السبت، 2 نوفمبر 2019

شيعة العراق بين الإحتلالين البريطاني والأمريكي 1914-2017


شيعة العراق بين الإحتلالين البريطاني والأمريكي 

1914-2017 


د. رياض السندي


 القسم الأول-الشيعة والإحتلال البريطاني (1914-1958)

مع بدء الحرب العالمية الأولى في أكتوبر / تشرين الأول عام 1914م، أنزلت حكومة الهند البريطانية الشرقية جيشا مؤلفا من عدد من فيالق من خليط من بريطانيين وهنود بما سمّوا بجيش الليفي، حيث وطئت أرض أول جندي هندي بريطاني منطقة رأس الخليج العربي بين الكويت والبصرة، وبعد حوالي شهرين تمكنت القوات البريطانية من سيطرتها على البصرة بإسناد من الشركات التجارية البريطانية – الهندية ومجموعة الجواسيس العاملين في القنصليات البريطانية، إلا أن القوات الغازية منيت بخسائر منكرة على يد القوات العثمانية في معركة الشعيبة في أبريل / نيسان 1915م. إلا أن ثقل أعباء الحرب في الجبهتين الشرقية في أذربيجان وشرق الأناضول والغربية في البلقان وانهيار بعض الجبهات الألمانية وانسحاب روسيا من الحرب في أعقاب الثورة البلشفية الشيوعية أدت إلى تقهقر القوات العثمانية مما شجع القوات البريطانية على دخول صعب لمشارف لبغداد في مارس / آذار عام 1917م، والوصول إلى مشارف كركوك في أغسطس/ آب 1918م، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الفيلق السادس العثماني، إلا أنها توقفت إلى هذا الحد من التقدم.[1]



-         بريطانيا تصطدم بالجهاد الشيعي

أصطدمت بريطانيا في العراق بما لم يكن في الحسبان، بمشكلة خطيرة جداً عرقلت عليها خططها، ألا وهي مشكلة الجهاد.

فالجهاد ركن من أركان الإسلام، وبهذا فهو فريضة على كل مسلم. ويختلف السُنّة عن الشيعة بهذا الصدد في أن ليس لهم مرجع محدد يلجأون إليه لإستصدار فتوى الجهاد، ونظراً لكثرة السنة وتوزعهم على دول مختلفة، فقد وجدت لهم مراجع محلية عديدة يصعب جمعهم وإتفاقهم على رأي واحد. أما الشيعة ويمكن إعتبارهم أقلية إسلامية فإنهم يتركزون في العراق وإيران، ولكنهم يخضعون لمرجع واحد هو المرجع الشيعي الأعلى في النجف. و" في بدايات القرن التاسع عشر ظهرت مسألة التقليد حيث "أصبح نظام الاجتهاد الشيعي يحتم على كل فرد أن يقلد في أحكامه الشرعية أحد المجتهدين.. وصار الناس في المجتمع الشيعي يرجعون الى المجتهدين في مختلف أمورهم الدينية والدنيوية". [2]

ولما كان العراق جزءا من الدولة العثمانية التي قررت الدخول في الحرب الكونية، كما سميت آنذاك وقبل ظهور الحرب العالمية الثانية، ليبدأ تسلسل الحروب العالمية، دخلت تركيا الحرب الى جانب ألمانيا في تشرين الثاني 1914. ففي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر عام 1914، أطلقت سفن حربية تركية النار على موانئ روسية، ما شكّل بداية مشاركة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ورغم أنها كانت ضعيفة من الناحية العسكرية، إلا أن السلطان محمد الخامس العثماني، باعتباره كان يحمل لقب خليفة المسلمين آنذاك، اعتمد على سلاح ديني، فقد ناشد جميع المسلمين الذين كانوا يعانون من السيطرة الفرنسية أو البريطانية أو الروسية أن يعلنوا الجهاد على محتليهم من الكفار. [3] ولم يمض على دخول تركيا الحرب سوى أيام معدودة حتى أعلن فيها "الجهاد" لحرب الكفار. ففي 7 تشرين الثاني 1914 أصدر خيري أفندي شيخ الإسلام فتوى ذكر فيها أن الجهاد فرض عين على جميع المسلمين في البلاد العثمانية وخارجها. وكعادة المسلمين في نعت من يقف الى جانبهم بنعوت دينية إسلامية، ولهذا صار القيصر يُعرَف بين المسلمين ب "الحاج غليوم" تارة، و"محمد غليوم" تارة أخرى. [4]

وقد أدرك الأتراك أهمية ذلك، فطلبوا من مراجع الشيعة إعلان الجهاد ضد البريطانيين عند نزولهم في البصرة بتاريخ 1/10/1914. وقد أسرع علماء الدين الشيعة إلى إعلان الجهاد فور تعرض العراق لهجوم القوات البريطانية.



بدأت حركة الجهاد الشيعي في العراق في 9 تشرين الثاني 1914 عندما كانت البصرة مهددة بخطر الغزو الإنكليزي... وأهم ما كان يخالج ذهن الحكومة يومذاك هو كيف يمكن تحريض الشيعة للانضمام الى حركة الجهاد... وفي 16 كانون الأول 1914 صعد كبير المجتهدين الشيعة السيد كاظم اليزدي المنبر في صحن النجف وخطب في الناس حاثاً لهم على الدفاع عن البلاد الإسلامية. [5] 

وإلتحقت بقية الحواضر الشيعية في العراق بحركة الجهاد. ففي الكاظمية أصدر الشيخ مهدي الخالصي رسالة بعنوان "الحسام البتار في جهاد الكفار" نشرتها جريدة صدى الإسلام على حلقات متتالية. وخطب السيد مهدي الحيدري في 19 تشرين الثاني 1914 في مجموعة من شباب الكاظمية يحثهم على الخروج للجهاد. [6]



ورغم تقدم البريطانيين في جبهات القتال "لكنّ موقف علماء النجف لم يتغيّر، فقد واصلوا نهجهم في الدفاع عن بلاد المسلمين، ضد الغزو الاستعماري البريطاني، وكرّروا دعوتهم للجهاد ثانية في تشرين الثاني ١٩١٥م، محرّم ١٣٣٤هـ، وذلك استجابة لطلب الدولة العثمانية، وقد جعلت الحكومة العثمانية هذه الدعوة ذات طابع شيعي، بعدما اكتشفت قوّة التفاعل الشيعي في النشاط الجهادي المسلّح ضد الغزو البريطاني، فجعلت شعارها (العلم الحيدري الشريف) وأخذت تبثّ أخبارها في المدن الشيعية". [7]



لم ينجح إسلوب الفوضى الإسلامية في التجنيد إعتماداً على العاطفة الدينية أمام التخطيط العسكري البريطاني المعتمد على الدهاء السياسي، فإحتل البريطانيون القرنة وتقدموا شيئاً فشيئاً نحو البصرة فبغداد التي دخلتها القوات البريطانية بقيادة الجنرال ستانلي مود في 11 آذار 1917. وبالمقابل تقهقر العثمانيون شيئاً فشيئاً وصولاً الى الموصل.



لقد كان الوازع الديني هو الذي حرّك الشيعة المختلفين مع العثمانيين مذهبياً، والأكراد، الذين إنضموا لهم سريعاً. في حين كان السُنّة، الذين يفترض وقوفهم إلى جانب العثمانيين لإرتباطهم معهم مذهبياً، أكثر حكمةَ ودهاءاً وأقل إندفاعاً في محاربة البريطانيين الذين توسموا فيهم الواقعية السياسية.



-         تفضيل بريطانيا لسُنّة العراق

وبعد إحتلال العراق سعى البريطانيون لإثارة الصراع المذهبي السني-الشيعي، بعد أن شعر البريطانيون بأن الثورة العراقية الكبرى لعام 1920، والمعروفة بثورة العشرين، قد كان شيعة العراق أول من أشعل شرارتها وتحملّ أعباءها. وهذا ما دفع البريطانيون الى تفضيل السُنّة لحكم البلاد. وبَعْدَ أَنْ عُقِدَ مُؤْتَمَرُ الْقَاهِرَةُ عَامَ 1920 م عَلَى أَثَرِ ثَوْرَةِ الْعِشْرِينَ فِي الْعِرَاقِ ضِدَّ الْاحْتِلَالِ الْبَرِيطَانِيِّ وَضِدَّ سِيَاسَةِ تَهْنِيدِ الْعِرَاقِ، أَصْدَرَ الْمَنْدُوبُ السَّامِيِّ الْبَرِيطَانِيِّ بيرسي كوكس أَوَامِرَهُ بِتَشْكِيلِ حُكُومَةٍ وَطَنِيَّةٍ عِرَاقِيَّةٍ انْتِقَالِيَّةٍ بِرِئَاسَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكيلَانِيِّ النَّقِيبِ، (وهُو فِي السابعة والسَبعين مِنْ عُمره)، وَتَشْكِيلِ الْمَجْلِسِ التَّأْسِيسِيِّ الَّذِي تَوَلَّى مِنْ ضِمْنِ الْعَدِيدِ مِنَ الْمَهَامِ انْتِخَابَ مَلِكٍ عَلَى عَرْشِ الْعِرَاقِ، وَتَشْكِيلَ الْوِزَارَاتِ وَالْمُؤَسَّسَاتِ وَالدَّوَائِرِ الْعِرَاقِيَّةِ، وَاخْتِيَارَ السَّاسَةِ الْعِرَاقِيِّينَ لِتَوَلِّي الْمَهَامِّ الْحُكُومِيِّةِ.



وتكشف رسائل المس بيل سكرتيرة دار الاعتماد البريطاني في العراق للفترة من (1917-1926) نظرة البريطانيين الى المسألة الطائفية في العراق، ونبذهم لشيعة العراق، وأخيراً تشكيل حكومة مؤلفة من السُنّة، وتسليم السلطة في الدولة الفتية إليهم.

ويتضح من قراءة ما بين سطور هذه الرسائل التاريخية الهامّة، إن البريطانيين قد قرّروا تفضيل الطائفة السُنيّة على الطائفة الشيعية في عام 1920، عقاباً للشيعة وتأديباً لهم على ثورتهم ضد الاحتلال البريطاني للعراق، بالإضافة الى أمور أخرى وجدها البريطانيون والملك فيصل سيئة عندهم.



"وإثر ثورة عشائر الفرات في العراق عقد ونستن تشرشل مؤتمرا في القاهرة وكانت المس بيل الوحيدة بين الرجال وفي الاجتماع تقرر تعيين الأمير فيصل الهاشمي ملكاً على العراق بعد إخراجه من عرش سوريا وبتأييد من لورنس المعروف آنذاك.

لقد كانت المرأة الوحيدة بين 39 رجلا اختارهم وزير المستعمرات ونستون تشرشل للمشاركة في مؤتمر في القاهرة عام 1921 حول مستقبل بلاد ما بين النهرين. وعندما قامت ثورة الشيعة في جنوب العراق التي أودت بحياة ثمانية آلاف بريطاني اقتنعت السيدة خاتون أن الإدارة البريطانية المباشرة ستكون مكلفة ومن الأفضل السعي إلى إقامة سلطة عراقية تعتمد على عناصر من النخبة في البلاد. وهذا ما حصل، وتبين أن الشيعة الذين كانوا رأس حربة الثورة العراقية على الانتداب البريطاني لم يحصلوا على أي مكسب سياسي، فقد فضل البريطانيون الاعتماد على الموظفين الذين كانوا قائمين في العهد العثماني وهم بالطبع من السنة لإقامة الدولة الجديدة الناشئة. وتعتبر الآنسة بيل أن "السلطة يجب أن تكون بأيدي السنة رغم قلة عددهم لأن تسلم الشيعة يعني قيام سلطة دينية." [8]



ويبدو إن البريطانيين قد لعبوا على وتر الطائفية الحساس، وتمكّنوا من خلال المندوب السامي البريطاني الجديد بيرسي كوكس في إقناع عبد الرحمن الكيلاني نقيب أشراف بغداد من توليته رئاسة الحكومة المؤقتة بعد تهديده بتسليم الحكم الى الطائفة الشيعية في العراق حال إصراره على رفض تولّي المنصب وهو شيخ قارب الثمانين من عمره، وقد أمضى معظم حياته في ظِل الدولة العثمانية موالياً للخلافة العثمانية كمرجع ديني أعلى للطائفة السنّة في العراق. ومن المؤكد إنه كان ينظر للبريطانيين على إنهم "كفار" أسوة بغالبية العراقيين، إلا إنه وبعد مفاوضات شاقّة معه، بدأت منذ 20 حزيران ولغاية 24 تشرين الأول 1920، وافق على رئاسة الحكومة الوطنية المؤقتة في العراق. وتصف المس غيرترود بيل السكرتيرة الشرقية لدار الإعتماد البريطاني في العراق تلك الجهود عبر عدد من رسائلها، ففي رسالتها الى والدها المؤرخة بتاريخ 24 تشرين الأول 1920، تذكر المس بيل ظروف تشكيل الحكومة المؤقتة في العراق بعد إنسحاب العثمانيين، بقولها: " قلت له أن من واجبه كفرد وكوطني أن يساعد على تأسيس أي شكل من أشكال المؤسسات العربية في العراق، وإنه إذا مضى هو والآخرون قدما بجرأة معتمدين على تأييدنا فإنهم سيسكتون كل نقد. ولا أدري هل صدقني أم لم يصدقني. إن جعفر هو أول عراقي يعود من سوريا، وعلى موقفه سيتوقف الشيء الكثير.

ثم جاء السيد حسين أفنان وما كدت أشرع في حديث قلب لقلب معه، بشأن بعض مقالات افتتاحية ينوي نشرها في صحيفته، حتى دخل المستر فلبي وآخرون ثم السر برسي ثم ما لبث الجميع أن خرجوا ماعدا المستر فلبي. فأقبلنا على السر برسي وقد انبهرت أنفاسنا تشوقا وتطلعا، فقال – لقد وافق – وكان قد جاء رأسا من عند النقيب، الذي وافق على تشكيل حكومة مؤقتة.. إذن فقد حققنا نجاحنا الأول، وما كان غير برسي بقادر على تحقيقه. بل أن استطاعته حتى هو على حمل النقيب على المساهمة في الشؤون العامة لم تكن بأقل من معجزة. ولم يكن ابتهاج السر برسي وانشراحه ليعدله شيء إلا ابتهاجنا نحن وانشراحنا ولقد جلسنا نصف ساعة نكاد نتوثب طربا ونحن نمجد النقيب تارة والسر برسي تارة أخرى".[9]  وهنا يثور التساؤل: كيف إستطاع برسي كوكس إقناع عبد الرحمن النقيب، وهو شيخ سبعيني، بتشكيل حكومة تحت الاحتلال البريطاني؟



-         الحيلة البريطانية لإقناع السُنّة بالحكم

ففي رسالة لاحقة بتاريخ 1 تشرين الثاني 1920، تذكر المس بيل خبر إقناع عبد الرحمن الكيلاني نقيب أشراف بغداد عن السُنّة، فتقول: " وفي صباح الأربعاء كان كل شيء فيما يبدو على ما يرام.. وفي العصر جاء الميجر يتس مع تود وزوجته وقد فاجأنا المستر تود بأنه قد زار ساسون أفندي لتهنئته بمنصب وزير المالية، فوجده مع حمدي باشا بابان – الذي كان عرض عليه منصب وزير بلا وزارة – ووجدهما معا على أهبة الرد بالرفض. عندئذ تركت كوب الشاي دون أن أشربه وهرعت الى الديوان لأخبر المستر فلبي بالأمر. فلم أجده هناك. ولكني وجدت ضوءا في غرفة السر برسي. فدخلت عليه وأخبرته فكلفني بالذهاب حالا الى ساسون أفندي، وحمله على تغيير رأيه.

فخرجت وأنا أشعر كأن مستقبل العراق كله قد اجتمع في يدي. ولكن حين بلغت دار ساسون أفندي، تنفست الصعداء إذ وجدت المستر فلبي والكابتن كلايتن قد سبقاني إليه. وكان النقيب قد إستلم رسالة ساسون، فأرسل المستر فيلبي إليه بأقصى السرعة، على أني وصلت في اللحظة الحرجة، وفي الوقت المناسب وكان قلبي وكلايتن قد استنفذا كل ما عندهما من حجج وظل ساسون مع ذلك عند قراره. واعتقد إن قلقي العظيم قد ألهمني، إذ بعد ساعة من الإلحاح المركز ظهر عليه بوضوح أنه قد تزعزع عن موقفه، فبالرغم من أن أخاه شاؤول – الذي أكن له الإعجاب والاحترام هو أيضا – قد بذل ما في وسعه ضد مسعانا – وأخيرا حملنا ساسون أفندي على أن يعيد النظر في موقفه وأن يرى السر برسي في اليوم التالي، وقد كان عندي اقتناع داخلي بأننا كسبنا الموقف. من أسباب ذلك ماكنت أنا شخصيا قد أقمته من علائق الثقة والاعتماد مع ساسون. على أن أحدا منا ما كان واثقا بالنتيجة.

ولم أنم كثيرا في تلك الليلة.. لقد ذهبت أقلب في ذهني الحجج التي أدليت بها وأتساءل عما إذا كان لم يكن في وسعي أن أدلي بخير منها.

وفي صباح اليوم التالي – وهو الثلاثاء – جاءني ساسون أفندي في الساعة العاشرة فذهبت به رأسا الى السر برسي وتركتهما معا. وبعد نصف ساعة عاد فأخبرني بأنه قد وافق. ثم سألني عما يستطيع فعله في سبيل مساعدتنا في مهمتنا، فأرسلته الى النقيب رأسا وكان نقيب بغداد هو أيضا قد رفض الاشتراك في الوزارة. وكان من الضروري حمله على قبول الاشتراك في الوزارة والشكوك التي تساوره. ثم تباحثنا في كيفية اكتساب المتطرفين وقد أكدت له أن اكتسابهم هو أهم ما يرغب فيه السر برسي. فسألني – وقد تشجع – عما إذا كان يستطيع أن يتحدث الى السر برسي فأخذته في الحال الى السر برسي وتركتهما معا وأنا مقتنعة بأن السر برسي هو خير من يشرح سياسته.

وفي صباح يوم السبت، ذهبت أنا والمستر فلبي الى النقيب، وكان المستر فلبي هو الواسطة بينه وبين السر برسي وقد قام بهذه المهمة على أحسن ما يرام.."



وهنا تقول المس بيل أنهما وجدا النقيب طلق الوجه مشرق الأسارير ووجداه عازما كل العزم على أن يكون هو دون سواه على رأس الوزارة أو "مجلس الوزراء" وأنه بعث الى المعتمد البريطاني برسالة فحواها أ، تكون هي – أي المس بيل – الواسطة بينهما في أي وقت يتعذر فيه على المستر فلبي القيام بذلك.

ثم تقول إنها أقامت في المساء مأدبة عشاء لجعفر العسكري وساسون أفندي وعبد المجيد الشاوي رئيس البلدية ودعت إليها المستر فلبي والكابتن كلايتن والميجر مري وكان غرضها من المأدبة تحقيق الإتصال بين الثلاثة الأولين. وتقول إن جعفر العسكري طالب – بلغة مؤثرة – تسوية التحقيق مع العشائر الثائرة.. وقد ارتأى ساسون أفندي أن يشرك النقيب معه في مجلس الوزراء، أحد زعماء كربلاء أو النجف.

إن المس بيل ساخطة على الشيعة وزعمائهم بسبب واحد هو ثورة العشائر ورفض أغلب علماء الشيعة – في ذلك الوقت – "التفاهم" مع الإنكليز كما سنرى بعد هذا بقليل.

وبعد العشاء تكلم المجتمعون عما كان يسمى – بالجيش العربي – فتساءل جعفر العسكري عن الطريقة التي يستطيع بها جمع المتطوعين لأن شروط الانتداب تمنع من التجنيد الإجباري. ثم تحدث عن زيارته للكاظمين واجتماعه بعلماء الدين فيها وعن رفضهم التعاون مع حكومة النقيب وإصرارهم على أن تكون الحكومة ينتخبها الشعب وأن لا فائدة ترجى من أي وضع آخر".

وتقول المس بيل بعد ذلك إنها ذهبت مع الكابتن كلايتن الى دار السيد شكري الآلوسي لتناول الشاي وان مما يدعو الى عظيم فخرها ان بابه مفتوح لها في كل وقت. وتختم رسالتها بقولها أن مجلس الدولة – أو مجلس الوزراء - سيجتمع غدا.



-         أسباب إستبعاد بريطانيا لشيعة العراق

ولغرض إكتمال الصورة وشمول الفكرة لدى القارئ فإننا نعرض أسباب إختيار سلطات الاحتلال لبريطاني في العراق للسُنّة وتفضيلهم على الشيعة في حكم العراق، وذلك من خلال البحث والتدقيق في رسائل المس بيل ذاتها التي كانت الشخصية الرئيسية الفعالة في نقل الصورة لحكومتها في بريطانيا، وتأثيرها الكبير عليها من خلال ما تتوصل إليه من إستنتاجات وما تتضمن رسائلها وتقاريرها من إقتراحات حول شكل الحكومة المؤقتة المزمع إقامتها في العراق كأول حكومة منذ نهاية العصر العباسي وسقوط بغداد عاصمة الخلافة العربية على أيدي المغول عام 1258م قبل ما يقارب سبعة قرون، وتحديداً 668 سنة. وقد زاد عبد الرحمن الكيلاني صورة الشيعة قتامةً لدى البريطانيين عندما تحدث إلى المس بيل قائلاً: "خاتون، أن أمتكم أمة عظيمة وثرية قوية، فأين قوتنا نحن؟ وإنني إذ أقول مثل هذا القول أريد أن يدوم حكم الإنكليز، فإذا أمتنع الإنكليز عن حكمنا فيكف أجبرهم على ذلك؟ ... وإنني أعترف بانتصاركم، وأنتم الحكام وأنا المحكوم.... ". ثم تطرق إلى الشيعة فأخذ يذمهم ذماً قبيحاً إذ قال: "إن أبرز صفة تميِّزهم هي الخفة، فهم أنفسهم قتلوا الحسين الذين يعبدونه الآن كما يعبدون الله. فالتقلب والوثنية تجتمعان فيهم فإياك أن تعتمدي عليهم". [10]

ومن جملة هذه الأسباب: -

1.     عدم وجود طبقة مثقفة من الشيعة آنذاك:

ففي رسالتها المؤرخة 12 شباط 1920 تقول المس بيل "إن الشيء المهم هو كيفية حماية سكان الريف وأبناء القبائل من البغداديين الذين لا يعرفون شيئاً عنهم ولا يعبأون لهم. لأن الموظفين العرب كما تلاحظونهم، ويجب أن يكونوا دوماً من البغداديين السنة، بسبب عدم وجود طبقة مثقفة أخرى في البلاد. والعشائر (ومعظمها من الشيعة على ما تذكرون) تكرههم". [11] وعلينا أن نتذكر أن التعليم في العراق " بدأ بالتراخي النسبي بعد قيام النظام الجمهوري عام 1958 حين منح الزعيم عبد الكريم قاسم كل طلبة العراق عاما دراسيا كاملا دون امتحانات أطلق عليه «الزحف».[12] وقد إعترض على هذا القرار عبد السلام عارف بسبب أنه سيؤدي إلى تدهور التعليم في العراق، إلاّ أن عبد الكريم أسكته بالقول: وما هي شهادتك أنت؟ مشيراً إلى شهادته.

2.     عدم وجود طريقة للاتصال بالشيعة:

ففي رسالتها المؤرخة 14 آذار 1920، كتبت بيل تقول "... من الصعب أن تجد هنا طريقة للاتصال بالشيعة، ولا أقصد بهذا العشائر من سكان البلاد لأننا على وئام تام معهم جميعاً، وإنما أقصد سكان المدن المقدسة الورعين العابسين، ولا سيّما رؤساء الدين "المجتهدين" الذين في مقدورهم أن يحلوا ويعقدوا بكلمة واحدة، نظراً لما يتمتعوا به من سلطة تستند الى اطلاعهم التام على العلم المتكدس الذي لا علاقة له بشؤون الأنسان، ولا قيمة له في أي فرع من فروع الحياة البشرية. إنهم يجلسون هناك في جو يزخر بمعالم القِدم، ويكتسي بكساء سميك من غبار الأجيال بحيث لا تستبين عيناك شيئاً من خلاله -ولا يمكن لأعينهم أن تفعل ذلك أيضاً. وهم على الأغلب شديدو العداء لنا، إنه شعور لا يمكن تغييره لأنه من الصعب علينا الإتصال بهم". [13]


في رسالتها المؤرخة 3 تشرين الأول 1920، تقول "قد تكون مشكلة الشيعة أخطر المشاكل وأشدها إزعاجاً في هذه البلاد. فقال عبد المجيد (الشاوي) (وماذا ستفعلون إذا ما أصدر المجتهد الأكبر، وصوته صوت الله، فتوى يحرم فيها على الشيعة الجلوس في المجلس التشريعي؟) ... إن العلاج الناجح لذلك هو نفس العلاج الذي توصلت إليه إيطاليا بمرور الزمن. إذ ينتهي البابا والمجتهد بإعتبارهما هَرِمين سخيفين. لكن لم تصل بعد الى تلك المرحلة هنا." [14]  وحول هذه النقطة تدور المس بيل ثانية فتقول في موضع آخر من ذات الرسالة: "إذا كنت ستشكل أي شيء من قبيل المؤسسات النيابية الحقيقية، فإنك ستحصل على أكثرية شيعية فيها ... على إن السلطة يجب أن تكون بأيدي السنة، برغم أقليتهم العددية، وإلا ستكون عندك دولة يسيرها المجتهد، وهو أمر خبيث جداً." [15] 

وبالفعل، "وفي خطوة ثورية جديدة، أصدر الإمام الشيرازي في رجب 1338ه /آذار 1920م فتوى حرّم فيها الدخول في وظائف الدولة، فعمّت موجة الإستقالات من الوظائف الحكومية إمتثالاً لموقف المرجعية، وأصبح البقاء في أجهزة الدولة نوعاً من الإنخراط في الكفر". [16]

4.     معظم قادة الشيعة إيرانيون[17] ولا يبالون بالمصلحة العامة:

 في رسالة مؤرخة 1 تشرين الثاني 1920 كتبت المس بيل تقول: "يحسن بالنقيب، كما قال ساسون بحق، أن يضم أحد رجال كربلاء والنجف البارزين الى عضوية مجلس الوزراء لكن إحدى الصعوبات هي إن جميع رجال الشيعة البارزين في المدن، أو كلهم تقريباً، هم من رعايا إيران ويجب أن يحملوا على التجنس بالجنسية العراقية قبل أن يتمكنوا من إشغال الوظائف العامة الرسمية في الدولة". [18]

 وفي رسالتها بتاريخ 2 تشرين الثاني 1920 تقول بيل "فالشيعة يشكون من إنهم غير ممثلين تمثيلاً كافياً في المجلس (التأسيسي) وهم بهذا يتغاضون بالكليّة عن إن قادتهم كلهم تقريباً رعايا إيرانيون، وعليهم أن يغيروا جنسيتهم قبل أن يتبوأوا المناصب في الدولة العراقية. إنهم أصعب العناصر إنقياداً في البلاد، وهم كلهم متذمرون مستاءون تقريباً، ولا يبالون بالمصلحة العامة بالمرة." [19]

وفي رسالة ثالثة بتاريخ 7 تشرين الثاني 1920، كتبت تقول: "والشيعة، كما بيّنت في مناسبات عديدة من قبل، يكوّنون مشكلة من أعظم المشاكل ... إن رجالهم المتقدمين في المجتمع من العلماء وأسرهم كلهم من رعايا إيران. وقد وجدت إن أحسن حجّة أتذرع بها، عندما يأتي إليّ بعض الناس شاكين من إن فلاناً أو فلاناً لم يدخل إسمه في قائمة الوزراء، هي أن أسألهم قائلة " أفندم. هل يمكنني أن أسأل عما إذا كان الموما إليه من رعايا الدولة العراقية أم لا"، فيكون الجواب " أفندم، كلا إنه من رعايا إيران" وعند ذاك أذكر لهم إنه في هذه الحالة لا يمكنه أن يشغل منصباً في الحكومة العراقية". [20]

والحقيقة، أن السبب الذي دفع شيعة العراق إلى التجنس بالجنسية الإيرانية هو للتخلص من الخدمة العسكرية للدولة العثمانية التي كانت تجند العراقيين من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18-45 سنة وتسوقهم إلى جبهات القتال المختلفة. لذا فإن ذلك التجنس يجعلهم في نظر الدولة أجانب يتعذر عليها تجنيدهم.

5.     إنزعاجها من المراجع الشيعية:

 كتبت بيل في رسالتها المؤرخة 3 تشرين الأول 1920، تقول: "إن المجتهد الأكبر الحالي يسير مترنحاً الى قبره -كان من المؤسف جداً أن يحول دون وقوعه قبل سنة، حينما أنقذه ضابطنا الطبيب في النجف- وقد أتى بعده مجتهد أكثر تفتحاً وتنوراً منه، فهناك أناس من هذا القبيل حتى بين المجتهدين." [21]

ثم تذكر بإسهاب إنزعاج الإدارة البريطانية من المرجع الشيعي محمد الصدر فتقول في رسالتها المؤرخة 20 تموز 1921 "إن معكر صفو السلم هو السيد محمد الصدر، وهو عالم طويل القامة، أسود اللحية، ذو تقاسيم شريرة، قفز الى الظهور البغيض بصفته رئيس المحركين خلال الإضطرابات". [22]

أما عن الشيخ مهدي الخالصي فقد كتبت عنه في عدد من رسائلها ووصفته بأشنع الصفات. ففي رسالتها المؤرخة 22 حزيران 1922كتبت ما يلي: "وقد عطلت وزارة الداخلية إحدى الجرائد -أحسب أنهم كلهم يتقاضون أموالاً من ذلك الغول الهرم الشرير الشيخ مهدي الخالصي (!)، أحد المعممين الذين أريد أن أضعهم في قارورة وأسدها سداً محكماً عليهم". [23] وفي رسالتها بتاريخ 6 تموز 1922 قالت عنه: "وفي صباح الإثنين ذهبت الجماعة المناوئة للانتداب كلها الى الكاظمين لإستشارة كاهنهم، الشيخ مهدي الخالصي، فقال لهم أنه لما كان الملك قد أخل بتعهده حينما أنتخب لتسنم العرش، في أن يحافظ على إستقلال العراق، فإن بيعتهم له أصبحت لاغية. ثم إلتفت الى الحكومة العراقية وقال إنها قبل أن تتشكل كان الإنكليز هم الذين يحكمون البلاد، وما زالوا يحكمونها مع زمرة من المبذرين أضيفت إليهم". [24] وفي رسالة أخرى بتاريخ 16 آب 1922 كتبت تقول: "في اللحظة التي يأتي فيها الأتراك لمحاربتنا وبذل قصارى جهدهم للقضاء على المملكة العراقية أصدر أعنف مجتهدي الشيعة (الشيخ مهدي الخالصي) المعادين للبريطانيين فتوى يناشدون فيها المسلمين بالتبرع للهلال الأحمر -أي صندوق الحرب التركي، كان صدر نوري باشا يغلي يوم أمس بالسخط والنقمة لأنه هو وأمثاله، على ما يقول، لا يستطيعون الإعتراض علنا على ذلك بإسم الإسلام". [25] وفي رسالة لاحقة بتاريخ 31 آب 1922 كتبت تقول: "على إن أعظم ظفر حققه السر بيرسي كان ما إتخذه من تدابير ضد العَالِمين الخطرين في الكاظمية السيد محمد الصدر والشيخ محمد إبن الشيخ مهدي الخالصي. فقد بعث يقول لهما إنه حريص جداً وبصورة دائمة في المحافظة على شرف رجال الدين ولأجل تخليصه من الواجب المؤلم في نفيهما بالقوة، فإنه يشير عليهما بالرحيل الى إيران (لأنهما من رعايا إيران). فغادرا البلاد في ليلة التاسع والعشرين من الشهر". [26] 

وقد كتبت عن مرجع شيعي أخر في رسالة مؤرخة 21تشرين الأول 1923 تقول: "تشكلت وزارة جديدة برئاسة جعفر باشا. وقد بقي نوري السعيد في وزارة الدفاع، لكني أتمنى أن ينتخب عبد المحسن السعدون بك رئيساً للمجلس التأسيسي. تدخلت لأثنيهم عن إستيزار شيعي خبيث كنت على عِلم بأعماله وحركاته منذ 1918 فلم أجدها حسنة". [27] وقد أشار المترجم في هامش الصفحة الى أنها (لعلها تقصد الشيخ عبد الكريم الجزائري، أو سماحة السيد محمد علي بحر العلوم وكان من أقطاب جمعية النهضة الإسلامية السرية في النجف التي كانت سبباً في نشوب ثورة النجف في 1918). [28]

وفي إحدى رسائلها تتمنى أن يصبح قسم من الشيعة عرباً [29] فتقول: "هذا هو موقف الشيعة، وليس بوسع أحد من غير أبناء البلاد أن يهديهم الى الطريق بصورة تدريجية. إني آمل في الأخير أن يُصبح قسم منهم عرباً بالتمام ليسهموا في تمشية شؤون الدولة". [30]


 الشيعة في كل مكان غالباً ما يفضلون الدفاع عن مذهبهم ودينهم بدلاً عن الدفاع على الدولة. وبعد قيام الحرب العالمية الأولى 1914، وبمجرد أن وطىء البريطانيون أرض العراق ونزلوا في البصرة في 9 تشرين الثاني 1914، حتى سارع معظم علماء الشيعة ومجتهديهم الى إصدار عشرات فتاوى الجهاد ضد البريطانيين الكفار ولنصرة الدولة العثمانية المسلمة وبدفع وتأثير من الأتراك.  وفي رسالة مؤرخة 5 تشرين الثاني 1920، كتبت المس بيل تقول: "نحن بأمس الحاجة الى العراقيين الذين خدموا مع فيصل في سورية -إنهم رجال متشبعون بروحية القومية العربية. وإذا ما تعذر كسبهم الى جانبنا أو إتخاذهم حلفاء لنا، فإننا على ما أعتقد سنتعثر ما بين الثيوقراطية الشيعية والبيروقراطية الميالة الى الأتراك". [31]

 وبالفعل، ففي الوقت الذي قرر فيه السُنة التخلي عن الخلافة العثمانية المسلمة والسُنية، ظلّ الشيعة متمسكين بها، وأعلن غالبية علمائهم فتوى الجهاد لمساعدة القوات التركية العثمانية المسلمة رغم إضطهادها لهم، وإختلافهم معهم من الناحية المذهبية، وفضلوا الحاكم المسلم الظالم على الحاكم الكافر العادل.

ويبدو إن فيصل بن الحسين كان مدركاً لتوجهات الشيعة في العراق، وقدّم لهم نصيحة ذهبية موجزة أثناء الحفلة التي أقامتها مدرست شرافت إيرانيان ببغداد يوم الخميس 4 آب 1921 لاستقباله بمناسبة قدومه البلاد وإعلانه ملكاً عليها وقبل تتويجه ب (19) يوماً. وكانت منظّم الحفلة السيد محمد الصدر. وتصف المس بيل تفاصيل الحفلة في رسالتها المؤرخة 8 أب 1921 بقولها: "فقد صادف إن أقيمت حفلة إستقبال في المدرسة الإيرانية، حيث ذهبت كالمعتاد وكان من الضروري أن أذهب الى هناك لان السيد محمد الصدر هو المنظم للحفلة، وكنت أخشى أن تقال فيها أشياء غير مناسبة قد يحول وجودي دون التفوه بها. وقد جاء محمد الصدر قبيل وصول الأمير بقليل، فنهض الجميع عند دخوله – لكني بقيت جالسة بإتزان وحييته بالتحية التي أحيي بها أي إنسان بعد أن يكون قد جلس في موقعه. وأجلِس الى يسار عرش الأمير، بينما كنت أنا أجلس الى اليمين. غير إني نهضت بخفّة ونشاط حينما دخل فيصل. وكانت جميع الخطب والأشعار على ما يرام، إلاّ في الأخير حينما نهض شاب بليد وقرأ قصيدة يدور فحواها حول عرش بيروت وجبل لبنان وما يرغب فيه جميع العرب ... وقد قال (فيصل) قبيل أن ينصرف "إن إجتماعنا هذا يعتبر إجتماعاً خصوصياً، وليست لما يقال فيه أية أهمية سياسية، لكني تأسفت لسماع قصيدة رشيد"، فتضاءل رشيد في مكانه. ومضى يقول "لو كنت أعرف إنه ينوي إلقاءها لمنعته. أرجوكم أن تحصروا أفكاركم جميعاً في قضية تأسيس دولة عربية في العراق، وأن لا تفكروا بأي شيء آخر" فكان لكلماته وقع الكهرباء، إن جميع المدينة تتحدث عنها الآن". [32]

7.     إحتماء المقاتلين الشيعة بالأماكن المقدسة:

في حالات مواجهة القوة القاهرة يلجأ المقاتلون الى الأماكن المقدسة للإحتماء بها ودرء الخطر عنهم إعتقاداً منهم بإن قدسية تلك الأماكن ستمنع العدو من إستهدافهم ومحاربتهم. وقد التجأ (الثوار-المتطرفون) الشيعة بعد محاربتهم للبريطانيين الى الإحتماء بمسجد الكوفة في 8 ذي القعدة 1338، فقصفتهم الطائرات البريطانية وقتلت عدد من الأشخاص. فأصدر المقاتلون الشيعة بلاغاً في اليوم التالي وأرسلوه الى سفارات الدول في بغداد وإيران وتركيا، جاء فيه: الى العالم المتمدن-جناية الإنكليز على المعابد- إلقاء القذائف النارية على مسجد الكوفة-قتل النساك والمتعبدين ... فقد حلقت طياراتها صبيحة أمس 8 ذي القعدة 38 وألقت قذائفها النارية على مسجد الكوفة فقتلت جملة من الأبرياء وجرحت أكثر من عشرين ناسكاً في محاريبهم وقد سقطت إحدى القذائف على امرأتين فتمزقت أعضاؤهما وتمزقت أوصالهما وفتكت بثلاثة أطفال وأخربت المقام المشهور". [33]

وقد كتبت المس بيل عن ذلك، في رسالتها المؤرخة 28 آذار 1918 تقول: "هناك عصابة صغيرة من الأوغاد اللعناء في النجف، كانت تحصل لنا على الدوام مشاكل معهم. والرأي العام جميعه ضدهم لكنهم يحتمون وراء قدسية مدينتهم، ومن الصعب جداً إنزال العقوبات بهم. إنهم يعرفون هذا جيداً، وتنطوي شجاعتهم على إرتكاب الشّر في قناعتهم بأنهم أمنون تجاه أي هجوم يُشن عليهم لان ذلك ستضمن إنتهاك العتبات المقدسة في النجف". [34] 

وهكذا، "كان الإنكليز يعانون في ثورة النجف من.. قدسية النجف في العالم الإسلامي، مما لا يمكن معه ضرب النجف بأي حال من الأحوال".

8.     إنزعاجهم من طقوس عاشوراء:

 إن أهم ممارسة دينية للشيعة هي طقوس العاشر من محرم والمعروفة إختصاراً ب "عاشوراء". وقد شهد البريطانيون هذه الممارسة الشيعية. ومن بين الذين كتبوا عنها بإسهاب المس بيل في رسائلها المشار إليها. ورسائلها تفيض بإنزعاجها من إستخدام السكاكين، وحمل مشاعل النار، ومن منظر الدماء في هذه الشعائر. ففي رسالتها بتاريخ 4 أيلول 1921 كتبت تقول: "كانت الليلة الماضية أول ليلة من ليالي محرم الحرام. وقد غطّت على فوانيس الليدي كوكس في حدائقها أضواء المشاعل الملتهبة التي كانت تحملها مواكب العزاء في الخارج، وهي تستعرض الشوارع بعويلها ولطم الصدور فيها تأبيناً للإمام الحسين".[35]

وفي رسالة لاحقة بتاريخ 11 أيلول 1921، كتبت بيل الى عائلتها تقول: "ربما يكون قد فاتكم أن تلاحظوا أننا الآن في منتصف محرم الحرام، وفيه يستمر الشيعة من أوله الى منتصفه على تأبين الحسين، سبط النبي، وكان قد دعاه العراقيون من مكة ليكون خليفة للمسلمين، لكنه لم يحظ بتأييدهم حينما وصل، وقاتله جيش خصمه معاوية في المكان الذي تقع فيه كربلاء اليوم. وهناك قضى نحبه على مشهد من أتباعه من العطش والجروح، وأستشهد مقتولا في اليوم الخامس عشر.[36] ولم ينج غير ولد صغير من أولاده، فتحدر فيصل من نسله (وكذلك النقيب). وأذكر بالمناسبة أن فيصلا حينما قَدِم الى العراق أتذكر على الدوام قصة جده هذا. فالشبه تام بين ظروف الإثنين. وفي دعوته الى العراق، ورحلته من مكة، ووصوله وحيداً إلاّ من أتباعه الرسميين المرافقين له. وإذا كانت الحوادث قد برهنت على إن المصير كان شيئاً مختلفاً [37] فلأني كنت أقول على الدوام "أبعد الله النحس".[38]

وعادت بيل تكتب ثانية رسائل أخرى لتصف مطولاً مراسيم عاشوراء. ففي رسالتها المؤرخة 17 أيلول 1921(ب) كتبت تقول: "وذهبت لأرى المراسيم في الكاظمية ... وكان هؤلاء فدائيي الحسين، وهم على نوعين: نوع اللاطمين على الصدور العارية وتعتبر ألامهم خفيفة نسبياً، ونوع الرجال الذين يطبرون بالقامات. وحينما كان يسمح لأهل القامات في أيام الترك بأن يفعلوا كما يشاؤون قتل عدد منهم أنفسهم ... وينزف الضاربون بالقامة نزفاً فضيعاً، فينزل الدم على أوجههم، وقد يربت الضارب بيده على رأسه النازف ثم يمسحها بصدريته البيضاء فيحدث مظهراً من التخضب بالدم. وبعضهم تتشبع ملابسه تشبعاً تاماً بالدم من الخلف، لكني لا يسعني إلاّ أن أعتقد بأن جميع هذا الدم لا بدّ أن يكون دم الغير، أي دم الخراف مثلاً. وقد إندفعوا كلهم الى خارج الجامع وهم يلوحون بقاماتهم وسكاكينهم، لكن سرعان ما أخذها منهم بحذق وبراعة بعد إحتجاج البعض، مفتش الشرطة الذي كان قد شرط رؤوسهم في بداية الأمر، من أجل أن يحول دون مضيهم، في نوبة الحماسة، في إيذاء أنفسهم. إن هذا كله شيء وحشي فوق العادة، يكرهون السُنيّون لإعتقادهم بأنه خزي للإسلام".[39]



كما وأوضحت المس بيل وبإنفعال شديد موقفها من الشيعة بالذات قائلة: "أما أنا شخصياً فأبتهج وأفرح أن أرى الشيعة الأغراب يقعون في مأزق حرج. فإنهم من أصعب الناس مراساً وعناداً في البلاد".[40]

وقد إختصرت المس بيل رأيها في فيهم قائلة: "ويجب أن أعتبر سيطرة الشيعة كارثة لا يمكن تصورها". [41] فهل صدقت نبوءتها بعد أكثر من 80 عاماً؟ إن نظرة واحدة إلى عراق اليوم تبين ذلك بجلاء.



 القسم الثاني-الشيعة والإحتلال الأمريكي (2003-2017)

وقد إستمر حكم السُنّة طيلة العهد الملكي برعاية الاحتلال، فالإنتداب البريطاني للفترة منذ قيام دولة العراق عام 1921 وحتى قيام ثورة 14 تموز 1958 في العراق، وتولى الشيعة حكم العراق بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم للفترة من (1958-1963). لتعود بعد للسُنّة ثانية بعد انقلاب 8 شباط 1963 بقيادة المشير الركن عبد السلام محمد عارف ثم أخوه عبد الرحمن، ثم مجيء حكم حزب البعث العربي الاشتراكي للفترة من (1968-2003)، حيث الاحتلال الأمريكي للعراق، وتسليم السلطة للأحزاب الإسلامية الشيعية منذ 2004 وحتى يومنا هذا. وبعد مرور قرابة 15 عاماً على سلطة الأحزاب الشيعية في العراق، تبدو نظرة البريطانيين إليهم محل نظر. وتبدو ملاحظات المس بيل عنهم موضوعية إلى حد كبير. ويبدو قرارهم في عدم منح السلطة لهم وتسليمها لمكون عراقي آخر قراراً صائباً جنب العراق الإنزلاق إلى مهاوي الطائفية والولاء المذهبي وهدر سيادة الدولة وتبديد ثرواتها الوطنية منذ قيام دولة العراق الحديث.

وعلى عكس توجه الاحتلال البريطاني عام 1917، فقد جاء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 بإستثمار فكرة إستبعاد الشيعة في المرة السابقة وحثهم على المشاركة في هذه المرة لترسيخ الطائفية والمذهبية في العراق لتقويض أسس الدولة بعد أن سعى البريطانيون لإقامتها وبناءها في المرة الأولى.

 وقد درس الولايات المتحدة الشيعة عن كثب، وساعدها في ذلك الشيعة الأمريكيون من أصل عراقي. ووجدت فيهم خصائص عديدة تستحق الإستثمار بالإضافة لما توصل إليه البريطانيون قبلهم بمئة عام. فبإستثناء الخصائص العربية والإسلامية والعراقية، فقد وجدوا فيهم ما يلي: -

1. التمرد وعدم الخضوع للسلطة.

2. التخلف في مجتمع عشائري-ديني-مذهبي يُقَدِم الإعتبارات العشائرية ويخضع لسلطة المرجع الديني حتى لو تعارضت مع قواعد القانون، ويميل إلى نصرة المذهب أينما كان.

3. الفوضى وإعتماد القوة لحل خلافاته.

4. حب المغانم والإنقياد للمصلحة الشخصية.

5. التظاهر بالمظلومية.

6. الإستعداد لخيانة المصلحة العامة.

وتثبت مذكرات الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر مدى إستثمار مسألة مظلومية الشيعة التاريخية في الخلافة يوم السقيفة المشار إليه في أعلاه، فكتب بأسلوب تحريضي مخادع، دغدغ فيه مشاعر الشيعة مما قاد الى زرع الطائفية الدينية في العراق لعقود عديدة، حيث يقول: -

"قلت، "دكتور جعفري، إنسجاماً مع قرار الأمم المتحدة، يعتزم الائتلاف إنشاء إدارة مؤقتة بأسرع ما يمكن. ونحن نأمل أن يتعاون القادة المسؤولون في الطائفة الشيعية مع هذا المسعى. ولا شك في أن إرتكاب الشيعة اليوم الخطأ نفسه الذي ارتكبوه في سنة 1920 يعدّ مأساة.

هزّ راسه مقرّاً بما أشرت إليه. ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى، عندما تقدّمت القوات البريطانية داخل مقاطعات الإمبراطورية العثمانية المنهارة، في بلاد ما بين النهرين، أطاع الشيعة العراقيون فتوى مرجعهم الديني بعدم التعاون مع "الصليبين". فهمّش هذا القرار الشيعة من حكم بلدهم. والآن ها هو التحرير يقدّم لهم فرصة جديدة بعد ثمانين عاماً.

بالمقابل، تعاون العراقيون العرب السنّة، الذين تمتّعوا بقرون من المعاملة التفضيليّة، في ظل الحكّام العثمانيين السنّة، مع الاحتلال البريطاني، وبقوا الطائفة المميزة تحت حكم الملكية التي أنشأها البريطانيون أولاً، ولاحقاً في أثناء النظام البعثي.

بدا الجعفري غارقاً في التفكير، فقد تحديته للنزال، وأشرت بوضوح الى أنّ القطار سيغادر المحطة ويرجع الى السياسيين أمر الصعود إليه".[42]

وقد إحتل الأمريكان أرض العراق يرافقهم عدد من الشيعة الذين تجنسوا بالجنسية الأمريكية والبريطانية والسورية. وكان في مقدمة هؤلاء إثنان من الشيعة المتجنسين بالجنسية الأمريكية، وهما رند رحيم-فرانكي وأحمد الجلبي. رند رحيم هي شيعية أمريكية من أصل عراقي أصدرت بالإشترك مع أحد المختصين الأمريكيين وهو غراهام فوللر كتاباً باللغة الإنكليزية بعنوان (The Arab Shi’a: the forgotten Muslims). وهكذا فقد استطاع الأمريكان أن يعيدوا العراق الى صراعات (سقيفة بني ساعدة) لعام 632 م. وشعر الشيعة بان فترة إنصافهم قد حلت وبان الوقت قد حان للأخذ بثأر (الحسين)، فانطلقوا يبحثون عن (يزيد)، وبدءوا يتصرفون على هذا الأساس، مما قاد الى شيوع الانتماء الطائفي وانعدام المواطنة. وبإحتلال العراق عينت رند رحيم سفيرة للعراق لدى واشنطن في تشرين الثاني 2003. إلاّ أن السلطات الأمريكية قد خيّرتها بين الاحتفاظ بمنصبها كسفيرة للعراق أو الاحتفاظ بجنسيتها الأمريكية، ففضلت الخيار الأخير وتركت المنصب في آب 2004 بعد تسعة أشهر فقط. [43]

 أما أحمد الجلبي ويعرف ب "عراب الإحتلال" فقد أظهر ولاءه لإيران بمجرد أن وطئت قدمه أرض العراق، وفي آيار 2003 زار أحمد الجلبي إيران ونقل لها معلومات حساسة، فقلبت له أمريكا ظهر المجن، ولم يتول أي منصب مرموق حتى وفاته، ومازالت الشبهات تحوم حول آخر فنجان قهوة شربه قبل وفاته بساعتين يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2015. [44] ومن المؤكد أن للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في إقحام إيران في المستنقع العراقي، لإنها لن تجد أكثر من إيران عداءً للعراق، وهي كفيلة بالإنتقام منه نيابة عن أمريكا، ليتسنى معاقبتها لاحقاً. ومن دون احمد الجلبي، لم يكن ممكنا حصول التقارب الأميركي-الإيراني والتعاون في العمق الذي قاد الى حرب 2003. فالخطيئة مطلوبة والجزاء مفروض.



جاء الشيعة إلى الحكم محملين بقيح متراكم منذ 14 قرناً، غذّته نظرية متكاملة في الإمامة وولاية الفقيه. فأسقطوا الدولة العراقية التي بنيت منذ ثمانية عقود. وتكفلت مربيتهم الحنون إيران بالإنتقام من العراق في تدمير البنى التحتية للدولة، فقضوا على كل من لم يؤيدهم، بدءا بالبعثيين، ثم السُنَّة، ثم المعارضين لسياستهم، والمنتقدين لعملائهم، ثم الوطنيين من أي دين ومذهب. ثم شرعوا في سرقة ثروات الدولة لتجاوز نظام العقوبات الاقتصادية الدولية المفروض على إيران، بحجج وذرائع شتى، منها التعويض عن خسائرها في حرب الخليج الأولى 1980-1988، دون سند قانوني. ثم توسعوا في إنشاء الميليشيات المسلحة، وهناك اليوم 67 ميليشيا مسلحة في العراق[45]، بحيث أن كل مكونات العراق أصبح لديهم قواتهم المسلحة الخاصة. فمسيحيو العراق -وهم مكون مسالم جداً- قد انشأوا سبع جماعات مسلحة لحماية مناطقهم في ظل غياب سلطة القانون وإضعاف الجيش العراقي[46]، وعلى غرار ذلك، أنشأ الأيزديون في العراق ميلشياتهم الخاصة وهكذا.

أما في مجال التفجيرات، فعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات حديثة، إلاّ أن العراق شهد 65 ألف تفجير خلال بين أعوام 2003 و2009. [47] 

وفي مجال الخسائر البشرية، فقد بلغ العدد الإجمالي لقتلى العنف بمن فيهم المقاتلين 268,000، وفقاً لموقع بريطاني محايد. [48]

أما في المجال المالي، ف "أن موازنات العراق منذ العام 2003 وحتى العام الجاري بلغت 850 مليار دولار، مؤكداً أن الفساد أفقد البلاد 450 مليار دولار ... وبحسب منظمة المسح الدولي ومنظمة الشفافية الدولية، فإن العراق يحتل المرتبة السادسة أو السابعة قبل الأخيرة بدرجة 16 من 100 في مؤشر الشفافية الدولية." [49]

ومنذ بداية كانون الثاني/يناير من العام 2014 وحتى 30 من تشرين الأول/أكتوبر 2017 حددت إدارة الهجرة الدولية وتتبعت عمليات النزوح، ووصلت إلى أن أعداد النازحين في العراق 3 ملايين و174 ألف الذين نزحوا داخل الأراضي العراق. [50]

أما الفوضى فقد شهدت كل المجالات، وفي مجال الإعلام فقط، فقد تجاوز عدد محطات الراديو الـ 52 محطة إذاعية، وبلغ عدد الصحف اليومية الصادرة في بغداد لوحدها ما يزيد عن الـ 150 صحيفة بالإضافة إلى عدد مماثل في بقية المحافظات، وبلغ عدد القنوات الفضائية والأرضية 47 قناة. [51]

لقد أفرزت وقائع الصراع السُني- الشيعي طبيعة كل منهم. وهذه أهم نقطة في طبيعة الشخصية. فالسُني، عند بلوغ الصراع أوَجُه، يلجأ إلى الانتحار من خلال تفجير نفسه على خصومه. أما الشيعي فإنه يلجأ الى جلد نفسه وتعذيبها بشتى الأشكال، وهذا ما نجده أساساً في ممارساته لطقوسه الدينية. وإذا كان السنُي سادياً في تعامله، فالشيعي بدا مازوشياً.  وهذه كانت واحدة من أهم النقاط التي دفعت الأمريكان الى تفضيل تسليم السلطة لهم، لأنهم لا يشكلون ضرراً عليهم وعلى إستراتيجيتهم. [52]

إلاّ أن تغييراً قد طرأ في التوجه الرسمي الأميركي بعد مجيء إدارة ترامب منذ مطلع عام 2017. وظلّ ترامب يردد أثناء حملته الانتخابية، وفي أكثر من مناسبة أن إسقاط نظامي صدام والقذافي كان خطأ، فالعالم كان أكثر أمنًا بوجودهما. وفي وقت لاحق، اعتبر غزو العراق أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة. فهل كان يقصد بذلك منح السلطة للأحزاب الشيعية لحكم العراق؟ لا سيما وأن نتائج ذلك كانت كارثية على العراق والمنطقة بأسرها.

إن المشكلة تكمن أساسا في إقحام الدين بالسياسة، لان ذلك يقود الى تقسيم الشعوب الى طائفتين متعارضتين، هما: المؤمنون والكفار، مما يفقد التعايش والإنسجام المطلوب بين شعوبها. وكما قالت المس بيل قبل قرن تقريباً إذا ما سلمت السلطة إلى الشيعة: ".. ستكون عندك دولة يسيرها المجتهد، وهو أمر خبيث جداً" [53]. وبالفعل، ونظراً لإعتماد المذهب أساساً في إدارة الحكم، فقد ذهب العراقيون يقاتلون خارج حدود الدولة دفاعاً عن المذهب، في سوريا ولبنان واليمن، وصارت وزارة الخارجية تهتم بشؤون أتباع المذهب الشيعي في لبنان والبحرين والسعودية، بل وصل الأمر إلى أبعد مدى فدافعوا عن شيخ شيعي في نيجيريا.

 فهل أدرك العراقيون وفي مقدمتهم شيعة العراق أن هتافهم أثناء انتفاضتهم عام 1991 القائل: "لا ولي إلا علي، المطلوب حكم جعفري"، كان شعاراً لا يصلح لحكم الدولة وإدارة البلاد، وقاد إلى نتائج كارثية لا تقِلُ سوءاً عن نتائج الدكتاتورية، وأن مسألة إقامة الدولة المدنية على أساس المدنية، هو الحل الأمثل.




لوس أنجلس - كاليفورنيا

1 كانون الثاني/يناير 2018    



[1] الاحتلال البريطاني للعراق، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة. 
[2] د. علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق، ج3، ص90-91.
[3] مارك فون لوبكه شوارتس/ أخيم زيغيلو، الإمبراطورية العثمانية ودورها في الحرب العالمية الأولى، موقع دوتشه فيله الألماني في 28.07.2014.
[4] أعتاد المسلمون على تكرار هذا الوصف الديني على أعدائهم لمجرد إتخاذهم موقف صغير تجاههم وأن أعقبته مواقف كبيرة ضد دولهم ومجتمعاتهم. وهذا ما يدل على قصر نظرهم على مصالح ضيقة وآنية. ففي عام 1991 وأثناء هجرة الأكراد نحو الحدود الدولية هرباً من صدام حسين، أطلق الأكراد على الرئيس الأمريكي جورج بوش لقب "حجي بوش" لإنه منع طائرات صدام من مطاردتهم بموجب قرار حظر الطيران. وكذلك سمى المسلمون الشيعة الرئيس الروسي بوتين ب "أبو علي بوتين" لإنه شنّ هجمات جوية على داعش في سوريا عام 2016. يقول علي الوردي: هذا يذكرنا بما فعل نابليون في مصر عندما فتحها في 1798 حيث رأيناه يلبس العمامة ويتحدث عن رؤيته للنبي محمد في المنام. أنظر، د. علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق، ج4، ص21.
[5] د. علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق، ج4، ص127-128.
[6] د. كامل سلمان الجبوري، المواقف المشتركة لعلماء إيران والعراق ضد الغزو الأجنبي للبلاد الإسلامية 1905-1920، ج1، قم 2015، ص92.
[7] د. علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق، ج4، ص233.
[8] حنان ابو الضياء، مهرجان برلين السينمائي يحتفل براسمة حدود العراق "جيرترود بيل"، جريدة الدستور (القاهرة) في 11/فبراير/2015.
[10] علي الوردي، لمحات اجتماعية ج6، ط2، دار كوفان، لندن، 1992، ص90.
[11] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص135-136.
[12] حمزة مصطفى، التساهل في الواقع التربوي يهدد مستقبل التعليم في العراق، صحيفة الشرق الأوسط، العدد 12369 في 9 أكتوبر 2012.   
[13] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص140-141.
[14] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص211.
[16] د. كامل سلمان الجبوري، المواقف المشتركة لعلماء العراق وإيران ضد الغزو الأجنبي للبلاد الإسلامية 1905-1920، ج1، قم 2015، ص 349.
[17] لا يخفى التأثير الإيراني على شيعة العراق، وكذلك الصراع بين حوزة النجف العراقية وقم الإيرانية، ولكن تجدر الإشارة هنا الى أن الكثير من الشيعة آنذاك تجنسوا بالجنسية الإيرانية للتخلص من التجنيد العثماني. وبموجب القرار 166 الصادر في شهر أيار/مايو عام 1980 وعشية الحرب العراقية الإيرانية رحلت الحكومة العراقية العديد من العراقيين بسبب أصولهم الإيرانية إلى إيران وتم إسقاط الجنسية العراقية عنهم وتشتهر تلك العملية باسم "التسفير" أو "التسفيرات". وبعد إنتفاضة الشيعة مطلع عام 1991 ضد نظام صدام حسين، إلتجأ الكثير منهم الى دول أخرى، وتجنسوا بجنسيات كالبريطانية والأمريكية والفرنسية والكندية وغيرها، وعادوا متسلطين منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
[18] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص240.
[19] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص246.
[20] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص250.
[21] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص212.
[22] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص359.
[23] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص463-464.
[24] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص467.
[25] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص494.
[26] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص503-504.
[27] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص562.
[28] ن. م.
[29] ربما تقصد المس بيل الولاء المذهبي والتعاطف الروحي للشيعة مع إيران، لأنهم في الحقيقة عرب أقحاح، وعشائرهم عربية أصيلة.
[30] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص241.
[32] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص380-381.
[33] وثائق الثورة العراقية الكبرى، مقدماتها ونتائجها 1914-1923، إعداد وتحقيق كامل سلمان الجبوري، ج4، ط1، بيروت 2009، ص11-12.
[34] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص83.
[35] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص404.
[36] وقعت المس بيل في أخطاء فادحة في مقتل الحسين، منها إن خصمه كان معاوية، والحقيقة إنه يزيد إبن معاوية. كما إنها تكرر في أكثر من موضع إنه قتل يوم الخامس عشر، في حين إن الحدث كان يوم العاشر من محرم لذا يدعى "عاشوراء". كما إن الملك فيصل من نسل الحسن وليس الحسين.
[37] لم يكن مختلفاً كثيراً وإن تأخر بعض الشيء. فقد جرى قتل العائلة المالكة في العراق صبيحة ثورة 14 تموز 1958 وفي مقدمتهم الملك فيصل الثاني وهم يحملون المصاحف، وجرى سحل العديد منهم في شوارع بغداد.
[38] العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص406.
[39] المصدر السابق، ص411-414.
[40] حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية في العراق، فرنسا عام 1989، ص134.
[41] علي الوردي، لمحات اجتماعية، ج5، حول ثورة العشرين، القسم الأول، لندن، ط2، عام 1992، ص196.
[42] بول بريمر، عام قضيته في العراق، ترجمة عمر الأيوبي، بيروت 2006. ص 108-109.
[43] د. رياض السندي، أسباب الانهيار السريع للسلطة في العراق، موقع الحوار المتمدن-العدد: 4536 - 2014 / 8 / 7.
[44] ففي 23 من أيار (مايو) عام 2003، كتبت صحيفة «نيويورك صن» مقالا بعنوان: «كيف تخسر الأصدقاء»، علقت فيه على غارة قام بها جنود أميركيون في بغداد على مقر المؤتمر الوطني العراقي الذي يرأسه احمد الجلبي، وكيف أن مراسلها الذي كان موجودا أثناء الغارة قال للجنود: (إن من تكبلونهم الآن، هم من الموالين لأميركا)، فرد أحد الجنود قائلا: «بعد اليوم لن يكونوا موالين». الاتهامات الموجهة للجلبي كثيرة وأخطرها هو مدى عمق علاقته بإيران والمسؤولين فيها. وقد ذكرت شبكة «سي. بي.. إس» الأميركية في 20/4/2004 إن مكتب مكافحة التجسس يحاول معرفة من زود الجلبي بمعلومات أمنية سرية، قام الأخير بنقلها الى إيران. وحسب الشبكة، فان تلك المعلومات حساسة الى درجة قد تعرض، في حال كشفها، حياة الأميركيين للخطر. أنظر، قراءة في صفحة سجل سوابق أحمد الجلبي: ما لم يكشف بعد من أفعال أحمد الجلبي الشائنة، موقع دنيا الوطن، في 2004-06-24.
[45] صالح محمد، ما هي المليشيات الشيعية المقاتلة بالعراق؟ موقع عربي21، في 03 نوفمبر 2016.
[46] د. رياض السندي، مَنْ يُمثّل مسيحيي العراق؟ موقع الحوار المتمدن-العدد: 5577 - 2017 / 7 / 10.
[47] العراق شهد65 ألف تفجير خلال بين أعوام 2003 و2009، موقع صحيفة رووداو الكردية، في 24/10/2014.
[48] https://www.iraqbodycount.org/.
[49] علي العزاوي، الفساد بالعراق يلتهم 450 مليار دولار خلال 12 عاماً، موقع العربي الجديد، في 18 أغسطس 2015.
[50] جاسم الشمري، النازحون في العراق منسيون في عين العاصفة، موقع نون بوست، في 10 ديسمبر2017.
[51] شبكة الإعلام العراقي، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
[52] د. رياض السندي، حكم الشيعة في العراق (البزوغ والأفول)، موقع أخبارك، في 12 فبراير 2017.     
[53] رسالة بتاريخ 3 تشرين الأول 1920، أنظر، العراق في رسائل المس بيل، مصدر سابق، ص212.

السفير المهرج

السفير المٌهرّج
                                                                                       

 د. رياض السندي


     اثار خبر تناقلته وسائل الاعلام يوم  9 / تموز / 2014 حول ابلاغ سفير العراق لدى الأمم المتحدة في نيويورك محمد علي الحكيم في رسالة موجهة للأمين العام بان كي مون  بتاريخ 30 / حزيران / 2014  بان حكومة بلاده فقدت السيطرة على منشأة سابقة للأسلحة الكيمياوية لصالح مجموعات مسلحة وانها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها الدولية لتدمير المواد السامة هناك . وان منشاة المثنى ( 72 شمال غربي بغداد ) قد سقطت في 11 من يونيو / حزيران وان بقايا برنامج سابقة للأسلحة الكيمياوية موجودة في غرفتين محصنتين تحت الأرض هناك ". وان كاميرات المراقبة قد رصدت فجر الثلاثاء 12يونيو / حزيران نهب بعض المعدات  وأجهزة المشروع قبل ان يعطل المسلحون نظام المراقبة ، ردود أفعال كبيرة.

    وكعادتها فقد سارعت وسائل الاعلام الى تناقل الخبر الذي كان مصدره وكالة رويترز للأنباء يوم الثلاثاء 8 تموز الجاري بان سفير العراق لدى الأمم المتحدة في نيويورك محمد علي الحكيم قد بعث برسالة ( مذكرة رسمية )مؤرخة في 30 حزيران 2014 الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ان منشأة المثنى شمالي بغداد سقطت في 11 يونيو / حزيران بيد المسلحين. وأضاف ان بقايا من برنامج سابق للأسلحة الكيمياوية موجودة في غرفتين محصنتين تحت الأرض هناك . واستنتج السفير المذكور ان الدولة التي يمثلها قد أصبحت عاجزة عن السيطرة على الوضع الأمني حاليا , وان العراق غير قادر على الوفاء بالتزاماته الدولية لتدمير الأسلحة الكيمياوية بسبب تدهور الوضع الأمني، مضيفا ان العراق سيستأنف التزاماته عندما يتحسن الوضع الأمني ولشعبه السيطرة على المنشأة . 

    وتطور الخبر ليصبح مثل كرة الثلج، وسرى سريان النار في الهشيم  , فنقلت صحيفة السفير اللبنانية يوم 9 / تموز ان العراق يؤكد سقوط منشأة كيمياوية سابقة . ونقل تلفزيون ( دويتشه فيله ) الألماني يوم 9 تموز الجاري ان بغداد تؤكد سيطرة " ارهابين" على موقع كيمائي مؤكدة ان المشروع السابق يعود لعهد صدام حسين وعجز الحكومة على تدمير ترسانتها الكيمياوية حاليا. وتبعها موقع سويس انفو في نفس اليوم , ثم قناة الجزيرة القطرية , ثم قناة الشرقية العراقية . وأضافت قناة البي بي سي العربية الى ان المجمع يضم بقايا صواريخ محملة بغاز الاعصاب " السارين " وغيرها من غازات الاعصاب القاتلة .
     ثم نقلت لاحقا صحيفة الواشنطن بوست عن وكالة الاسيوشيتد برس في 10 حزيران بان الحكيم قال بان مواد  نووية قد تمكن الإرهابيين مع توافر خبرة إضافية أو بإضافتها الى مواد أخرى لاستخدامها بأعمال إرهابية أو تضيع أسلحة دمار شامل . وأضاف بان المواد قد تهرب الى خارج العراق وطلب المساعدة ل "تفادي التهديد باستخدامها من قبل الارهابين داخل العراق او خارجه ". وفي رسالة وزعت الثلاثاء ، قال الحكيم بان مجموعة الدولة الإسلامية قد سيطرت على منشأة سابقة حيث تضم بقايا 2500 صاروخ كيمياوي تعود لعقود خلت مع غاز عامل الاعصاب القاتل السارين كانت مخزونة منذ  فترة طويلة مع غيرها من عوامل الحرب الكيمياوية.

     ثم نقلت قناة العالم الإيرانية يوم 10 تموز الجاري بان السفير العراقي لدى المنظمة محمد علي الحكيم قال بان " حوالي 40 كيلو غراما من مركبات اليورانيوم كانت موجودة في جامعة الموصل ".
     وسرعان ما نقلت كل مواقع الانترنيت المعنية هذا الخبر على علاته , فنشرت شبكة اخبار العراق ان حكومة المالكي في اعلان لها عاجزة عن توفير الامن في العراق . وهكذا جرى موقع واي نيوز، وحتى مواقع أخرى مثل البعث نت , والبوابة نيوز, وموسوعة القوة الصامتة، مع أخطاء فاضحة , فموقع البعث نت وضع صورة سفير العراق في واشنطن لقمان عبد الرحيم الفيلي بدلا من صورة سفير العراق في نيويورك محمد الحكيم. ووضع موقع البوابة نيوز صورة شخص اخر تحت اسم محمد علي الحكيم . فيما نشرت مواقع أخرى صور سابقة للمنشاة المذكورة قبل اكثر من عقد من الزمن. 

     ويثير هذا الخبر المستند على رسالة السفير العراقي إشكاليات قانونية وسياسية كبيرة وتقود الى استنتاجات خطيرة ابرزها : -
1 . ان العراق يمتلك أسلحة دمار شامل رغم عجز الأمم المتحدة وفرق تفتيشها لأكثر من 13 سنة من التقصي والتفتيش وكذلك عجز الولايات المتحدة عن اثبات ذلك منذ 11 سنة من البحث داخل العراق .
2 . ان العراق قد انتهك التزاماته المقررة بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية لعام 1993 والتي دخلت حيز النفاذ عام 1997, وانظم اليها العراق في عام  2009 ليصبح الدولة العضو رقم 186 من مجموع الأعضاء ( 190 ) دولة .
3 . ان العراق لم يتقيد بالتزاماته الدولية تجاه المجتمع الدولي ومنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية ( OPCW)  ومقرها لاهاي في هولندا , ولم يدمر جيع مخزوناته من الأسلحة الكيمياوية ولم يخضع لنظام التحقق الشامل ولم يمتثل لإجراء ( التفتيش  بالتحدي ) الذي تجريه الوكالة الدولية بشكل مستعجل بمجرد قيام الشك على ذلك. وهذا مضمون  ما صرح به السفير الحكيم  بإقراره بعدم قدرة بلاده على الوفاء بالتزاماتها بتدمير الأسلحة الكيمياوية.
4 . ان الوكالة الدولية قد قصرت في واجباتها ولم يوفد المدير العام للمنظمة الدولية أي فريق تفتيش لضمان تقيد الدولة الطرف بالالتزامات المقررة بموجب الاتفاقية أعلاه، في الوقت الذي لا تملك الدولة حق رفض مثل هذا الفريق أو غيره .
5 . ان تصرف السفير العراقي هو تجاوز لاختصاصاته الوظيفية حيث ان المعني بهذا الامر هو ممثل العراق لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي السفير سعد عبد المجيد إبراهيم العلي الذي لم يصرح أو يعلق على الموضوع في ظل هذه الفوضى الإعلامية والصخب الدعائي .
6 . ان منظمة حظر الأسلحة الكيماوية كجهة راعية لاتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية لعام 1997 , لم تصرح بشي حول الموضوع ولم يصدر عنها أي تعليق ولم ينشر أي شيء على موقعها الالكتروني، وكأنما هذا الصخب لا يمت الى الواقع والحقيقة بأية صلة . وان السفير العراقي قد احدث هذه الضجة المفتعلة من باب التباهي والظهور الإعلامي بشكل مهرج .
    وأخيرا جاء القول الفصل والكلمة الحاسمة من بغداد  عاصمة السفير , حيث صرح علي الحيدري عضو التحالف الوطني , الأربعاء 9 تموز بانه لا صحة لتصريحات سفير العراق لدى الأمم المتحدة واعتبر تصريحات سفيره الاممي " مدفوعة الثمن " او كما يعرف بالإنكليزية  ( paid statement ) وهذا ينطوي على شك في ان يكون السفير المذكور قد تقاضى مبلغا من المال من جهة معينة لقاء هذا التصريح .

    وقد قال الحيدري في حديث ل " السومرية نيوز " , ان تصريحات سفير العراق لدى الأمم المتحدة محمد علي الحكيم بشأن سيطرة مجموعات إرهابية مسلحة على منشاة المثنى الكيمياوية شمالي بغداد عارية عن الصحة " . مشيرا الى ان العراق لا يمتلك أي سلاح او نشاط كيمياوي  حتى لغرض التدريب " .
   وأضاف الحيدري " نحن تداولنا ذلك الموضوع داخل التحالف الوطني وتم الاجماع على ان ذلك التصريح بحاجة الى إعادة نظر وتدقيق من قبل المسؤولين في بغداد " لافتا الى وجود جهات معادية للعراق دفعت للحكيم للإدلاء بهذا التصريح المدفوع الثمن .
   ثم الحقته  وزارة الخارجية العراقية ( دائرة السفير المذكور ) بتوضيح خلا من اسم السفير الحكيم مبينة ان وسائل الاعلام قد تناقلت بلغة محرفة ومبالغ فيها , حول وجود أسلحة كيمياوية ومواد تدخل في أسلحة الدمار الشامل في العراق .... مشيرة الى التزام العراق بالاتفاقات الدولية ( التي من ضمنها بطبيعة الحال اتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية ) , وما يفرضه الدستور العراقي لعام 2005 بمنع حيازة ونقل واستخدام وتخزين أسلحة الدمار الشامل والمواد الداخلة في صناعتها ( المادة 9 الفقرة أولا / هـ  من الدستور) . 

    ومنذ ظهور التصريح للوهلة الأولى , فقد استعانت وسائل الاعلام بخبراء مختصين من الأمم المتحدة أولا ومن الاختصاصيين في مجال الأسلحة الكيمياوية واسلحة الدمار الشامل في مؤسسات الدفاع . فوكالة رويترز التي نقلت التصريح أولا، قد استأنست برأي الاميرال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الذي قال : مهما كانت المادة الموجودة هناك فانها قديمة جدا وليس من المرجح ان يتنسى الوصول اليها أو استخدامها ضد أي شخص الان .
   وكانت المتحدثة باسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية جيل تودور قد ردت على رسالة سفير العراق الحكيم وقللت من التهديد المذكور.
   
 وأشارت الوكالة الدولية الى ان المواد المذكورة محدودة القيمة ولا تشكل أي خطر امني او انشطار نووي . بحسب وكالة الاسيوشيتد برس . كما صرح مصدر بالحكومة الامريكية على دراية بالموضوع ان المواد المذكورة من غير المعتقد انها يورانيوم مخصب ، لذلك سيكون من الصعب استخدامها لتصنيع السلاح . وقال مسؤول امريكي اخر على دراية بالمسائل الأمنية انه لا علم له بان هذا التطور يثير ازعاج لدى السلطات الامريكية ( بحسب موقع واي نيوز ).
    ولمعرفتي الشخصية بهذا السفير وهو من مواليد 1952 درس في بريطانيا وأميركا ويتمتع بالجنسية الامريكية  وواحد من الذين جاءوا الى العراق مع الحاكم المدني بول بريمر عام 2003 , عين وزيرا للاتصالات في حكومة اياد علاوي لمدة ستة اشهر , بعد ان كان يعمل لدى شركة برمجيات في مدينة بوسطن الامريكية واسمها  (Boston technology corporation) وعين سفيرا في مركز الوزارة منذ عام 2006، نقل عام 2010 كممثل للعراق في جنيف وارتكب هفوات كبيرة هناك، واساء الى دبلوماسيين كثيرين  أدى الى نقل العديد  منهم وخاصة من السنة .وقادت تصرفاته الى مشاكل كثيرة للعراق منها هجومه على جامعة الدول العربية في اول اجتماع له معها في نيسان 2010 مما أدى الى تشنج مجلس سفراء الدول العربية في جنيف بحيث تعذر عليه المشاركة في الاجتماع التالي. وتحدثه بصيغة ( المجتمع الدولي ) في العديد من اجتماعات السفراء في جنيف , فرده سفير صربيا ذات مرة قائلا بانه لم يرشحه احد لرئاسة كل دول العالم ولو رشح فانه اول من لن يصوت له . ومرة أخرى في لقاء عقده رئيس مجلس حقوق الانسان ممثل تايلاند في المجلس السفير سيهاساك عام 2011مع رؤساء المجموعات الإقليمية لبحث موضوع تقييم عمل مجلس حقوق الانسان وموضوع ليبيا. فبدأ يتحدث باسم كل الدول ويرفض أي مقترح وانه باسم جميع الدول يعلن بانها لن تقبل بذلك . فتقدمت سكرتيرة المجلس لتطلب منه الحديث وفقا لصلاحياته الوطنية أو ما يسمى بلغة الدبلوماسية (National Capacity).
    
 وعلى الصعيد العراقي ، كان يجيد اللعب على الجميع , ففي كل زيارة الى العراق يلتقي بكتل سياسية وشخصيات مختلفة متجاوزا كل الأصول الوظيفية كما لو كان وزيرا للخارجية. وفي احدى زياراته الى العراق، زار السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كوردستان العراق بتاريخ 14 تموز 2011 , ونشر اللقاء مصورا على موقع حكومة  إقليم كوردستان . وقد نبهت شخصيا وزارة الخارجية  الى تصرفات هذا السفير الا ان ردّهم كان سلبيا . وقد نشرت مقالا على موقع كتابات بتاريخ 1 / 5 / 2014 بعنوان ( سفير ضد الدولة التي يمثلها ) حول واحدة من اعقد الإشكالات القانونية التي ادخل هذا السفير العراق فيها . ولم يهتم احد في حينها ، أمل ان يصدقوني الان , لاني مازلت مقتنعا ان ما بني على الباطل باطل ولن يصّح الا الصحيح ولو بعد حين . 

ملاحظة: هذا السفير قد أصبح في ظل حكومة عبد المهدي الطائفية الفاشلة وزيراً للخارجية في تشرين الأول/أكتوبر 2018، وأثبت هو الآخر اخفاقاً كبيراً في إدارة ملف السياسة الخارجية مما قاد الشعب إلى القيام بثورة شعبية شاملة في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019على هذه الحكومات الفاشلة والفاسدة والعميلة والتي جاءت مع الإحتلال الأمريكي. 

الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...