السبت، 2 نوفمبر 2019

مسلسل الفساد لسفير العراق في نيويورك


على هامش استجواب وزير الخارجية



مسلسل الفساد لسفير العراق في نيويورك



د. رياض السندي



قبل أيام من موعد إستجوب وزير الخارجية إبراهيم الجعفري أمام البرلمان العراقي عن سلسلة من الفضائح التي عصفت بأغلبية السفارات العراقية في الخارج، تطفو على السطح سلسلة فضائح جديدة بدأت تتكشف خيوطها شيئاً فشيئاً تتعلق بسفير العراق لدى الأمم المتحدة في نيويورك محمد علي الحكيم (أمريكي الجنسية). وقبل الدخول في تفاصيل هذه الفضائح، تجدر الإشارة الى سيرة هذا السفير بنبذة مختصرة.

دخل محمد علي الحكيم العراق بصحبة الحاكم المدني للعراق بول بريمر السيء الصيت في حزيران 2003. فقد كان أحد العراقيين الذين أهلتهم المخابرات الأمريكية لحكم العراق. وهو في الأصل من محافظة النجف، تخرج من كلية الهندسة في بغداد، وذهب الى لندن للدراسة، ثم إنتقل الى الولايات المتحدة ليقيم في كاليفورنيا ثم ينتقل الى مدينة بوسطن للعمل لدى شركة بوسطن للتكنولوجيا. تزوج من أمريكية من أصل إيطالي وأنجب منها ابناَ واحدا يقيم في الولايات المتحدة يحمل اسمين الأول اسماً المانيا والثاني اسما عربيا شيعيا، سرعان ما انتهى الزواج بالطلاق. لا يجيد العربية ولكنه يتقن الإنكليزية. لذا لم يستطع نشر سيرته الذاتية بالعربية بل وضع على موقع السفارة الرسمي سيرته بالإنكليزية فقط، وتجنب الإشارة الى حالته الاجتماعية، في حين قدم لوزارة الخارجية سيرة مختلفة ذكر في حقل الحالة الاجتماعية بانه (متزوج)، وهذه هي نصف الحقيقة، القصد منها إخفاء النصف الآخر منها.

ولكشف الحقائق كاملة لإزالة الخداع الذي أتقن صنعه في هوليوود لخداع الشعب العراقي البسيط، فإننا سنناقش ذلك بكل شفافية وموضوعية، لبيان جملة المخالفات القانونية التي يقوم بها هذا السفير الذي يفترض به أن يمثل العراق خير تمثيل. وكما يلي: -

أولا. إن سيرة هذا السفير تثبت إنه من مواليد عام (1952)، أي أن عمره الآن قد تجاوز 65 سنة (إذا صح إدعاءه) علما لم يشر الى التاريخ الدقيق موضحاً باليوم والشهر. وكان المفروض أن يحال على التقاعد، لان المادة (10) أولا من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 النافذ تنص على: " تتحتم إحالة الموظف على التقاعد في إحدى الحالتين الأتيتين: عند إكماله (63) الثالثة والستين من العمر وهي السن القانونية للإحالة على التقاعد بغض النظر عن خدمته ما لم ينص القانون على خلاف ذلك". وعلى من أن المذكور ليس له أية خدمة جهادية ليجري له التمديد لخمس سنوات أخرى، إلا إن الوزارة قد مددت له ذلك مؤخرا، وإعتبارا من تاريخ التحاقه بمهام عمله في نيويورك، لا من تاريخ مباشرته في جنيف كسفير، في خدعة مفضوحة، وكأنما أن خدمته هناك لم تكن خدمة رسمية متواصلة.

وهذه هي أول مخالفة قانونية لهذا السفير.

ثانياً. عينته سلطات الاحتلال وزيراً للاتصالات لفترة ستة أشهر عام 2004، باعتباره سبق العمل في شركة للاتصالات، لذا فقد نقل أسلوب المراقبة والتجسس الى كل مجالات عمله. وكان يسجل لقاءاته واجتماعاته الدبلوماسية حتى مع الجامعة العربية والسفراء الأجانب بجهاز تسجيل صغير مخفي.

ثالثاً. انتقل الى وزارة الخارجية بدرجة سفير وعيّن مدير لدائرة التخطيط السياسي عام 2006.

رابعاً. نقل الى جنيف في نيسان 2010، ممثلا للعراق في الأمم المتحدة، وأتذكر أول لقاء له مع موظفي البعثة قال فيها: أنا درست في بريطانيا، وكانت أيام صعبة، جعت فيها كثيراً، وكنت لا أتناول أي طعام تماما في العشرة أيام الأخيرة من الشهر، لان الراتب لا يكفي. فسألته إحدى المستخدمات المحليات، كيف يمكن تحمل عشرة أيام دون طعام. فأجاب: يعني كنت اكل قطعة كعك أو بسكت أو كرواسان أو تفاحة فقط كل يوم.

وهذا الجائع الذي حدثنا عن قسوة جوعه، ظّل طيلة ثلاث سنوات لا يأكل غير السوشي الياباني على حساب الدولة. ومازال حتى الآن يتغدى على حساب هذا الشعب المسكين الذي عليه أن يطالبه لاحقاً بكل هذه الامتيازات التي ليس لها أي أساس قانوني.

وهذه واحدة من ابسط مخالفاته الأخرى في سلسلة من المفاسد الإدارية التي لها أول وليس لها آخر يقوم بها هذا الأجنبي الذي فقد ولاءه العراقي لبلد إحتضنه وأكرمه، إلا انه رد على كرم العراق بلؤم وكراهية وحقد لا مثيل لهما.

خامسا. في جنيف مارس دوره السيء المعتاد في الانتقام من الدبلوماسيين السنة وكتب ضدهم فنقلهم الى ابعد الدول، حيث نقل السكرتير أول بشار صالح إبراهيم الى السنغال، ولم يمض على نقله الى جنيف سنة واحدة، لا بل إن حقده دفعه الى أن ينقل مدير الإدارة (عبد الرحمن نصيف) الى سوريا، وصدر الأمر الوزاري بذلك، إلا إن سفارة العراق في دمشق طلب عدم إرسال أي دبلوماسي إليها لخطورة الأوضاع هناك، فجرى تغيير أمر النقل الى أذربيجان. ولم يقتصر حقده على السنة فقط بل شمل الأقليات، وهكذا ظل يحارب نائبه المسيحي (كاتب هذه السطور) الذي شعر بحجم الفساد في وزارة الخارجية وعدم القدرة على التغيير، فطلب اللجوء السياسي في سويسرا.

سادسا. من خلال سلسلة مقالات نشرها الأخير (د. رياض السندي) في عدد من المواقع الإلكترونية، أضافه لمطالعاته لكل من وكيل الوزارة آنذاك والمفتش العام اللذان لم يحركا ساكنا تجاه واحدة من أشهر قضايا الفساد في عهده، وهي قضية شراء قطعة ارض لبناء مقر جديد لسفارة العراق هناك، والتي تم شراءها لاحقا بسعر يقدر ب (25) مليون دولار في حين إن سعرها الحقيقي هو (9) مليون دولار. ونظرا لان الكثير من المسؤولين في الوزارة كانوا من المشتركين في هذا العقد بحصص مختلفة فقد جرى غلق الموضوع. ويمكن الاطلاع على تفاصيل هذا العقد في مقالنا (باي باي ... هوشيار) الذي تناقلته العديد من المواقع الإلكترونية. وهذا أحد الروابط لذلك.


سابعا. وعلى النقيض من ذلك، كان محمد علي الحكيم يغطي على معظم عقود الفساد في بعثة العراق في جنيف، ومنها قضية تهريب السجائر من بعض الدبلوماسيين والتي كشفت عنها سويسرا مؤخرا على موقعها الرسمي إنفو سويس بعنوان (غرامة مالية ثقيلة لموظفيْن بالبعثة العراقية بجنيف يهربان السجائر ويتاجران بها).

ثامنا. كان محمد علي الحكيم يخطط للبقاء في سويسرا، ونصحه أحد زملاءه العراقيين بالبقاء فيها لأربع سنوات كشرط للحصول على إقامة دائمة، إلا إن الوزارة نقلت بعد مرور ثلاث سنوات لبقاءه في جنيف، ولكونه مواطن أمريكي، فلم يكن من الممكن نقله الى سفارة بلد هو أحد مواطنيها باستثناء النقل الى منظمة دولية، حيث لا يعتبر ذلك تمثيلا لدى الدولة المضيفة.

وحتى في هذه المسألة، فقد تلاعب هذا السفير من خلال احتساب سفرته الى بغداد استقداما رسميا لتدفع له كل نفقات السفرة لمدة عشرة أيام اعتبارا من 31/3 ولغاية 9/4/2013 بحجة إستلام أوراق اعتماده للعمل في المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) في حين إن هذا التمثيل لا يحتاج الى أوراق اعتماد بل الى مذكرة موجهة من وزير الخارجية فقط بخلاف الاعتماد لدى دولة معينة. وصدر الأمر الوزاري بالعدد (3/ش/خ/3202/4051 والمؤرخ في 8/5/2013) أي بعد مرور أكثر من 38 يوما على ذلك السفر لتعويضه بشكل مخالف للقانون. علما إن الكتاب المذكور قد ألغى أمراً وزاريا سابقا بعدم استقدامه بموجب كتاب الوزارة بالعدد (3/ش/خ/3202/2600 والمؤرخ في 24/3/2013).

وهذه مخالفة أخرى تضاف لرصيد هذا السفير.

تاسعا. سعى هذا السفير لهدم الكثير من القوانين العراقية ومنها قانون الجنسية العراقي النافذ عندما دعم مشروع أمريكي مقدم الى مجلس حقوق الأنسان في جنيف يقضي بمنح الجنسية العراقية لكل أجنبي يولد على الأراضي العراقية بغض النظر عن جنسية والديه، رغم كل التحذيرات التي ابلغه بها كاتب هذه السطور والتي نشرتها لاحقا في مقال (سفير ضد الدولة التي يمثلها) والمنشور في عدة مواقع إلكترونية.

عاشرا. قام بتوقيع عقد التأمين الصحي السيء الصيت لثلاث سنوات مع شركة إليانز ألايرلندية (Allianz) بمبلغ (2.018.465.21) مليونان وثمانية عشر الف وأربعمائة وخمسة وستون دولارا وواحد وعشرون سنتا. وجرى الصرف بموجب كتاب الدائرة المالية ح/4/43/1352م في 28/2/2013. وقد وقعه لعام 2012 في 13/10/2013 وبحضور محمد الحاج حمود مستشار وزير الخارجية هوشيار زيباري وراعي هذا العقد المشبوه. وقد الغي هذا العقد لاحقا بسبب الفساد الكبير الذي شاب هذا العقد، والذي بحاجة لدراسة مفصلة. وكان ذلك سببا في حرمان موظفي الوزارة من التأمين الصحي رغم صدور القانون بذلك.

أحد عشر. كان المفتش العام يعلم تماما بكل الفساد الذي يثار حول هذا السفير، وقد قرر القيام بجولة تفتيشية للتحقيق في ذلك عدة مرات، إلا انه كان في كل مرة يتوسط لإلغاء تلك الجولات التفتيشية متباهيا أمام الموظفين بذلك وكيف انه كان يطمأن المحاسب دوماً على إن المفتش العام غير قادر على ذلك وإنه لن يأتي أبداً، ومنها الزيارة المقررة بموجب كتاب الوزارة المرقم 3/بعثات/1993 في 12/11/2011.

إثنا عشر. أحد العقود التي بدأت تطفو على السطح والتي بدأ بكشف خيوطها فريق من العراقيين الغيارى ونعرضه للمرة الأولى، ونرجو من وزير الخارجية والوكيل الإداري والقانوني للوزارة والمفتش العام فيها التحقيق فيه، ألا وهو عقد إيجار شقة لسكن سفير العراق في نيويورك، فبعد نقله الى بعثة العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف وبعد قضاءه أكثر من خمسة أشهر في الفندق، استأجر بتاريخ 25/9/2013 شقة غير مؤثثة تتألف من غرفتي نوم فقط، ومساحتها (1,923ft2)  في (721 Fifth Avenue, New York, NY, 10022)  بإيجار شهري قدره (25000) خمسة وعشرون الف دولار. ويشير موقع الشركة المؤجرة الى إن سعر شقة بغرفتين يتراوح بين 13-15 ألف فقط والعمارة هي أحد أبراج مرشح الرئاسة الأميركي دونالد ترامب، ويمكن الاطلاع على موقعها الإلكتروني ومراسلة مدير الإيجارات فيها (mweiner@trumpic.com). وقد إتضح إن الإيجار الحقيقي لها هو (12000) إثنا عشر ألف دولار فقط. وبالحساب المجرد البسيط فإن هناك هدراً شهرياً يقدر ب (13000) ثلاثة عشر ألف دولار من أموال الدولة العراقية منذ أيلول 2013 حتى الآن بعد مرور 36 شهراً، والتي يقدر إجمال الهدر في هذا العقد فقط (468,000,00) أربعمائة وثمانية وستون الف دولار.

إن مثل هذه الحقائق من شأنها أن تفسر تفشي الفساد في كل مرافق الدولة العراقية، وتعطي تصوراً كاملا عن تقصير وزير الخارجية ودوائر الوزارة الأخرى وفي مقدمتها دائرة المفتش العام.

نأمل أن يضع نواب البرلمان العراقي هذه الحقائق نصب أعينهم وتوضع على طاولة المجلس أثناء إستجواب وزير الخارجية إبراهيم الجعفري الذي يعد سكوته عن كل هذه المخالفات القانونية والكثير غيرها إشتراكاً سلبياً فيها منذ توليه الوزارة في 8/9/2014 وحتى يومنا هذا.



د. رياض السندي

سويسرا

7 تشرين الأول 2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحمير وكلاء الله

  الحمير وكلاء الله أنا أقول دوماً ان فكرة الله هي افتراضية يفترضها البشر باعتبار ان هناك خالق لهذا الكون، اعتمادا على مبدأ ان لكل شيء سبب، ...