سبق القول، في إنه لم يكن هناك معارضة سياسية عراقية بالمعنى الحقيقي لإسقاط نظام صدام حسين، فإن الأمر ذاته اليوم، فليس هناك معارضة حقيقية، وإنما مطالبة بالإمتيازات الشخصية، أكثر من المطالبة الجماعية بحقوق شعب، وسيادة دولة، وتطور أمة. وهذا ما يفَسّر تخلي الكثير من المعارضين السياسيين العراقيين بمجرد منحهم بعض المناصب والإمتيازات.
وإجمالا، تعاني معظم الجماعات العراقية المعارضة السلمية اليوم من قصور كبير، تمثّل فيما يلي: -
آ- غياب الرؤيا السياسية الشاملة
وبالتأكيد ان وجود فلسفة للتغيير أمر ضروري واساسي لا غنى عنه لكل ثورة أو حركة تغيير شعبية لكي يلتف حولها أبناء البلد الواحد ويسعون لتحقيقها. وعلى الرغم من المناداة مؤخرا بالحكم المدني، إلا إن الرؤيا ما زالت غير واضحة لدى قادة المعارضة وأنصارها.
ب‌-    ضعف التنظيم الرصين
ان واحدة من اعقد المسائل في الثورة هي مسألة تنظيم الثوار، نظرا للصعوبات التي تكتنف مسألة ضبط مجموعة من الافراد الثائرين وتوجيههم نحو الهدف. 
وعادة ما تقوم التنظيمات الثورية بهذه المهمة، وهو أمر وان كان صعب جدا، الا انه ليس بالمستحيل في الحالة العراقية. فتشكيل هيئة سياسية او حزبية تتولى مسؤولية تنظيم وقيادة الثورة في بلد معين أمر ممكن التحقيق شرط توافر عنصري التمويل المالي وقاعدة الانطلاق الجماهيرية، أي الطبقة الاجتماعية التي ستقوم الثورة على اكتافها مثل طبقة العمال او طبقة الطلاب أو الفلاحين وغير ذلك. وهذا بالطبع لا يمنع من اندلاع الثورة بشكل عفوي نتيجة احتقان الشارع جراء الظلم الاجتماعي والضغط الاقتصادي. 
ج- غياب القيادة الكاريزمية
وفي ظل أوضاع اجتماعية ونفسية كهذه، يصعب القيام بثورة دون ظهور قيادات ذات كاريزما شعبية تشحذ الهمم وتعيد ترميم الشخصية المنكسرة ثانية. وبصراحة مطلقة، فان كل الطبقة السياسية التي جلبت لحكم العراق بعد عام 2003 كانت تفتقد لهذا العنصر المهم، مما جعلها تفقد احترامها وتقديرها لدى العراقيين. ومن هنا ظهرت التبريرات الجوفاء التي تزيد العراقيين انكسارا وهو ان مشاكل العراق عصية على الحل حتى لو جاء الانبياء لحكمه. والواقع ان الانبياء هم صفوة روحية من البشر لا تصلح للحكم، وانما يصلح له رجال دولة قادرون على ادارته وفقا لأساليب عصرية. ويجب ان يظهر فهم علمي ومنطقي يحل مسألة نقل الجبل من مكان لأخر باستخدام العقل والتكنولوجيا بدلا من البحث عن حلول سحرية مختصرة.

- وسائل التغيير المنشود
ويثور التساؤل عن وسائل التغيير المتبعة من جماعات المعارضة العراقية اليوم، ومدى فاعليتها في تحقيق التغيير المنشود؟ 
·        التظاهرات، وهي مستمرة كل يوم جمعة في ساحة التحرير ببغداد، أو مجسرات ثورة العشرين في النجف، وأماكن أخرى. إلا انها غير ذي جدوى، وتأثيرها يكاد يكون معدوما، سوى في مناسبات محددة، عند انضمام التيار الصدري لها لغرض معين، ويتم اقتحام المنطقة الخضراء، كما أسلفنا. 
·        وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال إنشاء صفحات ومجموعات على الفيسبوك وتويتر وأنستغرام، وغيرها، وهي اليوم كثيرة جداً واعدادها بالمئات، ودورها ينحصر في التوعية فقط. وهذه الوسائل وإن كان لها دور كبير في إعتصامات ما سميّ بالربيع العربي. إلا إن الحالة العراقية تختلف تماما، لسبب واحد بسيط، إن العراق محكوم بدول أجنبية، والقائمون على السلطة في العراق اليوم، ليسوا حكاما بالمعنى الحقيقي، بل هم مجرد دمى على مسرح السياسة في العراق، وإن تغيير هؤلاء لن يغير الوضع ما لم يتغير النظام برمته. ورأينا إن تغيير الجعفري بالمالكي، والمالكي بالعبادي لم يؤدي الى حل لأزمات العراق الكثيرة.
·        توجيه وسائل الإعلام الى إخفاقات الحكومة وسوء إدارتها، وتسليط الضوء على ملفات الفساد الكثيرة والكبيرة، من خلال إنشاء بعض المواقع الإلكترونية، والمدونات الشخصية، ونشر المقالات والبحوث والدراسات عن ذلك.
·        إنشاء تنظيمات سياسية معينة، وهذه لا يمكن إعتبارها معارضة بالمفهوم الحقيقي، لإن تسجيلها في العراق سيجعلها خاضعة لقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية لعام 2015، ومن شروطه التعجيزية هو دفع رسوم تسجيل الحزب البالغة قرابة خمسون ألف دولار. وهذا ما يعيق أي جماعة معارضة من تسجيل تنظيمها. ومع كل ذلك، فقد سجّلت شخصيات حكومية مثل الوزراء ونواب برلمان وتجار ما يزيد على 300 حزب سياسي حتى الآن.
·        المجموعات المغلقة، وهي جماعات تنشئ لها حلقة مغلقة لعدد من الأصدقاء الذين يتفقون في توجهاتهم. وهي أشبه بالندوات التي يتم فيها بث الشكوى وطرح الهموم وتبادل الأمنيات.

-      التأثير الدولي على الثورة
العراق، ومنذ عام 2003، قد أصبح ساحة للصراعات الدولية. وإزاء حجم التدخل الدولي الكبير هذا، فان قيام ثورة وطنية شعبية في العراق يعد امرا صعبا للغاية دون الاخذ بنظر الاعتبار تأثير تلك التدخلات الدولية ومصالحها الاستراتيجية في العراق. وفي مقدمة هذه الدول امريكا وإيران. ويمكن تشبيه مدى تأثير هاتين الدولتين على العراق كجهاز تلفاز تحتفظ امريكا بجهاز السيطرة عن بعد (الريموت كونترول)، في حين ان إيران كالمشاهد القريب من التلفاز الذي يغير قنوات الاستقبال حسب هواه دون حاجة الى الريموت. واليوم، بعد مجيء رئيس أمريكي جديد هو ترامب، فان إدارته تسعى لانتزاع الريموت العراقي من يد إيران. لذا فقد كان سبب إحجام العراقيين عن أي مطالبة فعلية بالتغيير، هو رضا الولايات المتحدة الامريكية ضمنيا عن الوضع القائم والفوضى في العراق، في عهد الإدارة السابقة برئاسة أوباما. وإنطلقت شهيّة العراقيون في التغيير بعد وصول ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة، وإرساله هو وباقي طاقم إدارته إشارات عدم رضا الولايات المتحدة عن التدخل الإيراني في العراق. وتبدو خطوات الإدارة الأمريكية الجديدة مشجّعة للعراقيين ليعبّروا عن إمتعاضهم وعدم رضاهم عن الأوضاع في العراق.

وقد شكّل هذا العامل الدولي سابقا عنصر اعاقة لأي ثورة تسعى الى تغيير للسلطة من خلال اقتحام مقر الحكومة في المنطقة الخضراء، لوجود السفارات الاجنبية فيها وعلى رأسها السفارة الامريكية. لذا فان ارسال رسائل تطمين لها من جماعات المعارضة، هو امر ضروري لأي حركة تغيير قادمة.

لذا فان اي تنظيم سياسي او شعبي يفكر في القيام بتغيير الأوضاع السياسية في العراق، لابد من ان يضع نصب عينيه ابتداءً اسلوبا للتعامل مع هاتين الدولتين المار ذكرهما سابقا، على الرغم من صعوبة ذلك، لان الدعم الدولي امر ضروري في اي حركة تغيير سياسي.

وبدا هذا الأثر واضحا على تحركات السياسيين، فقد رأينا تحرك العديد من العراقيين -بضمنهم المشاركين في الحكومة- يتسابقون الى عواصم الدول المختلفة طلباً للمساعدة. ويدخل ضمه هذا المسعى، تحرك الجميع وتسابقهم للوصول لتلك العواصم، فالشيعة ما زالوا يهرولون الى إيران، والسُنة ما زالوا يتسابقون على الوصول الى الرياض وأنقرة وعَمان والدوحة، وغيرها. وتأتي مؤتمراتهم ضمن هذا السياق، فقد عقدوا مؤتمرا في ميونيخ وانقرة في شباط وآذار 2017.

-   معوقات التغيير في العراق
هناك جملة معوقات، تعيق أي حركة تغيير سياسي جوهري في العراق للتخلص من حالة الفوضى والتفجيرات والدمار ونهب المال العام، التي ضربت البلاد منذ 14 سنة وحتى الأن، وأهمها: -
·        إنعزال الحكومة في مقر شديد التحصين، يعرف بالمنطقة الخضراء. 
·        وجود فصائل مسلحة كثيرة، بلغ عددها أكثر من 150 فصيلا، بحسب تصريح رئيس الوزراء حيدر العبادي.
·        تدهور مستوى المعيشة في العراق، بحيث أصبح الفقر والعوز المادي من معوقات العمل السياسي المنظم.
·        وقوف المرجعيات الدينية المختلفة سواء الشيعية أو السنية، لا بل حتى المسيحية الى جانب السلطة القائمة وإضفاء الشرعية عليها حتى الان، مبررين ذلك، بقبول الظلم تجنبا للفوضى.
·        الانتخابات الصورية، فما زال الكثير من العراقيين وجماعات المعارضة السلمية، ترى إن التغيير يجب أن يتم من خلال صناديق الإقتراع. ويغيب عن هؤلاء بعض الحقائق الخافية عليهم في مسألة الانتخابات عموما، وفي العراق خصوصا. ويمكن إختصارها فيما يلي: -

-         إن النائب الجيد يقف وراءه ناخب جيد. والناخب العراقي هو ناخب عقائدي يصّوت لمرشح طائفته وعشيرته، رغم إقراره بفساده وعدم صلاحيته. وهو بهذا الوصف ليس ناخباً حراً كما يفترض هذا النظام. كما إن النظام الانتخابي الحالي لا يقوم عل أساس المواطنة، الذي يحق بموجبه لأي عراقي ترشيح نفسه للمنصب على قدم المساواة المفترضة دستورياً، لذا فما زال من المستحيل أن يحظى أي مرشح من الأقليات المسيحية أو الايزيدية أو الصابئة أو غيرها بأي منصب سيادي، بل تم تحجيمهم وفقا لنظام الكوتا الانتخابي. والاستثناء الوحيد الذي تحقق منذ عام 2003، هو منح منصب رئيس الجمهورية لمرشح كردي.

-         إن الانتخابات في العراق، كانت معيبة في المرات الثلاث التي جرت فيها للأعوام 2006 و2010و2014. ويكفي أن نذكر إنه لم يؤخذ بنتائج الانتخابات في المرتين الأخيرتين على الاقل، فقد فاز أياد علاوي ولم تمنح له السلطة، بل جددت لنوري المالكي، وفاز المالكي ثانية عام 2014، وانتزعت منه وأعطيت الى حيدر العبادي.

-         إن الانتخابات العراقية ومنذ 2003 تخضع لتأثيرات وضغوط دولية كبيرة. لذا فإن نتائجها غير وطنية تماما.

-         تلعب الجماعات والفصائل المسلحة دوراً مؤثرا فيها، وسيتعاظم دورها في الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في أيلول/سبتمبر القادم مستندة الى تضحياتها الكبيرة في تحرير الموصل.

·        معوقات إجتماعية، والى جانب كل المعوقات أعلاه، فهناك معوقات مترسخة في الشخصية العراقية، وهي بلا شك، مستّمدة من طبيعة الشخصية العربية والإسلامية على مّر العصور، وهي: -

1.     الشخصية الإستحواذية-الإقصائية، أي إن كل جماعة تريد الإستحواذ لذاتها، وإقصاء غيرها. وهذا هو سرّ عدم الاتفاق فيما بينهم.

2.     الشخصية التسلطية، والتي يريد كل شخص فيها أن يطبق فلسفته الخاصة، وأن يتحكّم هو وحده، على طريقة (أعطني الإمارة ولو على حجارة).

3.     الطبيعة القبلية للشخصية العراقية، والتي ترى إن قبيلتها أو عشيرتها على حق دوما، لأنها الحاضنة التي تحميها وتدافع عن حقوقها. وهذا ما يعرف عند العرب (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).

لذا فقد رأينا عدد من الوزراء ونواب البرلمان يعرضون خصوماتهم على عشائرهم، في الوقت الذي يجلسون تحت قبة البرلمان لتشريع القوانين. ولم يسأل أحد منهم نفسه، هذا السؤال: ما الجدوى إذا من تشريع القوانين، إذا كان أعضاء البرلمان والوزراء يحلّون خلافاتهم في مجالس عشائرهم؟

4.     تعدد الولاءات وتغييرها: فالشخصية الإسلامية قد مارست منذ البداية هذا الأمر بعد ظهور مسألة البيعة، وإعتادت على تغيير ولاءاتها الشخصية وفقا لمصالحها الشخصية، ورضوخا للقوة. وتعتبر حادثة مقتل الحسين المعروفة، خير مثال على ذلك. وهذا ما جعل جماعات المعارضة تفتقد لرجال مبادئ يصرّون على إنتزاع حقوقهم على طريقة ميرابو، خطيب الثورة الفرنسية الذي قال عند محاصرة تجمعهم في ملعب التنس بالقرب من القصر، وقال لمبعوث الملك: " قل لسيدك لن نبرح هذا المكان الا على اسنة الرماح".

وقد أشار القران الكريم الى أصحاب المبادئ، بقوله: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. سورة الأحزاب، الآية 23.

5.     إنكار الحقوق: إن أكبر إعاقة لأي تغيير في العراق والمجتمعات العربية يكمن في مسألة انتهاك الحقوق. وق أشار القرآن الكريم الى ذلك بقوله: لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ. وهذا موضوع كبير بحد ذاته، ويصعب حلّه، فقد إعتادت المجتمعات العربية أن تؤجل إيفاء الحقوق الى يوم القيامة. وهذا يعود للطبيعة العربية النهّابة والوهّابة. لذا فإنها لم تكلّف نفسها عناء الحساب، بل تركته ليوم الحساب. وهذا ما يدفع الناس للتردد في أي تغيير، لإنه لن يعطيهم حقوقهم. ويلتحق بالتغيير فقط الطامحون المندفعون نحو القفز وإنتزاع الغنائم، أو ما أصبح يعرف عراقياً ب (الفرهود).

6.     الطيبة العراقية: فالعراقيون في عمومه شعب مؤمن وطيب وخلوق ويخشى الله، وهو ما يعرقل أي حركة تغيير أو ثورة. وقد إعتاد العراقيون على المسامحة والغفران حتى لأولئك الذين أذاقوهم سوء العذاب، وإمهاله ليوم الحساب كما أسلفنا. لذا فقد كانت فلسفة التغيير تظهر من الجماعات الضعيفة كالأقليات. 

وقد أجاد الصحفي والكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل عندما وصف الوضع الحالي بقوله: ان العراق اليوم اضحى عبارة عن بنك استولى عليه مجموعة من اللصوص ليست لهم علاقة لا بالسياسة ولا بحكم ولا بإدارة الدولة! واضاف هيكل في حوار موسع ان العراق كان تركيبة جديدة وان القوى التي انشأته لم تعد تهتم به وتركته لأهله الذين يرغبون بالتماسك الداخلي فيه. ونحن نقول ان الشرفاء هم وحدهم من ينقذ العراق مما هو فيه من حالة ضياع وتشظٍ وهم كثر ان شاء الله وسوف يتصدرون المشهد السياسي عاجلاً أم آجلاً.

واخيرا، ان الثورة لا تتضمن تحريضا بل هي تصحيح لمسارات خاطئة لإعادة الامور لنصابها، وإرجاع القطار على السكّة، بعد خروجه عنها، ومهما سار فلن يزيد ذلك الأمور إلا سوءا.  واليوم تبرز الحاجة لإصلاح الأذهان قبل إصلاح الأوطان. فالتخلف آفة المجتمعات، ويجب توعية الناس على ما هو صحيح، فمهما ساد الخطأ زمنا طويلا، فلن يصحّ الا الصحيح. 


د. رياض السندي

دكتوراه في القانون الدولي

15 مارس 2017


المصادر

1.      هنري كيسنجر، النظام العالمي، ترجمة د. فاضل جتكر، بيروت 2015.

2.      الصحوة (مليشيا)، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.

3.      الاحتجاجات العراقية 2013، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.

4.      الأحزاب السياسية في العراق، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.

5.      خارطة القوى السياسية في العراق، موقع قناة الجزيرة، في 7/4/2005.

6.      العراق.. دور السنة بالعملية السياسية وخلافات الشيعة، موقع قناة الجزيرة، في17/4/2016.

7.      د. رياض السندي، الاعتصام في العراق-وجهة نظر قانونية-، موقع الحوار المتمدن في 18/3/2016.


أسباب الإنهيار السريع للسلطة في العراق


 

أسباب الإنهيار السريع للسلطة في العراق 


د. رياض السندي

دكتوراه في القانون الدولي


كان لانهيار القيادة العسكرية المدوي والتدهور الأمني الخطير وسقوط ثاني أكبر مدن العراق (مدينة الموصل التاريخية ليلة 10 حزيران 2014 أسباب عميقة غائرة في المجتمع العراقي تولدت بعد 11 سنة من سقوط بغداد في 9 نيسان 2003. وقد حاول المخلصون والوطنيون من أبناء العراق السعي جاهدين لإنقاذ البلد من هذا السقوط المخزي إلا إن كل تلك المحاولات باءت بالفشل. ونحاول هاهنا استخلاص القسم الأكبر من أسباب هذا الانهيار، كما شخّصناها منذ البداية وحتى هذه اللحظة، مع عدم غمط حقوق الأخرين في تحليلاتهم وتشخيصهم لمواطن الخلل والضعف في بنية الدولة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 وهي: -




1.     طبقة سياسية قادمة من الخارج وغير منسجمة: إن معظم سياسي العراق اليوم كانوا من العراقيين الذين غادروا العراق لأسباب مختلفة ومنذ فترة طويلة تجاوزت 27 سنة للكثير منهم، ومن البديهي أن معظمهم قد فقد أوراقه الثبوتية الشخصية (كهوية الأحوال المدنية أو وثيقة الجنسية العراقية) بل أن الكثير منهم قد تخلى عنها واكتسب جنسية دولة أخرى، وهكذا كانت هذه الطبقة هي مجموعة من الأجانب والذي فقدوا انتمائهم للعراق وولائهم لبلدهم الأصلي والغالب الأعم منهم لا يجيد حتى العربية وكذلك أولادهم. كما أن ظروف اللجوء المهينة لدى معظم الدولة المستقبلة لهم قد أرضعتهم حقدا على العراق وشعبه لم يتمكنوا من التخلص منه حتى الآن. وكانت اقوى تلك المجموعات هي (مجموعة إيران) وجميعهم من التيارات الإسلامية المتشددة، ثم (مجموعة الولايات المتحدة) وجميعهم من العلمانيين المتطرفين. وقد افتقدت هذه الطبقة للانسجام المطلوب لإدارة الدولة، وغدت كل مجموعة تعمل وفق أولوياتها الخاصة وتسعى لعرقلة مشاريع المجموعات الأخرى، وتعامل الجميع مع الوطن ككعكة يجري اقتسامها ويحاول كل طرف الحصول على قطعة أكبر متناسين أن الاقتسام يقود إلى ضياع الدولة. وهكذا وجدنا الوزراء يعملون ضد رئيس الوزراء، والعكس صحيح.  



2.     قلة الكفاءة: ارتباطا بالسبب السابق، فان معظم هؤلاء لم يتلقى تعليما متقدما، لان ظروف اللجوء القاسية والانشغال بأسباب العيش قد منعتهم من التحصيل الدراسي. وتعويضا عن ذلك فقد حصلوا على شهادات دراسية جامعية مزورة أو بالمراسلة والكثير منهم بدرجات علمية متقدمة (كالماجستير والدكتوراه) وفي اختصاصات مختلفة. لذا فقد اعتبر العراق في مقدمة الدول التي وجد فيها شهادات مزورة جهات متخصصة محايدة بان هناك (9627) شهادة مزورة بحسب وزارة التعليم العالي العراقية في حين قدرتها مصادر غير رسمية ب 30 ألف شهادة، وهذا أزاح الكفاءات السابقة وساهم في انهيار الإدارة.  وهذا بحد ذاته قد يشكل سببا لسقوط أية دولة مهما بلغت قوتها. وهكذا تجد اختصاصات في غير محلها، وعلى سبيل المثال فمعظم سفراء العراق من اختصاصات بعيدة عن السياسة الخارجية، مثل الفيزياء النووية والطب وعلوم الحاسبات، في حين ظل حملة اختصاص العلوم السياسية ابعد الناس عن السلك الدبلوماسي. وهكذا غاب عنصر التكنوقراط طيلة هذه الفترة.



3.     أولويات شخصية: نظرا لان جميعهم لم يكن يتوقع أن يصل إلى هذا المنصب. فان أول ما يفعله هو الحفاظ على منصبه وتوفير الحماية له، لاسيما وان جميعهم قد انقطعت صلاته العائلية والاجتماعية والعشائرية في المجتمع العراقي. لذا فقد ابتكر الأمريكان لهم منطقة القصور الرئاسية السابقة لصدام حسين وسميت مجافاة للحقيقة ب (المنطقة الخضراء) ضمت الأمريكان أولا واتباعهم من هؤلاء. وبقت هذه الطبقة السياسية معزولة عن الشعب العراقي حتى الآن، لذا لم يستطع أي سياسي أي ينزل إلى الشارع ويلتقي بعامة الشعب. وبعد ذلك يبدا العمل بالأولويات الشخصية مثل تحقيق ثروة طائلة تعويضا عن حرمان سنوات اللجوء العجاف، ثم الانتقام من خصوم الأمس، ثم ضمان وسيلة للحصانة من هذه الخروقات سواء أكانت قانونية كالحصانة الدبلوماسية، أو حصانة سياسية من خلال التمسك بجنسية دولة أجنبية لضمان طريق هروب آمن في أصعب الأحوال.



4.     دستور ملغوم: جرى إعداد الدستور العراقي الجديد على عجل، ورغم كثرة المناقشات والمقترحات والاجتماعات حول هذا الدستور إلا أن العراقيين كانوا في واد والأمريكان في واد أخر. لا بل أن الأمريكيين كانوا غير ابهين لكل تلك المناقشات والمقترحات والمشاريع المقدمة, لانهم كانوا قد كلفوا أستاذا جامعيا أمريكيا هو ( نوح فيلدمان ) فهو من مواليد 1970 في بوسطن – ولاية ماساشوستس من عائلة يهودية متزمتة خريج كلية يال للحقوق، أستاذ القانون في مدرسة هارفرد للقانون (كلية) , ومتخصص في الفكر الإسلامي ومهتم بالتشابك والتداخل بين الدين والسياسة ويجيد العبرية والعربية والفرنسية إلى جانب الإنكليزية وله كتاب سقوط وقيام الدولة الإسلامية عام 2008 وهذا ما عكسه في دستور العراق عام 2005، حيث وضع خلطة قانونية معقدة . قلنا منذ البداية أثناء احدى المناقشات الدستورية صيف عام 2004 بان هذا المشروع مليء بالألغام التي ستنفجر في المستقبل، وهذا ما أعلنه رئيس الوزراء المالكي عام 2012. وما زالت المشاكل القانونية التي يثيرها هذا الدستور مستمرة ومنها فدرالية الأقاليم في العراق (علما إن العراق كله أصغر من مساحة أية ولاية أمريكية)، وكذلك مسالة تقاسم الثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط والغاز بين المركز والإقليم والمحافظات. وكذلك مسالة توزيع السلطات والصلاحيات، وغيرها.



5.     تغييب الجيش العقائدي: من المعلوم إن لكل دولة جيشها الخاص، وهو سور الوطن ضد أي تهديد خارجي. وتكمن فائدة الخدمة العسكرية الإلزامية (خدمة العلم) في توحيد الشعب، حيث يجمع الجيش كل طوائف الشعب ومكوناته القومية والدينية والمذهبية ومن مختلف مناطق البلاد ليصهرها في بودقة واحدة هي الولاء للوطن، مما يولد روح الوحدة والجماعة داخل المؤسسة العسكرية. وقد جاء القرار الأمريكي الذي اتخذه الحاكم المدني في العراق (بول بريمر) بحل الجيش العراقي بتداعيات كارثية. فقد بقيت دولة العراق بلا جيش. فهل يعقل اليوم أن تقوم دولة مهما كانت صغيرة دون جيش. وهذا الأمر كان مقصودا لضمان عدم إنقاذ العراق من الاحتلال والانهيار وهذا ما لمسناه في تجربة مصر عام 2013. لان الجيش هو ذراع الدولة وسندها وسور الوطن. فأصبح العراق بلا ذراع كالمعاق، بلا سور، وغدا الشعب بلا سند. وهذا ما فسح المجال لاجتياز حدود العراق من أي شخص سواء كان إرهابي أو حتى صحفي. فأصبح العراق ساحة مفتوحة لكل الإرهابيين ومخابرات الدول. وقد روى لي شخصيا أحد أعضاء البرلمان العراقي عام 2012 بان على ارض العراق تعمل مخابرات 44 دولة أخرهم هي جيبوتي. وقد لعبت إيران دورا كبيرا في الانتقام من جيش العراق نظرا للحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988) فقتل القسم منهم وهرب الأخر إلى دول الجوار. وتم الاستعاضة عن جيش العراق القوي الذي اعتبر في حينه (خامس جيش في العالم) بجيش من حديثي السن وغير الموالين للعراق والطامعين في المناصب والامتيازات والرواتب ومنحت الرتب العسكرية اعتباطا. وجرى تسليحه من جديد بعد أن نهبت مخازن السلاح ودمَر معظمه. فاستشرى الفساد بشكل طافح في عقود التسليح ومنها صفقة الأسلحة الروسية السيئة الصيت. وهكذا ضاعت مليارات الدولارات من أموال العراق. ومن البديهي إن جيش بلا عقيدة لا يستطيع المقاومة والصمود. وهذا ما عجل الانهيار المريع في قيادة عمليات نينوى في ساعة واحدة. وبعد 11 سنة، ظهر بريمر في لقاء تلفزيوني على قناة الجزيرة بتاريخ 24/6/2014 يبدي اعتذاره واسفه لذلك القرار، ويتساءل ماذا يجب عليه أن يفعل الآن، هل ينتحر على طريقة الساموراي.



6.     سوء الإدارة المدنية ومشكلة (استنساخ المجتمعات): لقد عدّ استنساخ النعجة دوللي معجزة علمية توصلت لها البشرية في القرن العشرين. إلاّ إن العراق قد شهد استنساخا للمجتمعات أيضا. فعندما احتل البريطانيون العراق عام 1917، أقاموا نظاما ملكيا مستنسخا عن النظام الملكي البريطاني عام 1921. وعندما احتل الأمريكيون العراق عام 2003، أقاموا نظاما فدراليا مستنسخا عن النظام الفدرالي الأمريكي عام 2005، وهكذا بقية الإدارات فظهرت مفاهيم جديدة في الإدارة العراقية يصعب استيعابها كإدارة الأقاليم والحكومات المحلية والوزارات المختلفة ومبدأ كل جزء من الدولة يشعر بانه مستقل تماما عن المركز حتى في الجيش والميزانية وتقاسم الثروات الطبيعية...الخ. لذا كانت مشكلة تصدير النفط العراقي سببا للتنازع بين المركز وإقليم كردستان العراق وكذلك بقية المحافظات.



7.     تقسيم المجتمع إلى مؤمنين وكفار: إن واحدة من أخطر ممارسات الإسلام السياسي هي تقسيم المجتمع إلى فئتين متناقضتين هما المؤمنين والكفار. وهذا ما قاد إلى ملاحقة العناصر السابقة والمنتقدة للوضع السياسي وأدى إلى امتلاء السجون (31 ألف سجين) العدد الرسمي لوزارة العدل العراقية، في حين إن المعارضة تقول إن الرقم الحقيقي هو (42 ألف سجين). وهذا الرقم الضخم في الإحصاء العالمي جعل من العراق البلد رقم 11 في قائمة سجناء العالم من بين 178 دولة. وقد ظل معظمهم في الحجز لفترات طويلة امتدت إلى 9 سنوات للبعض منهم، اتهم معظمهم بالإرهاب. وأثناء عملي كمسؤول لملف حقوق الإنسان في بعثة العراق لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف قد اطلعت على حالة غريبة لشاب ألقي القبض عليه في الشارع أثناء سقوط بغداد في نيسان 2003 لعدم حمله الهوية الشخصية وكان قد أمضى سبع سنوات في السجن، وقد تعذر عليه الاتصال بأهله نظرا لانتقال أهله إلى مكان أخر ضمن موجة النزوح الداخلي، ولعدم وجود هاتف محمول في العراق آنذاك، وكان كل ما يعرفه عنهم هو عنوان السكن ورقم الهاتف الأرضي المعطل. ومن المؤكد إن أمثال هؤلاء هم مادة خام قابلة للاشتعال عند حدوث أي اضطراب أمني. ومن البديهي أن تضيع هنا المجموعات الضعيفة كالأقليات، وهذا ما بدا واضحا للعيان الآن.



8.     فقدان الشعور بالمواطنة وشيوع الانتماء الطائفي: من المعروف إن القسم الأكبر من المعارضة العراقية لنظام صدام حسين كانت من الطائفة الشيعية التي استخدمتها إيران وأمريكا وبريطانيا لأسقاط ذلك النظام. وقد شجعت الدوائر السياسية الأمريكية على إبراز مظلوميتهم، فأصدر أحد المختصين الأمريكيين وهو غراهام فوللر بالاشتراك مع شيعية أمريكية من أصل عراقي هي رند رحيم فرانكي كتابا باللغة الإنكليزية بعنوان (The Arab Shi’a: the forgotten Muslims). وهكذا فقد استطاع الأمريكان أن يعيدوا العراق إلى صراعات (سقيفة بني ساعدة) لعام 632 م. وشعر الشيعة بان فترة إنصافهم قد حلت وبان الوقت قد حان للأخذ بثأر (الحسين)، فانطلقوا يبحثون عن (يزيد)، وبدأوا يتصرفون على هذا الأساس، مما قاد إلى شيوع الانتماء الطائفي وانعدام المواطنة. وباحتلال العراق عينت رند رحيم سفيرة للعراق لدى واشنطن في تشرين الثاني 2003. إلا أن السلطات الأمريكية قد خيرتها بين الاحتفاظ بمنصبها كسفيرة للعراق أو الاحتفاظ بجنسيتها الأمريكية، ففضلت الخيار الأخير وتركت المنصب في أب 2004 بعد تسعة أشهر فقط. وقد قاد التمسك الطائفي إلى أن يحل مفهوم (المكونات) بدل مفهوم الشعب الموحد.



9.     فقدان المساءلة القانونية والتطبيق الأحادي الجانب للقانون: أن تمتع غالبية السياسيين بجنسيات أجنبية قد وفّر لهم حصانة من المسؤولية القانونية، وتمكن الكثير منهم من مغادرة البلاد رغم اتهامهم بجرائم مختلفة كالقتل والاختلاس والسرقة. وجريا على التقسيمات السابقة، فقد غدا تطبيق القانون على المعارضين للنظام الجديد، وانحصر الاتهام الموجه ضدهم ب (الانتماء للبعث) أو (الإرهاب). وبالطبع جرى تزكية الشيعة وتنزيههم من ذلك، بعد التحاقهم بطائفتهم وفقا لتوجيهات المراجع الدينية الشيعية التي أفتت بجواز معاونة الكافر على المسلم الظالم في نيسان 2003. وهذا وجدنا العناصر الشيعية البعثية تتبوأ أعلى المناصب، حتى أن المشرف على رسالة الماجستير لشقيق صدام حسين (سبعاوي) قد عيّن وكيلا لوزارة الخارجية رغم إحالته على التقاعد قبل الاحتلال بسنوات. ورفض تطبيق قانون احتساب فترة ممارسة المحاماة للدبلوماسيين الصادر عن البرلمان العراقي عام 2007 بحجة انه سيمنح درجات عليا للكثير من البعثيين. في حين إن الكثير من أعضاء البرلمان والقادة العسكريين الشيعة كانوا بعثيين في النظام السابق. وما جرى بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي عام 2011 خير مثال على التطبيق الأحادي للقانون.



10.الاستخدام السيء للدين: مازال الدين في العراق يلعب دورا كبيرا وخطيرا في حياة الشعب العراقي. وقد وجد السياسيون ضالتهم فيه، فجرى توجيهه الوجهة التي تخدم مصالحهم. كما أن المؤسسة الدينية قد وجدت مجالا كبيرا للتدخل في السياسة العامة، لذا فالمشهد العراقي ملئ برجال الدين من كل الطوائف وهم يمارسون السياسة بطريقة غير علمية.  فعلى سبيل المثال، زار سفارة العراق في جنيف وفد من البرلمانيين العراقيين، وأثناء الحديث قال أحدهم لي بعد أن عرف بعملي ممثلا للعراق في الأمم المتحدة فقال: يا أستاذ أريد أن تتقدم على جميع الدبلوماسيين في الأمم المتحدة وحتى في إلقاء الكلمة، لأننا نتقدم عليهم إنسانيا والهيا. وشع يشرح قائلا: إنسانياً لان أدم أبو البشرية قد وُلِد في العراق، والهياً، لأن الإمام الغائب المهدي المنتظر سيظهر على ارض العراق. ومن المؤكد إن هذا البرلماني من أصول دينية لا يعلم أسلوب ونظام إلقاء الكلمة والبيانات في الأمم المتحدة، وهكذا الأخرون. وقد رأينا، حتى أثناء الأزمة الأخيرة إن الدين والمؤسسة الدينية تسيّدا الموقف لمعالجة التدهور الأمني، والأخير أخطر من الأول. وقد يقود إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.



11.استشراء الفساد: إن ملف الفساد في العراق يدمي القلب، والتقديرات الأولية لحجم الفساد وهدر أموال الدولة والثروة القومية بلغت أرقاما فلكية قدرتها بعض المصادر ب (تريليون وأربعمئة مليار دولار) خلال 11 سنة الماضية. وهكذا فقد سعى الجميع نحو جمع الثروات بأية وسيلة. بدأها الأمريكان بعقود هاليبرتون، وسار على نهجها الأخرون. وقضية الفساد في صفقة الأسلحة الروسية عام 2012، وقضية عقود وزارة الكهرباء بلغت 40 مليار دولار، ومازال وزير الكهرباء هاربا في الولايات المتحدة، وعقود إعادة إعمار وزارة الخارجية عام 2009، ومصاريف القمة العربية عام 2012، وغيرها الكثير الكثير. لا بل إن كاتب هذه السطور كان ضحية كشف أحد عقود الفساد في وزارة الخارجية عام 2013.



تساؤل في غير محله:

وبعد كل هذا التخريب، هل يستغرب الدمار؟ ولماذا يتساءل سياسيو العراق من أين جاء هذا الدمار. إن هذا تساؤل في غير محله، لابل إن قيام دولة وفق هذه الظروف والمعطيات امر شبه مستحيل. فما من دولة تستطيع الوقوف على قدميها في ظل كل هذه العوامل الهدامة. وربما يكون هذا هو القصد الخفي من تحرير العراق.  ومما يدعو للاستغراب إن معظم سياسيي اليوم هم ممن أقام في الخارج وشهدوا حرص تلك الدول ومواطنيها على مصالح دولهم وحفظ أموال بلدانهم حتى لو كانت ضئيلة جدا لابل إن بعضهم يدفعك دفعا لشراء تذكرة باص، في حين تصرفوا في العراق عكس ذلك تماما. فهل هكذا تقام الدول؟ بالتأكيد إن الدول لا تقام بالخيانة والسرقة، بل بالإخلاص والوطنية. وستخبرنا الأيام القادمة بقناعة قالتها العرب قديما فمهما طال زمن الخطأ فلن يصّح إلاّ الصحيح.

د. رياض السندي

دكتوراه في القانون الدولي

جنيف – سويسرا

في 7 آب 2014





   


الأحد، 27 أكتوبر 2019

وثيقة أهالي قرقوش إلى لجنة الموصل 1925


وثيقة أهالي قرقوش إلى لجنة الموصل 1925
د . رياض السندي


-    تمهيد
لا تسقط الدول إلا بالظلم. وواحدة من أدهى ممارسات سياسة الدول العظمى هي دفع الحكومات إلى قمع شعوبهم لقيام حالة الظلم التي تشكل دوماً مؤشراً على قرب سقوط الدولة أو الحكومة، في الأقل. وحوادث التاريخ كثيرة في هذا المجال، وأنظمة الحكم في دول الشرق الأوسط زاخرة بالعديد من تلك الحالات.
وهذا ما حدث مع الدولة العثمانية بداية الحرب العظمى عام 1914، فتعاملت مع تطلعات شعوبها بالقسوة والقمع، مما ولَّد الظلم الذي كان سبباً في سقوط الدولة وإنهيارها وتمزقها.
ويكشف لنا وثائق عصبة الأمم الملغاة والمحفوظة ضمن أرشيف الأمم المتحدة، عن خفايا تلك الحالات، وتفاصيلها الكثيرة والمثيرة.
وهذه هي الوثيقة الثالثة ضمن سلسلة وثائق عصبة الأمم التي دأبنا على نشرها مؤخراً. وهي عبارة عن رسالة وجهها أهالي مدينة قرقوش   في أطراف لواء الموصل إلى لجنة عصبة الأمم حول قضية الموصل وتحديد عائديتها، إما لتركيا أو لدولة العراق الحديث، بتاريخ 15 شباط 1925، موقعة من عدد من رجال الدين المسيحيين ووجهاء المدينة. 

-    مضمون الوثيقة
" قد تشرفنا وكتبنا لكم قبلا وطلبنا مواجهتكم وتنازلكم لزيارة قريتنا. والآن نرانا مضطرين لأن ندنو منكم بأحترام وثقة ونعلمكم بأننا ولفيف الذين نتكلم بأسمهم إنما نحن سكان قرية قرقوش القريبة من الموصل وذات الشهرة التاريخية. وإننا من صنف الزراع وأصحاب المواشي. ومن طائفة السريان الكاثوليك ومن القومية العراقية. ونحن نعتقد فيكم حتماً العدل والرحمة لتمثيلكم جمعية عصبة الأمم المحترمة المعروفة كشريعة قويمة ودستور منظم لمهام العالم كله.
بمناسبة وجودكم بيننا مثل حكَم فاحص ومدقق قضية حدود الموصل وما يتعلق بها فمن شأننا أن نرفع إليكم أمرنا معربين عما حلّ بنا من الأضرار في زمن الأتراك وما إحتملناه من جورهم بتوالي الأعوام ولا سيما مدة الحرب 1914-1919 من التعديات التي لا يمكن السكوت عنها بتّةً.
فمع كل خضوعنا لأوامرهم وتحكماتهم الخارجة عن الوسع البشري قد إرتكبوا بحقنا جرائم شتى قد ذُكر بعضها في الجدول المقدم لكم من طيه البالغ 48290 ليرة ذهباً تقاضاها الأتراك بدون رحمة. وقتلوا وأبادوا منا ثلاثين شخصاً ومن جملتهم كاهنين جليلين مع تخريبات أخرى توجب الأسف، حتى أصبحت قريتنا الكبرى المضاهية لمدينة وحاوية من الكنائس فقط نحو السبعة في أشد حالات الاضطراب.
فإليكم يا فخامة الرئيس وإلى لجنتكم الموقرة نرفع شكوى بتألم من مظالم الأتراك ونطلب منكم أن تتنازلوا وتبلغوا رسماً عصبة الأمم المحترمة في جنيف صدى صوتنا الأسيف لتتأمل في مصيرنا وترثي لحالنا وتنصفونا جميعاً بإلزام الأتراك بالتعويض بدل الأموال التي سلبوها والأنفس التي قتلوها منا بسوء نية مجرداً لأننا مسيحيين وعراقيين.
ولا جناح إن قلنا إننا نتعجب كيف إن العالم المتمدن يسكت إلى الآن عن محاكمة الأتراك ومعاقبتهم وتضمينهم ما إقترفوه من الجرائم المدهشة مع الإنسان والكائنات. وعن لزوم أخذهم تحت المراقبة إصلاحاً لنفوسهم غير المنكفة عن السوء.
لعمر الحق إنه لم يسمع قط إن حكومة ما، صنعت برعيتها وأبناءها ما صنعته تركيا مع الأبرياء من الإيقاع والشرور وهذا دليل كافي على إن حكومة الأتراك بعنصريتها التورانية هي غريبة عن هذه الديار ومعادية لعنصريتها العربية وتعمل على إستئصالها. ولا يهمها حياة أو ممات الشعب العراقي، بقاء أو دمار الموصل. ومع ذلك فتبلغ بهم الشجاعة وبالأحرى الجسارة بل ويفسح لهم مجالاً للتشبث بالرجوع ثانيةً إلى هذه البلاد العراقية التي لا حق لهم فيها ولا علاقة طبيعية كانت أو مكتسبة فضلاً عن الذكر الردي وآثار الخراب التي تركوها هنا وإنصرفوا غير مأسوف عليهم. فالتاريخ والعنعنات القومية، واللسان وأدبياته، والعنصرية العربية المنتهية إلينا من الأجداد العظام تردُ تطلباتهم وتُنكر عليهم قولهم. فهذه مقررات المؤتمرات الدولية في مدّة الحرب وبعده مع قواعد ويلسن المعلومة المؤيدة بتصديق وحكم جمعية الأمم نفسها تبطل مدعياتهم وتنبذها بعدما تقرر بالإجماع إن كل أمّة أو شعب ذات قومية عريقة وماضي دولي يحق له الإنسلاخ من حكومة شدّدت عليه الخناق وأعدمتْه التمتع بالحرية والإستفادة من بلاده. وله أن يحيي قوميته ويستعيد حكومته وليستقل في بلاده.
فَمن هو أحقُ منا بذلك نحن الشعب العراقي والتاريخ يشهد والآثار تؤيد بماضياتنا المجيدة. وسيادة دولتنا العربية الراقية المعظمة أجيالاً طوالاً في عهد الخلفاء العباسيين فاتحي الأقطار وممصِّري البلاد.
فماذا يقصد الأتراك من محاولة الرجوع ثانية إلى بلادنا ولا شيء يجمعنا معهم، أهَلْ لكي يكملوا سيئاتهم معنا أو ليواصلوا فينا ضغائنهم ووقائعهم الدموية الوسيفة التي أوقفتها يد الله العادلة وحطمتها بإخراجهم من هنا حاسرين. فنحن نرفض بتاتاً إحتمال ظهورهم بيننا ثانية وتدّخلهم في شؤون بلادنا التي أخذت تتنفس قليلاً بتواريهم عنّا.
ومن جهة أخرى فلا نرضى قَط ولا يجدر أبداً أن ينفصل شيئاً من الموصل ومحيط أقضيتها. لأنه كما إن العراق وضمنه بغداد لا يمكن أن يعيش بدون الموصل. فالموصل يمكنها بتّةً أن تعيش بدون أقضيتها وملحقاتها بما فيها. ولا مندوحة من إسترجاع حدودها القديمة الواسعة المعروفة عند كل جيوغرافي ومؤرخ ذي خبرة وإطلاع الكافلة بصيانة منافعها الطبيعية والإقتصادية والإدارية والسياسية والعسكرية إلخ. وغَني عن البيان إن سكان جبال الموصل هم قوم أكراد لا نسب ولا صلّة لهم مع الأتراك أو للأتراك معهم. ومن قديم الدهور آغاهم مشتركون وتابعون أهل الموصل بإتحاد تام في سائر شؤونهم الاقتصادية والإدارية والإجتماعية. وفوق ذلك فإن فيهم من هم من أصل عربي كالمضري وغيره مثل قبائل المزورية والبروارية فيشهد على نفسه أميرها مفتخراً بأنه من نسل العباسيين.
وبالإفتراض إذا وجد أحد يعود إلى الأتراك فينطبق عليه لا محالة أصول مبادلة السكان الجاري عندهم. فيذهب مِن هنا مَن يريد الإلتحاق بهم ويأتي إلينا من إخواننا الساقطين في بقعتهم وهم يأنون متنهدين من سيطرتهم وشدّة الجفاء وأنواع العذاب الذي يتجرعوه عندهم. فإنهم بلا ريب، إذا ما جرى هذا التبادل مع إخواننا المعتقلين هناك ويمّموا ديارنا فينظر إليهم بصفة من يقدم على حجّ وطني ويكونوا قد أتوا أهلاً ووطئوا سهلاً.
هذا وإن قريتنا قرقوش منذ عرفتْ بقدوم لجنتكم المحترمة يا فخامة الرئيس قد أخذ ينكشف عنها شيئاً من ستر المأتم الذي أنزله عليها الأتراك بتعدياتهم الفظيعة. لأننا كلنا نعتقد بسلامة نواياكم وحسن إستعدادكم بما فيه حفظ بلادنا وصيانة وطننا والرفق بالضعيف ومعاضدة الأقليات نظيرنا التي ما تناقصت ولا قلّت إلا بفتك تلك المظالم. وتأمين حياتنا بعدم السماح لظهور الأتراك مرة أخرى في هذه بلادنا العربية العراقية. وما نحن قاطنوها إلا ساميون عرباً وسرياناً، إسلاماً ومسيحيين يجلّون حكومتهم العراقية ومليكها المعظم ويحترمون الدين ويعبدون الله القادر على كل شيء.
ثم من واجبنا أيضاً أن نعلن بأننا نذكر بالمعروف حكومة بريطانيا العظمى لأنها حافظت على بقية حياتنا وموجوديتنا في تلك الأوقات العصيبة بظهورها بيننا كحليف منقذ ساعة خروج أنفاس الحرب ونجّتنا من القتل العام الذي كان قد هيأه الأتراك. ونشكر لها حسن تعاملها منذ نهاية الحرب إلى حين تشكيل دولتنا العراقية المعظمة. حتى وقد عقدنا معها معاهدة لمدة أربع سنين لفائدة البلاد وعند لزوم الحال فسوف نمدها بقدر الإحتياج. وبهذا كله يبدأ الدور الجديد لحياتنا الاجتماعية والسياسية بحرية الإدارة ورائد الإستقلال حيث نحن الآن مع حكومتنا العربية الجليلة بعناية جلالة مليكنا المعظم بإستراحة تامة وسعادة. ولا نريد تركها أو الإنفصال عنها بوجه من الوجوه لا سمح الله.
وعلى هذا الأمل نتشرف ونقدم لكم يا فخامة الرئيس وبكم إلى اللجنة الموقرة جزيل إحترامنا وعظيم إعتبارنا ونكون لفخامتكم مدى الحيوة.

قرقوش 15 شباط 1925                                                      الداعون الحقيرون
                                                            هيئة الرؤساء الروحانيين ومقدمهم في قرقوش
-    الموقعون على الوثيقة
وقّع على هذه الوثيقة مجموعة من رجال الدين المسيحيين يتقدمهم القس جبرائيل حبش، وخمسة كهنة أخرين يمثلون الرؤساء الروحانيين لأهالي القرية، إلى جانب مختارين لقرقوش هما: سمعان زكو، وعبد الله منصور، بالإضافة إلى (26) أخرين من وجهاء قرقوش وختياريتها، وبذلك يكون العدد الكلي للموقعين على هذا الطلب هو (34) شخصاً. وهم: -
أولا. الرؤساء الروحانيين
1.    القس جبرائيل حبش  – رئيس كهنة قرقوش
2.    القس يوسف دديزا
3.    القس إسحاق موشي
4.    القس منصور دديزا
5.    القس يوسف موساكي
6.    القس إسطيفان سكرية

ثانيا. هيئة الأختيارية، الشيوخ ووجهاء القرية
7.    سمعان زكو – مختار قرية قرقوش
8.    بطرس عبدال
9.    كرومي جبو سكرية
10.     جرجس يوسف قاشا
11.     نوح متي قاشا
12.     داود ددو
13.     حنا ياكو
14.     عبد الله منصور – مختار سريان قديم
15.     يوسف بهنان أوسو
16.     بهنان قس متي
17.     كرومي بهنان فرنسو
18.     باجي دديزا
19.     يعقوب توما
20.     ججو القس يوسف
21.     متي حنا حبش
22.     حنا موما
23.     منصور متي إيو
24.     أبراهيم عبا
25.     بطرس شيتو
26.     عبد المجيد بهنان هدايه
27.     يعقوب متي عولو
28.     جرجس بهنان أوسو
29.     موسى جبو
30.     يعقوب جبو
31.     يعقوب موسى حنونا
32.     كرومي هدايه
33.     سمعان فرنسيس
34.     متوكا سمعو


-    قائمة بأضرار القرية
ضمّت الوثيقة ملحقين لها، تضمن الأول بياناً بالخسائر البشرية التي ألحقها الأتراك بأهالي القرية أثناء الحرب (العظمى) العالمية الأولى 1914-1919، فيما تضمّن الملحق الثاني بياناً بالأضرار المادية وحيوانات النقل والأموال والأرزاق التي أجبرت القرية على دفعها للجيش التركي (الجندرمة) لإدامة الحرب، والتي بلغ إجماليها (48290 ليرة ذهب). وهذا ما سنبحثه بشيء من التفصيل. 

الملحق الأول/الأضرار البشرية
جاء الملحق الأول متضمناً الخسائر البشرية بالإضافة إلى أضرار مادية توثيقاً لبعض لحالات محددة، ونصَّ على ما يلي: 


الملحق الثاني/الأضرار المادية
أما الملحق الثاني المرفق بالشكوى فقد تضمّن بياناً بالأضرار المادية التي ألحقها الأتراك بقرية قرقوس طيلة سنوات الحرب العامة (الكونية) 1914-1919، مع الطلب إلى عصبة الأمم بالسعي لتحصيل تلك الأموال وإلزام الأتراك بتقديم تعويضات مادية وأدبية (معنوية) عن تلك الجنايات والمظالم الفظيعة التي جرت بحقهم. وكما يلي: 

-    تحليل الوثيقة
إن نظرة فاحصة على الوثيقة المذكورة تثير عدد من الملاحظات، وهي: -
1-    إن الوثيقة مكتوبة بلغة عربية فصيحة وبخط يد أنيق.
2-    إن رجال الدين هم في طليعة الموقعين على الطلب، ما لم يكونوا هم من دعا إليها ووجه بتقديمها. وهذا يعطي مؤشراً على مدى نفوذ رجال الدين -على مختلف الأديان- في المجتمع العراقي.
3-    إنها تعرب عن رغبة أهل قرقوش في ضَم الموصل إلى العراق، وبقائهم تحت سلطة المملكة العراقية.
4-    إنها تتضمن وصفاً شاملاً لإنتهاكات الأتراك ومظالمهم تجاه أهالي قرقوش، حيث بلغ مجمع القتلى (30) شخصاً من أهل القرية، بضمنهم إثنين من الكهنة هما: القس يوسف جبو سكرية والقس بهنام خزيمة  ، وثلاثة من المدنيين هما: داود بن يعقوب عيسو وحودي بن فتوحي عيسى، وسمعان بن يوحنا مقدسي شمعون، إلى جانب 25 شخصاً آخرين.
5-    إنها تتضمن جرداً لمعظم الخسائر والأضرار المادية والتي بلغت إجماليها (48,290 ليرة ذهبية)، طالبت الوثيقة عصبة الأمم الشكوى من الأتراك لتعويضهم. وتثير هذه الفقرة بحد ذاتها، جملة من الملاحظات، مثل: -
أ‌-    إن الإدارة الحكومية التركية كانت على قدر كبير من الفساد.
ب‌-    إن الجيش التركي كان يسلب الناس أموالهم وممتلكاتهم، ويفرض عليهم الأتاوات.
ت‌-    إن أفراد مخفر الشرطة التركية (الجندرمة) في قرقوش كانوا مرتشين وفاسدين ويقتلون الناس لأتفه الأسباب، لا بل يأخذون أهالي القرية كلهم بجريرة المذنب.
ث‌-    إن إدارة الجيش التركي كانت تعتمد في تجهيزاتها على أفراد الشعب، فتسلبهم ما يملكونه من حيوانات للتنقل، مثل البغال، وكذلك في توفير العلف لهذه الحيوانات. لذا فإن الخسارة كانت مضاعفة وثقيلة على كاهل الأفراد في ظِل الحكم العثماني.
ج‌-    من الضحك أن أهالي القرية في شكاواهم يطالبون عصبة الأمم بتعويضهم عن الكحول (العرق) الذي إستولى عليه الشرطة من أهالي القرية وشربوه. وهذا يلقي الضوء على واحدة من الممارسات المتناقضة لأنظمة الحكم الديني الإسلامي، والتي نراها واضحة في عراق اليوم في ظِل الحكم الإسلامي.
6. إن طلب أهالي قرقوش، وهم في غالبيتهم من المسيحيين السريان، يفيض بممارسات القمع التي مارستها السلطات العثمانية. وإن ممارسات الدولة العثمانية المذكورة في أعلاه، قد ألحق بها سمعة سيئة، وصلت حد الكره والحقد عليها، وهذا ما أكسب رغبة البريطانيين والعراقيين بالوصاية، في إبقاء الموصل ضمن العراق قبولاً لدى عصبة الأمم والدول الأعضاء فيها، ساعد إلى حد كبير في إتخاذ قرار العصبة الشهير بإلحاق الموصل بدولة العراق الحديث. كما رغب الملك فيصل الأول في دمج ولاية الموصل بالعراق، نظراً لغالبية السكان السنية، وأعتقد أنه بحاجة لها لتحقيق التوازن مع السكان الشيعة.  ولولا ذلك، لكان العراق دولة شيعية منذ قيامها حتى يومنا هذا.
وختاماً، فإن إضطهاد المسيحيين ومعاناتهم زمن الدولة العثمانية، ومناشداتهم الكثيرة، كما تدّل عليها رسائلهم، كان لها الأثر الكبير في بقاء الموصل ضمن دولة العراق.
 ..........................
[1] بخديدا أو بغديدا أو قره قوش (بالسريانية: ܒܓܕܝܕܐ) هي بلدة سريانية تقع في محافظة نينوى شمال العراق على بعد نحو 32 كم جنوب شرق مدينة الموصل و60 كم غرب مدينة أربيل، على الضفة الشرقية لنهر دجلة الذي يشكل مع نهر الخازر المنطقة الجنوبية من سهل نينوى بالقرب من مدينتي نينوى وكالح الأثريتين. تتوسط بخديدا سبع كنائس وعددًا من الأديرة التاريخية والتلال والمناطق الأثرية. في السبعينات من القرن العشرين بدّل اسم بغديدا رسمياً باسم آخر وهو الحمدانية استناداً إلى (الحمدانيون) الذين حكموا الموصل ما بين 890 م. و1004 م. بالرغم من الاختلاف في كتابة كلمة قرة قوش فتكتب أحياناً (قرقوش أو قراقوش) إلاّ أنّه هناك إجماع عام وقناعة ثابتة بأنّها لفظة تركية تعني (الطير الأسود) وأطلقت هذه التسمية أبان حكم الأتراك وهناك من يقول أنّ الزي الأسود الذي كان يرتديه سكان بغديدي من كلا الجنسين آنذاك كانت تسمى بهذا الاسم. أما بغديدا - بخديدا بالسرياني (ܒܓܕܝܕܐ) فهو الاسم السائد استعماله بين أبناء البلدة.  تعتبر البلدة كذلك مركز قضاء الحمدانية أحد الأقضية الخمسة للمحافظة. تمكن العثمانيون من السيطرة على المنطقة في القرن السادس عشر، حيث أصبحت بخديدا جزءا من ولاية الموصل واتسمت هذه الفترة بالهدوء النسبي حتى مجيء الأفشاريون سنة 1743 بقيادة نادر شاه الذي نهب البلدة وأحرق أربع من كنائسها. غير أن معظم سكانها تمكنوا من النجاة بعد أن تحصنوا داخل أسوار الموصل حيث ساهموا في الدفاع عن المدينة. وكمكافأة على صده لهجوم نادر شاه أهدى السلطان العثماني محمود الأول مبلغ 800 قرش لحاكم الموصل حسين باشا الجليلي لكي يشتري بلدة بخديدا بأكملها فلما علم الأهالي بالأمر قرروا هجر البلدة. غير أن حسين باشا أعدل عن الأمر وقرر أن يكتفي بعشر مدخول الأهالي سنويا بدلا من ذلك. من أهم أحداث القرن التاسع عشر مجاعة سنة 1828 أهلكت العديد من سكانها. بانتهاء الحرب العالمية الأولى آلت المنطقة إلى الإمبراطورية البريطانية التي سرعان ما ضمت ولاية الموصل إلى المملكة العراقية المشكلة حديثا. وشهدت السنين التالية معركة قضائية شهيرة بين أيوب الجليلي أحد أحفاد حسين باشا الجليلي وسكان البلدة. حيث ادعى أيوب الجليلي أحقيته بأراضي البلدة استنادا على نظام الإقطاعية السائد آنذاك. تمكنت عائلة الجليلي من ربح القضية في 21 تشرين الثاني 1949، غير أن الأهالي استأنفوا الحكم فأعادت المحكمة العليا في بغداد البلدة لأهاليها 15 آذار 1954 وثبتت محكمة أخرى الحكم نهائيا لصالح الأهالي. في بداية تموز 2014، حاول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) احتلال بغديدا ولكن قامت قوات بيشمركة الكردية وهيئة حراسات بغديدا بردع الهجوم ولكن العوائل لجئت إلى كردستان العراق والمدن المسيحية المجاورة لينظموا إلى بقية اللاجئين المسيحين من الموصل. قامت داعش بقطع الماء عن القرية وباحتلال حقول النفط المجاورة مما أدى إلى انسحاب البيشمركة من المدينة ودخول داعش إليها في اليوم التالي. وبقت بغديدا تحت احتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى 19 أكتوبر 2016 بعد معركة الموصل حيث بدأ بعض أهالي بغديدا الرجوع إليها. وحسب الإحصائية الأخيرة للمنظمات فإن الآشوريين/السريان/الكلدان الذين ينقسمون إلى سريان كاثوليك ويمثلون أكثر من 90% وسريان أرثوذكس 7% بالإضافة لذلك وصل للبلدة مؤخرا أكثر من 15,000 نازح نتيجة العنف في مدن عراقية، وينتمي هؤلاء إلى مختلف الطوائف المسيحية وبخاصة الكلدانية للبلدة مؤخرا أكثر من 15,000 نازح نتيجة العنف في مدن عراقية، وينتمي هؤلاء إلى مختلف الطوائف المسيحية وبخاصة الكلدانية والسريانية الأرثوذكسية وكنيسة المشرق الآشورية. أنظر، بغديدا، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
وكتب عنها المؤرخ عبد الرزاق الحسني، قائلا: ناحية الحمدانية تتألف من 118 قرية، يقطنها زهاء 21,000 نسمة. جلهم أصحاب زرع وضرع، ومركزها قرية "قرقوش" التي تبعد 33 كيلومتراً عن الموصل شرقاً. عبد الرزاق الحسني، العراق قديما وحديثا، ط 3، صيدا 1958، ص 254.

[2] القس جبرائيل حبش (1854-1932) هو أصغر الأبناء لـ يوسف حبش: ولد القس جبرائيل عام 1854 ميلادية وتلقى علومه الدينية على يد الشمامسة والكهنة. تزوج من مريم بهنام ياكو وفي عام 1888 تمت رسامته كاهنا بوضع يد المطران (قورلس بهنام بني) أيضا البطريرك فيما بعد

وبما أن رئاسة الكهنة والشعب كانت كلها تابعة للسلطة الدينية لذلك إستلم الرئاسة في عام 1906 وذلك بعد فترة من وفاة القس ميخائيل القس موسى. (في فترة رئاسته تم إنشاء نظام الحراسات في البلدة) وبذلك احتفظ القس جبرائيل برئاسة الكهنة والشعب وأصبح يدير شؤون البلدة بالتعاون مع المختار ووجهاء البلدة من الشخصيات التي كانت معروفة آنذاك حتى وفاته في الرابع من آب 1932هو ابن يوسف حبش وأخو القس يعقوب. ولد في قره قوش عام 1854. سيم كاهنا في كانون الأول عام 1888. وخدم الرعية في قره قوش مدة اثنتين وخمسين سنة، قضى 35 سنة منها في رئاسة الكهنة والشعب. وقد امتاز بدماثة الأخلاق وطول البال والعدالة في قضائه. توفاه الله في 4 آب 1930 في شيخوخة موقرة. أنظر، كتاب (تاريخ وسير) للمطران ميخائيل الجميل.

[3] القس اسحق موشي هو ابن شمعون موشي (وهو جد راعي الأبرشية سيادة المطران مار يوحنا بطرس موشي والقس إسطيفان بن حنا زكريا) ولد في قره قوش عام 1879 وتعلم في مدرستها وتربى في العلم على يد عمه القس توما بن متي بن بولس بن القس متي موشي جد السيدة أمينة والدة المطران ميخائيل الجميل. إستعد للكهنوت في القصادة الرسولية بالموصل مدة عدة أشهر وسيم كاهنا في 15 أيار 1915 بوضع يد المطران بطرس هبرا.. أبدى نشاطا أجتماعيا وفكريا ملحوظا، وكان في الحرب العالمية الأولى مستشارا في الهيئة الاختيارية فأنقذ قره قوش بذكائه من الدمار المحتوم حين أحاطت بها مدافع القوات العثمانية عام 1918. كما أبدى همة منقطعة النظير في دعوى الأراضي بين الجليليين وأهالي قرقوش

في سنة 1950 انكسرت احدى ساقيه بالموصل وهو يتعقب قضية الأراضي المذكورة لدى المحاكم، فلازم داره حتى توفاه الله في 14 كانون الثاني 1968. موقع بغديدا هذا اليوم، الرابط: https://www.facebook.com/Baghdida.Life/

[4] رُسِم كاهنا في دير الشرفة عام 1910. أنظر، إحصاء الكهنة المتخرجين من إكليريكية الشرفة في جبل لبنان. مجلة رابطة الشرفة، الرابط:

http://alshurfeh-mag.com/احصاء-الكهنة-المتخرجين-من-اكليريكية-ا/ وتُعد إكليريكية دير الشرفة أم جميع الإكليريكيات وأقدمها في جبل لبنان. وقد أسسها البطريرك مار أغناطيوس ميخائيل الثالث سنة 1786 وافتتحها لقبول التلامذة في 14 أيلول 1787. تخرج منها حتى الآن 267 كاهناً.

[5] هو القس بهنام خزيمة من الموصل، رُسِم كاهنا بتاريخ 22 تموز 1906 في دير الشرفة – لبنان.

[6] مشكلة الموصل، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
-W2W8QmhZOFZTdkR3U0JKNDE4SjV0UVhqS1JiZDg4/view?usp=drivesdk

الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...